بصدد حركة بيرني ساندرز ومثيلاتها؟!


توما حميد
2020 / 6 / 13 - 10:08     

تعتبر حركة بيرني ساندرز، بنظري، ظاهرة مهمة في تاريخ أمريكا المعاصر. لن تنتهي هذه الحركة بفشل بيرني ساندرز عن الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخاب القادمة في أمريكا، ومن المتوقع ان تبرز حركات مماثلة في دول غربية اخرى. لقد برزت مؤخرا نقاشات جادة حول فيما إذا كان يتوجب على الشيوعيين تأييد بيرني ساندرز ام لا. هناك رأي يدعو الى "عدم تأييد بيرني ساندرز" وامثاله لكونه وسيلة لإنقاذ النظام الرأسمالي من الانهيار عن طريق ادخال بعض الإصلاحات والتخفيف من تناقضاته. يقول هذا الرأي، بان من مصلحة الطبقة العاملة و القوى الشيوعية التي تناضل من اجل قلب النظام الرأسمالي وبناء مجتمع اشتراكي، بان لا يفوز بيرني ساندرز بالانتخابات لكي تصبح التناقضات حادة وواضحة للطبقة العاملة. بمعنى اخر يقال بان فوز بيرني ساندرز يمنع او يؤخر الثورة او التغيير الجذري.
ينبغي ان لانتخذ موقف على اساس ايديولوجي بحت، بل على اساس اجتماعي. انه الخطأ ذاته الذي يقوم به اليسار غير الاجتماعي دوماً.
انا على قناعة بان ما من يوم كان النظام الرأسمالي بالهشاشة التي عليها اليوم ولم يكن عجزه وتناقضاته وفشله عن خدمة البشرية بالدرجة التي هي عليها اليوم حيث وصل الفساد والاضطهاد والتمييز وعدم المساواة الى درجات فلكية. وما من يوم كانت حقيقة انه ليس بإمكان اي اصلاح مهما كان حجمه من حل الماسي التي تواجه البشرية واضحة مثل اليوم بحيث اصبحت مسالة تغيير النظام الرأسمالي مسالة ملحة.
بغض النظر عن "اشتراكية" بيرني ساندرز وقصور نقده للنظام الرأسمالي؛ وفي الحقيقة كونه صمام امان لهذا النظام، لقد ساعد ساندرز في جعل نقد الرأسمالية والحديث عن الاشتراكية والبديل الاشتراكي على مستوى المجتمع الامريكي امرا مقبولا و"عادياً". لقد خلق جو إيجابي لطرح البدائل بعيدا عن "شيطنة" الاشتراكيين وفعالي الطبقة العاملة والتقدميين. لقد أصبح من الممكن الحديث عن أمور هي خارج الإطار الذي فرضته المؤسسة الحاكمة وحزبيها واعلامها المأجور ونشط الجدال حول مواضيع كانت غائبة او مغيبة لوقت قريب مثل الرعاية الصحية للجميع، رفع الحد الأدنى للأجور، مجانية التعليم، الحد من عدم المساواة والخ. لقد أصبح واضحا بان السياسة هي ليست السيرك بين الحزبين الحاكمين الذي يتم انتاجه بشكل متقن من قبل الهيئة الحاكمة. لقد انفتح مجال لنقاش كيف يمكن للبشرية من ان تدير امورها بشكل أفضل مما يقوم به النظام الرأسمالي. باختصار، لقد ساهم بيرني ساندرز وحركته بغض النظر عن نيتهما او اهدافهما في خلق وعي كبير في المجتمع.
تمكن بيرني، في خضم طرحه برنامجه الانتخابي من بناء حركة كبيرة، ومن تحفيز الملايين من البشر وجرهم الى هذه الحركة. لقد بين بان الملايين من البشر، بعكس ادعاء الطبقة الحاكمة، يرفضون الرأسمالية والوضع الحالي ويتطلعون للمساواة والعدالة، وليس لديهم تحيز مسبق ضد الاشتراكية، بل يقبلونها. لقد باتت الاشتراكية ليست هذا الشيء السلبي الذي صورته البرجوازية. لقد بين بيرني ان اليسار رغم غياب الأفق، هو قوة حقيقية في أمريكا.
الامر المهم في حملة بيرني ساندرز هو انه عبر مرحلة الكلام، قول الحقيقة، سرد سلبيات النظام، وفضحه، بل عبر الى مرحلة بناء حركة وخلق تيار في المجتمع سوف تستمر وسوف تأتي بشخصيات أخرى بعضها قد تكون أكثر راديكالية من بيرني ساندرز. نعم لقد برز ساندرز بعد ازمة 2008 الطاحنة ولكن يجب ان نعلم ان الازمة ليست كافية للبروز وانه تمكن من البروز وتحقيق هذه الإنجازات رغم كل الذي قامت به المؤسسة الحاكمة وحزبيها واعلامها ضده.
