تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة


سمية العثماني
2020 / 5 / 24 - 01:06     

من بين أهمّ المراجع لفهم الماركسيّة اللينينية فهما دقيقا, كتاب الدّولة والثورة للمفكّر العظيم لينين, إذ أنّ هذا الأخير يسلّط الضوء على التعاليم الماركسيّة حول الدّولة وبالضبط طبيعة الدولة القائمة, ومهمّات البروليتاريا في الثّورة أي استلام هذه الأخيرة للسلطة بعد الثّورة.
سأشارككم/ن في الأيّام القليلة القادمة تلخيصا مبسّطا للكتاب قصد الاستفادة جميعا.
الفصل الأول: المجتمع الطبقي والدولة (الجزء الأول)
لينين في هذا الفصل تحدّث عن التشويهات التي تطال الماركسيّة وانتشارها, وركّز على ضرورة دراسة تعاليم ماركس حول الدّولة والثورة واعتمد في ذلك على جملة من الفقرات المتعلقة بهذه المسألة في مؤلفات ماركس وانجلز ليتمكّن القارئ من فهم نظريات مؤسّسي الاشتراكيّة العلمية بصورة مستقلّة واستبيان تشويه هذه النظريات من قبل الكاوتسيّة وغيرها.
1-الدولة هي نتاج استعصاء التناقضات الطبقية:
اعتمد لينين على أوسع مؤلفات فردريك انجلس انتشارا أصل العائلة والملكيّة الخاصة والدّولة الذي صدرت طبعته السادسة سنة 1894 في شتوتغارت وبدأ بهذا المقتطف

