الأسئلة المحظورة وحرية البحث


جمال طارق حماني
2020 / 5 / 24 - 10:41     

يوليوز 2017

أكدت التجربة الحية لكل المجتمعات عبر التاريخ، ولازالت تؤكد، أنه من بين أصعب ما يمكن تغييره في الانسان/ المجتمع هو نمط تفكيره وثقافته. فقد يتم النجاح والتوفق في تغيير وتحويل ما هو مادي ملموس عند توفر شروط ذلك بسرعة، مع إمكانية تحديد ذلك بدقة، لكن طريقة التفكير، الثقافة المسيطرة على المجتمع، عاداته وتقاليده، يكون وقت تغيرها أطول وإمكانية ذلك أصعب، ولا تعرف تغيرا قويا، وملموسا، في اتجاه تقدمي شامل، إلا في سياق الاحداث والأزمات الاجتماعية الكبرى والشاملة، وفي سياق النضالات الجماهيرية العاصفة، خاصة المكللة بالنصر والنجاح. حيث يضمن التراكم الكافي لترسيخ تلك الجديدة منها، والقضاء على ما هو قديم منها، سيما عندما تثور وتنتفض الجماهير ضد الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية السياسية الثقافية القائمة، وتستطيع اقامة أسلوب إنتاج جديد، ومن ثم تشكيل وتشكل بناء فوقي ملائم للأساس المادي الجديد، قائم على دحض كل ما هو قديم غير صالح على مستوى الأفكار والعادات والتصورات.
فكفاح الجماهير أثناء الأحداث الاجتماعية الكبرى، ضد ما هو قائم، يسرع من انبثاق و انتشار الأفكار والتصورات الجديدة عن الحياة المأمولة، والمرجوة التي هيئتها الشروط المادية السابقة بفعل العمل الاجتماعي، وما يفرضه من تطوير دائم على مستوى الاساس المادي وخلق متطلبات العيش الأفضل، الشيء الذي يرافق بتشكل وتراكم طرق تفكير وأساليب عيش، وتصورات للحياة الجماعية والفردية مختلفة ومناقضة لما كان معاشا، في الجوانب التي لم تعد تلائم التطور الحاصل في المجتمع، ومن ثم رعاية وتسييد نمط تفكير وثقافة متحررة تقدمية مقارنة مع ما كان سائدا، مخلصة لكل ما بلغه التطور على جميع المستويات.
وفي هذه الصيرورة التي تربط العمل الاجتماعي في الواقع المتطور والمتحول بالوعي المتشكل على هذا الأساس، حيث تتوصل الجماهير الى إدراك ضرورة تغيير الواقع الذي أصبح يثقل كاهلها، الذي أصبح متعارضا مع مصالحها وأمالها وتطلعاتها المنشودة، في هذه الصيرورة تحتل الأسئلة الجذرية مكانا حساسا، هذه الأسئلة التي تكون محظورة من حيث طرحها والبحث فيه، والتي تعبر عن نضوج مركب فكر الرفض والنقد الجذري، الذي يعتبر مفتاح انطلاق البحث في القضايا والاهتمامات الجوهرية للإنسان عموما.
فبالتمكن من نوع معين من الأسئلة، يكون الانسان قد خطى الخطوة المهمة في اتجاه الحرية والحقيقة، في اتجاه ألا يبقى مغيبا عن واقعه، وغير مؤثر في مجرى الاحداث والتطورات المجتمعية، وغير ممتلك لوعي حقيقي لواقعه المعاش ووجوده، غير متحكم في نمط حياته، ولا ممحص لمعتقداته ونظرته الى الاخر والى ذاته. وبدون هذه النظرة والممارسة، المطلوب انغراسها في صلب وعي كل إنسان، تلغى قيمته، يصبح مجرد رقم، فيقصى من ممارسة دوره في المجتمع، في الحياة، ومن التمتع بمنتجاته، مما يجعله يعيش الاغتراب (هذا يرجع في الأساس الى علاقات الإنتاج، كون هذه الأخيرة هي من تحدد العلاقات الاجتماعية ومن ثم وعي الناس).
ان تبلور الأسئلة الجذرية، وتحريك البحث عن إجابة أو إجابات لها، هو أحد المداخل لمنح قيمة فعلية إنسانية للحياة، ولهذا قام تاريخيا ويقوم صراع حقيقي داخل المجتمع، وتحت أشكال عدة من أجل منع وحظر الأسئلة التي توجه الناس إلى وعي الواقع، منعها من الانبثاق والتشكل بوضوح، وحظرها لمنع انتشارها، فكثيرا ما أنفقت المؤسسات الرسمية وغير الرسمية داخل كل مجتمع مجهودات وطاقات وأموال ضخمة من أجل ألا تنبثق وتطرح مثل هذه الأسئلة وألا يتلقفها الناس ويحتضنوها بالبحث لها عن أجوبة، وذلك عبر قمع أصحابها مباشرة وتجييش الأصوات والأقلام ضدهم، أو العمل على إسدال ستائر من الوهم والتغليط، وتمييع الأجواء، واستهداف الأسس المفترض أن تساهم في بلورتها كي لا تتشكل أصلا(ضرب علمية التعليم، تدعيم الزوايا والمؤسسات المغرقة في الرجعية التي تضلل وتنشر الجهل والبلادة، تدعيم الأنشطة الفنية المنحطة والمائعة،...).
