حتى لا يتكرر فشل الفترة الانتقالية (4/4)


تاج السر عثمان
2020 / 5 / 14 - 16:56     

أشرنا في الحلقات الثلاث الماضية إلي ضرورة تفادي تكرار تجارب فشل الديمقراطيات الثلاث في حل مشاكل : السلام ،الديمقراطية والدستور الدائم، الأوضاع المعيشية والاقتصادية ،والسيادة الوطنية، وضرورة الخروج من النفق المظلم للحلقة الشريرة ( ديمقراطية – انقلاب - ديمقراطية . الخ)،الأن ندخل في تجربة الديمقراطية الرابعة التي إما نجاحها أو تشظي البلاد، مما بتطلب فتح صفحة جديدة في تاريخنا لمواجهة وحل المشاكل نفسها المتراكمة منذ الاستقلال التي عمقّها بشكل كبير انقلاب الإسلامويين الذي أطاحت به الثورة، مما يتطلب التوافق والصبر والمثابرة والعمل الدؤوب لحلها جذريا.وهذا يتطلب تقوية وتمتين تحالف واصطفاف قوى الثورة من أجل مواصلتها وتصحيح مسارها، فما التحديات التي تواجه انجاز مهام الثورة؟
أولا : أشرنا سابقا الي أنه بالتوقيع علي "الوثيقة الدستوري" تمّ الخروج عن المواثيق السابقة الموقع عليها مثل : " اعلان قوى الحرية والتغيير" يناير 2019 ، والميثاق السياسي لقوى " نداء السودان لإعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية"، أبريل 2016، أكدت تلك المواثيق علي الآتي:
- جاء في إعلان الحرية والتغيير الأتي :
- الفترة الانتقالية أربع سنوات ، تمّ تقليصها إلي ثلاث سنوات و3 شهور (39 شهر).
- تشكيل حكومة انتقالية من كفاءات وطنية بتوافق جميع أطياف الشعب السوداني تحكم لأربع سنوات، وتكون مهامها: وقف الحرب بمخاطبة جذور المشكلة، وترتيبات أمنية لاتفاق سلام شامل وعادل، وقيام المؤتمر الدستوري، والمحاكمات العادلة للجناة، وقف التدهور الاقتصادي وتحسين حياة المواطنين المعيشية، ودعم الصحة والتعليم والاسكان وحماية البيئة، استقلال القضاء وحكم القانون.
- حل وتسريح الدفاع الشعبي ومليشيات الدعم السريع وجميع المليشيات التي أنشأها النظام البائد، ونزع أسلحتها، وقومية القوات النظامية كحامية للوطن وسيادته، وقد ظهرت خطورة أسنان تلك المليشيات السامة في اشتراكها في مجزرة فض الاعتصام.
- انتهاج سياسة خارجية متوازنة ، عكس ما ورد في " الوثيقة الدستورية" التي أبقت علي الاتفاقات العسكرية الخارجية التي أبرمها النظام السابق، مما نسف السيادة الوطنية والعلاقات الخارجية المتوازنة.
- إلغاء قانون الأمن 2010 وكل القوانين المقيدة للحريات وأهمها قانون النقابات 2010 ( قانون المنشأة)، واستبداله بقانون ديمقراطي يكرّس ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.
- جاء في وثيقة إعلان الحرية والتغيير " إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية ( النظامية) بصورة تعكس قوميتها وعدالة توزيع الفرص دون المساس بشروط الأهلية والكفاءة .
- تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها علي الاستقلالية والبعد عن المحاور.
ثانيا : كان الخلل الأساسي الذي ترتبت عليه كل الأخطاء والعثرات التي تواجه الفترة الانتقالية والتي ربما تؤدي لنسفها ، ما لم يتم تصحيح المسار هو عدم الالتزام بالمواثيق السابقة كما في الآتي:
- بعد التوقيع علي " الوثيقة الدستورية" قويت شوكة المكون العسكري ( ماليا، عسكريا، اعلاميا)، وأصبح القابض الفعلي علي السلطة، وأصبح دور المكون المدني في مجلس السيادة والوزراء وق.ح.ت هامشيا وضعيفا، ولم تمارس ق.ح.ت دورها القيادي المطلوب في التحالف الحاكم ، حتى مقترحاتها برفض رفع الدعم لم يتم الأخذ بها من وزير المالية د. إبراهيم البدوى الذي يدافع عن السير في تنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي برفع الدعم وتخفيض الجنية السوداني ، ودعم القطاع الخاص، وسحب الدعم عن التعليم والصحة والدواء وعن السلع الأساسية ( وقود ، دقيق. الخ)، مما يتعارض مع "الوثيقة الدستورية" و " ميثاق إعلان الحرية والتغيير" الذي طالب بتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والحق في التعليم والصحة والاسكان.الخ.
