مصاعب التحول الديموقراطي.. في الاطراف في ظل العولمة


ثائر سالم
2020 / 5 / 26 - 14:44     

يفضي تخلف البنية الاجتماعية، في المجتمعات المتخلفة ، الى ضعف القوى الاجتماعية وادواتها السياسية اللازمة للمشروع الديموقراطي.
وغياب هذه القوى يسهم في اضعاف الحياة السياسية في المجتمع، ويحرمه من جدوى حيوية عامل التنظيم و التعدد السياسي، ويترك تاثيره السلبي على هامش الحريات السياسية، وجدية ومضمون اليات الديموقراطية. 
اقامة نظام ديموقراطي ونجاح مشروعه يشترط وجود قوى ديموقراطية( اداة سياسية بمضمون اجتماعي ناضج لخيار الديموقراطية، ثقافة وبنية ونظاما سياسيا. ويزداد الامر صعوبة اذا ماارتبط ذلك بقمع تمارسه نظم دكتاتورية (مكشوفة ام مستترة).

الفكر الليبرالي والغربي تحديدا ينطلق من فكرة ان كل عمليات التحول الديموقراطي للمجتمعات المتخلفة ( استنباطا من التجربة الاوربية) ، تشترط وجود الطبقة الوسطى في اي مجتمع لنجاح عمليات (التحديث) فيه، ويعتبرها الطبقة الاكثر يا لاهمية تنظيم نفسها سياسيا واكثر قدرة ومصلحة في التحول الديموقراطي، وهي من يمكن ان يخلق ارضية هذا (التحديث)، واعتبار ذلك شرط ولوج ونجاح عملية التحول الديموقراطي في اي مجتمع.

ولكن غياب هذه الطبقة هي قضية تاريخية. ودرجة نضج هذه الطبقة الاجتماعي، والسياسي، مرتبط موضوعيا بدرجة تطور المجتمع الاجتماعي والاقتصادي.  وفكرة اعتبار وجود الطبقة الوسطى سابق على قيام مجتمع حديث (اعتبار وجودها شرطا له)، ام تطوير المجتمع اولا هو ماسيخلق هذه الطبقة،  تارجح فكر الليبرالية طويلا بين هذين الفرضيتين وفقا لظروف وحاجات التاويل. حتى بدا الامر شبيه بلغز البيضة والدجاجة. ايهما اسبق؟.
استعانة فكر االيبرالية الحديثة ، ببنى، متخلفة، متعارضة ومعيقة في ماهيتها لمشروع التحديث، الذي يتحدث عنه، في بناء مجتمع المواطنة، والدولة الوطنية والمؤسساتية  والقانونية، ومع مبدأ المساواة الحقوقية والسياسية للجميع، ويستثمر فيه او يشجعه سياسيو ومفكرو العولمة اليوم، لايشكك فقط في مصداقية احكامهم واشتراطاتهم اعلاه، بل انه في الواقع لا يمكنه ان يعزز امكانات التحول الديموقراطي، او يخرج هذه البلدان ومسارها نحو الديموقراطية من ازمتها. فهذه البنى بطبيعتها، الاجتماعية واهدافها السياسية وفضائها الفكري ، متنناقضة مع جوهر واهداف التحول الديموقراطي، وشروط التقدم والتنمية والتحديث والاندماج بالعصر وثقافته.

ففي تجارب الدول التي جرى فيها هذا الاستثمار في الايديولوجية الدينية، او الطائفية او العرقية، افضى الى اضفاء طابعا ايديولوجيا على الدولة، وانتهى بان يكون وسيلة، لاحتكار النفوذ السياسي، وممارسة الابتزاز السياسي والثقافي، في المجتمع و ارهاب وتشويه قوى التمدن والحرية، والقوى والشخصيات الديموقراطية الحقة . وادى الى تهميش دور ومشاركة هذه الطبقة الوسطى التي تغنوا بدورها وشرطية وجودها في اي تحول ديموقراطي ، وفي ادارة الدولة، وفي حل مشكلات المجتمع الملحة. وبالتالي احكمت هذه القوى اللاديموقراطية السيطرة على جهاز الحكومة والتشريع والقضاء.