فهي كنتيجة للعمل والفعل الإنساني تعطي قيمة للعقل وللإنسان الاجتماعي، إنها مفجر البحث ومحرضة التفكير والابداع والبناء والتطوير، ومواكبة إتمام هذا، بالارتباط بمختلف الحاجات والضرورات المؤدية إلى الرقي والارتقاء بحياة الانسان لمستوى الانسانية، وبدون هذا العمل الذي تكون أحد المعابر إليه هذه الأسئلة، يبقى الانسان مجرد مستقبل مستهلك، رهين التنفيذ والامتثال للتوجيهات والتعاليم الموجهة له على المقاس، يبقى مجرد آلة للأعمال الشاقة وللاستهلاك، فيفقد بذلك الخيط الهادي إلى حياة إنسانية.
ان الاسهامات الفكرية والعملية التي تصب في صالح انجاز هذا العمل، أي تغيير نمط التفكير السائد داخل المجتمع، هي ذات ملحاحية آنية، ومنه وجوب دفع الأسئلة الجذرية للانبثاق والتبلور، ومن ثم ملكة النقد للاشتغال. طرح الأسئلة الجذرية التي تمنع من جيل إلى آخر تحت غطاء المحرم تارة، والمقدس تارة أخرى، والخطوط الحمراء، الى درجة نصبح نحن بتلقائية نقمعها في أنفسنا تقديسا لما جرت به العادة أو للمسيد الخاطئ داخل المجتمع، أو للسلطة والإرهاب، وهو ما يستمر في الحؤول بالتالي دون تحرير الفكر الحر، والعقل الثوري، والعمل البناء في صالح تحرير الانسانية من براثين وقيود الاستعباد الرأسمالية في عصرنا الحالي، باعتبارها المسيطرة عالميا.
العقل لا يشتغل بكل طاقته وحريته إلا وهو يتمرد على القائم ويحطمه ويعيد بناءه من جديد بعد تخليصه مما هو غير صالح لمستوى التطور المادي الحاصل، بعد تخليصه من كل ما هو رجعي متخلف، من أوهام اللاعلم، والخرافة والعجز والخضوع والاستسلام للقائم. مثلا فقد كانت الكنيسة الاوربية في القرون الوسطى تؤسس وجودها وتبرر مداخيلها المالية الضخمة، وتأييدها للسادة الاقطاعيين المستغلين (بكسر الغين)، وللملوك المستبدين، عبر نشر أوهام دينية خرافية أصبغتها بألوان القدسية، وأعادت انتاجها من جيل إلى جيل ومن عصر الى عصر، ومن بين تلك الأوهام التي ارتكزت عليها الكنيسة وبلورت ايديولوجيتها بها، وبررت نهبها واستغلالها للأقنان والمعدمين، هي مركزية الأرض بالنسبة للكون. وقد صمدت هذه الفكرة الخاطئة لقرون طويلة لدرجة أن تحولت بفعل التكرار والتحجيم المستمر، وكذا من شدة لفها بالقدسية الدينية، تحولت إلى حقيقة ثابتة مطلقة، لا يسمح بمسها أو حتى الهمس بخطلها، ولو من باب التأكد، كونها بقدر ما كانت صلبة في الظاهر وصامدة في الزمن، ومقدسة، فهي كانت في الحقيقة هشة متداعية قابلة للتحطيم أمام أول نقد أو سؤال مهما كان بسيطا، وهذا ما جعل استمرارها رهين باستمرار الخوف بجانبها والتهديد بالقمع والتعذيب والقتل لمن حاول البحث فيها، كما هو حال العديد من الحقائق/ الأوهام المحروسة من كل جانب، التي تستغل لضمان السيطرة السياسية والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي في مجتمعات اليوم الطبقية (أنظر قصة "خليل الكافر" من كتاب الأرواح المتمردة للكاتب اللبناني العظيم جبران خليل خبران، وحتى بقية قصص الكتاب فهي معبرة بعمق ودقة فنية عالية عن صراع الثقافة البورجوازية الجنينية ضد الثقافة الاقطاعية في فترة الصعود البورجوازي).
لكن سؤالا بسيطا، طبيعيا، وعقلا فذا، وإرادة وتحدي كبيرين انبثق في مستوى من تقدم المجتمع وتطور العلم، في مستوى من تجذر تساؤلات البحث العلمي، كان كفيلا بتحطيم هذه "الحقيقة المقدسة"، وانزالها من عرشها الخرافي الى تراب الواقع المطهر، انه السؤال الذي طرحه والعمل الذي أنجزه كوبيرنيكوس وبعده غاليلي، هذا الأخير الذي تحمل مسؤولية جيله في هذا العمل، والذي حدد بمعادلات رياضية وقياسات فيزيائية، بما لم يترك أي مجال للشك، بأن الأرض غير ثابتة، وأنها تدور حول الشمس(*)، وأن هذه الأخيرة ثابتة وسط مجموعتنا الشمسية، والكل يسبح في فضاء غير محدود مليء بمجموعات شمسية أخرى.
