أجيث*: الجذور الاجتماعية ل كوفيد-19 لا تقلّ أهمية عن الفيروس نفسه.


حزب الكادحين
2020 / 4 / 29 - 13:30     

تسجّل البلدان المتقدمة، والتي يقال أنّ لديها أفضل مرافق علاج، أرفع معدّل للوفيات المنجرّة عن كوفيد-19. على الرغم من أنه يمكننا أن نفكّر في العديد من الأسباب المفسّرة لذلك، فإن الجاني الرئيسي هو السياسات النيوليبرالية التي هاجمت خدمات الصحة العموميّة. فالافتقار إلى العلاج الفوري يُعدّ أحد الأسباب الرئيسية للموت في الولايات المتحدة وإيطاليا، حيث لم يتلق العديد من المرضى أيّ عـلاج. فالغالبية العظمى من الفقراء في الولايات المتّحدة (غالبية الأمريكيين من أصل أفريقي واللاتينيين) ليس لديهم تأمين صحي، وحتى الرعاية الأولية مستحيلة بالنّسبة إليهم.

وينطبق الشيء نفسه على الطبقة الوسطى المحرومة من العمل. ونتيجة لذلك، لم يذهب العديد من الأشخاص المصابين بـكوفيد-19 إلى الطبيب عندما بدأت تظهر عليهم أعراض الإصابة. وعندما يصبح هؤلاء المصابون مجبرين للذهاب إلى الطبيب، يكون المرض غالبًا خارج نطاق السيطرة، وقد أدّى النقص في المعدات أو في العدد الكافي من الموظّفين إلى تفاقم الوضع. وقد أظهر ترامب وغيره من القادة الإمبرياليين في البداية انعدام المسؤولية الأنانية. وبدلاً من الاهتمام بصحة الناس، كان اهتمامهم منصبّا نحو الحفاظ على الأنشطة الاقتصادية الروتينية التي تهدف إلى الرّبح. وهذا ما ساهم في تفشّي معدل الوفيات الذي لوحظ في الولايات المتحدة فكانت هذه الخسارة الضخمة النّاتجة عن مرض يبلغ معدل الوفيات فيه 2٪ فقط. وهذا يسلط الضوء بوضوح على عدم كفاءة والطبيعة اللا شعبيّة للنيوليبرالية ومصدرها، الرأسمالية.

لا يتوقّف دور هؤلاء المجرمين عند هذا الحد. وهناك من يدعم فكرة أن وصول مثل هذه المسببات للأمراض هو من قبيل المصادفة، وبالتالي لا يمكن لأحد إيقاف هذه الأمراض، وهناك من يعتقدون أن أوجه القصور يمكن تحديدها على الأكثر في التدابير المتخذة للوقوف في وجهها ثمّ إنّ هناك من يصف كوفيد 19 بأنه عقاب مفروض من الطبيعة وهناك من يعارضهم. لم تأتِ الطبيعة بالتأكيد كنوع من القوة المتسامية لمعاقبتنا، وهي لن تفعل ذلك في المستقبل. ومع ذلك، فإنّ شيئا من هذا القبيل قد حدث، حسب معنى كلمات إنجلز.

لقد كتب إنجلز أنه حتى لو استطاع الإنسان أن يتباهى بأنه غزا الطبيعة، فسوف ينتهي به المطاف إلى تلقّي ضربة من الطبيعة مذكّرة إياه من هو السيد الحقيقي. وما أراد قوله، هو أن الأفعال البشرية لها عواقب. وقد أشارت هذه الكلمات أيضا، التي كشفت فراغ المطالب الرأسمالية، إلى خطر هذه المقاربة المدمّرة للتنمية.

ويمكن رؤية ذلك في جذور جائحة كورونا وانتشارها حاليّا. لقد قلّص البعض المشكلة إلى الأسباب الوراثيّة (الجينيّة) لوحدها، وبذلك فهم يخفون الدّور الذي تلعبه العلاقات الإمبريالية التي تربط العالم. هذا الدور الذي تمّ تحليله علميًا وتدعيمه في مقال رئيسيّ سيصدر لاحقا في عدد ماي من "المجلّة الشهرية" (شارك في تأليفه روب والاس وأليكس ليبمان ولويس فرناندو شو ورودريك والاس).

