الولايات المتحدة الأمريكية، العنصرية تقتل مرة أخرى. بقلم، أنور احمد (كاتب بجريدة المناضل-ة الموقوفة)


المناضل-ة
2020 / 6 / 2 - 09:49     

عمَّ غضب شعبي عارم بدرجة من العمق الشديد مدنا أمريكية عدة تنديدا بجريمة الخنق حتى الموت راح ضحيتها أمريكي من أصول أفريقية قتلته الشرطة. عمت الاحتجاجات مدن أطلنطا، شيكاغو، ميامي، ميلوا كي، نيويورك واشنطن....رغم قرار بمنع التجوال بهدف تفكيك التعبئات واحتواء دينامية الاحتجاج، ما ينبئ بتطور حركة شعبية مناهضة للعنصرية المتجذرة في مفاصل أجهزة الدولة الأمريكية .
البوليس يقتل بدافع العنصرية
يوم 25 ماي انتشرت مقاطع فيديو تظهر مقتل جورج فلويد Gearge Floyd على يد شرطة مدينة Minneapolis. كان الضحية يصرخ "من فضلكم.. من فضلكم.. من فضلكم لا أستطيع التنفس.." في حين كان أحد عناصر البوليس يُحْكِمُ وَضْعَ اِحْدى رُكبتيه على عنق الرجل ويشل حركته على الأرض. عُمُر الضحية 46 سنة وقبض عليه بداخل مطعم بشبهة تزوير. لم يكن مسلحا، وليس في وضع بحيث يمكنه المقاومة بعد تصفيد يديه.
الجريمة الحالية تذكر بحادث مماثل وقع سنة 2014 بمدينة نيويورك حيث قُتل إريك غارنر Eric Garner على يد أحد عناصر البوليس الذي حنقه وهو يصرخ لاهتا "لا أستطيع التنفس الآن" تلك الجريمة التي فجرت حينها احتجاجات جماهيرية وأصبح الشعار المتداول: " لا أستطيع التنفس" وظهور حركة Blak Lives Matter للمطالبة بالعدالة ضد القتلة بعد أن رفضت هيئة المحلفين مقاضاة القتلة في البداية، قبل أن توجه إليهم تهمة القتل بعد الضغط الشعبي.
في ظل جائحة كورونا انتشر فيديو قتل أحمد أربري Ahmad Arbery رميا بالرصاص في مدينة جورجيا على يد مجموعة بيض بينهم شرطي متقاعد، على خلفية الاشتباه بكونه مجرما، في حين أنه كان يمارس تمارين رياضية.
ليست الجرائم المُحَرِّكَة للغضب الشعبي ذاك الا قطرة من بحر جرائم يذهب ضحيتها الأمريكيون من أصول افريقية باضطراد. جرائم مديدة في القدم.. مُذْ غزو العالم الجديد وجلب ملايين البشر من افريقيا كيد عاملة مجانية محرومة من أبسط الحقوق الإنسانية واقامة نظام عبودية مقيت كأحدى ركائز انطلاق الرأسمالية الأمريكية المندفعة للتوسع. ورغم قرون مرت على نهاية الحرب الأهلية الأمريكية وإلغاء العبودية، ورغم انقضاء عقود على ظهور حركة الحقوق المدنية وما انتزعته من مكاسب لصالح الأمريكيين من أصل افريقي، لازالت العنصرية ترشح من مسام الرأسمالية الأمريكية، بل وتوسعت، موازاة مع الصعود الفاشي لنزعة تفوق العرق الأبيض التي يمثلها فوز دولاند ترامب بالرئاسة وتحالفه مع المسيحيين الانجليكانيين وشتى أصناف التنظيمات النازية.
أمريكا نحو اشتداد التناقضات الطبقية
عبر تغريدات متتالية وصف دولاند ترامب المحتجين بمجموعة بلطجية ومخربين من اليسار الديمقراطي المتطرف، متوعدا اياهم بالصد باستعمال الرصاص واستدعاء قوات الجيش لوقف ما يراه فوضى. بعدها عاد ليتذكر أن للقتيل أسرة، وعبر عن تعازيه في الغالب، بإيحاء من مستشاريه لحسابات انتخابية، لا تعبيرا عن مشاعر يفتقدها كيميني عنصري.
حصد كوفيد 19 أزيد من 100 ألف قتيل بما يتجاوز ضحايا البلد إثر الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والعراق واحداث 11 شتنبر الإرهابية، وهي حصيلة ثقيلة لسياسة دولاند ترامب الفاشلة. انهار الاقتصاد الأمريكي بسبب الاغلاق ووقف تاريخي لمبادلات ذات طابع عالمي، وارتفاع البطالة لتصل الي ما يقارب 39 مليون عاطل والأسوء لازال في الأفق.
سيجري تنظيم الانتخابات الرئاسية بعد خمسة أشهر وليس لدى المهووس دولاند ترامب ما يرتكز عليه في حملته القادمة بعد ما لحق الاقتصاد من كوارث. ليس له الا تجنيد قاعدته اليمينية، بدفع خطاب الكراهية والعنصرية إلى أقصاه، ما سيولد مناخا عدائيا سيشهد جرائم قتل أخرى بدافع العنصرية، تقترفها العناصر المتطرفة وقوى البوليس.
بلغت أزمة الرأسمالية درجة من العمق الشديد، ما يجعل استمرار الأخيرة خطرا مباشرا على البشرية، وفي مقدمتها الأقسام الأكثر هشاشة كالمهاجرين، النساء والأقليات. وقد بات النضال المناهض للرأسمالية ولأجل بديل يخرجنا من الأزمة المتعددة الأبعاد؛ اقتصادية، بيئية.. خيارا وحيدا لتلافى البربرية.