عكس ما كانت تدعيه الكنيسة، وهو الاكتشاف الذي أسس، إبانها، لانقلاب ثوري في التفكير والوعي والعمل، اهتزت على إثرها أركان الكنيسة وأصيبت بالسعار، فرفعت إلى السماء سيوف الاقطاعيين والملوك الاوربيين، الذين نهبوا شعوبا بهذا الوهم الذي تبدد، باعتبارهم حسب أيديولوجية الكنيسة ممثلي الله في الأرض ومنفذي أوامره، وبه وجب طاعتهم وحتى تقديسهم. لكن ماذا فعل بهم غاليلي؟، ماذا فعل بهم تقدم العلم؟ لقد نزع عنهم ستار المهابة الزائف وجعلهم حفاة عراة أمام الشعب، على أنهم بشر مستغلين. إذن فقد ألحد غاليلي وكسر سيف الطاعة، كفر. فسارعت الكنيسة في محاولة للتعتيم وطمس الحقيقة، وترهيب الشعب، الذي صار يهمس بالحقيقة، حتى لا يصرخ بها في وجههم وينادي بإنزال الملوك من على عروشهم، وإخراجهم من قصورهم، وطرد القساوسة من ديرهم المظلم، ويقلب الواقع على الاقطاعيين، سارعت الكنيسة للتكفير وإصدار فتوى الإعدام في حق "الزنديق" غاليلي(**).
فقدت البشرية حرية أحد الأدمغة العظيمة، لكنها كسبت الحقيقة، وتخلصت من جزء من الوهم، وجاء من بعد غاليلي من أتموا اكتشافه العظيم وطوروه، إنه فقط أحد الأمثلة على تمرد العقل وثورته على القائم، وتبديده للعجز، وتحويله المستحيل إلى ممكن، وهو من جهة أخرى إثبات لكون أن الحقيقة العلمية مهما حوربت وغيبت سوف تسطع، والحق سيعلو في الأخير، وأن القمع والمنع والاغتيال للعلماء والمفكرين لن يخفي الحقيقة إلى الأبد، بل ذلك مسألة وقت، مسألة وقت فقط، وهو إثبات كذلك لكون أنه ليس كل ما هو مفروض ومسيطر على فكرنا على أنه الحقيقة هو فعلا حقيقة.
إن أبرز أفعال الانسان هو قدرته الدائمة على طرح السؤال بجذرية، وقدرته على التحليل والتفسير والتركيب، والاكتشاف، دون اكتراث لأوهام الرأي العام اللا علمية، كما قال ماركس يوما. ومن هنا فإنه من بين أهم ما قدمه المفكرين الثوريين الكبار عبر التاريخ، وكذلك الحركات النضالية الجماهيرية التي برزوا في سياقها هو دفع الانسان للتساؤل، إثارة التساؤل لديه. التساؤل عن واقعه الاجتماعي الملموس، عن دوره الحقيقي في الحياة؟، عن علاقة فكره وثقافته ووعيه بالواقع الذي يعيش فيه؟، عن مدى إمكانية تغيير الواقع هذا في صالح الانسان دون تمييز، وآليات وطرق ذلك؟، تحريك الدماغ للبحث بحرية وجذرية دون اكتراث للأساطير المؤبدة في وجه الحركة والتطور، إخلاصا لمشعل العلم والحقيقة؟، ومدى مسؤولية البشر، أفراد المجتمع، أو بالأحرى طبقاته عن هذا الوضع، وكيفية حل تناقضاته في صالح أغلبية المجتمع المضطهدة ؟.
الأسئلة الدقيقة في البحث تدفع العقل نحو الاشتغال بعمق، تجعل العقل يعمل بسدادة. العقل العلمي ينطلق من الواقع الذي يعكسه في صيغة فكر علمي ليبلور تصورات، مفاهيم، ونظريات تكون الأسئلة عبارة عن مفاتيح لها، وفي الإجابة عنها بشكل علمي، أمام دقة السؤال، وعمق البحث، وصيرورة العمل الإنساني، تنكشف الحقيقة وتسقط ستائر الوهم التي تغلف وتغلط الناس تباعا، لذلك اعتبر السؤال ممنوعا في فترات من الصيرورة التاريخية ( في منطقتنا نجد نكبة ابن رشد، ومحنة العلماء في العصر العباسي المتأخر بالعراق)(***)، وكان ولا زال محرما طرح السؤال في قضايا ومواضيع محددة إلى اليوم.
