يا عمّال العالم اتّحدوا


سمية العثماني
2020 / 5 / 1 - 18:40     

يحل علينا اليوم الأول من آيار - اليوم الأممي للطّبقة العاملة - ليذكّرنا بالشّعار العلمي الذي رفعه منظريّ الاشتراكيّة العلمية المفكّرين كارل ماركس وفردريك انجلس في البيان الشّيوعي سنة 1848 يا عمّال العالم اتّحدوا

يقول المفكّر لينين: إن الجوهري في مذهب ماركس هو تبيان دور البروليتاريا التاريخي العالمي، بوصفها بانية المجتمع الاشتراكي.
وجاء في البيان الشّيوعي على لسان ماركس وانجلز: إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية. حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، و بكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، خاضوا حربا متواصلة، تارة معلنة و طورا مستترة، حربا كانت تنتهي في كل مرة إما بتحول ثوري للمجتمع كله، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين .

إنّ أهمّ ما جاءت به الماركسيّة هو نظريّة الصراع الطّبقي, هذه النّظريّة القائمة على المنهج الجدلي في التحليل (الماديّة الجدلية والماديّة التّاريخية), والتّي تبرز مفهوم تطوّر المجتمع على أسس موضوعيّة أهمّها تطوّر القوى المنتجة التي تتألف من وسائل الإنتاج واللّذين يستخدمون وسائل الإنتاج هذه, والتي أدّت إلى جانب شروط موضوعية أخرى إلى تراكم الثّروات وظهور فائض في الإنتاج وبالتّالي إلى ظهور الملكيّة الخاصة.

لقد عرف تاريخ تطوّر المجتمعات البشريّة عدّة مراحل, وكانت تتميّز كلّ منها بنمط إنتاج معيّن يميّز كلّ مجتمع على حدة؛ دون الحديث عن الشيوعيّة البدائيّة التي كانت تتميّز بالملكيّة الجماعيّة لوسائل العيش, كانت المجتمعات العبوديّة, الاقطاعيّة والرأسماليّة مجتمعات طبقيّة تتميّز بالملكيّة الخاصّة لوسائل الانتاج تحمل في داخلها طبقتين متناقضتين تناقضا رئيساً (العبيد والأسياد, الإقطاع والأقنان, البرجوازيون والعمّال).

إنّ نظام الإنتاج الرأسمالي وهو نظام قائم على إنتاج فائض القيمة, وإنتاج فائض القيمة مشروط باستغلال قوّة عمل العامل أبشع استغلال, ولنتفق أنّ لعلاقات الإنتاج الرأسماليّة ثوابت ملازمة لها لا تتأثّر بالتغيرات المرتبطة بمراحل تطور الرأسماليّة وأولى وأهمّ هذه الثوابت هو استغلال الطّبقة الغير منتجة والمالكة لفائض القيمة (الطبقة البرجوازية) للقوى المنتجة لفائض القيمة والتي تبيع قوة عملها لكسب قوت يومها (الطبقة العاملة), وهذا التّناقض بين هتين الطبقتين المتناقضتين والمتصارعتين قانون ثابت وجوهري في علاقات الانتاج الرأسماليّة.

إنّ الطّبقة العاملة هيّ طبقة لا تملك أيّ وسيلة إنتاج, فتضطرّ لبيع قوّة عملها لكي تعيش, إنّها القوى الخلاّقة الرئيسيّة التي تقف عليها عمليّة الإنتاج الرأسمالي, فهيّ التي تخلق فائض القيمة, هذا اللّغز الذي لم يستطع الاقتصاديون والفلاسفة حلّه, واستطاع المفكّر العظيم كارل ماركس اكتشافه بتطبيقه لقوانين الجدل, وقد أجاب في مرجعه العظيم –دون مبالغة- رأس المال كيف يحصل الرأسماليّ على فائض القيمة الذي ينتجه العامل فوق ما يحتاجه لمعيشته اليوميّة...وذلك عن طريق استغلال قوّة العامل (السلعة التي يشتريها الرأسمالي) أبشع استغلال.

