جرائم الإرهاب لا يتحمل مسؤوليتها شعب السودان


تاج السر عثمان
2020 / 5 / 24 - 02:43     

منذ نظام الانقاذ اتهمت الولايات المتحدة الخرطوم بضلوعها في جرائم ارهابية مثل: حادث المدمرة الأميركية ( يو اس اس كول) التي تمّ تفجيرها قرب ميناء عدن عام 2000 ، وأسفرت عن مقتل 17 من بحارتها ، وحادث تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا عام 1998 التي اسفرت عن مقتل 224 مواطنا التي نفذها تنظيم القاعدة التي كان زعيمها اسامة بن لادن موجودا بالسودان بعد أن تحولت البلاد الي مرتع للتنظيمات الارهابية المتعددة الجنسيات في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وفي العام1993 وضعت واشنطن السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب.
تلك التركة المثقلة من جرائم الارهاب ، واجهت الحكومة السودانية الجديدة بعد ثورة ديسمبر التي وضعت من ضمن أسبقياتها التفاوض مع واشنطن للخروج من قائمة الدول الراعية للارهاب، وأعلنت وزارة العدل أنها توصلت إلي تسوية مع أسر ضحايا المدمرة كول ، رغم أنها شددت علي عدم مسؤولية السودان عن الهجوم، وأن السودان لم يكن ضالعا في الهجوم علي المدمرة كول، وتساءل الكثيرون، اذا السودان غير ضالع في الهجوم ، فكيف يتم دفع تسوية؟!! علما بأن التفاوض امتد ليشمل سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا عام 1998 ، ومطالبة اسرهم بتعويض يُقدر 4,3 مليار دولارعلي السودان دفعها لاتهامه بالتواطؤ في تفجيرات نفذها تنظيم القاعدة.
معلوم أن ماجري هو من آثار النظام السابق الذي نشأ بعد انقلاب 30 يونيو المشؤوم الذي دبرته الجبهة الإسلامية ، وكان كارثة بحق حلت بالبلاد وشعب السودان، جاء الانقلاب ضد نظام ديمقراطي منتخب، وبعد أن توصلت الحركة السياسية السودانية بعد حوار طويل وشاق مع الحركة الشعبية إلي اتفاق لحل مشكلة الجنوب " اتفاق الميرغني – قرنق" لوقف الحرب والسلام في إطار وحدة البلاد، وعقد المؤتمر الدستوري . لكن الانقلاب قطع الطريق أمام ذلك ، واشعل نيران الحرب الجهادية في الجنوب التي أدت إلي استشهاد حوالي مليون ونزوح 4 مليون مواطن جنوبي ، وكانت النتيجة النهائية كارثة فصل الجنوب. كما اتسعب الحرب لتشمل جنوب كردفان والشرق وجنوب النيل الأزرق ، ودارفور التي وصل ضحاياها 300 ألف ونزوح 2 مليون مواطن، مما أدي ليكون البشير و52 من قيادات النظام مطلوبين للجنايات الدولية، مما أدي لأكبر مأساة انسانية. ومارس النظام أقصي درجات المراوغة في الحوار ونقض العهود والمواثيق ، والاتفاقات مع الحركات والأحزاب، التي كانت يمكن أن تفضي لحلول لأزمة البلاد ، مما أعاد إنتاج الحرب والأزمة بطريقة أعنف من السابق..
كما صادر النظام الحقوق والحريات الأساسية ، ومارس أبشع أساليب الاقصاء من تشريد أكثر من 400 ألف من الخدمة المدنية والنظامية ، واعتقال وتعذيب الآلاف ، وانتهاج سياسة التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن السلع الأساسية ، والتعليم والصحة، والخصخصة وتشريد العاملين ، مما أدي لافقار 95 % من شعب السودان، ونهب ممتلكات الدولة : سكة حديد ، نقل نهري ، خطوط جوية وبحرية ، ومؤسسات وشركات رابحة،. الخ، وتم بيعها بأثمان بخسة لمحاسيب الرأسمالية الطفيلية الإسلاموية. وتمت مصادرة حرية الأحزاب والعمل النقابي ، وتزوير الانتخابات العامة والنقابية ، وتكوين تنظيمات فوقية علي حساب الدولة، والتفريط في سيادة البلاد " احتلال حلايب – شلاتين – الفشقة، والمشاركة في حرب اليمن".
أصبح السودان مرتعا لكل التنظيمات الإرهابية المتشددة في منتصف تسعينيات القرن الماضي ومنها الإرهابي أسامة بن لادن والارهابي كارلوس، وضلوع قيادات حكومية في حادث حستى مبارك في أديس أبابا عام 1995 ، إضافة للجرائم التي ارتكبها النظام في تصفية المعارضين السياسيين كما في حادث د. علي فضل ومحمد عبد السلام وغيره من الطلاب، وشهداء مجزرة بورتسودان، وكجبار، والعيلفون، وشهداء 28 رمضان، ومجزرة هبة سبتمبر 2013 التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص، وشهداء ثورة ديسمبر 2018، وحتى بعد الثورة ضلوع كتائب ومليشيات النظام السابق في مجزرة فض الاعتصام في 29 رمضان. الخ. بالتالي كان تلك فترة مظلمة في تاريخ بلادنا تجسد فيها نشاط الدولة الارهابية.