لأن كابحي الأسئلة كانوا يعرفون أن حرية السؤال، وحرية الفكر والبحث العلمي في سياق النشاط الإنساني سيؤدي الى انهيار صرح العديد من التعاليم والأفكار والايديولوجيات التي شيدت ضد الحقيقة وضد مجرى تطور التاريخ، وضد انسانية الانسان، لصالح قلة من البشر سيطروا على المجتمع، على الإنتاج المادي والفكري في ظل شروط محددة عبر التاريخ، أرستقراطيين وكهان، اقطاعيين وقساوسة، بورجوازيين وايديولوجيين، ولفائف البشر التي لفوها حولهم لتحميهم من قبيل قوات وأجهزة القمع المادي (البوليس الجنود المحاكم والسجون) وأدوات الدعاية الاعلامية في زمننا هذا، الذين حاربوا من بين ما حاربوا العلم والمعرفة والحقيقة المتاحة في صالح كل الشعب، أو بتعبير آخر حق كل الناس في الاستفادة من نتائج العلم، ومجمل ما توصل اليه في جميع المجالات (الطب، التعليم، التكنولوجيا ، علوم الزراعة، علوم التربية، الصناعة،...)، مع نبذ ومنع التوظيف الضار للعلم خاصة في الابتكارات والصناعات الحربية المدمرة للإنسان وللطبيعة والمبذرة لفائض القيمة، والمهدرة للطاقات المبذولة اجتماعيا، (وأشير هنا كي يلمس الانسان الذي له عقل وضمير يشتغل، كي يلمس وحشية وبشاعة العالم الذي نعيش فيه، إلى إقامة مقارنة بسيطة مثلا بين الميزانيات المخصصة للتسلح في كل بلد والميزانيات المخصصة للتعليم والبحث العلمي أو للصحة،... ومع ذلك نجد في مجتمع ما تعمه الامية والجهل والامراض الفتاكة والفقر، نجد أناسه يبتهجون ويتفاخرون لإعلان حكومات الأنظمة القائمة ببلدانهم عن صفقات شراء آليات حربية، كالطائرات المقاتلة والدبابات...، التي تكون صفقاتها مفروضة من قبل الشركات العملاقة لصناعة الأسلحة، وفي الوقت نفسه هم لا يحركون ساكنا عندما يتعلق الامر بواقع الفقر والتخلف الذي يعيشونه والذي يتطلب النهوض به ميزانيات أقل من تلك المرصودة للتسلح، ولا يولون أي اهتمام، ولا تتحرك مشاعرهم المقتولة لكون المدارس تغلق في وجه أبنائهم، والمستشفيات تبتز جيوبهم، والاحياء أو القرى التي يعيشون بها معزولة ومهمشة، وقس على ذلك). فالإنسان الغير المهتم، أو الذي يهتم فقط بالتفاهات، هو نتيجة لتكوين سابق، وما إن يتمكن منه هذا التكوين والتربية حتى يصبح بدوره ناقل له.
فخلف منع وتحريم طرح الأسئلة بكل حرية، أو على الأقل الأسئلة الجذرية في كل عصر، والبحث بحرية فيها، كان يمنع في الحقيقة وعي الواقع، واكتشاف حقائق المجتمع البشري وقوانينه الداخلية الموضوعية، وبالتالي أهمية الفعل البشري ودوره في تغييره، وموضوعية وعلمية ذلك، في محاولة للحفاظ على القائم، أو على الأقل تأخير تغييره ضدا على التقدم والانتقال الى شروط اجتماعية اقتصادية أرقى، مغايرة نوعيا، وما يلائمها من شروط سياسية ثقافية تقدمية إنسانية.
إن العلم لا يقبل ولا يركن للفكر الذي يؤسس لليقينيات الثابتة المقدسة (خذ مثلا لذلك من تاريخ الكيمياء ومن تاريخ الفيزياء الذرية، وعلوم الحياة)، فدائما، في كل بحث، خلف الإجابة في الأفق تنبثق أسئلة جديدة، وبالتالي مشاريع بحوث جديدة، تنقل الإنسانية بالتدريج وعبر القفزات نحو أوضاع جديدة أفضل، أما الإجابة اذا اعتبرت مطلقة الصحة، نهائية (مع الانتباه الى جدلية النسبي والمطلق في صيرورة البحث كون حقائق معينة هي مطلقة وهي ما يعيد البحث تأكيد صحتها فيما يقوم هذا الأخير بتعديل وتدقيق أخرى، كما يتجاوز الخاطئة، فالمعرفة خاضعة في تطورها للديالكتيك)، اذا اعتبرت مطلقة الصحة نهائية فانه أنذك يقتل العقل ويمنع ويحرم التفكير، ويغلق ويجمد البحث، ويفرض على الفكر التناقض مع الواقع والتخلف عنه، بل ويتم تكبيله واعاقة تطوره، فيسود الاستبداد، وتعبد الاضرحة، وتقذف الجامعة، ويقدس المشعوذ ويذم ويهان المعلم، ويحجب العلم وتنشر الخرافة.
