التصدي للفساد في وثائق الحزب الشيوعي العراقي


عادل عبد الزهرة شبيب
2020 / 5 / 8 - 11:18     

تشير وثائق الحزب الشيوعي العراقي الى تفشي الفساد في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وتحوله الى اخطبوط خطر لا يقل في عواقبه عما يسببه الارهاب وداعش حيث احدهما يغذي الآخر.
وحسب مؤشر الشفافية الدولي فقد احتل العراق المركز (170) في قائمة مؤشر الشفافية الدولي لعام 2014 التي اشتملت (175) بلدا محرزا (16 ) نقطة من أصل (100) حيث تذيلت القائمة كل من الصومال وكوريا الشمالية بالتسلسل (174) لكليهما بإحراز 8 نقاط لكل منهما , تلتهما السودان بالتسلسل (173) محرزا (11) نقطة وجنوب السودان بالتسلسل (171) محرزا (15) نقطة ثم العراق بالتسلسل (170) بـ (16) نقطة, التسلسل الرابع في ذيل القائمة للدول الاكثر فسادا , فـ ( مبروك للعراق لاحتلاله المركز الرابع دوليا). ويشير تقرير الشفافية الدولية لعام 2014 الى ان من بين مؤشرات وجود الفساد في القطاع العام لأي بلد هي سوء وضع المدارس ورداءة تأهيلها ,فمازالت مدارسنا بدوام ثنائي وثلاثي تفتقر الكثير منها للشروط الصحية وبعضها وخاصة في المناطق الريفية مبنية من القصب والطين وبدون رحلات حيث يفترش التلاميذ الارض ,اضافة الى تردي النظام الصحي وكذلك حسم الانتخابات عن طريق استخدام المال العام والرشى. ان مثل هذه الاوضاع من الفساد تؤدي الى تقويض العدالة والتنمية الاقتصادية وينتج عنها انعدام ثقة المواطنين بالحكومة والقيادة, كما يشير تقرير الشفافية الى ان البلدان التي حصلت على نقاط متدنية يدل على انها تفتقر الى قوانين معاقبة المفسدين ويدلل الفساد على اساءة القادة وكبار المسؤولين استخدام السلطة فيما يتعلق بالاستيلاء على المال العام والتستر على كبار المفسدين من المسؤولين في الحكومة لتحقيق مكاسب شخصية.
لقد ألحق الفساد في العراق الضرر الكبير ببناء دولة فعالة وقوية وبتقديم الخدمات بشكل كاف للمواطنين. وتحقيق التنمية الاقتصادية - الاجتماعية. ومازال بحدود 23% من ابناء العراق يعيشون بفقر مدقع في ظل تعثر مبادرات الحكومة لمكافحة الفساد.
ان عمليات الاختلاس الضخمة وأساليب الخداع وغسيل الاموال والشركات الوهمية وتهريب النفط وحالات الرشاوي والبيروقراطية والفضائيين المنتشرة في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية قد رمت البلاد في حضيض قعر معدلات الفساد في العالم مما ادى الى اذكاء العنف السياسي والحاق الضرر بعملية بناء الدولة. وقد ساعد التدخل السياسي في عمل هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضايا الفساد اضافة الى ضعف منظمات المجتمع المدني والتدهور الامني ونقص الموارد والشروط القانونية على التحجيم وبشكل كبير من قدرة الحكومة على كبح حالات الفساد المستشرية. وبصدد تفشي الفساد فقد كشف تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن ( حسب عراق بريس ) أن ( صندوق تنمية العراق الذي أنشئ عام 2003 لإيداع مبيعات المنتجات النفطية العراقية بناء على القرار (1483) بلغت ارصدته (165) مليار دولار عام 2009 وبسبب الفساد الكبير فقد اختفى منها (17) مليار دولار في العام 2003 وتم اختفاء (40) مليار دولار اخرى في العام 2010, لتصبح أرصدة صندوق تنمية العراق (7) مليار دولار في العام 2013, كما عجزت الحكومة العراقية عن تبرير اختفاء (11) مليار دولار من تلك الارصدة, وبهذا يكون العراق قد فقد من امواله أكثر من (203 ) مليار دولار خلال بضع سنوات ,في حين ان موازنات العراق منذ العام 2003 ولغاية اليوم تجاوزت التريليونات دولار دون ان يقابلها مشاريع استراتيجية صناعية او زراعية او تعدينية او تستخدم في حل المشكلات الاقتصادية القائمة كالبطالة والسكن والفقر وتوفير مياه الشرب الصالحة والنقية في البصرة وباقي المحافظات بما فيها العاصمة بغداد ....