السلطة تواصل قمعها تحت غطاء جائحة كورونا


رياض حسن محرم
2020 / 5 / 8 - 15:29     

فى صمت مريب تم تمديد حالة الطوارئ لمدة 3 شهور جديدة بنفس الحجج التقليدية مع اضافة ظرف الوباء كذريعة اضافية، وهكذا تستغل السلطة تفشّي فيروس كورونا المستجد، واسرع البرلمان المصري في 22 أبريل 2020 لإقرار تعديلات اقترحتها الحكومة على “قانون الطوارئ لعام 1958″، والتي تمنح الرئيس عبد الفتاح السيسي وأجهزة الأمن سلطات واسعة جديدة، واستغلال الحجرالذي فرضته الجائحة بهدف كبح الحريات والحقوق، وتستغل السلطة تفشّي فيروس كورونا لضرب المجتمع المدنى والشخصيات المعارِضة في إطار جهود مستميتة لخنق المعارضة ووضع حد لأى وجهة نظر أخرى، وتسلّط الاعتقالات بحق المحتجين ووضعهم فى السجون وفرض رقابة أمنية متعسفة عليهم حتى بعد الإفراج عنهم، تلك الطوارئ التى تمدد للمرة الـ 13 منذ فرضها فى 10 إبريل 2017، ردا على هجومين استهدفا كنيستين فى الإسكندرية وطنطا.
يستخدم النظام أيضاً المنظومة القضائية لزجّ النشطاء في السجون أو وضعهم في الحجز المطوّل قبل المحاكمة وذلك استناداً إلى تهم ملفّقة. هذا ماحدث مثلاً للنائب السابق والناشط السياسى/ زياد العليمى واعتباره ارهابيا ومؤيدا لجماعة الإخوان، وذلك لإشتراكه مع حزبيين آخرين فى تشكيل "حركة الأمل" التى تنسق علنا لإنتخابات المحليات القادمة، كما أن تضمين المواد كجزء من قانون الطوارئ يعني أن السلطات قادرة على فرض التدابير متى أُعلِنت حالة طوارئ، بغض النظر عما إذا كانت هناك ظروف طوارئ صحية أم لا، ويمنح قانون الطوارئ (رقم 162 لعام 1958) قوات الأمن سلطات واسعة منها :احتجاز المشتبه فيهم إلى أجل غير مسمى واستجوابهم، دون مراجعة قضائية تُذكر، كذلك المراقبة الجماعية والرقابة على الإعلام.مصادرة الممتلكات دون مراجعة قضائية.كما تقيّد التعديلات “الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات، كما يجوز تقييد الاجتماعات الخاصة”، حتى بدون مبررات صحية.
كما أن أي شخص ينتهك التدابير المفروضة أثناء سريان حالة الطوارئ قد يواجه حُكما بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما، وتجري المحاكمات في هذه القضايا أمام “محاكم أمن الدولة طوارئ”، التي لا يُتاح فيها حق الاستئناف، كما أن الصحافة في مصر أصبحت بالفعل "جريمة" على مدى السنوات الأربع الماضية، في الوقت الذي تشدد فيه السلطات قبضتها على المعارضة وعلى وسائل الإعلام، ومع استمرار ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في مصر، تعزز الحكومة سيطرتها على المعلومات، بدل دعم الشفافية خلال الأزمة الصحية.
ويوفر انتشار وباء كورونا، فرصة للتنظيمات الإرهابية للظهور على الساحة بصورة أبرز، سواء بكسب مجندين جدد أو تنفيذ عمليات إرهابية، فإن كان الوجود الأمني وحظر التجول يمثلان رادعاً أمام المجموعات الإرهابية في تنفيذ عملياتها أو التحضير لها في تلك الأوقات، إلا أنه يساعد بصورة أكبر في توسع التنظيمات الإرهابية في ظل بقاء الأفراد في المنازل والاتصال بصورة أكبر بمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي. عن طريق تأليب الرأي العام حول سياسات الدولة أو ضعف قدرتها على التعامل مع الوباء وانتشاره، أو من خلال نشر الشائعات وإتاحة فرصة أكبر للحديث حول نظريات المؤامرة في ظل محاولة المتابعين فهم ومتابعة التطورات في انتشار الوباء وتفسيراتها، مما يسهل عمليات التجنيد للمجموعات بمختلف انتماءاتها حسب ميول المتابع، كما أن تلك التنظيمات تستغل بصورة مكثفة إغلاق دور العبادة ومنع المصلين من أداء الصلوات الجامعة فى المساجد خصوصا فى شهر رمضان الفضيل، حتى بعد قيام النظام بتخفيف اجراءات العزل فان السلطات ما زالت متشددة بالنسبة لإقامة الشعائر الدينية.