إن سؤالا كأية طريقة وفهم نمتلك عندما نهم بالإجابة عن سؤال ما يبدو هنا مهما، مثلا هل، ونحن نجيب عن سؤال ما، نصوغ أجوبة نهائية، مطلقة؟، أم نصوغ أجوبة قابلة للنقاش والتعديل إذا دعت الضرورة، أي يتجاذب داخلها النسبي والمطلق ؟. فمن خلال طريقة نظرنا وفهمنا للإجابة عن أسئلة محددة، نكون نؤسس لطريقة في التفكير والبحث، ولنمط حياة، لنظرة معينة الى الآخر. فالأجوبة المطلقة النهائية تؤسس للأحكام الثابتة، وللخضوع، وللسكون وإنهاء البحث، وللتعاليم التي يجب تنفيذها دون نقاش، فكر الشيخ والمريد، وللاستبداد والقمع والإرهاب والاخضاع، ولنمط حياة الرعايا من جهة والاوصياء من جهة أخرى. وهذه حالة غير طبيعية، إنها شدود عن الطبيعة الإنسانية(1)، وقسر، وتثبيت المتغير بالعنف. فالمجتمع كي يتطور، والإنسانية كي تنبثق، كي يحيى الانسان وينعم بالحياة، ويحس بقيمة الحياة، الحرية، لا بد – بالإضافة الى ضرورة توفر الشروط المادية لذلك – من أن تكسر الثابت المتخلف الذي يلف تفكيرها ونظرتها إلى الآخر، ويكبل نمط حياتها، وينفتح تفكيرها على أفق انساني شاسع يستوعب ويوظف كل ما هو قيم ونير من حصيلة التطور السابق للإنسان ولصالح الإنسانية على نفس قدر المساواة، بدون اقصاء أو تمييز أو قهر للآخر المستضعف والمجهل بخلفية نمط تفكيره أو وضعه الاجتماعي على الخصوص. ولا يمكنها أن تفعل ذلك الا عبر نهج واعتماد والنظر إلى الإجابات المطروحة والمصاغة، أو التي يجب صياغتها لتطوير الحياة على أنها غير نهائية، بل على أنها جزء لا يتجزأ من صيرورة، على أنها خطوة في صيرورة البحث والعمل الانسانيين المؤديين إلى بلوغ الحقائق المطلقة الموجودة بشكل موضوعي خارج فكر ووعي الناس، وضمان حرية الفكر والبحث العلمي، وتشييد شروط حياة أفضل.
لقد بلغت الإنسانية العديد من الحقائق المطلقة الجزئية، والعديد من الحقائق النسبية التي يعتبر اكتشافها ووعيها مجرد لبنة في بناء ضخم جبار لن يستطيع أي انسان، مهما بلغ من العبقرية والتفرد أن يشيده لوحده، بل هو محصلة لبحث وعمل الإنسانية، عبر الأجيال، في صيرورة تطورها وارتقائها، بالارتباط مع الشروط الاقتصادية الاجتماعية ومستوى تطور العلم في كل فترة ومرحلة. ولن نستطيع وعي ذلك إلا باعتماد تفكير وتحليل ماديين جدليين للمعرفة المتراكمة وللعمل الإنساني الذي يعتبر محك هذه الأخيرة، ومرسخها وكاشفها. ولكنني عندما أقول بأنه لا يجب النظر الى الإجابات ونتائج البحوث على أنها مطلقة، فذلك لا يعني بطلانها، بل على العكس، فذلك نهج ضروري لتجاوز الأخطاء والمنزلقات والاوهام التي سقطت فيها الإنسانية من جهة، وترسيخ ما يؤكده البحث والاكتشاف العلمي. فلا يجب اعتبار الخطأ خطأ مطلقا ولا الصواب صوابا مطلقا، وهنا لا بد من وعي العلاقة الجدلية التي تربط بين المطلق والنسبي.
في رحلة الانسان الطويلة والشاقة، من مجتمع المشاعة البدائي، الى المجتمع الحالي، من التفكير الحسي المباشر وأشكال الفكر البدائية التي يغلب عليها التفكير الأسطوري، إلى أشكال الأيديولوجيا والوعي والتفكير العلمي حاليا، قطع الانسان فترات ومراحل تطور وارتقاء عديدة، غزيرة بالتشييد والبناء وكذلك بالهدم والتدمير، بالتضمن والاحتواء وبالتجاوز والالغاء، على المستوى الفكري الثقافي الفني الجمالي...، في خضم عملية جدلية مرتبطة بالإنتاج المادي في اطار التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي تعاقبت تاريخيا، هدم وتشييد على المستوى التحتي الاقتصادي الاجتماعي، وكذا على المستوى الفوقي الثقافي الحقوقي السياسي، فكان يتعمق باستمرار(الانسان) إبان هذه الرحلة الطويلة في وعي وجوده، وعي ذاته، ووعي محيطه، عالمه.
في رحلة الارتقاء هذه، كان الانسان يصوب باستمرار معارفه تصوراته ونظرياته عن ذاته وعن وجوده الاجتماعي، عن العالم الشاسع الذي ينتمي اليه، إلى أن بلغ اليوم، فيما بلغ، الى تفحص ودراسة إمكانية الحياة فعليا في كواكب أخرى غير الأرض التي كانت تعتبر في وقت مضى هي كل الوجود والكون أو مركزه، الى ان اكتشف اليوم أنها مجرد ذرة في كون شاسع، دائم الحركة والتحول، فكان (الانسان) بشكل موضوعي جدلي يكشف عن جزيئات الحقيقة المطلقة شيئا فشيئا. في هذا المسار الطويل وتحت وقع العمل الجماعي والتفكير العملي انهارت العديد من "الحقائق الأبدية" أو التي كانت تفرض على أنها أبدية، التي فرض على المجتمع الايمان بها وتصديقها قسرا، والتي كانت تنتج لهذا الغرض أو ذاك، كي تؤدي دورا في تكريس الوضع الاجتماعي الاقتصادي السياسي القائم، وتم اكتشاف على أنقاضها الحقائق الفعلية الموضوعية، وهكذا شق البحث العلمي الموازي بالعمل الاجتماعي طريقه الى الامام عبر الهدم لما هو خاطئ أو متجاوز وتشييد ما هو أصلح منه، ولا زال يتقدم وهو يدمر الأوهام المسيدة ويشيد بدلها الحقائق المستجدة ويرسخها. و« إذا تمسكنا دائما في البحث بوجهة النظر هذه، فإن طلب الحلول الحاسمة والحقائق الخالدة يفقد، بالنسبة لنا، كل معنى إلى الابد، ونحن لا ننسى أبدا أن كل معارفنا المكتسبة محدودة بالضرورة وتحددها الظروف التي نكتسبها فيها»(انجلز فريدريك، فيورباخ، ص:45).
