الذكرى 150 لميلاد ف إ لينين


الحزب الشيوعي اليوناني
2020 / 4 / 28 - 12:58     

بيان المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني
عن الذكرى 150 لميلاد ف إ لينين

"و مع رنوِّك من المستقبل، إلى أيام الأصفاد،

سترى أولاً شخص لينين.

و هو الذي بعد عبودية ذاك القدر من آلاف السنين

فتح الطريق نحو قمة الكومونة".

(ف.ماياكوفسكي، "فلاديمير إيليتش لينين")

منذ 150عاماً بالضبط، ولد يوم 22 نيسانأبريل 1870 في مدينة سيمبيرسك على نهر فولغا، أعظم ثوري أبرزته الحركة الشيوعية العالمية في القرن العشرين، فلاديمير إيليتش أوليانوف، كان ذاك الاسم الحقيقي للينين.

تكرِّم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني مُرشد مسار البلاشفة المنتصر نحو الحدث العالمي التاريخي لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى والسنوات الأولى للبناء الاشتراكي.

عبر عمله النظري الهائل و نشاطه الثوري، ميز لينين تطور الحركة العمالية الثورية على مستوى العالم، مُسهماً بنحوٍ حاسم في تشكيل الطليعة الثورية المعاصرة، الأحزاب الشيوعية، و في تأسيس الأممية الشيوعية.

و هو لا يزال يشكِّل حتى يومنا هذا منارة للنشاط الثوري للشيوعيين في اليونان وحول العالم، في النضال من أجل إسقاط الرأسمالية و بناء منظومة أرفع للمجتمع، خالية من استغلال الإنسان للإنسان، هي الاشتراكية-الشيوعية.

"ما من حركة ثورية دون نظرية ثورية"

يُعتبر لينين، إلى جانب ماركس و إنجلز من مؤسسي النظرية الثورية للطبقة العاملة، نظرية الماركسية اللينينية.

و قد أظهر مُرشداً لمسيرة البلاشفة الظافرة، استحالة وجود ممارسة ثورية فعلية دون معرفة حتميات خوض الصراع الطبقي والقوانين الموضوعية لتطور المجتمع.

حيث كرس فترات طويلة من الوقت لدراسة وتطوير نظرية ماركس و إنجلز الثورية، حتى في أصعب الظروف بالنسبة للحركة العمالية. و تواجد طوال حياته في صدارة المعركة ضد تشويه الماركسية، الجاري سواءَ من قبل أيديولوجيي الطبقة البرجوازية أو من قبل مختلف المعبرين عن الانتهازية.

و في ممارسته نفَّذ لينين حضَّ ماركس وإنجلز القائل: "إن تعليمنا ليس بعقيدة، بل هو إرشاد للعمل"، مُثبتاً أن تطوير النظرية الثورية هو عامل حاسم من أجل الرد على المسائل الحديثة في كل عصر، و هي التي يجلبها نحو المشهد تطور الرأسمالية ومسار الصراع الطبقي.

"... أعطونا منظمة من الثوريين وسنقلب روسيا رأساً على عقب!"

إن لينين هو مؤسس الحزب الثوري للطبقة العاملة، الذي يتمثَّل غرض عمله: "ليس فحسب في قيادة نضال الطبقة العاملة في سبيل شروط أفضل لبيع قوة العمل، بل كذلك في سبيل القضاء على النظام الاجتماعي الذي يرغم المُعدمين على بيع أنفسهم للأغنياء‏[1]".

إن حزب الطراز الجديد ، الذي سُمِّي حينها كذلك من أجل التمايز عن الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية، هو مجموعة منظمة ومنضبطة تنشط بإرشاد من النظرية الماركسية اللينينية وتهدف إلى إسقاط الرأسمالية وتأسيس سلطة العمال الثورية، المعروفة باسم "ديكتاتورية البروليتاريا". هي منظمة ثوار، ذات قيادة موحدة على المستوى الوطني، ولكنها ممتلكة لمنطلق الأممية البروليتارية اﻷساسي، و تمتلك جذوراً و روابط عميقة ضمن الطبقة العاملة، حيث يكون أعضائها من العمال الأكثر طليعية، و هم الذين يعملون بنحو حاسم، من خلال المشاركة في إحدى منظمات الحزب. من أجل غرض اﻹنقلاب الثوري المشترك، وتعزيزهم للحزب بالوسائل المادية أيضاً.



هكذا كان حزب البلاشفة، الذي مر خضم معركة شرسة في ثورة 1905، و تحمَّل ملاحقات النظام القيصري والعنف والقمع بعد هزيمة الثورة، و شكَّل منارة للقوى الثورية في حريق الحرب العالمية الأولى. و خاص منتصراً معركة ثورة أكتوبر، و واجه سياسيين برجوازيين شديدي الاقتدار امتلكوا إمكانات كبيرة في تضليل الجماهير، حيث فَولَذ الحزب روابط ثورية واسعة النطاق مع الطبقة العاملة، وقاد المحاولة الأولى لبناء المجتمع الاشتراكي الشيوعي.

الإمبريالية أعلى مرحلة من الرأسمالية

كشف لينين في نظريته حول الإمبريالية عن جوهرها الاقتصادي والسياسي، باعتبارها أعلى مراحل الرأسمالية، كعصر صياغة الظروف المادية التي تستلزم إسقاط الرأسمالية ثورياً وبناء النمط الشيوعي للإنتاج.

و أثبت أن احتدام التناقض الأساسي بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والاستيلاء الرأسمالي على نتائجه يميز جميع الدول الرأسمالية، بمعزل عن موقعها في النظام الإمبريالي الدولي.

و انتقد بشدة و على حد السواء النظريات الانتهازية التي تفصل السياسة العدوانية العسكرية الإمبريالية عن الخصائص الاقتصادية للرأسمالية الاحتكارية، و تلك التي تعتقد أن سيطرة اﻹحتكار تخفف من المزاحمة الرأسمالية.

إن النظرية اللينينية للإمبريالية هي ذات أهمية خاصة من اجل إبراز الدور الامبريالي الرجعي لاتحادات، كتلك القائمة بين الدول الأوروبية، في تزامن مع وجود اتجاه احتدام المزاحمة بين الدول الرأسمالية على مستوى العالم.

لقد شكَّلت هذه المعالجة عنصراً حاسماً في صياغة الاستراتيجية الثورية، حيث أكد لينين بنفسه: "إذا لم يُدرك المرء الجذور الاقتصادية لهذه الظاهرة، إذا لم يتم تقدير أهميتها السياسية والاجتماعية حق قدرها، لا يستطيع أن يخطو خطوة في ميدان حل المهام العملية التي تواجه الحركة الشيوعية والثورة الاجتماعية المقبلة[2]".

عن الحرب الامبريالية والسلم الامبريالي

كشف لينين عن الوحدة الجدلية الرجعية بين الحرب الإمبريالية والسلم الإمبريالي للدول الرأسمالية و اتحاداتها واتفاقياتها الدولية، باعتبارها سياستها المتبعة من أجل اقتسام الأراضي والمجالات الاقتصادية و موارد الثروة الانتاجية من أجل مطاردة الربح الاعظم.

و أبرز بأن الحرب هي إمبريالية من كلا الجانبين، بمعزل عن الدولة الرأسمالية التي بدأت الصدام الحربي أولاً، وأن الأسلوب الوحيد لتلبية مطلب الشعب من أجل السلام هو في تعزيز النضال ضد سبب الحرب، ضد نظام الاستغلال الرأسمالي.

و من خلال هذا التحليل، تمكن حزب البلاشفة في الحرب العالمية الأولى من صياغة خط الصدام مع الطبقة البرجوازية، على النقيض و على حد السواء مع التعبير الاشتراكي الشوفيني للانتهازية، الذي دعا إلى دعم خطط الحرب البرجوازية، ومع اللاعنفية التي فصلت الصراع من أجل السلام عن الصراع من أجل إسقاط الرأسمالية.