يمكننا ملاحظة ما قام به تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" من خلال أذرعه الإعلامية، فقد اكتفى بالعدد (219) من صحيفة النبأ، بنشر خبر حول تطورات الوباء بالصين التي يصفها بالطاغوت والحكومة الكافرة، شيئا فشيئاً بدأ ملاحظة زيادة الاهتمام، فنشر في افتتاحية العدد (220) مقالاً بعنوان “إن بطش ربك لشديد” أرجع فيه انتشار الوباء بالصين إلى ما ارتكبته بحق المسلمين، داعيا أنصاره إلى الابتعاد عن المناطق الموبوءة. العدد (223)، استمر على المنوال نفسه، فناقشت افتتاحيته فكرة انتشار الوباء على أنه عقاب إلهي لمن يعبدون دونه. وحتى لا تؤثر التغطية الإعلامية ونظريات المؤامرة على هدف التنظيم، اتجه نحو نفي المزاعم بكون الفيروس مصطنعاً، أو أن هناك يداً بشرية متحكمة في انتشاره، وذلك في افتتاحية العدد (227)، ومنذ العدد (228) بدأت توجهات التنظيم ورغبته في الاستغلال تظهر صراحة، فنشر مادة بعنوان “أسوأ كوابيس الصليبيين”، ناقشت تبعات حظر التجوال في الدول الغربية وبقاء المواطنين بالمنازل، مشيراً إلى أنها تتكبد خسائر اقتصادية، مع رغبتها في توقف نشاط التنظيم وأتباعه. وعليه ينطلق التنظيم للدعوة لاستغلال تلك الظروف في الانطلاق بعمليات إرهابية تستهدفهم وحلفاءهم، كما يمكن ربط ذلك بزيادة عمليات التنظيم بسيناء والتى يعتبرها احدى ولاياته.
فى ذات الإطار تستغل جماعة الإخوان المسلمين الوباء في محاولة للعودة إلى الساحة السياسية، محاولة استعطاف فئات من الشعب المصري حولها، والظهور بثوب الفصيل الوطني الهادف للمساعدة، فأطلقت الجماعة مبادرة حملت عنوان “شعب واحد.. نقدر”، ووفقاً للمتحدث باسم الحملة أحمد ثابث، في تصريحات لموقع (عربي 21) “هي حملة أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين، وتستهدف -كما هو واضح من اسمها (شعب واحد)- جموع الشعب المصري بشرائحه المختلفة ودون استثناء، من الشباب والشيوخ والرجال والنساء، وجميع الفئات المهنية من الأطباء والمهندسين والمدرسين والعمال والوظائف المتاحة، وتهدف لجمع كل الخبرات، وتجميع كل الطاقات كي ينطلق المجتمع كله على قلب رجل واحد للخروج من الأزمة”، مشيراً إلى أنها تعمل على أكثر من مستوى طبي واقتصادي واجتماعي وشرعي وإعلامي… إلخ، كما أصدرت الجماعة بياناً في 17 مارس، أكدت فيه أن المرض عقاب من الله، مطالبة بالحرص على مرضاته وطاعته. ومطالبة أيضا بالإفراج عن المسجونين والمحتجزين، بالإضافة الى دعوات خروج تظاهرات أو تجمعات ومسيرات بغطاء ديني بدافع دعاء الله ضد المرض والتخلص من الوباء كما حدث في مدينة الأسكندرية أكثر من مرة.
كما أن "السلطات المصرية أوضحت أن أي شخص يتحدى الرواية الرسمية سيعاقب بشدة". ووثقت منظمة العفو الدولية 37 حالة للصحفيين المحتجزين في حملة القمع المتصاعدة التي تشنها الحكومة على حرية الصحافة ، والكثير منهم اتهموا "بنشر أخبار كاذبة" أو "إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي" بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 الذي وسع تعريف الإرهاب ليشمل جميع أنواع المعارضة، لكن السلطات نفت في وقت سابق انتهاكات الحقوق وبررت الاعتقالات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وحذر النائب العام المصري مؤخرا من أن أولئك الذين ينشرون "أنباء كاذبة" عن فيروس كورونا قد يواجهون عقوبة سجن تصل إلى خمس سنوات وغرامات مالية ثقيلة، ومنذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في العام 2013، تبنت معظم البرامج والصحف التلفزيونية المصرية موقف الحكومة وابتعدت عن الانتقادات، واختفت تلك التي اعتمدت موقفا مخالفا، كما استولت الشركات التابعة لجهاز المخابرات ف البلاد على العديد من المنافذ الإخبارية الخاصة.
هكذا وفى ظل حالة الجائحة تعمل السلطة بكل قوة على فرض هيمنتها واستبدادها على عباد الله.. السلام عليكم.