غير أن عملية الاكتشاف هذه لم تكن تجري بشكل سلمي دائما، بل في شكل صراع أيضا، عنيف في أحيان محددة، خاصة في فترات الانقلاب الاجتماعي الشامل، من مرحلة إلى مرحلة مغايرة وأرقى، متطورة، إبان الهبات الثورية. لأن بلوغ الحقيقة كان يعني المس بمصلحة فئة أو طبقة اجتماعية لصالح أخرى جديدة، تنشد التغيير والتطوير، وهو ما كان يؤدي إلى الصراع حولها باعتباره جزء من الصراع الاجتماعي الطبقي العام. (نجد الكثير من الأمثلة في التاريخ عن ذلك). فكان يجري التشبث من قبل المؤسسات التي تنشؤها الطبقات السائدة اجتماعيا اقتصاديا سياسيا، بتصورات وأوهام وايديولوجيات خاطئة لا لشيء إلا لأنها أسست عليها سيطرتها السياسية، كي تحمي بذلك مصالحها الاقتصادية، فكانت كل طبقة اجتماعية عندما تسود تدافع وتسيد وتنشر عبر المؤسسات التابعة لدولتها التصورات والمعتقدات والأفكار التي تدعم وترسخ بها سيطرتها على باقي الطبقات الاجتماعية، ومن هذه الأفكار والتصورات ما لم يكن صائبا بالمرة، بل كان عبارة عن أيديولوجيا للسيطرة السياسية، بل منه ما كان مجرد خرافات، ترفعها الى مرتبة التقديس، وتحرم المس بها، أو محاولات البحث فيها، قاصدة بذلك ليس تلك الأوهام في حد ذاتها، بل حامية مرتبتها وموقعها الطبقيين لا غير، ولا أنفي أن بعضها، أي التصورات والأفكار المغلوطة، كان نتيجة لتأخر العلم، وإن كانت حتى الحقائق العلمية يتم محورتها لتبرر بها مصالحها ودوام سيطرتها مثل ما تفعل البورجوازية اليوم عبر، مثلا، ما يسمى بفلسفة العلوم، حيث تستغل العلم لخدمة أهداف أيديولوجية وسياسية رجعية. وفي هذا السياق كانت تلك الطبقات تحارب العلم والعلماء، نظرا لتشكيكهم الصارم في تلك التصورات/الأوهام، ودورهم في تحطيمها تحت ضربات الاكتشافات والأبحاث العلمية، وبتحريك من تساؤلات العقل العلمي والفكر الحر.
وفي المقابل شق العلم والفكر الحر طريقه الى الامام بكل إصرار وتحد، غير مبال بالإرهاب ومحاولات اللجم ولا بالخرافة، المسلطة من طرف القوى الاجتماعية الرجعية الممسكة بالسلطة السياسية(2)، والتي كانت تعيق تطور العلم، ولم تكن تسمح ببحث وإعلان نتائج البحوث إلا لتلك التي تناسب مصلحتها (سجن العلماء أو اعدامهم أو محاصرتهم، مصادرة واحراق كتبهم)، فكان يتعثر بلوغ الحقائق العلمية التي يسمح باكتشافها التراكم الحاصل في البحث العلمي، ودرجة تطور الوسائل والتقنيات العلمية المساعدة لهذا، ومستوى التقدم الاقتصادي الاجتماعي، الذي كان سببا ونتيجة في نفس الوقت للتراكم العلمي الحاصل، «وعلى هذا، يكون الفكر البشري، بطبيعته، قادرا على أن يقدم لنا ، وهو يقدم لنا بالفعل، الحقيقة المطلقة التي تتركب من حصيلة حقائق نسبية. وإن كل مرحلة من مراحل تطور العلوم تضيف حبات جديدة إلى حصيلة الحقيقة المطلقة، ولكن حدود حقيقة كل قضية علمية هي نسبية، تتسع تارة، وتضيق تارة أخرى، تبعا لتقدم العلوم.» (لينين، المادية والمذهب النقدي التجريبي).