هم أيضا انطلقوا من سوق المنتوجات البحرية في ووهان، لكنهم لا يتورطون في عادات الأكل لدى الصينيين، التي ينظر إليها في النظرة الاستشراقية للعالم الإمبريالي على أنها غريبة. بل على العكس يذهب مقالهم إلى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي يكشف عنها هذا السوق. "كيف وصل قطاع المواد الغذائية الغريبة إلى نقطة البيع حيث يمكن بيع سلعهم إلى جانب المنتوجات التقليدية جدّا في أكبر سوق في ووهان؟" – انّهم ينطلقون من هنا.

ويشدّدون على أن: "ما وراء الصيد إلى حد بعيد، يعد الغذاء البري العالمي قطاعًا رسميًا بشكل متزايد، يتم رسملته دائمًا من قبل نفس المصادر التي تدعم الإنتاج الصناعي". إنّها سلسلة تعود من سوق ووهان إلى المناطق الداخلية حيث يتم إعداد الأطعمة الغريبة والتقليدية من قبل المنتجين المتاخمين لمجال بري ثم يربط عدد معين من سلاسل التجارة / النقل هذه المراكز بدول مختلفة ومدن كبيرة، وبهذا الشّكل وصل فيروس كورونا مسافرا عبر ذلك مشابها للسارس الذي سبقه.

أعدّت بعض الشركات متعددة الجنسيات، مثل جونسون آند جونسون، خريطة ذات جدوى توضّح الأماكن التي يمكن ان تظهر فيها الجراثيم الجديدة في المستقبل، وتلمّح الرؤية الجغرافية التي تبنّوها إلى بلدان العالم الثالث، ويقوم مقال المجلّة الشهرية بنقد هذا التوجّه فشدّد على أن "التركيز على المناطق الوبائية يتجاهل العلاقات المشتركة بين الفاعلين الاقتصاديين العالميين الذين يقومون بتشكيل علوم الأوبئة".

وعندما تؤخذ هذه العلاقات بعين الاعتبار، ليست بلدان العالم الثالث، ولكن المصادر الرئيسية لرأس المال العالمي - نيويورك ولندن وهونغ كونغ - هي التي سيثبت أنّها أسوأ النقاط الساخنة. لقد انتشرت هذه الفيروسات الجديدة الضارة بالبشر من الحياة البرية، ويحدث الكثير من هذا اليوم على حدود الرأسمالية، وبعبارة أخرى، في ما تبقّى من مناطق غابيّة. فإزالة الغابات تدمّر مآوي الحيوانات البرية التي تحمل الأمراض، وهو ما يخلق ظروفًا مؤاتية لانتشارها. وفي غضون أيام قليلة، انتشرت مسببات الأمراض الجديدة التي بدأت رحلتها من الغابات شبه الخالية سكانيّا والتي تنتشر حول العالم محمية من قبل العولمة المتداخلة في الزمان والمكان.

يمكن تلخيص جوهر هذا المقال على النحو التالي: دخلت الفيروسات، التي كانت منتشرة على نطاق واسع من خلال كثافة الغابات الاستوائية، عبر تيار رئيسي من خلال القضاء على الغابات الذي تسبّب فيه رأس المال وفشل برامج الصحة العموميّة والمحافظة على البيئة.

وباختصار، فإن التغييرات في الظروف المعيشية والظروف البيئية للغالبية العظمى من السكّان، بسبب العولمة والسياسات النيوليبرالية، هي مصدر المأساة الحالية. ويكمن الحلّ الرئيسي لهذه المأساة في تدمير النظام الإمبريالي وإنجاح المشروع الشيوعي، إنها الطريق الوحيدة لتحقيق إنسانية تقدر الحياة البشرية والطبيعة، والتي تشكّل هذه الحياة جزءً منها.