يقول انجلس ملخصا نتائج تحليله التاريخي:
الدولة ليست بحال قوة مفروضة على المجتمع من خارجه. والدولة ليست كذلك «واقع الفكرة الأخلاقية»، «صورة وواقع العقل» كما يدعي هيغل. الدولة هي نتاج المجتمع عند درجة معينة من تطوره؛ الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد تورط في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله، وأنه قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها. ولكيلا تقوم هذه المتضادات، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضاً وكذلك المجتمعات في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود «النظام». إن هذه القوة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها، مع ذلك، فوقه وتنفصل عنه أكثر هي الدولة.
يقول لينين في مؤلفه معلّقا على هذه الفقرة:
في هذه الفقرة قد أعرب بأتم الوضوح عن الفكرة الأساسية التي تنطلق منها الماركسية في مسألة دور الدولة التاريخي وشأنها. فالدولة هي نتاج ومظهر استعصاء التناقضات الطبقية. فإن الدولة تنشأ حيث ومتى وبقدر ما لا يمكن، موضوعيا، التوفيق بين التناقضات الطبقية. وبالعكس، يبرهن وجود الدولة أن التناقضات الطبقية لا يمكن التوفيق بينها.
في هذه النقطة الأساسية والهامة جدا على وجه التدقيق يبدأ تشويه الماركسية الذي يتبع اتجاهين رئيسيين؛
-الإيديولوجيون البرجوازيون ولاسيما الإيديولوجيون البرجوازيون الصغار الذين يشوّهون تعاليم ماركس بالحديث عن الدّولة كهيئة للتوفيق بين الطبقات فبرأي ماركس، لا يمكن للدولة أن تنشأ وأن تبقى إذا كان التوفيق بين الطبقات أمرا ممكنا. وبرأي الأساتذة والكتاب السياسيين من صغار البرجوازيين والتافهين الضيقي الأفق الذين لا يتركون سانحة دون أن يستندوا إلى ماركس باستلطاف! –الدولة توفق بالضبط بين الطبقات–. برأي ماركس، الدولة هي هيئة للسيادة الطبقية، هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى، هي تكوين «نظام» يمسح هذا الظلم بمسحة القانون ويوطده، ملطفا اصطدام الطبقات. وبرأي الساسة صغار البرجوازيين، النظام هو بالضبط التوفيق بين الطبقات، لا ظلم طبقة لطبقة أخرى؛ وتلطيف الاصطدام يعني التوفيق، لا حرمان الطبقات المظلومة من وسائل وطرق معينة للنضال من أجل إسقاط الظالمين.
وهكذا، عندما طرحت في ثورة سنة 1917 مسألة شأن الدولة ودورها بكل خطورتها، عندما طرحت عمليا باعتبارها مسألة عمل مباشر وفي النطاق الجماهيري، انزلق جميع الاشتراكيين-الثوريين والمناشفة، جميعهم دفعة واحدة ودون تحفظ، نحو النظرية البرجوازية الصغيرة القائلة أن «الدولة» «توفق» بين الطبقات.
- التشويه «الكاوتسكي» للماركسية، وهو أحسن تقنيعا بكثير. فهو لا ينكر «نظريا» لا واقع أن الدولة هي هيئة للسيادة الطبقية ولا واقع أن التناقضات الطبقية لا يمكن التوفيق بينها. ولكن يُغفل ويُطمس الأمر التالي: إذا كانت الدولة نتاج استعصاء التناقضات الطبقية، وإذا كانت قوة فوق المجتمع و«تنفصل عن المجتمع أكثر فأكثر»، فمن الواضح أن تحرير الطبقة المظلومة لا يمكن ليس بدون ثورة عنيفة وحسب، بل أيضاً بدون القضاء على جهاز سلطة الدولة الذي أنشأته الطبقة السائدة والذي يتجسد فيه هذا «الانفصال».
الفكرة المستخلصة من كلّ هذا: الدّولة هي نتاج لتناقضات طبقيّة مستعصيّة, هذّه الفكرة التي وصل إليها كارل ماركس وفردريك انجلس بأتمّ الدّقة على أساس تحليل تاريخيّ ملموس تعرّضت للكثير من التّشويه.
2- فصائل خاصة من رجال مسلحين، وسجون، الخ.
الجيش الدائم والشرطة هما الأداتان الرئيسيتان لقوة سلطة الدولة. ولكن كيف يمكن، يا ترى، أن يكون الأمر على غير ذلك؟
- لا يمكن أن يكون الأمر على غير ذلك من وجهة نظر الأكثرية الساحقة-
ثم لماذا غدا من الضروري وجود فصائل خاصة من رجال مسلحين الشرطة والجيش النظامي) توضع فوق المجتمع وتنفصل عنه؟
-يميل التافه الضيق الأفق إلى الجواب بجملة من عبارات مقتبسة من سبنسر أو ميخايلوفسكي، مستشهدا بتعقد الحياة الاجتماعية، بتمايز الوظائف وهلم جراً-
يقول انجلس: « (...) وبالمقارنة مع التنظيم «الجنسي» القديم (العشائري) تتميز الدولة، أولاً بتقسيم رعايا الدولة بموجب تقسيم الأراضي (...) وهذا التقسيم يبدو لنا «طبيعياً»، ولكنه قد تطلب نضالا طويلا ضد التنظيم القديم على أساس القبائل أو العشائر(...) والسمة المميزة الثانية هي تأسيس السلطة العامة التي لم تعد تنسجم مباشرة مع السكان المنظمين أنفسهم بأنفسهم في قوة مسلحة. وهذه السلطة العامة المميزة ضرورية لأن منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها غدت أمرا مستحيلا منذ انقسام المجتمع إلى طبقات… وتوجد هذه السلطة العامة في كل دولة. وهي لا تتألف فقط من رجال مسلحين، بل كذلك من ملاحق مادية، من السجون ومختلف مؤسسات القسر التي كانت معدومة في المجتمع المنظم على أساس القبائل (العشائر)
إن انجلس يشرح مفهوم «القوة» التي تسمى الدولة، القوة التي نشأت في المجتمع، ولكنها تضع نفسها فوقه وتنفصل عنه أكثر فأكثر, هذه القوة التي تتألف بصورة رئيسية من فصائل خاصة من رجال مسلحين تحت تصرفهم السجون والخ..
قبل ظهور الدّولة أي في مجتمع الشيوعية البدائية كان هناك ما يسمى بمنظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها والتي غدت |أمرا مستحيلا منذ انقسام المجتمع إلى طبقات إذ تشكّلت الدّولة ونشأت قوة خاصّة من فصائل خاصة من رجال مسلّحين.
3-الدولة أداة لاستثمار الطبقة المظلومة