في طريق البحث والاكتشاف كان يتأكد ويترسخ وعي أن كل شيء في حركة وتطور وتحول من وضع نحو وضع أرقى، من حالة الى حالة مغايرة ومتقدمة نوعيا، وأخذ يكتشف شيئا فشيئا القوانين الموضوعية لتلك الحركة والتحول، فأصبحت قابلة للإدراك والتحديد، وتم التأكد من أن لا شيء في الوجود ثابت، ولا وجود لحقيقة شاملة غير قابلة للادراك، ولا شيء يستطيع الصمود في وجه الحركة والتغير سواء في الطبيعة أو المجتمع أو الفكر البشري، أي سواء كان من عناصر الطبيعة الحية والغير الحية، أو كان الأنظمة الاقتصادية الاجتماعية السياسية الثقافية، (أنماط الإنتاج، أشكال الحكم، التنظيمات الاجتماعية والسياسية، العادات والتصورات والمعتقدات والأفكار والثقافات). وأن سبب الحركة والتطور والتحول يقوم من داخل الأشياء أو الكائنات، نتيجة لتناقضات قائمة بداخلها، ودرجة صراع هذه المتناقضات تؤدي عند حلها إلى ظهور شيء أو كائن آخر مكانه، وهو ما ينتج عنه حركة غير منتهية من النشوء والزوال وهو ما أغنى ولازال يغني الوجود بالكائنات.
وبما أن الأشياء والموجودات هي في حالة حركة مطلقة، وأن الأسباب الجوهرية لهذه الحركة قائمة داخلها، نتيجة تناقضاتها الداخلية بشكل أساسي، دون اهمال تناقضاتها الخارجية في ذلك، وهي موجودة وجودا موضوعيا خارجا عن الوعي المدرك لها، خارج وعي الناس، وقابلة للإدراك في شكل معارف ومفاهيم وقوانين، فإنه لم يبقى أي حيز تشغله العجزية أمام تحدي البحث العلمي، وهذا ما قاد إليه تطور الفكر العلمي الطبيعي والاجتماعي، ومن بين أهم ما اكتشف في رحلة البحت العلمي وتطور الفكر البشري هذه، والذي لا يقل أهمية عن الحقائق العلمية، هو طرق البحث ومناهج العلوم، ومنها الطريقة التي ننظر بها إلى الأشياء والموجودات وللمجتمع، ولكيفية البحث والدراسة لكل هذا، طريقة وعي وتفسير وتغيير الواقع والتحكم في الطبيعة وتسخيرها لصالح الانسان دون أن تدمره أو يدمرها كما يفعل في عصرنا هذا الرأسماليين الإمبرياليين من خلال الحروب، وصناعات الأسلحة المدمرة، والاستنزاف المدمر للثروات الطبيعية، أي الطريقة المادية الجدلية التي تمكن من تملك وادراك مضمون وحمولة إنسانيين للحياة داخل المجتمع، للعلاقات والتفاعلات والروابط التي تجمع الناس داخل المجتمع وفي العالم ككل.(أنظر بهذا الخصوص نهاية الفصل الرابع من مؤلف فريدريك انجلس أصل العائلة )
إن الإحاطة بالتصور المادي الجدلي تمكننا من استيعاب صيرورة ترسخ واكتمال نظرة إنسانية، مشروع إنساني للحياة، وعيا وممارسة. وهي الصيرورة التي تتساقط في سياق تقدمها تباعا، مثل ما حاولت التوضيح أعلاه، النظرات والاحكام والتصورات غير السليمة واللا إنسانية الى لإنسان، إلى حياته وشروطها، التي سادت وطغت بين طبقات المجتمع خلال الحقب التاريخية المتعاقبة، لتحل محلها النظرة الإنسانية شيئا فشيئا. بمعنى أن النظرة الإنسانية إلى الانسان تتحقق وتتصوب بتحقق شروطها المادية الملموسة داخل المجتمع، أي بمدى ما راكمه وحققته الانسان في أسس تشكلها واكتمالها على المستويين التحتي والفوقي للمجتمع، على المستوى التحتي الاقتصادي الاجتماعي الذي يسمح بحياة وعيش فعلي لهذه الإنسانية من قبل الانسان المشكل للمجتمع، دون تمييز ولا فوارق ولا معيقات تحول دون ذلك، سواء كانت هذه المعيقات مرتبطة بالملكية (من التملك، الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج مثلا) أو الثروة، أو بالقرب والبعد عن السلطة (الانتساب من عدمه للعائلات النافذة)، أو على المستوى الفوقي الحقوقي السياسي الديني كالقيود التي يضعها القانون في وجه أفراد المجتمع، باستثناء البعض، للحؤول دون التمكن من ممارسة حقوقهم على جميع المستويات دون إقصاء ولا تمييز ومنها منع أو دعم حرية البحث، أو سياسية عن طريق قمع وحرمان والتضييق على من يتحرك خارج الخطوط التي تسطرها السلطة السياسية القائمة، أو دينية عبر استغلال الدين الرسمي (الدين المسيس) لتخدير العقول وتبرير الحرمان والقمع الماديين وإبقاء الانسان داخل دائرة الطاعة العمياء لما يسمى زورا بأولي الأمر، الذين هم في الحقيقة ناهبي حقوقه. هذا البناء الفوقي الذي إما يتمم الحياة إنسانية أو يؤدي إلى منعها من التشكل، وييسر تملك الشروط المادية الممكنة لحياة إنسانية ويضمن حفظها وتطويرها تبعا أو بالعلاقة مع تطور وارتقاء الشروط المادية الموضوعية لذلك، أو العكس.
