من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (5)


عبدالله تركماني
2020 / 6 / 14 - 23:57     

الحامل الاجتماعي للثورة
يبدو أنّ الحامل الاجتماعي للثورة السورية سيكون العامل الحاسم في سيرورتها وآفاقها المستقبلية، وتكمن أهمية مؤشر انخراط مكوّنات وفئات جديدة في فعاليات الثورة، في إمكانية إعطاء الثورة هوامش حراك ومناورة ضرورية وحيوية، تخرجها من وصف " ثورة الريف "، أو " ثورة المساجد "، أو " ثورة الأحزمة العشوائية "، وهو الأمر الذي بقدر ما يعطيها القدرة على الاستمرار والتواصل، يمنحها أيضاً القدرة على تحقيق التمثيل لأكبر فئات المجتمع ومكوّناته، على طريق الحالة الوطنية الشاملة، التي ترتكز إلى استنهاض الشعب، ككتلة سياسية فاعلة، لها مطالب واضحة تخص الجميع وترتبط بالإطار الوطني الجامع وبالمشاركة السياسية.
إنّ السوريين الجدد هم أبناء الحراك الشعبي، وغالبيتهم من الشباب، وقسم كبير منهم من المتعلمين، وعلى رغم أنّ أكثرهم من الرجال، فإنّ قسماً مهماً منهم من النساء، ويتركز وجود هؤلاء جغرافياً بصورة أساسية في الأرياف وفي المدن المتوسطة وعلى حواف المدن الكبرى، ولهذا الانتشار الجغرافي ما يبرره. ففي غالبية هذه المناطق كان السكان مهملين أو على هامش الحياة العامة بمناحيها وأنشطتها، حيث لا أنشطة ولا مشاركة سياسية، وإن حضرت فإنها أنشطة ومشاركات للتسبيح بحمد وشكر السلطة وحزبها، في وقت لا تتوافر فيه الفرصة لأنشطة من ألوان سياسية وأيديولوجية أخرى، كما لا تتوافر الفرصة لأنشطة عامة في إطار المجتمع المحلي أو منظمات المجتمع المدني ومنها الجمعيات التي تهتم بالبيئة أو التنمية وحقوق الإنسان وغيرها.
إنّ الشباب السوري يختزن طاقة نضالية هائلة، وقدرة على إنتاج قيادات بسرعة قياسية، واستعداداً للتضحية لا حدود له. وقد يتمكن، من خلال شعارات تتعلق بالخبز والحرية والكرامة، نراها اليوم في السويداء ودرعا وإدلب والساحل، من إقناع فئات مختلفة من الشعب السوري بالانضمام إلى حركة التغيير، فضلاً عن لعبه دور مؤثر في الدعاية لهذا التغيير من خلال تبادل الرسائل والصور عبر " التويتر " و" الفيسبوك " وبث كل ذلك إلى العالم.
وتعد المجالس المحلية، التي ساهم فيها العديد من نشطاء المجتمع المدني، أحد أهم إفرازات الثورة السورية لتعبيرها عن التحوّل الذي طرأ على طبيعة العلاقة مع المركز من جهة، ولكونها أداة لإدارة المرحلة الحالية والانتقالية من جهة أخرى.
وفي الواقع لا يمكن لربيع الثورة السورية أن يحقق أهداف الشعب في الحرية والكرامة إن لم ينصف النساء اللواتي شاركن في صناعته، وفي صنع التغيير. فبعد تسع سنوات على بدء الثورة وحراكها في الداخل والخارج، آن الأوان أن تنهض النساء السوريات باتجاه مزيد من المشاركة في صنع القرار السياسي كي لا يتشكل مستقبل سورية السياسي بصورة ذكورية عرجاء.
وقد كانت النساء السوريات حاضرات بقوة في التظاهرات السلمية في أحياء دمشق وحمص وحلب وحماه وكل المدن والقرى السورية. كما كان لهن دور كبير في تشكيل التنسيقيات الأولى، وفي كتابة البيانات الثورية، وتصوير الأفلام ونقلها إلى الإعلام وإغاثة المتظاهرين وتشكيل لجان دعم للانتفاضة، وجمع التبرعات المالية، وربط أواصر الوحدة الأهلية عبر التوعية بين الأهالي. والأهم من كل هذا النشاط الملحوظ الذي قمن به في إغاثة الجرحى، والدور الذي لعبنه مع تنسيقية الأطباء. وفي ربط التنسيقيات بين مختلف المدن، وفي قيادة التظاهرات وجدت أكثر من ناشطة تقودها بشكل علني. وعدا ذلك، كان للنساء نصيب كبير من الاعتقال والمطاردة والتعذيب.
ولا يُنسى حجم العبء والألم الذي تمر به اللاجئات السوريات خارج بلدهن، أو النازحات داخله، فقد باتت مئات آلاف الأسر بلا معيل في ظرف من الحرمان الاقتصادي والاجتماعي، وفقدان أبسط معايير الأمان الأسري، مع ازدياد حالة الرفض من المجتمعات الحاضنة للاجئين السوريين.
وفي هذا السياق يقع على عاتق المرأة السورية الجديدة، الأكثر وعياً من بنات جنسها، إقناع بقية النساء أنه في سورية الجديدة لا يجب أن تتنازل المرأة عن مهمة تمثيلها سياسياً وتشريعياً إلى الرجال، وتتركهم يخططون للمجتمع ويسنون قوانينه ويقودونه بمفردهم بما فيها القوانين التي تخصها. عليهن أن يتصرفن كشريكات من حقهن أن يسألن كيف تسيّر الأمور في المجتمع والدولة، لا كتابعات للقادة تمشي مياه السياسة من تحتهن وهن في حالة استسلام لها.
إنّ مشاركة المرأة في القيادة السياسية كعنصر جديد وافد على المشهد السياسي سيرفد السياسة بمقاربات تجدده، تماماً مثل المقاربات التي تحملها مشاركة الشباب وبقية مكونات الشعب السوري المستبعدة، بعد أن كان المشهد محصوراً بميراث من المفاهيم السياسية التقليدية.
وأخيراً سوف تعاني النساء السوريات أكثر، وسيصير عليهن تحمل المهام تلو المهام، بعد إسقاط الديكتاتورية، التي ساهمن في زوالها، وسيكون عليهن النضال على الجبهة الأكثر صعوبة والأقل سرعة في التغيير، وهي حفر بنية مجتمع خارج من استبداد مقنَّع بعلمانية زائفة، ومنفتح على تشدد وتدين يقصي النساء من المشاركة في الحياة العامة والسياسية.
إنّ وجود دستور مدني وتغيير في قانون الأحوال الشخصية، وإنشاء ومأسسة منظمات حقوقية مدنية منذ الآن، تعنى بقضايا النساء وتطالب بحرياتهن، هو الخطوة المكملة لسقوط الاستبداد في سبيل نيل النساء حرياتهن.
إنّ خيار الوطنية السورية الجامعة يمكن أن يضع السوريين في وضع أفضل لمواجهة تحديات المستقبل، إذ إنّ التفكير في المعطيات الراهنة يقتضي التأسيس لتصوّر جديد لهذه الوطنية، يقوم على النظر إلى المكوّنات السورية المختلفة كمكوّنات تأسيسية متساوية الحقوق والواجبات، ويؤسس لامتلاك السوريين دولتهم، ويسهم في تكوّنهم كمواطنين أحرار متساوين.