المهام النضالية الآنية لليسار في عصر كورونا ( 1 )


رضي السماك
2020 / 5 / 1 - 03:14     

أولاً : التذكير بأفكار فوكو ياما
——————————-
كثر الحديث في هذه الأيام على إثر تجلي أخطر أزمة تعاني منها الرأسمالية خلال ثلاثة عقود متعددة الأبعاد ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وخُلقياً ، والتي تكشفت في ظل جائحة كورونا ، نقول كثير الحديث في كتابات اليسار عن التذكير بمقولة " نهاية التاريخ " للمنظّر الأمريكي الشهير فرنسيس فوكو ياما ( أي بخلود الرأسمالية إلى الأبد ) والتي أطلقها فرحاً وتشمتاً في ضوء انهيار دول المنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية الحليفة للاتحاد السوفييتي ؛ على اعتبار ما يجري الآن من أحداث في الدول الرأسمالية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، في مواجهتها لتداعيات كوفيد - 19 يدحض بقوة أكثر من أي وقت مضى تلك الأطروحة وباعتراف حتى عتاة المفكرين والباحثين الرأسماليين .
وللتذكير فإن مقولة فوكو ياما لم يطلقها غداة انهيار الاتحاد السوفييتي في خريف العام 1991 ، بل قبل ذلك ، بيد أن هذه الأطروحة " التي أعطاها الإعلام الأميركي زخماً أكبر من حجمها الفعلي لم تكن سوى مقالة متوسطة الحجم كتبها صاحبها بُعيد انهيار دول أوروبا الشرقية ( الإشتركية ) خلال عامي 1989 و1990 ، أي قُبيل انهيار اتحاد السوفييتي ، ونُشرت تحديداً في مجلة " ناشينول انترست " صيف 1989 ، كما اُعيد نشرها في بعض الصحافة السوفييتية ،.ومنها صحيفة " زارو بيجوم " التي نشرتها مختصرةً ، كما جادلها كل من ف. أ . كريمنوك ( نائب رئيس معهد التاريخ في أكاديمية العلوم السوفييتية ، وادوارد ارنورو فيتش ( بروفيسور متخصص في علوم الفلسفة والتنبؤات في الحقل الاجتماعي ، عضو في هيئة تحرير مجلة " الشيوعي " ) ، وايلتيز بوزدينا كوف ( دكتور علوم تاريخية ) . كما اُقيمت ندوة لمناقشة أطروحته شارك فيها صفوة من كبار المنظرين والفلاسفة والباحثين السوفييت ، من بينهم ايليتز بوزديناىكوف ، و م . أ . خروستاليف ، وأ . ف . ميتايلوف . ويمكن القول ، دون الدخول هنا في تفاصيل مساهماتهم الفكرية والنظرية كلاً على حدة ، أنها تصب جميعها في جوانب منها في خدمة الاتجاه الرسمي السائد الذي كان يروّج له آنذاك -حسب الأوامر العليا - كبار كوادر بيروقراطية الحزب الحاكم والدولة الموشكة على السقوط تحت شعار " البيروسترويكا " بقيادة منظرها الأول وزعيم الدولة والحزب الحاكم ميخائيل جورباتشوف ، إذ تعبر تلك الإسهامات التنظيرية ، بصورة أو اخرى عن توجهات انتهازية تهادنية مع الأفكار الرأسمالية المغلفة بالشعارات البراقة ، كالليبرالية والمساواة والحرية إلى آخر ذلك . وإذا كان تيولين لم يتورع عن الترحيب بها مع إضافة رتوشات خجولة من التحفظات ، فإن اودالوف لم يتوان عن وصف ما صدر من كتابات سوفييتية من انتقادات لها بأنها " سخيفة ( … ) انطلاقاً من دواعي المحافظة على شرفنا " . وإن كان بعضهم ، مثل أرنوروفيتش ، أكثر واقعية وانصافا للفكر الاشتراكي في مجادلته لأفكار فوكو ياما ، منوهاً بالإنجزات المتحققة في الأتحاد السوفييتي حتى في ظل الأخطاء القاتلة وممارسات العسف التي شابت مسيرته ، ومن ذلك قوله : " أن الكثير من من الحقوق الديمقراطية العامة والانتصارات الاجتماعية للشغيلة ، التي يعزيها فوكو ياما للحضارة الغربية ، كحقوق المرأة في الانتخابات وحق الامم في الاستقلال وحق العمل والإجازة والتعليم والتطبيب والتأمين الاجتماعي لكبار السن طبقت أولاً في الاتحاد السوفييتي ولاحقاً أخذت الدول الغربية في تطبيقها " . ( أنظر فرا نسيس فوكو ياما ، نهاية التاريخ ودراسات اخرى ، ترجمة يوسف جهماني ، بيروت ، دار الحضارة الجديدة 1993 ) .