وبالاستناد الى هذا فالنظرة الإنسانية ليست نظرة جاهزة مكتملة من حيث شروطها ومحدداتها المطروحة راهنا حتى لدى أشد القوى الاجتماعية تقدما، بل تبقى متعمقة باستمرار، بمعنى أن النظرة الإنسانية أو المشروع الإنساني المنشود هو صيرورة تكشف عن ذاتها بفعل النشاط والنضال الانسانيين التقدميين.


هوامش:
(*)- كان أول من أكد خطأ مركزية الأرض للكون هو عالم الفلك والرياضيات البولندي نيكولاس كوبيرنيكوس (1473- 1543)، حيث أثبت وصاغ نظرية مركزية الشمس وأن الأرض جرم يدور حولها، كما يدور حول نفسه، وأن القمر يدور حول الأرض، وصاغ هذا في كتابه : "حول دوران الأجرام السماوية". وقد كان هذا الاكتشاف العلمي خلال القرون الوسطى بأوربا عبارة عن ثورة ليس في علم الفلك وفقط بل أيضا في جميع الحقول، حيث صار سندا للعلماء في تحدي كل ما هو سائد وإعلاء راية العلم والبحث العلمي، وطبيعي أنه كان سيصطدم مع الكنيسة في النهاية، كونها كانت تقيم أيديولوجيتها على فكرة أن الأرض هي مركز الكون وأن الشمس تدور حولها، والتي تعود إلى بطليموس وأرسطو. وقد دامت هذه الفكرة لعشرين قرنا، ودعمتها الكنيسة لما يزيد عن إثنى عشر قرنا، لذلك فلم يكن من السهل فجأة القول بخطئها، إذ كانت هذه الأخيرة تكفر كل من حاول تفنيدها. وقد راح كوبيرنيكوس يلقي سلسلة محاضرات في روما في هذا الشأن دون أن يلفت انتباه الكنيسة لخطورتها، إلا أنه لم يستطع طبع ونشر كتابه خوفا من الكنيسة، ولم يرى كتابه النور إلا بعد وفاته.
(**)- قام عالم الفلك والفيزيائي والمخترع غاليليو غاليلي (1564 -1642) بنشر والدفاع وتطوير نظرية كوبيرنيكوس عن مركزية الشمس للمجموعة الشمسية، كما أثبت خطأ نظرية أرسطو حول الحركة، وساعده في ذلك اختراعه للمنظار(التيلسكوب) حيث حدد حركة الأرض بالنسبة للشمس، وحركة القمر حول الأرض وشكل هذا الأخير على أنه كروي بعدما كان يعتبر مسطح، وأثبت أن الطريق اللبني ليس سحابة من ضوء ولكنه يتشكل من عدد كبير من النجوم والسديم. وعلى إثر هذا رفعت ضده شكاوى إلى الكنيسة التي حاكمته ومنعته في البداية من الكتابة مرة أخرى في الموضوع، لكنه عاد ثانية لنشاطه وتأليفه في نفس المجال، فتمت محاكته، وصدر في حقه حكم بالإعدام من قبل محاكم التفتيش الرومانية (1632)، مما جعله ينصاع لأمر الكنيسة بكتابة اعتذار عن أفكاره التي تمس الكنيسة، فألغي حكم الإعدام، وأقام اجباريا في منزله، ومنع من مناقشة أفكاره إلى أن توفي، فاعتكف في منزله لبقية حياته على مواصلة بحثه، وألف كتابه "علمان جديدان" تحدث فيه عن علم حركة الغازات، وصلابة المادة.
(***)- أنظر بهذا الخصوص على سبيل المثال كتاب محمد عابد الجابري: المثقفون في الحضارة العربية.
1- «وأخيرا حل زمن عندما أصبح كل شيء كان الانسان يعتبره غير قابل للتحويل قد أصبح شيئا للتبادل، شيئا للنقل، وبالإمكان تحويله. هذا هو الزمن الذي كانت فيه الأشياء مختلطة، ولكن التبادل لا يتم فيما بينها مطلقا، تعطى ولا تباع، يحصل عليها ولا تشترى-الفضيلة، المحبة، العقيدة، المعرفة، الضمير، ...إلخ-وباختصار عندما خضع كل شيء للتجارة. إنه زمن الانحلال العام، والرشوة الشاملة، أو إذا أردنا الحديث حسب مصطلحات الاقتصاد السياسي، أنه زمن كل شيء، أخلاقيا كان أم ماديا، بعد تحويله إلى قيمة سوقية، يؤخذ إلى السوق لتقدر قيمته الحقيقية.» كارل ماركس، بؤس الفلسفة.
(2)- أنظر للتوضيح في هذا الصدد كتاب محمد عوض "أفكار ضد الرصاص"، فهو يوضح الصراع الفكري الثقافي بمنطقتنا وكيف قمع أصحاب الأفكار التحررية أو الجديدة خاصة بمصر، محاولة لتأبيد الفكر القرو سطي قسرا.
* من بين المصادر:
مقدمة مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ك. ماركس
لودفينغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية فريديريك انجلس
أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ف. انجلس
من الأفضل أقل شرط أن يكون أحسن فلاديمير أوليانوف لينين
المادية والمذهب النقدي التجريبي ف. لينين
الأرواح المتمردة جبران خليل جبران
أفكار ضد الرصاص محمد عوض
المثقفين في الحضارة العربية محمد عابد الجابري