للإنفاق على سلطة عامة مميزة تقف فوق المجتمع تلزم الضرائب وتلزم ديون الدولة.
يقول انجلس أنّ الدولة نشأت من الحاجة إلى لجم تضاد الطبقات؛ و نشأت في الوقت نفسه ضمن الاصطدامات بين هذه الطبقات، إذن فهيّ كقاعدة عامة دولة الطبقة الأقوى السائدة اقتصاديا والتي تصبح عن طريق الدولة الطبقة السائدة سياسيا أيضا وتكتسب على هذه الصورة وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة واستمرارها... فالدولة القديمة والدولة الإقطاعية لم تكونا وحدهما هيئتين لاستثمار العبيد والأقنان، بل كذلك الدولة التمثيلية الحديثة هي أداة لاستثمار العمل المأجور من قبل رأس المال.
ويعطي في أوسع مؤلفاته انتشارا خلاصة عامة لنظراته بالعبارات التالية:

وهكذا، فالدولة لم توجد منذ الأزل. فقد وجدت مجتمعات كانت في غنى عن الدولة ولم يكن لديها أية فكرة عن الدولة وسلطة الدولة. وعندما بلغ التطور الاقتصادي درجة اقترنت بالضرورة بانقسام المجتمع إلى طبقات، غدت الدولة بحكم هذا الانقسام أمرا ضروريا. ونحن نقترب الآن بخطوات سريعة من درجة في تطور الإنتاج لا يكف عندها وجود هذه الطبقات عن أن يكون ضرورة وحسب، بل يصبح عائقا مباشرا للإنتاج. ستزول الطبقات بالضرورة كما نشأت في الماضي بالضرورة. ومع زوال الطبقات ستزول الدولة بالضرورة. والمجتمع الذي ينظم الإنتاج تنظيما جديدا على أساس اتحاد المنتجين بحرية وعلى قدم المساواة، سيرسل آلة الدولة بأكملها إلى حيث ينبغي أن تكون حينذاك: إلى متحف العادات بجانب المغزل البدائي والفأس البرونزية.
ومن هنا سنسجّل أهمّ الأفكار:
- الدولة لم توجد منذ الأزل
- الدّولة نتاج لاستعصاء التناقضات البشريّة
- مع زوال الطّبقات ستزول الدولة بالضّرورة
4- الثورة العنيفة و«اضمحلال» الدولة
يقول إنجلس في مؤلفه ضد دوهرينغ :

تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة وتحول وسائل الانتاج قبل كل شيء إلى ملك الدولة, ولكنها تقضي على نفسها بوصفها بروليتاريا، وتقضي بذلك على كل الفوارق الطبقية وجميع المتضادات الطبقية وعلى الدولة في الوقت نفسه بوصفها دولة, إن المجتمع الذي وجد ولا يزال والذي يتحرك ضمن المتضادات الطبقية كان بحاجة إلى الدولة، أي إلى منظمة للطبقة المستثمِرة قسرا في ظروف القمع الناجمة عن أسلوب الانتاج القائم (العبودية، القنانة، العمل المأجور). لقد كانت الدولة الممثل الرسمي للمجتمع بأكمله، تمركزه في جسم منظور، ولكنها لم تكن كذلك إلاّ بمقدار ما كانت دولة تلك الطبقة التي كانت وحدها تمثل في عصرها المجتمع بأكله: في العصور القديمة كانت دولة ملاكي العبيد –مواطني الدولة، وفي القرون الوسطى كانت دولة الأعيان الإقطاعيين، وهي في زمننا دولة البورجوازيين. أخيرا، عندما تصبح الدّولة ممثلة المجتمع بأكمله حقا، وعندما لا تبقى أية طبقة اجتماعية ينبغي قمعها؛ وعندما تزول مع السيطرة الطبقية ومع الفوضى الراهنة في الإنتاج، تلك الاصطدامات وأعمال الشطط (التطرف) الناتجة عن هذا الصراع، لا يبقى هناك ما ينبغي قمعه، ولا تبقى أيضا ضرورة لقوة خاصة للقمع، للدولة. وأول عمل تبرز فيه الدولة حقا بوصفها ممثلة المجتمع بأكمله –تملك وسائل الانتاج باسم المجتمع- هو في الوقت نفسه آخر عمل تقوم به بوصفها دولة، وعندئذ يصبح تدخل الدولة في العلاقات الاجتماعية أمرا لا لزوم له في ميدان بعد آخر ويخبو من نفسه. وبدلا من حكم الناس ينشأ توجيه الأمور وإدارة عمليّات الانتاج.
الدّولة لا «تلغى» إنها تضمحل. وعلى هذا الأساس ينبغي تقييم عبارة «الدولة الشعبية الحرة»، هذه العبارة التي كان لها حق البقاء بعض الوقت للتحريض ولكنها باطلة في آخر التحليل من وجهة النظر العملية. وعلى هذا الأساس ينبغي كذلك تقييم مطلب من يسمون بالفوضويين القائل بإلغاء الدولة بين عشيّة وضحاها
1- في مستهل هذه الفقرة يقول انجلس أن البروليتاريا، إذ تأخذ سلطة الدولة، «تقضي بذلك على الدولة بوصفها دولة».
هنا يتحدث انجلس في الواقع عن «قضاء» الثورة البروليتارية على دولة البرجوازية ، في حين أن ما قاله عن الاضمحلال يخص بقايا -الدولة البروليتارية- بعد الثورة الاشتراكية.
الدولة البرجوازية لا «تضمحل» برأي انجلس، ولكن «تقضي عليها» البروليتاريا في الثورة, ثم تضمحل بعد هذه الثورة الدولة البروليتارية أو شبه الدولة.
2- الدولة هي قوة خاصة للقمع . انجلس قد أعطى هنا بأتم الوضوح تعريفه الرائع هذا والعميق منتهى العمق, ويستنتج منه أن «القوة الخاصة لقمع» البروليتاريا من قِبَل البرجوازية، قمع الملايين من الشغيلة من قبل حفنات من الأغنياء لا بد أن يُستعاض عنها بـ«القوة الخاصة لقمع» البرجوازية من قِبَل البروليتاريا (ديكتاتورية البروليتاريا). وفي هذا كنه «القضاء على الدولة بوصفها دولة», وفي هذا كنه «عملية» تملّك وسائل الإنتاج باسم المجتمع. ومن الواضح بداهة أن مثل هذه الاستعاضة عن «قوة خاصة» (برجوازية) بـ«قوة خاصة» أخرى (بروليتارية) لا يمكنها بتاتا أن تتم بشكل اضمحلال .
3- يتحدّث انجلس عن «اضمحلال» قاصدا بأتم الوضوح والجلاء مرحلة ما بعد «تملك الدولة لوسائل الإنتاج باسم المجتمع كله»، أي مرحلة ما بعد الثورة الاشتراكية, والشكل السياسي «للدولة» في هذه المرحلة هو الديموقراطية الأتم.
الدولة البرجوازية لا يستطيع «القضاء» عليها إلاّ عن طريق الثورة. والدولة بوجه عام، أي الديموقراطية الأتم، يمكنها أن «تضمحل» وحسب.

4- صاغ انجلس موضوعته المشهورة: «الدولة تضمحل» شارحا بصورة مباشرة وملموسة أن هذه الموضوع موجه في وقت معا ضد الانتهازيين وضد الفوضويين.
ما هي «الدولة الشعبية الحرة»؟ ولماذا يتضمن الهجوم على هذا الشعار هجوما على الانتهازيين؟
«الدولة الشعبية الحرة» كانت مطلبا في برنامج الاشتراكيين-الديموقراطيين الألمان في سنوات العقد الثامن وشعارا من شعاراتهم الشائعة. هذا الشعار خال من كل مضمون سياسي عدا الوصف البرجوازي الصغير الطنان لمفهوم الديموقراطية.
ولما كانوا يلمحون علنا في هذا الشعار إلى الجمهورية الديموقراطية كان انجلس مستعدا لتبريره بعض الوقت من وجهة نظر التحريض؛ ولكن هذا الشعار كان انتهازيا، لأنه لم يُفصِح فقط عن تجميل الديموقراطية البرجوازية، بل وكذلك عن عدم فهم النقد الاشتراكي لكل دولة بوجه عام.
نحن نؤيد الجمهورية الديموقراطية لأنها بالنسبة إلى البروليتاريا الشكل الأفضل للدولة في عهد الرأسمالية، ولكن لا يحق لنا أن ننسى أن عبودية العمل المأجور هي نصيب الشعب حتى في الجمهورية البرجوازية الأكثر ديموقراطية, وبعد, إن كل دولة هي «قوة خاصة لقمع» الطبقة المظلومة. ولذا فكل دولة ليست حرة وليست شعبية, وقد شرح ماركس وانجلس ذلك مرارا وتكرارا لرفاقهما الحزبيين في سنوات العقد الثامن.

5- إن مؤلف انجلس ذاته الذي يتذكر منه الجميع المحاكمة بصدد اضمحلال الدولة يتضمن محاكمة بصدد أهمية الثورة العنيفة.
وها هي ذي محاكمة انجلس:

... العنف يلعب في التاريخ كذلك دورا آخر (عدا ما يسبب من شر) وبالضبط دورا ثوريا ، وأنه، كما قال ماركس، المولدة لكل مجتمع قديم حامل بمجتمع جديد، وأن العنف هو تلك الأداة التي تشق الحركة الاجتماعية بواسطته لنفسها الطريق وتحطم الأشكال السياسية المتحجرة والميتة –عن كل ذلك لم ينبس السيد دوهرينغ بكلمة, إنه يسلم فقط، مع إطلاق الزفرات والآنات، بأن إسقاط السيطرة القائمة على الاستثمار قد يتطلب عنفا, و يا للأسف لأن كل استعمال للعنف يضعف، كما قال، معنويات من يلجأ إليه-.
وذلك يقال رغم ما نعلم من مبلغ النهوض الأخلاقي والفكري الذي كان ينجم عن كل ثورة ظافرة! وذلك يقال في ألمانيا حيث من شأن الاصطدام العنيف، الذي قد يفرض على الشعب، أن يتسم، على أقل تقدير، بمزية استئصال روح الخنوع التي تغلغلت في وعي الأمة من جراء إهانات حرب الثلاثين سنة. إن تفكير الخوارنة هذا، السقيم الهزيل العاجز، يجرأ على فرض نفسه على الحزب الذي لم يعرف التاريخ مضارعا لروحه الثورية!

وكيف السبيل إلى الجمع في تعاليم واحدة بين هذا التقريظ للثورة العنيفة، الذي ظل انجلس يقدمه بإلحاح للاشتراكيين-الديموقراطيين الألمان من سنة 1878 حتى سنة 1894، أي حتى وفاته، وبين نظرية «اضمحلال» الدولة؟

إنّ تعاليم ماركس وانجلس بصدد حتمية الثورة العنيفة تتعلق بالدولة البرجوازية, فهذه لا يمكن الاستعاضة عنها بدولة بروليتارية (ديكتاتورية البروليتاريا) عن طريق «الاضمحلال»، لا يمكن، كقاعدة عامة، إلاّ بالثورة العنيفة.
إن الاستعاضة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا يمكن بدون ثورة عنيفة. والقضاء على كل دولة، لا يمكن عن غير طريق الاضمحلال
فلنتذكر خاتمة «بؤس الفلسفة» وخاتمة «البيان الشيوعي» حيث ينادي ماركس وانجلز باعتزاز وعلى المكشوف بحتمية الثورة العنيفة، ولنتذكر انتقاد برنامج غوتا سنة 1875، الذي جاء بعد نحو ثلاثين سنة، والذي انتقد فيه ماركس انتهازية هذا البرنامج دون رحمة، وهذا النّقد ليس قط من قبيل بهرج الكلام، ولا من قبيل الحماسة في الجدال، إن ضرورة تربية الجماهير بصورة دائمة بروح هذه النظرة وهذه النظرة بالذات للثورة العنيفة هي أساس تعاليم ماركس وانجلس بأكملها, وخيانة تعاليمهما من قِبَل التيارين الاشتراكي-الشوفيني والكاوتسكي السائدين اليوم تتجلى بوضوح خاص في نسيان هؤلاء وأولئك لهذه الدعاية، لهذا التحريض.