شغف ينتهي بالموت..


أحمد جميل حمودي
2020 / 6 / 4 - 09:22     

سوف أتحدث في هذا المقال عن قصتي مع القراءة منذ أن استطعت القراءة وحتى اللحظة التي شعرت فيها أن القراءة نهمٌ لا يمكن الشبع منها!
أي الانواع من الكتب التي تستهويني وهل تغلبت كتب الادب على هوايتي بالقراءة أم كان لكتب الفكر والفلسفة النصيب الأكبر من قراءاتي؟
وهل كان للدراسة الأكاديمية في الجامعة تأثير إيجابي أم سلبي على اختياراتي للكتب؟
وهل ثورة المعلومات التي سادت خلال التسعينيات من القرن العشرين وما زالت مسيطرة حتى الآن غيّرت من عاداتي بالقراءة وبتُ صيدا سهلا لمواقع "التواصل الاجتماعي"، والتي تقدم معرفة مختزلة، فضلا عن أن هذه المعرفة قد تكون مزيفة في بعض الأحيان؟
وكم الوقت الذي استغرقه بالقراءة؟ وهل اختلف هذا الوقت بين الذي كنت استغرقه أيام الشباب وبين الآن؟
وهل كانت كتب أوقات الفراغ (قواعد الالعاب، الطبخ، الموضة، الرياضة) تثير اهتمامي أم أنني كنت أعتبرها مضيعة للوقت؟
وما هي خبرتي بالقراءة وكيف أخطط لها؟ وماهي النصائح التي ربما أقدمها للأجيال الجديدة حول عادة القراءة؟

في بلدي الأم لم تكن عادة القراءة سائدة بين الجمهور انما بين نخبة المثقفين، وربما يعود ذلك لارتفاع نسبة الأمية وانخفاض دخل الفرد وهيمنة المهنة والتجارة بين المواطنين لما لها من عوائد أفضل من المهن التي تعتمد على الدراسة بالجامعة، كمهنة المعلم الذي كان يحصل على أجور منخفضة لا تكفي لسد احتياجاته! ولكنني نشأت في بيت يشجع على المعرفة فوالدي كان يخبرني أن الفلسطينيين لما هُجّروا من فلسطين عام 1948 كان لا يحملون الذهب والمال انما يحملون الشهادات الجامعية وهذه القصة المحكية تركت ِفيَّ أثرا عميقا لأن أكون قارئا نَهِمَاً لا يهدأ ولا ينام دون أن يقرأ، وهذا أتاح لي أن أكون شخصا متنورا أنشر النور والتنوير والمعرفة بين أفراد مجتمعي الصغير.

بدأت قصتي الجادة مع القراءة عندما كنت في السادسة عشر وكانت انتقائاتي عشوائية آنذاك حيث كنت متنقلا بين كتب الادب العربي والدين والفلسفة، بدءا من الاغريقية وانتهاء بفسلفة التنوير والحداثة. في هذه الفترة لم يكن يعنيني أي توجه ايديولوجي يحمله مؤلف الكتاب انما كانت قناعتي أن القراءة المفتوحة لكل أنواع الكتب ستجعل من شخصيتي شخصية ناضجة لا تخضع للنمطية أو "البروباغندا الاعلامية" لذا كنت من الصغر شخصا ناقدا لكل ما أراه مخالفا للعقل، ولذلك كان لديّ أعداء كُثر وأصدقاء أَقل بكثير بطبيعة الحال. في هذه الفترة كوّنت من هؤلاء الاصدقاء القليلين، أطلقت عليهم "مجموعة القراء النهمين" حيث كنا نتبادل دائما الكتب فيما بيننا، وقد أثّروا بي وأثّرت بهم. لكنني كنت في هذه الفترة لا أُعير اهتماما كثيرا لقراءة الرواية ولكن دعوة أصدقائي لي بعد ذلك أن أقرأ "الخيميائي" لباولو كويلو و"الحرب والسِلْم" لتولتسوي غيّرت وجهة نظرية حول أدب الرواية، لأصبح مجنونا بالقراءة فكنت أقرأ كل يوم رواية بالعربية لمؤلف عربي أو بالعربية لمؤلف أجنبي، إذ علي أن أعترف أنني لم أكن قارئا للروايات العالمية بلغاتها الأصلية.