ليس لدينا أي توهم ببريني ساندرز وحركته. بيرني ساندرز وحركته هما نتيجة لضغط اجتماعي ونضال طبقي في المجتمع. لقد برز بيرني ساندرز بعد حركة احتلال وول ستريت. يمثل ساندرز جناح من اجنحة البرجوازية الذي وصل الى قناعة بانه لايمكن ادامة الوضع بالطريقة الحالية، ويجب تقديم بعض التنازلات للطبقة العاملة لكي لاتفلت الامور من اليد. لذا يسعى ساندرز الى بناء دولة الرفاه التي فشلت في السابق واصبح واضحا بان الحل ليس في النضال من اجل اعادة نفس التجربة.
انا اؤمن بان الإصلاحات في المجتمع لا تاتي في الاغلبية الساحقة على يد حركات إصلاحية برجوازية بل من خلال الضغط الاجتماعي الواقعي للطبقة العاملة والجماهير المحرومة من اجل تحسين حياتها. ولكن علينا نحن الشيوعيون النضال من اجل اصغر الإصلاحات الممكنة وتاييد نضال الحركات الاخرى من اجل هذه الاصلاحات بما فيها الحركات البرجوازية الاصلاحية، لان مسار الصراع بين اجنحة البرجوازية تحت ضغط الطبقة العاملة يخلق وعي، يبني خبرة ويطرح قادة ويرفع من سقف توقعات الجماهير. ولكن علينا ان نعلن في نفس الوقت للجماهير بان ما من اصلاح هو الحل، ويجب ان نوضح بان وضع النظام الراسمالي يحتم بان الإصلاحات اما لا تتحقق، او اذا تحققت سوف يتم مصادرتها متى ما تمكنت البرجوازية من القيام بذلك ، لهذا فقد فشل بيرني ساندرز من الترشح مثلا بعد تكالب المؤسسة الرسمية للحزب الديمقراطي ضده رغم كل شعبيته.
ان تأزم النظام وحتى انهياره لا يعني بالضرورة انه سيؤول لانتصار الاشتراكية. ان انهيار نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي وحتى الثورة على النظام هي عملية اجتماعية قبل اي شيء اخر، اي لانتحكم بها نحن الشيوعيون، ولكن عند انهيار النظام تحت تناقضاته وعند اندلاع الثورة، يجب ان يكون الشيوعيون حاضرين لقيادة المجتمع باتجاه بناء النظام الاشتراكي. تحقيق هذا الحضور والبروز كبديل لا يمكن ان يتم في يوم واحد، من خلال اصدار بيان باسم الثورة واتخاذ مواقف من الاحداث والحديث عن التغيير وقوى التغيير والثورة، بل من خلال سيرورة يناضل فيها الشيوعيون من اجل توحيد الجماهير العمالية وتنظيمها والدفع بها صوب ثورتها النهائية عبر مراحل الثورة المتنوعة والمعقدة والشائكة. أي لا يمكن للشيوعيين الوقوف معقود اللسان، بينما يشهد المجتمع صراع بين بيرني ساندرز كإصلاحي وبين جناح مغرق في اليمينية يمثله جو بايدن. يمكن ان يكون لليسار فرصة لان يتحول الى بديل وقت الثورة، عندما يكون واضحا وصريحا مع المجتمع وان يكون قوة معروفة يثق بها المجتمع.
عندما ينهار النظام وتصبح الجماهير في مواجهة وضع متازم، تنظر الى البدائل الموجودة من اجل اتخاذ الخطوة القادمة، وستختار بديلها من بين القوى المعروفة للمجتمع والمتواجدة في الميدان والتي يمكنها كسب ثقة المجتمع. يمكن للشيوعيين ان يكسبوا ثقة المجتمع ويصبحوا ملجا للجماهير وقائد ومرشد لها من خلال الارتباط بهموم المجتمع والنضال من اجل حلول لمشاكله بشكل يومي ومستمر. يجب ان لا يكتفي الشيوعيون بقول الحقيقية وفضح النظام وعد مساوئه، بل يجب ان يكون لهم دور في كل النضالات اليومية المطلبية والاصلاحية. لا يمنع تأييد حركة بيرني ساندرز الشيوعيين باي شكل من الاشكال من قول الحقيقية حول ماهيته الإصلاحية وعن استسلامه في النهاية للمؤسسة الرسمية للحزب الديمقراطي وعن ضرورة الإطاحة بالنظام الرأسمالي من اجل تحقيق الحرية والعدالة.