تراكمت مقاومة الانقلاب بدءا باضراب الأطباء في ديسمبر 1989 ، واضرابات العمال وانتفاضات الطلاب والمدن ، والحركات المسلحة ، ومقاومة المزارعين ومتضرري نهب الأراضي والسدود، وتأجير الموانئ ، كما حدث في الميناء الجنوبي لبورتسودان ، وتأجير ميناء سواكن ، واستشهاد أبناء البجا وكجبار والطلاب في الهبات الجماهيرية ضد النظام ، وارتكب النظام مجازر مثل : اعدام مجدي وجرجس بسبب حيازتهم دولارات !!، ومجزرة شهداء 28 رمضان ، ومجزرة العيلفون، واستشهاد واستهداف طلاب دارفور.الخ ، وهبة سبتمبر 2013 التي هزت أركان النظام ، ويناير 2018 ، حتي تم تتويج ذلك التراكم النضالي بثورة ديسمبر 2018 التي انفجرت في 13 ديسمبر من الدمازين ، وبشكل أعمق في 19 ديسمبر في عطبرة ، وارتفع سقف المطالب من استنكار للزيادات في الأسعار إلي اسقاط النظام ، كما رفع تجمع المهنيين سقف مطالبه من زياد الأجور إلي اسقاط النظام في مذكرة 25 ديسمبر2018 للقصر، وبعد ذلك تكونت " قوى الحرية والتغيير" ، التي قادت المعركة والمظاهرات بجداول محددة ، ورغم القمع الذي أدي لاستشهاد أكثر من 60 مواطنا وجرح أكثر من 500 ، واعتقال الالاف ، الا أن المقاومة استمرت بقوة حتى موكب 6 أبريل الذي أفضي للاعتصام في محيط القيادة العامة في العاصمة والحاميات العسكرية في الأقاليم ، وانحياز أقسام من الجيش للثورة ، مما أدى لانقلاب "اللجنة الأمنية" للنظام في 11 أبريل الذي أزاح البشير ، وجاء الفريق ابنعوف الذي رفضه الثوار ، وبعده جاء المجلس العسكري بقيادة الفريق البرهان ونائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي، واستمرت المقاومة والمطالبة بالحكم المدني ، وتمت مجزرة فض الاعتصام الوحشية، والتفاوض المعلوم الذي افضي للتوقيع علي "الوثيقة الدستورية"، وبعدها تكونت الحكومة الجديدة.".
اذا كان الأمر كذلك فلماذا يتحمل شعب السودان دفع تعويضات يحتاج هو نفسه لها في توفير الدواء والغذاء والتعليم، وهو مثقل بأزمة اقتصادية ومعيشية طاحنة بعد خروجه من ثورة اسقط فيها نظام ارهابي هدد أمنه ، وسلامة مواطني الدول الخارجية، وقدم تضحيات وشهداء وملحمة ثورية شهد لها العالم، عليه ليس شعبنا مسؤول عن جرائم النظام السابق التى تتحمل المسؤوليه فيها الحركة الإسلاموية الدموية.
كما أنه معلوم أصدر قاضي أمريكي في عام 2012 حكما أن يدفع السودان مبلغ 300 مليون دولار لأسر ضحايا المدمرة ، وأمر المصارف الأمريكية بالحجز علي الأرصدة السودانية الموجودة لديها للبدء في سداد المبلغ ، الا أن المحكمة العليا الغت الحكم في مارس 2019.
اضافة كما لاحظ الكثيرون أن حكومة السودان اذا فتحت باب التفاوض مع الأسر وتعويضها في جرائم ليست مسؤولة عنها، تفتح علي نفسها عش الدبابير لكثرة الجرائم داخل وخارج البلاد التي يتحملها الإسلامويون التي يجب أن يحاكموا عليها.
بالتالي فان المدخل السليم هو تصفية كل التنظيمات الارهابية في البلاد، وحل كل المليشيات وكتائب الظل والدفاع الشعبي، واستعادة الأموال والممتلكات المنهوبة، وترسيخ الديمقراطية بالغاء كل القوانين المقيدة للحريات، وبداية صفحة جديد يتم فيها طي الماضي الارهابي الذي تتحمل مسؤوليته الحركة الإسلاموية التي سيطرت علي كل مفاصل الدولة والقرار عن طريق مليشياتها المسلحة التي زعزعت الاستقرار في الداخل والمحيطين الإقليمي والدولي. فحكومة وشعب السودان لا يتحملان مسؤولية جرائمها، فيكفي أنه قدم التضحيات الجسام لاسقاط حكمها، وما زال يواصل النضال من أجل تفكيك التمكين واستراداد الأموال والممتلكات التي نهبتها.