في الواقع، تقوّي كوبا وفيتنام هذا الاحتمال، هي ليست دولا اشتراكية اليوم، وهي دول أعادت التشابك بطريقة أو بأخرى مع العلاقات الإمبريالية عبر استعادتها الرأسمالية، فعندما رفّعت الصين الأجور انتقلت الاحتكارات العالمية إلى فيتنام. ومع ذلك، فإنّ هذه الدّول مازالت محافظة على بعض بقايا الحقبة الاشتراكية.

في هذه البلدان، لا يزال القطاع الصحي عموميّا إلى حدّ كبير وهناك منظمات يمكنها تقديم مساهمات كبيرة في الخدمة التطوعية، وقد ساعدتها هذه العوامل في مكافحة الوباء. يمكن أن نرى أيضا كيف أن الصّين، البلد الامبريالي اليوم، قد استفادت من إنجازات الحقبة الاشتراكية القديمة. وقد تمكنت ولاية كيرالا )Kerala(، حيث تم الدفاع عن قطاع الصحة العموميّة إلى حد كبير من خلال كفاح الجماهير، من محاربة كورونا بشكل أفضل من الولايات الهندية الأخرى. وفي الوقت نفسه، ترفض المستشفيات الكبيرة الخاصة بشكل لا إنساني اقتراب الأشخاص المصابين بالبرد أو الحُمّى.

يبقى أن نرى كم من الوقت ستستمرّ هذه الحالة. من المؤكد أن التأثير الذي أحدثه كورونا سيدفع للعودة إلى الرعاية الصحية العموميّة، ومع ذلك، فإن تبعيتها لديناميكية رأس المال يفرض عديد الحواجز. إن ذاكرة رأس المال ضعيفة إلى حد ما، ومن المرجح جدّا أن تجبر ضرورات الربح القطاع العمومي على الاستسلام للخصخصة مرة أخرى. وحتى لو تم الحفاظ على نظام الصحة العموميّة، فإنّه يمكن استخدامه كمصدر ممتاز لبيانات تخدم رأس المال. هذا ما تم العثور عليه في اتفاقية سبرينغلار** (Springler)، التي سمحت لعمليّة جمع البيانات بتجاهل الحياة الخاصّة للأفراد.

إنّ البيانات، التي يتم جمعها بحجة خدمة الصحة العموميّة، يمكن أن تصبح مادة خاما لشركات الأدوية وشركات التأمين وغيرها، وهذا يمثّل مستوى جديدا وأكثر خطورة للخصخصة. سيمكن لرأس المال أن يستفيد بشكل غير مباشر من هذا بالاختباء وراء هياكل القطاع العمومي. وينطبق الشيء نفسه على التطبيق الصحي الذي يروّج له مودي (ملاحظة المحرر: مودي رئيس الوزراء الهندي).

لا يكفي أن يكون هناك قطاع عمومي، بل يجب أن يخدم هذا حقا الشّعب، وهذا لن يكون ممكنًا إلا إذا كان جزءً من الانتقال إلى مجتمع يزيل الفجوة بين القطاعين العمومي والخاص في الاقتصاد والبنية التحتية. فإذا كان من الضّروريّ إنشاء هذا في أي بلد في العالم، ليس كظل للاشتراكية بل كتحول إلى الشيوعية، كثورة مستمرة، فيجب أن يكون هذا مسترشدا بتعاليم النظرية الشيوعية.

---------------------

* مورالي (أجيث)، منظّروقائد شيوعي ماوي هندي.

هذا المقال صدر على موقع جريدة "دول نيوز" (doolnews) بتاريخ 16 أفريل 2020، وقد تُرجم إلى عديد اللّغات وطريق الثّورة ترجمته إلى اللّغة العربية.

** اتفاقية بين شركة تحليلات بيانات أمريكية وحكومة ولاية كيرالا خلال الوباء الحاليّ.

جريدة طريق الثورة .