الخ او العمل على تنويع مصادر الدخل الوطني والتخلص من الاقتصاد الاحادي الجانب القائم على تصدير النفط الخام. وتؤكد وثائق الحزب الشيوعي العراقي على ضرورة التشديد في مكافحة الفساد في ظل تقلص الواردات المالية للبلد, مبينا ان الشرط الاساسي الواجب توفره لتحقيق تقدم في التصدي للفساد هو (( وجود ارادة سياسية حازمة لاتخاذ القرارات والاجراءات اللازمة لمعاقبة الفاسدين والمفسدين وتطبيق القوانين ذات العلاقة واعادة بناء الاجهزة المعنية وتخليصها من الفساد واسناد المهام الى العناصر الوطنية المخلصة والنزيهة. وان المكافحة الجدية لابد ان تبدا من قمة السلطة وان تشمل جميع المسيئين والمتلاعبين بالمال العام كبيرهم وصغيرهم بغض النظر عن موقعهم الوظيفي ومسؤوليتهم السياسية والاجتماعية والدينية ..ومنح عملية المحاربة الجذرية للفساد بعدا مجتمعيا عبر اشراك قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني ورموز وشخصيات وطنية وثقافية واجتماعية وعدم الاعتماد حصرا على دور الدولة وآلياتها وجهاتها الرقابية, وانما ينبغي حشد طاقات وقدرات مجتمعية واسعة الى جانبها في حملة وطنية شاملة لمكافحة الفساد.)). ويعرف الحزب الشيوعي العراقي الفساد بأنه ( اساءة استخدام السلطة لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة ) وتمظهره في انحرافات واختلاسات واحتكار ورشوة وتربح واهدار للمال العام , حيث اصبح الفساد يشكل ظاهرة متفشية في بلادنا على صعيدي الدولة والمجتمع وتهديدا جديا وخطيرا للبلاد واستقرارها السياسي والاجتماعي .كما تحدد الوثائق ابرز مظاهر الفساد وتجلياته في العراق والتي تشمل:
1.تنامي التحالف غير الشرعي والخطير بين السلطة والمال.
2. شيوع الغنى الفاحش والمفاجئ للنخب المتنفذة .
3. الاستيلاء على الممتلكات العامة واراضي الدولة.
4. غياب مبدأ تكافؤ الفرص في اشغال الوظائف والمناصب العامة وبيع هذه الوظائف .
5. شيوع ظاهرة الرشى والنهب المنظم للمال العام.
6. تزوير الشهادات الدراسية والوثائق الرسمية .
7. الامتيازات المفرطة التي تتمتع بها الرئاسات الثلاث والوزراء واصحاب الدرجات الخاصة.
ومما ساعد على اتساع ظاهرة الفساد الخطيرة وتفشيها اخفاق المنظومة الرقابية المعنية بمحاربة الفساد والحد منه ومعاقبة الفاسدين في انجاز مهماتها في حماية المال العام وصيانة حرمته وعجزها عن ردع المفسدين ومنعهم من التطاول عليه.
وبينت الوثائق ان مهمة مكافحة الفساد ليست سهلة وهي تتطلب قبل كل شيء ارادة سياسية حازمة وعملا متكاملا ذا ابعاد سياسية وتشريعية وقانونية وادارية وتنظيمية وانسجاما بين مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث الأمر الذي يتطلب اصلاح هذه المؤسسات وتحويل مهامها الى عناصر وطنية مخلصة نزيهة قادرة على حماية نفسها من اغراءات المال والسلطة .وان المكافحة الجدية للفساد لا بد ان تبدأ من قمة السلطة وان تشمل جميع المسيئين والمتلاعبين بالمال العام بغض النظر عن مواقعهم الوظيفية ومسؤولياتهم السياسية والاجتماعية والدينية .
وكان الفساد وتفشيه في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية احد العوامل التي دفعت الجماهير الشعبية الى الانتفاض ضد القوى الفاسدة مطالبة باتخاذ موقف واضح ضد الفساد ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم الى القضاء كي يقول كلمته فيهم ما يتطلب اصلاح القضاء وتخليصه من التأثيرات السياسية وتعزيز استقلاليته وذلك عبر جملة من التشريعات والاجراءات السريعة .
فهل تستطيع الحكومة الجديدة , حكومة السيد مصطفى الكاظمي من وضع حد للفساد وتقديم الفاسدين بما فيهم كبارهم للمحاكمة واسترجاع الأموال المنهوبة ؟؟؟!!!