المعتقلون السياسيون بين خطر الموت تحت التعذيب أو بفيروس كورونا


محمد حسام
2020 / 5 / 16 - 11:21     

هناك ما يزيد عن 60 ألف معتقل سياسي في سجون الديكتاتورية الحاكمة التي تحكم البلاد منذ سبع سنوات، وأكثر من 100 ألف سجين جنائي. كل هؤلاء يقبعون في أماكن أشبه بالقبور تحت السلطة الأبدية لجلادي الدولة.


جلادي الديكتاتورية العسكرية الحاكمة يتمتعون بسلطة مطلقة في هذه السجون والمقرات من قبل الأزمة الحالية أصلاً، وهاهم الآن يستغلون هذه الأزمة ليثبتوا ويؤكدوا ليس فقط سيطرتهم على المعتقلين، بل على المجتمع ككل. الدولة تستغل الأزمة لتفرض سيطرتها على المجتمع كله في وضع لم تشهده البلاد حتى في أوج مذابح الثورة المضادة في العام 2013 و2014.

عن الدولة

إن توصيف الماركسي الروسي فلاديمير لينين عن الدولة أنها “مجموعة من الرجال المسلحين” تناسب الدولة المصرية أكثر من أي مكان آخر، حيث لا صوت يعلو فوق صوت السلاح ولا سلطة تعلو فوق سلطة الجنرالات. أي مواطن بسيط في مصر يعلم أن السلطة الفعلية ليست في أيدي البرجوازية ولكنها في أيدي الضباط النظاميين، جلادي وسفاحي الدولة، وأن من دون هؤلاء الضباط وسلاحهم لكان النظام الرأسمالي في طي الماضي منذ عقود. هذه الحقيقة التي يعلمها كل مواطني مصر تحاول الدولة منذ العام 2013 وفي هذه الأزمة بشكل خاص تأكيدها وإبرازها عن طريق كل مظاهر العسكرة المنتشرة في شوارع مصر والدوريات الأمنية المستمرة والدائمة وحظر التجوال وما إلى ذلك من مظاهر فرض السيطرة على المجتمع بالقوة المسلحة.

منذ 2013 وإلى الآن بنت الدولة 26 سجنا جديدا، أي بمعدل 3,7 سجن كل عام. هذا في نفس الوقت الذي كانت ترفع فيه الدولة الدعم عن السلع الأساسية والبترولية عن المواطنين بدعوى العجز، عقود أسلحة بمليارات الدولارات جعلت مصر ثالث أكبر مستورد سلاح على مستوى العالم، في نفس الوقت الذي تطل فيه الدولة يومياً لتعلن عن مزيد من خطط التقشف. حتى في الوقت الحالي الذي يواجه المجتمع فيه أزمة صحية مريعة مقبلة، ذهبت فيه الدولة لتتعاقد على صفقة طائرات بثمانية مليارات دولارات، بضمان البنك الدولي، وتتفاوض مع صندوق النقد الدولي على قرض يقال إن قيمته ثمانية مليارات دولار، ستدفع ثمنه الجماهير المصرية غالياً بمزيد من التقشف وارتفاع في أسعار السلع الأساسية وخصخصة للخدمات العامة، المتردية والمحدودة وغير المجانية أصلاً.

حول الوضع السياسي

كما قلت تستغل الدولة الأزمة الحالية لإحكام قبضتها على المجتمع. نحن نتعامل مع دولة تستخدم أساليب وحشية لا تضاهيها إلا أساليب الكيان الصهيوني مع الأسرى الفلسطينيين.

نعيش في حالة تصحر سياسي منذ العام 2013، عشرات المجازر وعشرات الآلاف من المعتقلين وحالة الحرب الدائمة المزعومة على الإرهاب، وما يرافقها من قوانين طوارئ وقوانين هي أشبه بالأحكام العرفية مستمرة إلى الآن، وتوحش الأجهزة الأمنية، كل هذا أنتج لنا الوضع الحالي الذي صار فيه المجتمع أشبه بحالة الموت أو البيات الشتوي الطويل نسبياً، حيث يد الدولة فيه تبطش وتقمع من تشاء متى تشاء. حرفياً تتصرف الدولة كإله كلي الجبروت والقوة حيث لا رادع ولا مانع.

