تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الثاني)


سمية العثماني
2020 / 5 / 31 - 07:10     

الفصل الثاني: الدولة والثورة -خبرة سنوات 1848- 1851-
1-عشية الثورة
يقول لينين في كتابه أنّ مؤلفيّ «بؤس الفلسفة» و«البيان الشيوعي»، يعودان بالضبط لعشية ثورة سنة 1848 (الثورة البورجوازية الفرنسيّة) وبحكم هذا الواقع نجد فيهما لحد ما، إلى جانب بسط الأسس العامة للماركسية، انعكاسا للوضع الثوري الملموس القائم آنذاك.
قال ماركس في «بؤس الفلسفة»:
«في مجرى التطور ستحل الطبقة العاملة محل المجتمع البرجوازي القديم رابطة لا مكان فيها للطبقات وتضادها؛ ولن تكون ثمة أي سلطة سياسية بمعنى الكلمة الخاص، لأن السلطة السياسية بالذات هي الافصاح الرسمي عن تضاد الطبقات في قلب المجتمع البرجوازي»
ويقول هو وانجلس «البيان الشيوعي» الذي كتباه في نوفمبر سنة 1848:
«عندما وصفنا أعم المراحل في تطور البروليتاريا، تتبعنا الحرب الأهلية المستترة لهذا الحد أو ذاك والجارية في المجتمع إلى الحد الذي تنقلب معه إلى ثورة مكشوفة وتؤسس فيه البروليتاريا سيادتها عن طريق اسقاط البرجوازية بالعنف... رأينا فيما تقدم أن الخطوة الأولى في الثورة العالمية هي تحول (حرفيا: ترقّي) «البروليتاريا» إلى طبقة سائدة، الظفر بالديموقراطية.
تستفيد البروليتاريا من سيادتها السياسية لكي تنتزع بالتدريج من البرجوازية كامل رأس المال وتمركز جميع أدوات الإنتاج في يد الدولة، أي في يد البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة ولكي تزيد بأسرع ما يمكن القوى المنتجة.»
يتحدّث لينين بعد هذين المقتطفين عن صيغة لفكرة من أروع وأهم الأفكار الماركسية في مسألة الدولة، أي فكرة «ديكتاتورية البروليتاريا» (كما غدا ماركس وانجلس يقولان بعد كومونة باريس)، وتحدّث كذلك عن تعريف في منتهى الأهميّة في الفكر الماركسي, وهو «الدولة، أي البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة.»
بدءا بفكرة «الدولة، أي البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة»:
يقول لينين: البروليتاريا بحاجة إلى دولة –هذا ما يكرره جميع الإنتهازيين، والاشتراكيين-الشوفينيين والكاوتسكيين، مؤكدين أن هذه هي تعاليم ماركس و«ناسين» أن يضيفوا؛
أولا: أن البروليتاريا، برأي ماركس، ليست بحاجة إلاّ إلى دولة في طريق الاضمحلال؛
وثانيا: أن الشغيلة بحاجة إلى «دولة»، «أي إلى البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة.»
الدولة هي نوع خاص من تنظيم للقوة، هي تنظيم للعنف بقصد قمع طبقة من الطبقات؛ فأية طبقة ينبغي للبروليتاريا أن تقمعها؟
بطبيعة الحال ينبغي لها أن تقمع الطبقة المستثمِرة وحدها، أي البرجوازية.
إن الشِّغيلة ليسوا بحاجة إلى الدولة إلاّ لقمع مقاومة المستثمِرين، ولا يقدر على قيادة هذا القمع، على تطبيقه عموما، غير البروليتاريا بوصفها الطبقة الوحيدة الثورية حتى النهاية، الطبقة الوحيدة الكفء لتوحيد جميع الشغيلة والمستثمَرين من أجل النضال ضد البرجوازية، من أجل إسقاطها تماما.
تحتاج الطبقات المستثمِرة إلى السيادة السّياسية للإبقاء على الاستثمار، أي من أجل المصالح الأنانية للأقلية الضئيلة وضد الأكثرية الساحقة من الشعب؛ وتحتاج الطبقات المستَثمَرة إلى السّيادة السياسيّة للقضاء التّام على كلّ استثمار, أي لمصلحة الأكثريّة الكبرى من الشّعب وضد الأقلية الضئيلة من ملاكي العبيد المعاصرين، أي الملاكين العقاريين والرأسماليين.