امتد هذا النهم إلى أن دخلت الجامعة، والتي برأيي، أي فترة الجامعة، هي التي قضت على متعة القراءة، بعد أن غرقت بكتابة حلقات البحث والسينمارات وحمى الحصول على التقدير العالي في نهاية الجامعة. ورغم ان الدراسة هو نوع من القراءة، ورغم أن الجامعة أعطتني الفرصة للتعرف على مناهج البحث العلمي إلا أنها لم تكن كافية لإشباع نهمي بالتعرف على الأدب والفكر العالمي إنما كانت مرحلة روتينية هدفها أن أتقدم بدراستي لأحصل من بعدها على الجامعة ومن بعدها على الماجستير والدكتوراه في مجال علم النفس والتربية. التخصص الجامعي فتح لي آفاق التعرف على أحدث ما أنتجته الدراسات بعلم النفس والتربية فكنت نهما في هذه الفترة لأقرأ المزيد من الكتب في اختصاصي حتى في أوقات الفراغ!

خلال الموجة الثانية من ثورة المعلومات، كما يحلو لي أن أدعوها، والتي سميت فيما بعد بثورة "مواقع التواصل الاجتماعي" كان للقراءة النصيب الأصغر من عاداتي بالقراءة، فلكيّ أتلافى المصاريف المالية، بعد أن أصبحت "معرفة الانترنت" سهلة المنال، فقد أصبحت بهذه المرحلة متابعا لمواقع التواصل الاجتماعي والتي من خلالها أتزود بالأخبار وأحدث الملخصات عن الانتاج الحديث من الكتب. لا أعتبر الفترة ما بين 2011- حتى الان فترة ذهبية لي في عالم القراءة وانما هي مرحلة فارغة، إلى حد ما، من المضمون، ولكني عليّ أن أستبعد تلك المكتسبات الخاصة بالقدرة على تشريح المجتمعات العربية بعد ثورات الربيع العربي المتتالية. لم يعد لديّ مكتبة كتب كتلك التي كنت أمتلكها في التسعينيات والتي كانت مئات من الكتب في جميع الأنواع فبعد أن تعرضت للاعتقال بين قوسين من قبل النظام الديكتاتوري في بلدي أصبت بصدمة لم أستفق منها حتى الآن.

الآن أفكر بجدية أن أتخلى كليا عن هذه المرحلة (مرحلة مواقع التواصل الاجتماعي) وأبدأ ببناء مكتبة من جميع أنواع الكتب لا سيما بعد اتقاني السويدية، بعد أن أصبحت مواطنا سويديا، وإلمامي بالانجليزية، لأبدأ بمرحلة جديدة من حياتي هذه المرحلة ستكون لها مذاقها الخاص إذ أنها مرحلة ذات تنوع ثقافي، خاصة بعد هجرتي الى السويد التي أعطتني فرصة لأقرأ بعض الروايات السويدية لأكتشف عالما آخر من صور الاستعارة والمجاز والبلاغة اللغوية. ما أفكر به الآن هي موائمة ثقافتي الأم بثقافة المجتمع الجديد لذا سوف أختار كتبا بينها العربية والسويدية والانجليزية.

عاداتي بالقراءة أنني أحب الهدوء في عمق الليل، حيث لا أطفال يصرخون ولا امرأة تشكو! أحيانا أتبع الطرق المنتشرة في القراءة السريعة فضلا عن الكتب المسموعة قبل النوم، ولكن طريقتي المفضلة هي القراءة العميقة والتأمل لما بين السطور. انتقاء الكتاب مسألة شاقة بالنسبة لي، شأنه شأن اختيار الفيلم، فرغم أني أتصفح مواقع مراجعة الكتب مثل موقع http://www.goodreads.com إلا أنني أعتبر أن الاختيار غير الموفق لكتاب يعادل مقلبا من مقالب البرامج الكوميدية! لذا من عادتي أن أستغرق وقتا طويلا لاختيار كتاب، ولا أكتفي بمراجعة واحدة لكتاب. للاسف لا رغبة لدي لقراءة كتب الطبخ والرياضة والموضة وقواعد اللعبة واكتشفت مؤخرا أنني جاهل بهذا النوع من الكتب لذا سأجتهد قليلا لأقرأ القليل من هذه الكتب لتعطيني فرصة للتعرف على مساحات من القراءة ليست موجودة الآن في خريطتي الذهنية.

أما عن الكتب التي أنصح بقراءتها حاليا فهي كتب الادب العالمي بدءاً من كتب الاديب العالمي نجيب محفوظ الذي حاز جائزة نوبل عام 1988 وأهم كتبه ثلاثية القاهرة وأولها رواية "بين القصرين" Palace Walk و كتاب "أولاد حارتنا" Children of Gebelawi وكذلك "مئة عام من العزلة" لماركيز One Hundred Years of Solitude (Gabriel Garcia Marquez: 1969) والخيميائي لباولو كويلو The Alchemist (Paulo Coelho: 1988) و"نشيد سليمان" لتوني موريسون Song of Solomon by Toni Morrison (1977) و"الشيء" لستيفن كينغ IT by Stephen King.