الجائحة تضاعف اللامساواة!


فهد المضحكي
2020 / 6 / 6 - 11:14     

أدى انتشار كورونا (كوفيد-19) في مطلع عام 2020 لإلقاء الضوء على غياب المساواة على مستوى العالم، تفشي الفيروس بسرعة شديدة ولم تكن العديد من الدول مجهزة للتعامل معه بما فيها الدول المتقدمة وبدت تكلفة احتواء الفيروس أو على الأقل تقعير المنحنى باهظةً، تشير كل هذه العوامل إلى أن أية قرارات سياسية او اقتصادية يتخذها المسؤولون للتعامل مع الأزمة من شأنها التأثير على قدرات مئات الآلاف من الناس في تخطي هذه الفترة، انتشار اللامساواة في أنحاء مختلفة من العالم ليس بجديد، وقد ظهر هذا خلال العقود الماضية في مجالات عدة مثل الرعاية الصحية والأمان الاجتماعي والوظائف والتعليم والخدمات الأساسية، على الرغم من ذلك يختلف الأمر كليًا في الظروف الاستثنائية مثل انتشار وباء، حيث يتضاعف تأثير اللامساواة وتظهر آثاره بشكل أكثر حدة مما اتضح جليًا في عدم قدرة الغالبية العظمى من الأنظمة على توفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية والطبية للفئات الأكثر تضررًا، هذا ما تتصوره اليونسكو في ظل جائحة كورونا.
وإلى جانب ذلك لا يمكن التهوين من دعوتها التي تشير إلى أهمية إعادة النظر في اللامساواة في العالم العربي في ظل انتشار فيروس كورونا
إذا كانت رؤية اليونسكو تتحدث عن عالم لا يتعامل مع الفيروس ككيانٍ واحد كما لا يتساوى تعامل الدول معه، فإن هذا يرجع بشكلٍ أساسي لمستويات التقدم المتفاوتة بين الدول وتفشي اللامساواة ليس فقط بين الدول وبعضها لكن ايضًا داخل الدولة الواحدة.
يؤدي غياب المساواة لتضرر فئات بعينها أكثر من أخرى مثل العاطلين وعمال المياومة والنساء واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والمرضى، بالاضافة لمن يعيشون تحت الاحتلال أو في مناطق حرب أو في دول تشهد انهيارًا اقتصاديًا او قلاقل سياسية.
لهذه الأسباب تتوقع أن يكون تأثير فيروس كورونا أكثر حدة وخطورة في «الجنوب العالمي»، حيث تعاني المجتمعات من أعلى مستويات اللامساواة وعدم الاستقرار، في عام 2019 شهد العالم العربي موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية في عدة دول مثل الجزائر والسودان ولبنان والعراق، وقد اندلعت هذه الموجة بشكلٍ خاص ضد غياب المساواة الاقتصادية والاجتماعية مما ظهر في المطالب التي ركزت على التكاليف المعيشية والضرائب والفساد والرعاية الصحية والتعليم وإعانات البطالة والسكن وحقوق المرأة على سبيل المثال لا الحصر، احتج المتظاهرون على ارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وعدم توفير نظام صحي يمكن للجميع الاستفادة منه والعنف ضد المرأة وفساد النخبة –والمحاصصة الطائفية – وعدم قدرة الدولة على توفير الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية.
بكلام آخر، اندلعت الاحتجاجات ضد الدولة النيوليبرالية التي عمَّقت الفجوات بين فئات المجتمع وأدت إلى زيادة ملحوظة في اعداد المهمشين!.
ويأتي فيروس كورونا ليزيد من معاناة المنطقة العربية التي عرفت بهشاشة الأمان الاجتماعي فيها، بينما لايزال الوقت مبكرًا لتقييم آثار الجائحة على اللامساواة في العالم العربي، فلاشك إن عام 2020 يمثل نقطة تحول عالمية ستشمل بالطبع الدول العربية التي تعاني شعوبها ليس من مشكلة صحية فحسب، بل سياسية ايضًا.