يأتي الوباء ليكمل المأساة، المعتقلين اليوم ليسوا معتقلين أزمة سياسية عادية ولا معتقلين أزمة اقتصادية ومجتمعية دورية، بل هم معتقلو أزمة عالمية وركود عالمي، أي بشكل صريح وواضح أرواح المعتقلين اليوم في يد الجلادين يستطيعون قبضها في أي لحظة متى شاؤوا. الجماهير في حالة ارتباك ويأس من الأزمة الصحية والاقتصادية المحدقة بهم، والدولة تعلم ذلك جيداً وتتصرف بانتهازية مجرمة لتستفيد من ذلك الوضع على حساب رفاقنا.

على الجانب الآخر يخرج علينا رموز ما تسمى “المعارضة” والجمعيات الحقوقية لتقدم مناشدات من حين لآخر للدولة للإفراج عن المعتقلين. وكأن هؤلاء لم يكتفوا من هزليتهم السياسية وخيانتهم للجماهير طوال هذه السنين الماضية، هاهم يدعون الدولة اليوم، بعد كل هذا الإجرام والاستبداد والقمع، لإظهار حسن نواياها ليصطف المجتمع وتتحقق “الوحدة الوطنية” في وجه الوباء!!!


والدة المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح ممددة أمام باب السجن بعد منعها من زيارة ابنها للاطمئنان عليه بعد إضرابه عن الطعام لمدة تتجاوز الشهر
ماذا كان رد الدكتاتورية العسكرية على هؤلاء، بصقت في وجههم، وبدلاً من أن تستجيب لهم شددت من إجراءات السجون ومنعت الزيارات للمساجين منذ منتصف شهر مارس وإلى أجل غير مسمى. وتمنع أغلبية متعلقات المساجين من الدخول، بما فيها ما يخص النظافة والوقاية. وليس هذا فقط، بل قامت أيضا بشن حملة اعتقالات طالت ما يزيد عن ست نشطاء، من بينهم مناضلون ماركسيون ونشطاء ديمقراطيون، وعلى الأغلب سوف تستمر هذه الحملة بوتائر متفاوتة. هذا كان رد الدولة على اقتراحات “المعارضة” لتتحقق “الوحدة الوطنية”، حقاً لو “اختشوا” لماتوا أو انتحروا.

خاتمة:

الوضع سيشهد في الشهور القادمة مزيدا من القمع والتوحش، خصوصاً بعد تصاعد طفيف للتحركات والإضرابات العمالية لمواجهة موجة الاقتطاعات والتسريحات من العمل، وهو ما تستعد الدولة لمواجهته بأقصى درجات الوحشية.

نحن نعلم جيداً كماركسيين أن الدولة لا يمكنها أن تقدم أي تنازلات إلا تحت تهديد الجماهير وضغط الحركة الثورية، أما نداءات “المعارضة” الإصلاحية الكاريكاتورية هذه فهي دائماً وأبدا في مكانها الطبيعي في سلة مهملات النظام، يتعامل معها النظام كما يتعامل الآباء مع لغو أطفالهم الصغار.

لكني أقول صحيح أن المعتقلين الآن هم رهائن وأسرى لدى النظام يستطيع أن يفعل فيهم ما يشاء، لكن إجرام الضباط القتلة لا يمكن أن يمحي من ذاكرة الجماهير مهما طال الزمن، وسيأتي يوم ستقتص فيه الجماهير من هؤلاء القتلة المجرمين الذين عاثوا في المجتمع فساداً وإجراماً وتوحشاً. ومثلما حررت الجماهير المعتقلين والمساجين في الثورة المصرية المهزومة في يوم 28 يناير، يوم المجد الجماهيري، سيأتي يوم وستقوم فيه الجماهير بتحريرهم مجدداً في ثورة جماهيرية بوعي وتجارب هزائم الماضي المريرة لتضمن عدم عودة هؤلاء المجرمين لوظائفهم مجدداً، لتحطم آلة الدولة الجمهورية.

المجد للشهداء والحرية للمعتقلين
تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والجيش)
تسقط حكومات رجال الأعمال
ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية