لا تعشقي يساريًا، قالها لي .. في عيد ميلادي 1-آيار


فاطمة الفلاحي
2020 / 4 / 28 - 16:38     

تخرجنا ولم نرَ بعضنا، فكل واحد فينا جرته الحياة صوب رغباته، وبعضنا داست عليه الحياة دون أن تكترث لقيامة شهاداته ..كنا قد اتفقنا قبل أن نفترق، في عيد ميلاد بعضنا، نلتقي في الگريعات-على أن يدفع كُلٍ حسابه كما كنا- في مطعم شواء يحاذي دجلة، وجورياته تنسدل على خده..وكأنها تعانق رحلة مصيرنا.
في سنة 2002 اقترح بعضهم أن يكون موقعنا الجديد في صاج الريف في منطقة 52، بسبب دسامة جيب سعد وعُلا ونرمين ومؤيد وخسرو، وتنصل محمـد وضياء وفرقد وإيمان من الصحبة، لإصابة جيوبهم بالعوز، فقد بقوا عاطلين عن العمل، مذ تخرجنا..
كنت أجاري فقيرهم قبل غَنيهم بإتخاذ قرارات المقاطعة، ففقدتُ جمال تلك الصحبة الجيفارية وثقافتها العميقة ..
قبل أن يحتل تتار العصر بغداد، وقبل سطوة إسلامها السياسي القميء .. وبعد تفكيري الطويل بالدراسة في فرنسا، تجولت في كل الأماكن التي أحببتها في بغداد، ولأملأ ذاكرتي الصورية بكلها حين اغتراب .. إلتقيته في صاج الريف في 1 أيار ذهبت إلى هناك، لأُعَيّد على نفسي؛ وبعد شهقة اللقاء وصخب فرحنها وقتها، قال لي: هل مازال قلبك بتولًا..؟
إيماءتي كانت خبيثة بعض الشيء لمعرفة نواياه، وكان من ذوي الجيوب الدسمة. عَدّدَ لي مَن تزوج..!
ومَن طَلق..!
ومَن رَحل..!
ومَن مازال عاطلًا عن العمل..!
ومَن أصبح بائعًا للكتب في المتنبي..!
ومَن أصبحت خياطة..!
ومَن فلحت وفتحت محل في بيتهم لإعداد الحلويات الراقية..!
سرقنا الوقت دون دراية منا ونسيت موعد عودتي إلى الكراج، لأعود لبلدتي .. قبل أن أترجل من سيارته، والسلام على بعضنا قال: إن فكرتِ بي يومًا، ستجديني بانتظاركِ ..
وختم قوله بوصيته المرحة: أوصيكِ أن لاتعشقي يساريًا.. سينساك ويفكر في العمال الكادحين.. سيحدثك في ليالي الرومانسية عن الأرض والخبز والسلام.(1)
• وكان هو يساريًا حد النخاع.
سيحدثك عن أن الأنبياء كيف كانوا فقراء مثلنا ... راعٍ وحداد ونجار وبائع... لكن الأثرياء اختطفوا أديانهم وحوّلوها إلى مجرد طقوس، لامتصاص غضب المقهورين
ويلعن المستغلين شاهرًا سيف مفرداته بوجهك قائلًا :
إن أبشع استغلال للإنسان هو إستغلاله باسم الدين .. لذلك يجب محاربة المشعوذين والدجالين حتى يعلم الجميع أن كرامة الإنسان هي الخط الأحمر الذي دونه الموت.
وأن في رحلته الطويلة, كان هناك شيئًا واحدًا دائمًا ما يراه, شيئًا أخذت أفكر فيه طويلًا وكثيرًا .. إنه الظلم, العالم مليء بالظلم.
-وإن ذكرتِ إسم تاجر ما من الأصدقاء، سيمتعض ويرد باستخفاف قائلًا:
لا تحدثيني عن سياسي أو رجل أعمال همهم الوحيد الربح، بل حدثني كيف يزهر الربيع و كيف يضحك الفقراء و كيف يعمل الكادحين و كيف حال الأوطان.
فعلى يميني مارد اسمه الفقر وعلى يساري سفاح اسمه الاستبداد وخلفي نظام يعذبني ويستعبدني منذ قرون خلت وفي الأمام أرى تمرد شعب .. ثورة شعب.
وأنا منحاز للفقراء.. إلى ذلك الحد الذي جعلني أتعامل مع الأغنياء على أنهم مذنبون، وكما أرى نفسي مذنبًا.
أنا لا أغالط روحي ولا أتملق أحدًا, الفقراء هم الذين يموتون وهم الذين يعانون معاناة المناضل الحقيقي. إما أن نحقق الحرية وإما أن نبقى معذبين.
أما تذكرين كيف كان علي باقر يقف في ساحة الكلية ويفتر بيننا قائلًا : لا يهمني كيف ومتى أموت، المهم هو أن يحيى الثوار من بعدي، يملؤون الدنيا ضجيجًا، حتى لا ينام - ويركض على الأغنياء بيننا ينقر على رؤوسهم بطرف أظفره الطويل- هذا العالم بكل ثقله فوق أجساد الفقراء والمحرومين، ويشير إلى صدره؟
ويقف وسط حلقتنا، ليمثل ضابط الاستخبارات وأنفته وهو يسأل ضياء على أنه :تشي جيفارا قبل إعدامه :
- إلى متى ستبقى تقاتل بعد أن كنت في فنزويلا والمكسيك وأنغولا والجزائر وكوبا .. إلى متى ؟
فيجيبه ضياء وبفه لفة ورق مبرومة على أساس أنها سيجاره الكوبي: إلى أن يتمكن أطفال العالم من أن يشربوا كوبًا من الحليب كل صباح.
- فلن احترم العالم طالما هناك طفل منكسر العينين.
- إن الحياة كلمة وموقف, الجبناء لا يكتبون التاريخ, التاريخ يكتبه من عشق الوطن وقاد ثورة الحق وأحبَ الفقراء.
-والقانون الذي لايطبق على الجميع ويستثني منه أحد يجب أن لا يحترم.
***
فلا تبيعوا أوطانكم...
وينحني بكل ثقلهِ علينا، لنصفق له حتى تحمر الراحات ويبقى ينحني ونحنُ نضحك..؟
والآن كلنا يبكي .. وطننا قد باعوه الخونة لتتار الإسلام السياسي.
***
عشتار يا راعية الرعاة ! دعي العشاق قليلًا تغمرهم الروح حاملةً إلى العمال ماء الحياة ليكونوا على أهبة الاستحمام في البحر ساعة الظهيرة. (2)

تحية للمحتجين
البداية لن تكون سهلة بل في غاية الصعوبة.حاولوا دفننا ولم يعلموا أننا بذور.(3)
المثقّف الذّي يلوذ بالصّمت أكثر خرابًا من النّظام الدّيكتاتوري والقمعي الذّي يمارس القتل ضدّ أبناء شعبه، ولا شيء أسوأ من خيانة القلم .. فالرصاص الغادر قد يقتل أفرادًا .. بينما القلم الخائن قد يقتل أممًا.
وإن مقاومة الظلم لا يحددها الإنتماء لدين أو عرق أو مذهب, بل يحددها طبيعة النفس البشرية التي تأبى الاستعباد وتسعى للحرية!
يا ثوارنا الأبطال، لا أحد يريد الحقيقة, صارحوهم بواقعهم المخزي وحالهم المتردي.
لا يزال الأغبياء يتصورون أن الثورة قابلة للهزيمة.
ما يؤلم الإنسان أن يموت على أيدي من يقاتل من أجلهم.
فلا تحزني أمي إن مت في غض الشباب, غدا سأحرض أهل القبور وأجعلها ثورة تحت التراب.(4)
قولوا لهم إما النصر أو النصر.
وإذا فرضت على الإنسان ظروف غير إنسانية ولم يتمرد سيفقد إنسانيته شيئًا فشيء.
امضوا بلا توقعات، لتعيشوا بلا خذلان.(5)


--------------
(1) تشي جيفارا
(2) آرثر رامبو
(3) تشي جيفارا
(4) تشي جيفارا
(5) تشي جيفارا