أمّا الديموقراطيين صغار البورجوازيين، أدعياء الاشتراكية فقد استعاضوا عن النضال الطبقي بأحلام التوفيق بين الطبقات، وتصوروا كذلك التحويل الاشتراكي بصورة خيالية وطوباوية، لا بصورة إسقاط سيادة الطبقة المستثمِرة، بل بصورة خضوع الأقلية بشكل سلمي للأكثرية المدركة لواجباتها.
والحقيقة أنّ إسقاط سيادة البرجوازية لا يمكن إلاّ من جانب البروليتاريا باعتبارها طبقة خاصة تُعِدُّها ظروف وجودها الاقتصادية لهذا الإسقاط وتعطيها الإمكانية والقوة للقيام بذلك؛ فبينما تجزئ البرجوازية وتبعثر الفلاحين وجميع الفئات البرجوازية الصغيرة ترص البروليتاريا وتوحدها وتنظمها, فالبروليتاريا بحكم دورها الاقتصادي في الإنتاج الضخم، هي الوحيدة الكفء لتكون زعيما لجميع جماهير الشغيلة والمستثمَرين الذين تستثمرهم البرجوازية وتظلمهم وتضغط عليهم في حالات كثيرة ضغطا أشد من ضغطها على البروليتاريين، ولكنهم ليسوا أهلا للنضال المستقل في سبيل تحررهم.
الدولة، أي البروليتاريا المنظمة بوصفها طبقة سائدة إن نظرية ماركس هذه ترتبط ارتباطا وثيقا بكامل تعاليمه عن دور البروليتاريا الثوري في التاريخ, وذروة هذا الدور هي ديكتاتورية البروليتاريا، سيادة البروليتاريا سياسيا.
لننتقل الآن إلى فكرة «ديكتاتورية البروليتاريا»:
إن تعاليم النضال الطبقي التي طبقها ماركس على مسألة الدولة وعلى مسألة الثورة الاشتراكية تفضي لا محالة إلى الاعتراف بسيادة البروليتاريا السياسية، بديكتاتوريتها، أي بسلطتها التي لا تقتسمها مع أحد والتي تستند مباشرة إلى قوة الجماهير المسلحة؛ إن إسقاط البرجوازية لا يمكن عن غير طريق تحول البروليتاريا إلى طبقة سائدة قادرة على قمع ما تقوم به البرجوازية حتما من مقاومة مسعورة وعلى تنظيم جميع الجماهير الكادحة والمستثمَرة من أجل النظام الاقتصادي الجديد.
البروليتاريا بحاجة إلى سلطة الدولة، أي إلى تنظيم القوة المتمركزة، إلى تنظيم العنف سواء لقمع مقاومة المستثمِرين أو لقيادة جماهير السكان الغفيرة من فلاحين وبورجوازية صغيرة وأشباه بروليتاريين...
ولكن، إذا كانت البروليتاريا بحاجة إلى الدولة بوصفها منظمة خاصة للعنف ضد البرجوازية، فهل من الممكن إنشاء مثل هذه المنظمة دون أن يسبق ذلك تحطيم وتدمير آلة الدولة التي أنشأتها البرجوازية لنفسها؟

2- حاصل الثورة
يقول ماركس في كتابه «الثامن عشر من برومير لويس بونابرت» أنّ الثورة الفرنسية الأولى قد طورت التمركز، ولكنها إلى جانب ذلك وسعت نطاق وصلاحيات السلطة الحكومية وضاعفت عدد أعوانها, أمّا نابليون فقد بلغ بآلة الدولة هذه درجة الكمال, والملكية الشرعية وملكية يوليوز لم تضيفا شيئا جديدا عدا تقسيم للعمل أكبر… وأخيرا وجدت الجمهورية البرلمانية نفسها في نضالها ضد الثورة مضطرة إلى أن تقوي، إلى جانب تدابير القمع، أدوات السلطة الحكومية وتمركزها. إن جميع الانقلابات قد أتقنت هذه الآلة بدلاَ من أن تحطمها فالأحزاب التي خلقت بعضها بعضا في النضال من أجل السيادة كانت ترى في الاستيلاء على صرح الدولة الهائل الغنيمة الرئيسية في حال انتصارها.
إنّ أعظم فكرة وردت هنا هيّ أنّ جميع الثورات السابقة اتقنت آلة الدولة في حين ينبغي تحطيمها وتكسيرها؛ هذه الفكرة هيّ الاستنتاج الرئيسي الأساسي في تعاليم الماركسية عن الدولة؛ وقد شوّهها أبرز النظريين في الأممية الثانية، المرتدّ كاوتسكي تشويهاً.
إذن:
- البروليتاريا لا تستطيع إسقاط البرجوازية إذا لم تستولي في البدء على السلطة السياسية، إذا لم تحصل على السيادة السياسية، إذا لم تحول الدولة إلى «بروليتاريا منظمة بوصفها طبقة سائدة»،
-هذه الدولة البروليتارية تبدأ بالاضمحلال فور انتصارها، لأن الدولة لا لزوم لها ولا يمكن أن توجد في مجتمع خال من التناقضات الطبقية.
ولكن كيف ينبغي أن تتم –من نظر التطور التاريخي- هذه الاستعاضة عن الدولة البرجوازية بالدولة البروليتارية؟

إن ماركس الأمين لفلسفته المادية الدياليكتيكية يأخذ كأساس الخبرة التاريخية التي أعطتها السنوات العظمى، سنوات ثورة 1848-1851؛ وقد طرح هذه المسألة بالذات وحلّها في سنة 1852.
- كيف نشأت تاريخيا الدولة البرجوازية، آلة الدولة الضرورية لسيادة البرجوازية؟
- ماذا طرأ عليها من تغير وتطور في مجرى الثورات البرجوازية وحيال النضالات المستقلة الملازمة للطبقات المظلومة؟
- وما هي واجبات البروليتاريا إزاء آلة الدولة هذه؟
إن سلطة الدولة الممركزة الملازمة للمجتمع البرجوازي قد ظهرت في عهد سقوط الحكم المطلق. وثمة مؤسستان تميزان أكثر من غيرهما آلة الدولة هذه، هما الدواوينية والجيش النظامي.
الدواوينية والجيش النظامي هما «طفيلي» على جسد المجتمع البرجوازي، طفيليّ ولّدته التناقضات الداخلية التي تمزق هذا المجتمع، ولكنهما بالضبط ذلك «الطفيليّ» الذي «يسد» مسام الحياة.
عبر جميع الثورات البرجوازية التي شهدت أوروبا عددا عديدا منها منذ سقوط الاقطاعية، يجري تطوير وإتقان وتوطيد هذا الجهاز الدواويني والعسكري. فالبرجوازية الصغيرة، مثلا، هي التي تنجذب لجانب البرجوازية الكبيرة وتخضع لها لحد كبير عن طريق هذا الجهاز الذي يعطي الفئات العليا من الفلاحين وصغار الحرفيين والتجار وغيرهم مقاعد مريحة وهادئة ومحترمة نسبيا تجعل الجالسين فيها فوق الشعبولكن بمقدار ما تتكرر «إعادة تقاسم» الجهاز الدواويني بين مختلف أحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة (بين الكاديت والاشتراكيين-الديموقراطيين والمناشفة، إذا ما أخذنا روسيا مثلاً).
يتبين بصورة أوضح للطبقات المظلومة والبروليتاريا في مقدمتها عداؤها المستحكم حيال المجتمع البرجوازي برمته . ومن هنا تجد جميع الأحزاب البرجوازية بما فيها الأكثر ديموقراطية ومنها «الديموقراطية الثورية» نفسها أمام ضرورة تشديد تدابير القمع الموجه ضد البروليتاريا الثورية وتعزيز جهاز القمع، أي آلة الدولة بالذات؛ ومجرى الأحداث هذا يحمل الثورة على «تركيز جميع قوى التدمير» ضد سلطة الدولة، يُحملها على أن تضع أمامها لا مهمة تحسين آلة الدولة، بل مهمة تحطيمها والقضاء عليها.

في سنة 1852 لم تطرح بصورة عملية المسألة التالية: بأي شيء يستعاض عن آلة الدولة هذه التي ينبغي القضاء عليها؟ ذلك لأن الخبرة لم تعط في ذلك الحين مادة لهذه المسألة التي طرحها التاريخ على بساط البحث فيما بعد، في سنة 1871 (كومونة باريس), بحيث أنّ الخبرة أدّت سنة 1852 إلى استنتاج ضرورة «تركيز جميع قوى» الثورة البروليتارية على «تدمير» آلة الدولة, أما بم تستعيض عنها البروليتاريا فقد أعطت كومونة باريس مادة حافلة بالعبر في هذا الخصوص.

3- وضع ماركس للمسألة في سنة 1852:
في سنة 1907، نشر مهرينغ فقرات من رسالة وجهها ماركس إلى فيديميير في 5 مارس سنة 1852. وقد تضمنت الرسالة فيما تضمنت المحاكمة الرائعة التالية:
وفيما يخصني ليس لي لا فضل اكتشاف الطبقات في المجتمع المعاصر ولا فضل اكتشاف صراعها. فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون برجوازيون بسطوا التصور التاريخي لصراع الطبقات هذا، واقتصاديون برجوازيون بسطوا تركيب الطبقات الاقتصادي. وما أعطيته من جديد يتلخص في إقامة البرهان على ما يأتي:
1-أن وجود الطبقات لا يقترن إلاّ بمراحل معينة من تطور الإنتاج ؛
2-أن النضال الطبقي يفضي بالضرورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا؛
3-أن هذه الديكتاتورية نفسها ليست غير الانتقال إلى القضاء على كل الطبقات وإلى المجتمع الخالي من الطبقات.
في هذه الكلمات تيسر لماركس أن يفصح بجلاء مدهش، أولا، عمّا يميز تعاليمه بصورة رئيسية وجذرية عن تعاليم مفكري البرجوازية المتقدمين والأكثر عمقا، وثانيا، عن كنه تعاليمه بشأن الدولة.
يركّز لينين على أنّ الأمر الرئيسي في تعاليم ماركس هو النضال الطبقي, هذا ما يقال وما يكتب بكثرة كثيرة, بيد أن هذا غير صحيح؛ وعن عدم الصحة هذه تنتج، الواحد بعد الآخر، التشويهات الانتهازية للماركسية وينتج تزويرها بحيث تصبح مقبولة للبرجوازية... إن حصر الماركسية في التعاليم بشأن النضال الطبقي يعني بتر الماركسية وتشويهها... ليس بماركسي غير الذي يعمم اعترافه بالنضال الطبقي على الاعتراف بديكتاتورية البروليتاريا. وهذا ما يميز بصورة جوهرية الماركسي عن البرجوازي الصغير (وحتى الكبير) العادي. وعلى هذا المحك ينبغي التحقيق من الفهم الحق للماركسية والاعتراف الحق بها. إذ أنّ جميع الانتهازيين والإصلاحيين ناهيك عن جميع «الكاوتسكيين» (وهم أناس يترددون بين الإصلاحية والماركسية) قد أصبحوا تافهين يرثى لهم وديموقراطيين صغار بورجوازيين ينكرون ديكتاتورية البروليتاريا. فكراسة كاوتسكي «ديكتاتورية البروليتاريا» التي صدرت في غشت سنة 1917، أي بعد صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب بوقت طويل، هي نموذج لتشويه الماركسية على نمط صغار البرجوازيين وقد ردّ لينين في كتابه «الثورة الاشتراكية والمرتد كاوتسكي» عن هذه التّشويهات.
إن الانتهازية المعاصرة بشخص ممثلها الرئيسي، الماركسي السابق كاوتسكي، تنطبق تماما على الوصف الذي أعطاه ماركس للموقف البرجوازي، لأن هذه الانتهازية تحصر نطاق الاعتراف بالنضال الطبقي في إطار العلاقات البرجوازية؛ وبعد؛ لن يتفهم فحوى تعاليم ماركس بشأن الدولة إلاّ أولئك الذين أدركوا أن ديكتاتورية الطبقة الواحدة ضرورية ليس فقط لكل مجتمع طبقي بوجه عام، ليس فقط للبروليتاريا التي أسقطت البرجوازية، بل أيضا لمرحلة تاريخية كاملة تفصل الرأسمالية عن «المجتمع اللا طبقي»، عن الشيوعية.
إن أشكال الدولة البرجوازية في منتهى التنوع، ولكن كنهها واحد فمجتمع هذه الدول هي بهذا الشكل أو ذاك وفي نهاية الأمر - ديكتاتورية البرجوازية- على التأكيد, ويقينا أن الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية لا بد وأن يعطي وفرة وتنوعا هائلين من الأشكال السياسية، ولكن فحواها سيكون لا محالة واحدا: ديكتاتورية البروليتاريا.