ثمة تساؤلات عديدة تطرحها اليونسكو الهدف منها الوصول إلى تصورٍ مبدئي لهذا التحول ومن بين هذه التساؤلات:
ما هي عواقب توقف الاقتصاد على المستوى العالمي؟ كيف سيختلف تأثير الجائحة من دولة لأخرى؟ كيف سينعكس هذا التأثير على المنطقة العربية بشكل خاص؟ كيف فهم تأثير الجائحة في الدول التي شهدت اندلاع احتجاجات حديثًا مثل السودان والجزائر والعراق ولبنان؟ ماذا عن الدول التي تمر بالفعل بأزمة اقتصادية مثل لبنان؟ وماذا عن ملايين اللاجئين الذين يعيشون في مخيمات في عدة دول عربية؟ كيف يؤثر العزل على عمال المياومة؟ كيف يؤثر انتشار الفيروس على الأمان الوظيفي في المنطقة العربية ذات المعدلات الأعلى عالميًا في بطالة الشباب؟ ما أثر العزل على النساء والأطفال الذين يعانون من العنف المنزلي؟ ماذا عن المشردين؟ وماذا عن الفئات التي لا يتوفر لها رعاية صحية مجانية خاصة في الدول التي تمت فيها خصخصة قطاع الصحة والتي حلت فيها شركات التأمين محل النظام الصحي؟ ما مصير من يعيشون تحت الاحتلال مثل في فلسطين؟ أو من يعيشون في مناطق نزاع مثل سوريا وليبيا أو اليمن؟ كيف يؤثر الوباء على الأنظمة التعليمية وما نتائج التحول المفاجئ للتعليم عن بعد؟ كيف يؤثر كل ما سبق على اللامساواة في المجتمعات؟ وهل تساهم الأعمال الخيرية والتبرعات في تخفيف وطأة غياب المساواة؟ أخيرًا وليس آخر، كيف يؤثر الوباء على فهم معنى العمل خاصة (الأعمال الأساسية) والإنتاج والاستهلاك في مجتمعاتنا؟ تأتي هذه الأسئلة كمحاولةٍ لتقييم الآثار بعيدة المدى لفيروس كوفيد – 19 على المجتمعات العربية.
من وجهة نظر «spueniknews» تعاني معظم الدول العربية من معوقات بنيوية كثيرة تقف حاجزًا أمام أية عملية إصلاح أو هيكلية حقيقية قادرة على «إنعاش» قطاع الصحة، وتعد البنية التحتية الضعيفة من أكبر الإشكاليات سواء على مستوى النقص الفادح في المستشفيات ومراكز الإسعاف أم سوء توزيعها جغرافيًا، حيث تتركز في الغالب حالة من اللاعدالة الصحية!.
كما يمثل النقص في الكوادر الطبية وشبه الطبية نتيجة ما سمي بـ«هجرة الأدمغة» إلى الغرب بحثًا عن حياة أفضل وتخلصًا من ظروف عمل تكاد تكون «قاسية» في ظل منظومة صحية تتغلب عليها البيروقراطية والتعقيد الإداري، وبعبارة أخرى إن الرعاية الصحية في أغلب البلدان العربية تأتي في ذيل الترتيب عالميًا، ويشمل ذلك ضعف مهارات الإطار الطبي وكفاءته وعدم توفير التجهيزات والطرق الحديثة في التشخيص والعلاج، وبعد المرافق الصحية عن المواطنين، هذا ما أشار إليه تقرير لمنظمة الصحة العالمية الصادر في العام الماضي.
باستثناء دول الخليج التي تخصص أموالاً كثيرة للرعاية الصحية والمجال الصحي عامة في حين إن هذا القطاع في معظم الدول العربية يعيش تهميشًا كبيرًا وفقرًا في الإمكانيات.