كما ان ادعاء النظم الريعية والكومبرادورية والرجعية في المنطقة، دعمها للاصلاحات الديموقراطية في دول اخرى، انما هو وضمن اطار مشروع العولمة الراسمالية، ومرآة له، القائم على شراكة مع الكومبرادور والراسالمية الطفيلية والفئات الوسطى وجزء من هذه الطبقة الوسطى (الفاسدة) في الاطراف والهوامش.
حتى البنى الاجتماعية المتخلفة(عشائرية او طائفية)، وتعبيراتها السياسية في هذه المجتمعات ستكون مضطرة الى استجابة ما لمتطلبات العولمة والعصر  تكون فيها قادرة على الاستفادة منها عبر تخادمية زبائنية وطبقية وسياسية . لذا فموقف هؤلاء ليس مع ديموقراطية حقيقية وانما مع الية ديموقراطية تخادمية ضمن مشروع العولمة الراسمالية ، تعزز مواقع هذه الطبقات الخادمة لمشروعها.
انها ديموقراطية، تخدم كل قوى الكومبرادور والفئات الطفيلية ، ويشاع في ظلها الفساد ويتعطل فيها عمل الدولة بوجود قوى نفوذ فوقها ومن خارجها تتحكم بقرارها، واعاقة عمليات التنمية الوطنية في قطاعات الاقتصاد المختلفة، خدمة لمصالح اجنبية دولية او اقليمية، ويبقى فيها للاغلبية الشعبية والقوى المنتجة والفاعلة في المجتمع، الحق في الموت جوعا اوظلما، وتسود فيها ثقافة الجهل والتخلف، هي النموذج الواقعي للديموقراطية التي اقامتها الليبرالية الجديدة في معظم هذه البلدان حتى الان.
وهذا الامر لا يجمعه جامع مع  مشروع الديمقراطية، الذي تحتاجه الشعوب وقواها الديموقراطية، ولا مع ضرورات توفير مستلزماته،  الاجتماعية والسياسية، او هدف اقامة نظم ديموقراطية وطنية مستقلة، تنطلق من اولوياتها الوطنية، التي تتناقض حتما مع مشروع العولمة (الديموقراطي) هذا، والذي لازال  يجري فرضه بالقوة لانه ينسجم مع ما تريده الشركات المتعددة الجنسيات ومع الاجندات الاقليمية والدولية للمراكز الراسمالية.

ثلاثة تطورات هامة على الصعيد العالمي ساهمت ايضا في ترسيخ مسار العولمة ومشروعها وهي :
انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي،
انتقال الصين الى التطور الراسمالي، وتحول دول شرق اسيا من راسمالية طرفية الى مراكز راسمالية

ولكن هل للديموقراطية في المفهوم وفي الممارسة، معنى مغلق ومجرد يمكن ان يكون غاية نهائية بذاته، كما سوقته وتسوقه الليبرالية حتى اليوم؟
التتبع التاريخي للديموقراطية، باشكالها التاريخية او المعاصرة، منذ افلاطون والفلسفة الاغريقية واليونانية قبل الميلاد ، الى اكثر اشكالها معاصرة في (الولايات المتحدة والغرب الاوربي مثلا) ، وفي اشدها ضعفا وهزالا، (بلدان العالم الثالث والشرق الاوسط مثلا)، يؤكد غياب المعنى المطلق وزيفه في الممارسة، بل وقبل ذلك في المفهوم . ويؤكد ان الديموقراطية، محمول تاريخي رافعته القوى الاجتماعية التي تسود، اقتصاديا وسياسيا، في ظرف تاريخي، بتوازن قوى اجتماعي وسياسي معين. وانحياز الممارسة الديموقراطية وانقيادها لمصالح حاملها التاريخي، القوى النافذة اقتصاديا وسياسيا، مهما  كانت احلام ومصالح، الجماعات المتضررة.
واية ترقيعات او هوامش في الياتها، تدخلها هذه القوى، التي لها السيادة السياسية و الاقتصادية، مالم تحقق اولا مصالحها.

تطور الاقتصاد والنظم السياسية وما صاحبه من  تطور في الوعي الاجتماعي والسياسي العام ،  ترك آثاره الملموسة على تطور الية الممارسة الديموقراطية. والتطور (التعقيد) الذي تحقق في الياتها، انما كان مرآة للتطور(التعقيد) الاجتماعي السياسي العام الذي حصل في حياة واقتصاد المجتمعات ونظمها السياسية والقوى الاجتماعية التي تعبر عنها.
اذن ستكون هناك بالضرورة قراءات متباينة، للديموقراطية، الفكرة والنظام والمنظومة.  تبعا لاختلاف مصالح الجماعات فيها.
الضرورات المجتمعية العامة،  لتنظيم وادارة كل انواع الصراعات البينية في المجتمع وداخل الجماعة الحاكمة ذات المصالح  الواحدة، تشكل ارضية الخيار الديموقراطي .
ان مزايا الديموقراطية الظاهرية، في توفيرها لحرية الرأي والاعتقاد والتداول السلمي للسلطة، هي قراءة شكلية للديموقراطية تغفل او تقفز على مضمونها الاجتماعي الطبقي. وهي قراءة القوى التي تعبر هذه الديموقراطية عن مصالحها، والقوى الهامشية المرتبطة بها والمستفيدة منها.

لايحتاج المرء اليوم الى مستوى من المعرفة السياسية او النظرية، ليعرف حقيقة وعيوب الديموقراطية القائمة عالميا ، في مراكزها وهوامشها.  ومع ذلك فالديموقراطية، باتت من اولويات حياة الانسان والمجتمعات المعاصرة. 
فالاصرار على الديموقراطية، قناعة او توهما او اضطرارا،  هو بالنسبة للقوى المهمشة ، رهان على ذاك الهامش، الذي يمكن ان تتيححه، من اجل تحقيق مكاسب تدريجية جزئية، وتحسين فرص انتزاع مكاسب اكبر.