إلى أين تتجه الأوضاع السياسية في تونس في الأشهر القادمة: تواصل صراع الرئاسات الثلاث أم استقطاب جديد قديم سيتوج بانتخابات برلمانية مبكرة؟


بشير الحامدي
2020 / 5 / 6 - 20:10     

إن الأزمة التي أنتجتها انتخابات 2019 والطريقة التي مكنت حكومة الفخفاخ من الحصول على تزكية البرلمان لتفادي المرور لانتخابات جديدة مبكرة بعد فشل حكومة الحبيب الجملي كانت تؤشر إلى وضع من عدم الاستقرار ينتظر منظومة الحكم بمؤسساتها الثلاث (البرلمان الحكومة الرئاسة). حركة النهضة كانت الحزب الأكثر إدراكا لوضع عدم الاستقرار المنتظر خصوصا بعد المأزق السياسي التي واجهته في علاقة بموقفها من حزب قلب تونس وبالتنازلات التي فرضت عليها من قبل التيار الديمقراطي وحركة الشعب حتى يكونا شريكين لها في حكومة الفخفاخ التي لم تكن راضية عنها تمام الرضى ولكن فرضت عليها بحكم موازين القوى البرلمانية وسياسة وآليات إدارة الأزمة التي كانت تنتهجها.
أوضاع عدم الاستقرار لم تكن لتنتظر كثيرا لتنفجر صراعا بين الرئاسات الثلاث هذا الصراع الذي كان سيمثل محور كل الشأن السياسي طيلة أشهر قبل أن يفضي للوضع الذي تفادته حركة النهضة تحديدا وبالدرجة الأولى وكذلك حلفاؤها في حكومة الفخفاخ ولكن بانتشار وباء كورونا وبتعميقها لأزمة السيستام ها أنا على أبواب طور ستختلط فيه الأوراق من جديد خصوصا بعد ظهور دعوات من هنا وهناك لحل البرلمان و إسقاط الحكومة ولكنها كلها دعوات صادرة من اليمين وتحديدا من أنصار حزب عبير موسى ومن شباب تونس (هؤلاء الذين فكوا ارتباطهم بقيس سعيد) ومن أطراف أخرى أقل تأثيرا من المجموعتين السابقتين دون الحديث عن المجموعة الأخرى المنادية بتنظيم اعتصام القصبة 3 والتي لم تتوضح بعد مواقفها ومطالبها والمهمات التي تريد تحقيقها.
وعموما يمكن القول أننا سنشهد في الأشهر القليلة القادمة تمحورا للصراع حول مطلب إسقاط الحكومة والبرلمان والرئاسة بدرجة أقل هذا إن تمكنت هذه الأطراف إلى المرور للممارسة وهوما سينتج وبالنظر للاستقطاب الذي سينتجه هذا الحراك ثلاثة محاور للصراع:
أولها المحور الذي ستشكله منظومة الحكم القائمة البرلمان والحكومة والرئاسة باسم الشرعية والدستور (انظر مواقف خالد الكريشي ونور الدين البحيري وسيف مخلوف).
وثانيها محور اسقاط الحكومة والبرلمان الذي سيشكل عموده الفقري حزب عبير وسى وشباب تونس وقد تنظم إليه فيما بعد أحزاب ومجموعات أخرى ترى أن موقعها الطبيعي هو إلى جانب هذا المحور اليميني المعادي لحركة النهضة وقد لا نستبعد كذلك التحاق بعض أطراف اليسار اللبرالي على قاعدة الموقف المتعلق بمعاداة حركة النهضة.
أما المحور الثالث فهو المحور الذي سيتشكل من المجموعات المنادية باعتصام القصبة 3 الذي يبحث عن التباين مع المحور الثاني ولكنه لم يحسم لحد اليوم مواقفه المتعلقة بأنصار قيس سعيد وبطبيعة تحركه وأهدافه والأشكال التنظيمية التي سيدعو إليها.
كل هذه المعطيات تؤشر إلى أن الوضع يتقدم في اتجاه إفراز وضع شبيه بالوضع الذي أنتجته أزمة حكومة الترويكا سنة 2012 : النهضة وتحالفها الحكومي من جهة في مواجهة تحالف يميني لبرالي واسع بقيادة عبير موسى وكل الذين لهم مصلحة في اسقاط حكومة الفخفاخ ورئاسة راشد الغنوشي للبرلمان الذين ستتكثف مطالبهم في المطالبة تنظيم انتخابات مبكرة وهو وضع سيعيد تشكيل تحالفات الفوق السياسي الفاسد وصراعات التكالب على السلطة المستمرة بينها منذ انتخابات 2011 .
وفي كل الحالات فهذا الاستقطاب الجديد القديم وحتى إن أدّى إلى إذعان النهضة وقبولها تنظيم انتخابات مبكرة فهي ستكون انتخابات لا جديد يمكن أن تأتي به بقدر ما ستؤكد معطى ظل قائما منذ فشل حكومة الترويكا وهو أن لا قوة سياسية قادرة على الحكم بمفردها لا النهضة ولا التحالف اليميني الحداثي اللبرالي و أن لا إمكانية واردة وعلى المستوى المتوسط لكسره إن استمرت الأغلبية التي لا مصلحة لها لا مع حركة النهضة ولا مع فرقائها تحت هيمنة هذه الأحزاب ولم تخُطّ لنفسها طريق الاستقلال عنهم ومواجهتهم جميعا: أي ما لم تخض معركتها ضدهم جميعا ولصالحها وتضع على رأس أولوياتها إسقاط شرعية مسار الانتقال الديمقراطي وشرعية كل قواه و أجهزته.

6 ماي 2020