منذ نشوء الصناعات الصغير (الميني فاكتورة) حتّى ظهور المصانع الكبرى وعلاقات الانتاج الرأسمالية على دينها من جهة استغلال الطّبقة العاملة, فالعامل في إنجلترا قبل مئات السّنين كان يعيش حياة أسوء وأتعس من حياة العبيد حيث كان يعمل لعشرين ساعة وأكثر وأتحدّث هنا عن أطفال يبلغون ست سنوات يحملونهم آبائهم على أكتافهم إلى المعمل, وعن نساء وأمهات فقدن حياتهنّ من شدّة العمل, وعن آباء أصيبوا بأمراض مزمنة جرّاء العمل... لقد كانت الطّبقة العاملة محرومة حتّى من حقّها في النّوم, لقد كانت محرومة من أبسط مظاهر الحياة... وقد أدرك حينها كارل ماركس أنّ هذه الطّبقة المستغَلّة والمضطهَدة هيّ الطبقة الوحيدة التي ستقود المجتمع نحو الحريّة وهيّ التي ستقضي على كلّ أنواع الاستغلال.

إنّ الطبقة العاملة عبر نضالها الطّويل استطاعت حتّى اليوم أن تنتزع تقليص عدد ساعات العمل إلى ثمان ساعات, منع تشغيل الأطفال... وغيرها من المطالب البسيطة لكنّها مازالت تُستغلّ أبشع استغلال لإنتاج فائض القيمة فهذا الأخير هو المصدر الوحيد لأرباح الرأسماليين ولا يمكن للطبقة الرأسماليّة أن تحصل على أرباح حقيقية من دون فائض القيمة لذا فإنّ استغلال هذه الطّبقة لن ينتهي إلاّ بزوال الرأسماليّة والخلاص من عبوديّة العمل المأجور.

إنّ الرأسماليّة لا يهمّها شيء آخر غير الرّبح حتّى ولو كان ذلك على حساب أرواح العمّال, والكادحين ولعلّ جائحة كورونا وما سبّبته من خوف وهلع في نفوس سكّان العالم بأكمله لخير دليل على ذلك, هذا الفيروس الذي عرّى الوجه الحقيقي للرأسماليّة المتوحّشة التي كانت لا تنفك تصرخ في آذاننا بشعاراتها الرّنانة من حريّة وديموقراطيّة ومساواة وحقوق الإنسان... قد عمدت اليوم -وهذا من طبيعتها- إلى تشغيل العمّال واستغلالهم في عزّ انتشار هذا الوباء الذي حصد حتّى الآن حياة الملايين من البشر غير آبهة بحياتهم ووضعهم الصّحي لأنّ الأهم عندها من هذا كلّه هو إنتاج المزيد والمزيد من فائض القيمة, هذا دون الحديث عن العمّال الذين توقّفوا عن العمل إثر انتشار هذا الوباء دون أدنى تعويض... الرأسماليّة التي رفعت شعار الزم_المنزل وسخّرت إعلامها وبرامجها وصحافتها للتشديد على ضرورة البقاء في المنزل بل وعملت وفقا لطبيعتها القمعيّة على اعتقال كلّ من وُجد خارج المنزل بعد وقت حدّدته للخروج ومن بينهم آباء وأمهات دفعتهم لقمة العيش لذلك, هيّ في نفس الوقت أرغمت الآلاف من العمّال والعاملات للخروج للعمل في ظروف لا تتوفر فيها أبسط شروط السّلامة, لا, بل ويُهدّد بالطّرد النهائيّ كل من احتجّ على ذلك.

إنّنا نرى وبأم أعيننا أنّه في ظلّ ما يعيشه العالم اليوم بسبب انتشار وباء كورونا أنّ الطّبقة العاملة هيّ الطبقة الأكثر تضررا والأكثر عرضة للاستغلال... لذا فتنظيم العمّال في المعامل كخطوة أوّلية هي ضرورة ملحّة لرفع مطالبها العادلة والمشروعة وعلى رأسها التأمين الصحّي كمطلب عاجل وفوريّ وكذا فرض مطالبها الاقتصاديّة والاجتماعيّة الأخرى؛ في أفق المراكمة لنضالات الطبقة العاملة بعد الأزمة. وإنّ دور المثقفين الثوريين, الشيوعيين والشيوعيات عبر العالم في ظل هذه الأوضاع بشكل عام وبمناسبة اليوم الأممي للطبقة العاملة بشكل خاص هوّ فضح وتعريّة الوجه الوحشيّ للرأسماليّة وتنظيم وتأطير نضالات الطّبقة العاملة, لقد حان الوقت لنصرخ بما صرخ به كارل ماركس يــــــــا عمّال العالم اتّحدوا .