من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (3)


عبدالله تركماني
2020 / 5 / 26 - 00:45     

الخيار الديمقراطي
لعل مسألة الديمقراطية هي من أهم الدروس التي يمكن أن نستخلصها، فقد أدى إضعاف دور المواطن وتقليص المشاركة الحقيقية في العملية الإنمائية إلى ضعف الإنجازات التنموية الحقيقية، إذ إنّ التقدم الشامل لا يمكن تحقيقه واستمراره في ظل غياب التغيير السياسي، والاستناد إلى قاعدة ديمقراطية أوسع وتمتّع فعّال بالحريات السياسية والفكرية. ولا يمكن تمثّل هذه التحولات بعمق إلا في إطار الدولة الحديثة التي تقوم على أسس ثلاثة: فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ورقابة المجتمع على سلطة الدولة، وخضوع سلطة الدولة نفسها للقوانين التي تسنها.
من جملة الأهداف التي ثار السوريون لأجلها، هي العمل على امتلاك السياسة، وإعادتها إلى المجال العام. وحين كان النضال السلمي يتجذر ويتوسع ويتمدد في سورية، كان التركيز على استثمار هذا النشاط وتوظيفه في خدمة إنجاز الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، بعيداً عن العمل الدؤوب على تأطيره ومأسسته، ليكون قادراً على حماية نفسه والانتقال إلى ضفة السياسة، بمعنى أنه لم يُستثمر كثيراً في هذا الأمر. وإن كانت الأشهر الأولى من الثورة السورية، قد حملت جنيناً واعداً، حين ولدت تيارات سياسية كثيرة، عبّرت عن نفسها، إلا أنها سرعان ما ماتت أو تعطلت، بفعل تصاعد العنف الوحشي للنظام من جهة، واتجاه الثورة نحو التسلح الذي يترك كل شيء للعسكرة، ولِما بعد إسقاط النظام، لينشأ لدينا عسكر من دون سياسة، فكان أن طغى العسكري حين امتلك القوة دون وعيّ سياسي يوجهه، وذلك كله بالتوازي مع شيوع نظرة دونية للسياسة في أوساط الشباب والناشطين، بعد الأداء الهزيل للكيانات السياسية مجتمعة.
في الحالة السورية، يبدو أنّ الأولوية تقتضي إعادة السياسة إلى المجتمع، بما يضمن ويمكّن الجمهور العام وقواه الحية من الدخول في الحوار، وتبادل الرأي في كل مسائل الشأن العام، بصبر وروية، والابتعاد عن الشعارات الطنانة، كي نقترب من جوهر السياسة القائم على الاستعداد للتفاعل والتبادل والتسويات.