البوعزيزي الامريكي .


قاسم حسن محاجنة
2020 / 6 / 3 - 20:33     

لا أعلم حقاً هل أنا وحدي هو الذي راوده هذا الشعور ، ولكن جريمة قتل الرجل الأسود – الأفرواميركان- جورج فلويد ، أعادت إلى ذهني جريمة قتل محمد البوعزيزي، والتي كانت الشرارة الأولى التي أشعلت الثورات في تونس وعدة بلاد عربية أُخرى ...
لم تكن تلك جريمة القتل الأولى التي ارتكبها نظام بن علي ، بل كانت الجريمة التي لم يعد بالإمكان السكوت عليها وعلى الظلم القاسي الذي تعرض له الشعب التونسي ... وهذا ، في رأيي على الأقل ، ما يحدث من تداعيات لمقتل فلويد على يد رجل شرطة ..
أعتقد بأن موجة الاحتجاجات العارمة في الولايات المتحدة ، والتي بدأت تأخذ شكل ثورة ، ليست بسبب مقتل فلويد فقط ، بل لأن التوحش الرأسمالي لم يعد يُطاق ... إذ لا يمكن أن ينعم ألبعض القليل من أثرياء البلاد بالثروات، بينما يعيش في الولايات المتحدة أربعون مليون فقير معدم ، لا يجدون قوت يومهم ..
كما وليس من المعقول ولا الإنساني بمكان ، أن يعيش في الولايات المتحدة ، الملايين من البشر دون تأمين صحي ، يضمن لهم العلاج الأساسي والبسيط ..
ولا يُمكنُ أيضا ولا بأي حال من الأحوال ، أن يتم التحايل على الفقراء بشعارات الليبرالية والديموقراطية وهم لا يملكون ما يقيم أودهم .
أن مظاهر التمرد ضد النظام الاقتصادي النيو ليبرالي ، تأتي لأن الطبقات المسحوقة هي التي تدفع الثمن باهظا ، بينما يتنعم الرأسمال الكبير بثروات البلاد ...
لقد وصل الجشع المرضي ، لإكتناز الثروات ، ولو على حساب جوع الفقراء ، أقصى مداه في النظام الرأسمالي الأمريكي ، والذي يتخذ الشعبوية له دينا .... فكلمات مثل أمة عظيمة ، مهد الديموقراطية ، بلد الفرص السانحة ، لا تغني ولا تسمن من جوع ...
الشعبوية السياسية الترامبية بالمقابل ، والتي تحاول زرع الفرقة بين الأعراق ولو "من تحت الطاولة " ، وذلك بالحديث عن العرق الأبيض الرفيع والسامي في مقابل الأعراق المتدنية ، كالسود ، الهنود واللاتينيين، لم تعد تجد لها آذان صاغية ... فالذين خرجوا في ثورة عارمة تزلزل أركان الشعبوية الترامبية والنيوليبرالية المتوحشة الجشعة ، هم أبناء جميع الأعراق، وعلى رأسهم البيض طبعا..
ان اميركا ما بعد مقتل فلويد ، لن تعود هي اميركا الشعبوية الترامبية ، بل سيحدث تغيير الحد الأدنى ... وهو تخصيص الميزانيات لأحياء الفقر ، للطبقة العاملة ولغيرهم من الفقراء والمشردين ...
لا يمكن أن تبقى أمريكا دون نظام تأمين صحي للجميع ، فالذين يُعانون من الكورونا هم الفقراء ، في كل العالم ، وتحديدا في الولايات المتحدة ..
الدولة ، أي دولة ، يجب أن تخدم الشعب ، لا أن تخدم طبقة صغيرة من ذوي المليارات ...
في رأيي ، تتجه أمريكا وفي المستقبل المنظور ، إلى تبني سياسات داخلية منحازة الى الطبقات المسحوقة ، بعد ان كرست كل طاقاتها وطيلة قرون عديدة لخدمة ورفاهية قوى الاستغلال والرأسمال ... وإلّا ستتعمق الأزمة ..