اضافة للبطء في محاسبة منسوبي النظام البائد ، ومعالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية، والاصلاح القانوني وإعادة بناء المنظومة القانونية، والقصاص للشهداء في مجزرة فض الاعتصام وغيرها، والبطء في تسوية أوضاع المفصولين العسكريين والمدنيين، وعدم إعادة هيكلة الشرطة وجهاز الأمن ليصبح لجمع المعلومات واستمرار الانتهاكات ضد المرأة ( الاغتصاب)، انتهاك وثيقة الحقوق بقمع المواكب والمظاهرات السلمية، وانتهاك حق الحياة. الخ
- ضعفت علاقة ق.ح.ت بجماهيرها ، كما يتضح من انعزالها عن لجان المقاومة ، والمحاصصات التي تمّ وصفها "استبدال تمكين بآخر" دون كفاءة ومؤهلات ومنافسة علنية،بعد قبول المحاصصات في التكوين السيادي والوزاري والخدمة المدنية ، ومقترح المحاصصة الحزبية في تعيين الولاة المدنيين، ومحاولة تغيير تركيبة المجلس التشريعي باعطاء الحركات المسلحة التي هي جزء من " نداء السودان" 30 % من المقاعد ليكون نصيب ق.ح.ت الدستوري أقل من 67 % ( 141 ) مقعد !!، وحتى بعد الاعتراف بالفشل في انجاز مهام الفترة الانتقالية بعد عام من الثورة وأكثر من ستة أشهر علي تكوين الحكومة استمر الخلل في العلاقة بين السيادي والوزاري وق.ح.ت، واستمرت هيمنة المكون العسكري، كما وضح من الرفض الواسع لمؤامرة ابعاد وزير الصحة د. أكرم علي التوم.
ثالثا: التحديات التي تواجه الاصطفاف الحديد لقوى الثورة وتشكل حراكها القادم تتمثل في الآتي:
- تصحيح مسار الثورة وإعادة النظر في "الوثيقة الدستورية" التي شبعت خرقا وضربا بعرض الحائط ، والعودة لميثاق إعلان " قوى الحرية والتغيير" بعد أخذ المستجدات في الاعتبار، لصالح الحكم المدني الديمقراطي، ف"لا بديل للحكم المدني الا الحكم المدني".
- الاسراع في القصاص العادل لشهداء مجزرة فض الاعتصام وغيرها ومتابعة المفقودين
- الاسراع في تفكيك التمكين واستعادة كل ممتلكات وأموال الشعب المنهوبة، وهذا لن يتم الا في وجود حكومة قوية وسلطة ثورية .
- تحقيق السلام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة، وفق المنهج السليم بجلوس كل الأطراف من حركات وممثلي جماهير مناطق الحروب والمعسكرات واصحاب المصلحة لهدف تنمية واعمار تلك المناطق كما أوضحنا سابقا، وتمتين السلام والوحدة علي أساس "ميثاق الحرية والتغيير" والحكم المدني الديمقراطي، وعقد المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية.
-تحسين أداء الحكومة ورفض رفع الدعم عن السلع الأساسية، وحل الضائقة المعيشية والاقتصادية التي ما زالت مستمرة في التفاقم ،وتركيز الأسعار وضبط السوق، ودعم الصحة بعد أزمة "كرونا"، والتصدى بحزم لنشاط تجار المؤتمر الوطني والرأسمالية الطفيلية القابضة علي السوق والبنوك وتجارة العملة بخلق أزمات السلع التموينية وتهريبها للخارج ، ورفع سعر الدولار رغم شح الاحتياج له بعد أزمة " كورونا" وتقلص التجارة الخارجية والسفر للخارج، وإعادة كل شركات الذهب والبترول والمحاصيل النقدية وشركات القوات النظامية لولاية المالية.
- التوجه للإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي ، وتأهيل قطاع النقل ، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وسيطرة الدولة عن طريق شركاتها علي التجارة الخارجية من صادر ووارد مما يساعد في تركيز الأسعار ، والدخول في شراكات مع القطاع الخاص اضافة للقطاع التعاوني والقطاع الخاص المنتج في الزراعة والصناعة والإنتاج الحيواني بما يضمن تقوية الجنية السوداني، والسيطرة علي العملات الأجنبية وتحديد بنك السودان لسعرها ووقف تجارة السوق السوداء أو الموازي فيها.
- التصدى بحزم للتخريب الذي تقوم به القوى المعادية للثورة في خلق الفتن القبلية في دارفور والشرق وجنوب كردفان ومدن الشمال ، وحرق المحاصيل . الخ ،بهدف زعزعة الاستقرار والأمن ، وتغذية النزعات الانفصالية في دارفور وشرق السودان ، وجمع السلاح وحصره في يد القوات المسلحة وتصفية المليشيات، والوقوف سدا منيعا ضد تنفيذ مخطط الاستيلاء علي ميناء بورتسودان.
- تقوية الإعلام الذي يتسم بالضعف وتواضع الأداء، فما زالت العناصر المعادية للثورة مسيطرة علي معظمه من صحف ورقية والكترونية وثبث سمومها وأكاذيبها الواضحة والمثير للضحك والتهكم.
- دعم استقلالية وديمقراطية الحركة النقابية ولجان المقاومة.
- التمسك باكمال الفترة الانتقالية ، و التصدي بحزم لدعوات الانقلاب والانتخابات المبكرة ومخطط نسف وفشب الفترة الانتقالية.
- استمرار زخم الثورة والعمل الجماهيري المتعدد المستويات باعتباره الحاسم في استمرار الثورة ونجاحها وتحقيق أهدافها.