عن كورونا والسياسة والقمح والشعير


محمد حبش كنو
2020 / 5 / 15 - 09:49     

في عام 1949 حكم الرئيس ماو تسي تونغ الصين وأقر النظام الشيوعي ولأن المجتمع الصيني كان مجتمعا زراعيا فقد قرر أن يحوله إلى مجتمع صناعي لمنافسة الدول الصناعية الكبرى آنذاك و بما أن هذا التحول يحتاج وقتا طويلا فقد اخترع فكرة القفزة الكبرى أي تحويل المجتمع سريعا إلى مجتمع صناعي .

تقرر أن يهاجر الفلاحون إلى المدن الكبرى للعمل في الصناعات وإبقاء أعداد قليلة من الفلاحين للإستفادة من المحاصيل الزراعية إلى جانب إعداد أفران صهر الحديد في القرى وإلزام الفلاحين بصهر أوزان معينة من الحديد كل عام وتوفير الخردة بأية طريقة كانت .

في المدينة تم جمع الفلاحين في نظام الكومينات ( لاحظ التشابه مع الإدارة الذاتية الكردية في سوريا بنفس الإسم ) Communism وهي كلمة لاتينية تعني الشيوعية أو العيش المشاعي وكان الفلاحون يعملون ليل نهار في الصناعات ثم تأخذ الدولة كل شيئ وتم منع تخزين الحبوب والأطعمة وصهر الأواني والحلل المطبخية لمنع الطبخ في البيوت و تم إنشاء مطابخ خاصة تديرها الدولة لإطعام الفلاحين في موائد جماعية .

لزيادة المحاصيل من الحبوب أمر ماو بقتل جميع الطيور حتى لا تأكل البذور وهنا انتشرت الحشرات بشكل رهيب وتم إحداث خلل في نظام الطبيعة لأن الطيور التي كانت تأكل الحشرات تمت إبادتها .

النتيجة :

الإنتاج انخفض بدل أن يرتفع وذلك لغياب المنافسة حيث إن العامل إن بذل جهدا أو لم يبذل فالأموال تذهب للدولة وفق النظام الشيوعي أما من بقي من الفلاحين لزراعة الحبوب فقد كانت الدولة تأخذ منهم الحبوب بأسعار زهيدة ( لاحظ التشابه مع الإدارة الذاتية الكردية بتحديد أسعار زهيدة للقمح والشعير ) ثم كانت تخزنها الدولة ولأن القائمين على المحاصيل من الموظفين كانوا خائفين من إرسال كميات قليلة من المحاصيل التي ضعفت أساسا بسبب قلة الفلاحين والسياسات الفاشلة فقد أرسلوا الحصص المخصصة للغذاء إلى الدولة وزادوا في الأرقام ( الخوف والفساد ) وهكذا بدأت مجاعة الصين الكبرى .

مجاعة الصين بدأت عام 1958 و تعتبر أكبر مجاعة في تاريخ البشرية حيث مات بسببها 45 مليون إنسان حتى أن الناس كانت تأكل الجثث وتأكل كل ما يصادفها على الأرض ومن هنا انتشرت فكرة أكل الحيوانات بمختلف أنواعها على عكس ما يعتقد البعض بأنها كانت ثقافة صينية قديمة والحقيقة هي أنها من ميراث الشيوعية .

أكلت الناس الضفادع والكلاب والخفافيش والحشرات وأوراق الشجر والتراب ولحم البشر فقررت الدولة التخفيف و عودة الفلاحين إلى قراهم لكن الناس لم يكونوا يملكون ما يزرعون من بذور ولم تنته المجاعة وأخيرا في عام 1961 منت الدولة على الشعب ووزعت مخزونها من المحاصيل وانتهت المجاعة واعترفت الدولة بها بعد أن كانت في حالة إنكار بل إن السلطة قتلت ثلاثة مليون إنسان ممن اعترضوا أو حاولوا الحصول على المخزون الإستراتيجي للدولة .

استقال ماو تسي من رئاسة الحكومة بعد ذلك وبقي في رئاسة الحزب الشيوعي ( نظام ولاية الفقية الإيراني النسخة الصينية أو العكس ) وظلت رئاسة الحكومات تتحمل مسؤولية كل ما يجري من انتكاسات بعد ذلك وتم العمل بهذه السياسة في الكثير من الدكتاتوريات فيما بعد حيث يتم تحميل الوزراء والحكومة كل شيئ بينما يكون الملك أو الرئيس خطا أحمر مع أن السمكة تفسد من رأسها أساسا كما يقال .

تعودت الناس على أكل الحيوانات البرية ولكي تتخلص الدولة من عبئ تغذيتهم شجعت على ذلك بل استخدمت كلمة السر لترويج أية بضاعة وهي أن هذه الحيوانات مفيدة للضعف الجنسي بل إن ماو تسي اعتبر تربية الكلاب والقطط الأليفة من بهارج البرجوازية وأجاز أكلها للجمهور وهكذا أصبح أكل جميع أنواع الحيوانات ثقافة وتجارة رائجة فيما بعد حتى أصابت البشرية بفيروس كورونا الذي يشتكي منه الجميع اليوم ( ميراث الشيوعية الذي لا تنتهي آثاره ) .

قرر ماو تسي الإنفتاح الديمقراطي وسمح بانتقاد السلطة فكتب الناس وكتب الإعلام وعلت الأصوات وفجأة اعتقل ماو الجميع ووصل عدد المعتقلين داخل السجون إلى نصف مليون إنسان كثير منهم مات تحت التعذيب وفي عام 1984 وفي عهد الرئيس الصيني لي شيان نيان قررت الصين التخلص من هذه الإجراءات الإقتصادية الفاشلة وإلغاء نظام الكومين والإنفتاح التدريجي على القطاع الخاص وكان الإتحاد السوفيتي يمشي نحو حتفه وتفككه ودول المعسكر الشرقي تتداعى وفي نفس التوقيت نشأ حزب العمال الكردستاني الذي بدأ من حيث انتهى الآخرون .