هل هم شبيبة حزب أم مرتزقة حرب؟


نور الدين مكوار
2020 / 5 / 27 - 21:30     

"منذ زمن غير بعيد جدا كان عدد سكان الأرض مليارين، منهم خمسمائة مليون من البشر، ومليار وخمسمائة مليون من السكان الأصلين، فالأولون يملكون الكلمة، والآخرون يستعيرونها. وبين هؤلاء وأولئك يقوم بدور الوسطاء ملوك صغار ومشترون..."
هذه الكلمات الرائعة التي افتتح بها جون بول سارتر تقديمه لكتاب "معذبو الأرض" للكاتب الفرنسي فرانز فانون، وهو يتحدث واصفا العنف الاستعماري الممارس في المستعمرات وملامح بناء وطن يليق بحجم المعاناة التي عاشها المواطنون. تجربة تنطبق كثيرا على المغرب فالعمل السياسي في المغرب بالشكل الذي يوازي بناء الدولة الحديثة بلورته حركات المقاومة التي انطلقت بعد الحماية ودخول جيوش المستعمر الفرنسي والإسباني إلى المغرب. كان الحس الوطني محرك التكتلات السياسية والتحريرية للبلاد، بعد الاستقلال كان حزب الاستقلال المدرسة الجامعة التي سيتخرج منها اليسار بانشقاق مجموعة من المناضلين المرموقين وتأسيسهم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
آنذاك كان اليسار يسارا ممانعا لا يهادن من أجل المناصب، اليسار الذي قدم شهداء وتضحيات في سبيل الكلمة، وقتها كان وصف "السياسي" تهمة تؤدي بصاحبها في أغلب الأحيان لغياهب السجون دون محاكمة حتى، زمن كان السياسي إما مقاوما أو خريجا لأعرق مدرسة سياسية، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، التجربة السياسية المغربية ليست الوحيدة في سياق البناء والتطور بل مأسسة أي عملية سياسة في البلدان المستعمرة كانت وليدة النضال من أجل التحرير.
السياسة، أيها الأعزاء، مبادئ وقيم ونظرة في أصل الدولة والقانون تجعل المتابع لشأننا السياسي اليوم في حسرة من العملية السياسية التي أصبحت أتفه من لعب العيال. عشرات الأحزاب في المعترك السياسي يجابهون الريح، ويبحثون عن منصب يسمح لهم بالبقاء في الواجهة، أحزاب فاقدة للكفاءات تدفع بنواب ومستشارين لم يحصلوا حتى على شواهد ابتدائية لقيادة وطن، جريمة في حق هذا البلد من أحزاب تدعي الوطنية نحصد ثمارها اليوم ونحن نواجه جيلا مغيبا من الكومبارس السياسي، شبابا كنا نعول عليه لقيادة الوعي الجمعي للقطع مع الممارسات الكولونيالية والاستبدادية للسياسي الجاهل، اتضح أن هذه الفئات أكثر جهلا من قيادتها وأشد تعصبا وفتكا بكل من تسول له نفسه يوما انتقاد حزب من الأحزاب أو شخصية معينة في حزب معين. فما السياسة أيها السادة؟
هم شباب يسمون أنفسهم جنودا أو كتائب تابعة للأحزاب، طبعا فهم شبابها وشبيبتها، في حين يسميهم الناقدون والعارفون وحتى العامة "الذباب الالكتروني"، الجامع بين التسميتين هو "الهجوم" مصطلح يتداولونه كلما اختلف معهم شخص ما او انتقد تدبير أحزابهم للشأن العام، الفارق أن مهمة الجندي حماية الوطن من الأعداء والخونة ومهمة الذباب الالكتروني حماية الحزب والقادة من النقد والكلمة.
إننا نعاني في الفضاء الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي من سلطة ومعيار المجتمع، لا أقصد مجتمعنا الواقعي هي فقط سلطة رمزية لمجتمع رمزي تمنحها الموقع لمجموعة بشرية تستعملها لمنع التصرفات اللاأخلاقية في هذه الفضاءات، يوظفها ما يطلق عليهم الذباب الالكتروني لإلجام أي شخص يختلف معهم، خاصية يستغلها الذباب الالكتروني أبشع استغلال فهم عيال يخرسون قامات فكرية وسياسية وقانونية ..وأطر من مختلف التخصصات، فقد أصبح الباحثون والناقدون يخافون من هذه المواجهات الافتراضية غير المتوازنة لأن الذباب الالكتروني لا يرفض الفكر المختلف فقط بل يتعداه بالإساءة للشخص وأصدقائه وأهله وكل من طالته حساباتهم.
الشباب المنتمي للأحزاب يفتقد للتكوين السياسي "الحقيقي" لغياب دور المنابع التثقيفية وأزمة الفكر والوعي داخل الأحزاب نفسها، فهم شباب يستقطبهم الجشع والطمع غالبا، أكثرهم من الهامش يبيعون ذممهم لأول من يدفع، يحاربون في جميع الجبهات إلا جبهة التخلف التي يغرقون فيها ويغرقون وطنا شريفا لأنهم ذباب كما يسمونهم، والذباب ينتعش في المستنقعات مستنقعات الجهل.
أيها الحالمون بوطن أفضل، وطن يتسع للفكر والفكر الآخر، الأنا والغير، اليميني واليساري، استيقظوا قبل انتشار محاكم التفتيش.