عن طابع الدولة والثورة

يشغل تحليل لينين الأعمق للجوهر الطبقي للدولة موقعاً هاماً، و هو الذي أثبت و حقق ليس فقط ضرورة الصدام مع نظام الامبراطورية القيصرية، بل و أيضاً مع نظام "الحكومة الثورية المؤقتة" البرجوازي الذي تشكل في شباطفبراير 1917، و الصراع مع القوى الانتهازية التي دعمته، والصراع داخل سوفييتات (مجالس) العمال والفلاحين والجنود الثائرين. هذا و عالج لينين في دوامة الحرب، النظرية التي أبرزت الحاجة في القرن العشرين، ليس فحسب إلى سحق الدولة الإقطاعية أو شبه الإقطاعية، بل و الدولة الرأسمالية أيضاً. إن كل عمله الثوري منذ شباطفبراير حتى تشرين الأولأكتوبر لا يسمح بأي تهاون مع نظريات انتهازية قديمة و معاصرة قائلة بالإصلاح التدريجي للدولة الرأسمالية حتى بلوغ الدولة الاشتراكية.

إن معالجة لينين هذه تشكل أداة قيمة للغاية للكشف عن الجوهر الأجوف للمعضلات بين تبني إدارة رأسمالية ذات تدخل أكبر أو أصغر للدولة، إن كان ذي طابع لليبرالي أو كينزي.

عن رِفعة الاشتراكية – الشيوعية

أبرزت المحاولة الأولى لبناء الاشتراكية في القرن العشرين، على الرغم من جميع الأخطاء و أوجه الضعف المتمظهرة في هذه المسيرة، رِفعة النظام الجديد أمام بربرية الاستغلال الرأسمالي.

كان إلغاء استغلال الإنسان للإنسان، والتخطيط المركزي كعلاقة اجتماعية لتوزيع القوى العاملة، واستخدام وسائل الإنتاج المملوكة اجتماعياً مع أهداف محددة علمياً للرفاه الاجتماعي، قد شكَّل الأساس لتحقيق إنجازات اجتماعية هامة لعدة عقود. وللمرة الأولى في التاريخ خُلقت مؤسسات تضمن المشاركة الجوهرية للعمال في إدارة جوانب مجتمعهم، مع إخراج الجماهير من هامش الحياة السياسية والاجتماعية. حيث كانت غير مسبوقة هي المكاسب الواسعة المحققة في مجال الصحة والتعليم و إنصاف المرأة والثقافة والرياضة، و في جميع مجالات الحياة الاجتماعية للجميع، بمعزل عن العمر والجنس والعرق. حيث تتضاعف أهمية المكاسب المذكورة أعلاه إذا أخذنا في الاعتبار التأخر الاقتصادي الذي ورثته الاشتراكية من روسيا ما قبل الثورة، ولكن إذا ما أخذنا في اﻹعتبار أيضاً، أن المجتمع الفتي كان يشق طريق التحرر الاجتماعي فوق دروب غير معروفة.

إن المجتمع الاشتراكي الشيوعي يواصل بروزه باعتباره المنفذ الوحيد الصديق للشعب للخروج من المآزق التي يعيشها حتى اليوم، العمال و الشعوب و الشباب بنحو خاص. فوحده التخطيط المركزي القائم على أساس الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج و السلطة العمالية، هو القادر على تقديم الرد على المشكلات الحادة التي يواجهها العاملون في حياتهم اليوم. و وحدها علاقات الإنتاج الشيوعي الجديدة، هي القادرة على الاستفادة من الإمكانيات الجديدة لتطوِّر العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي و "الثورة الصناعية الرابعة" لصالح الرفاهية الشعبية.

إننا نكرِّم لينين عبر تعزيزنا النضال من أجل إسقاط الرأسمالية

يواصل عمل لينين و نشاطه الثوري مع البلاشفة، إنارة طريق صراع الشيوعيين في الظروف الحالية.

و أمام تمظهر الأزمة الاقتصادية الرأسمالية الدولية الجديدة واستغلال الوباء من قبل الحكومات البرجوازية للحد من حقوق العمل والحريات الديمقراطية المدنية، و حتى من العمل النقابي، تغدو مهمة حشد و إنضاج القوى من أجل إسقاط نظام الاستغلال الرأسمالي، أكثر إلحاحاً.

و أمام عواقب انقلابات الثورة المضادة، و أمام احتدام المزاحمات بين الدول الرأسمالية والاتحادات الإمبريالية، والتي تُعاظم من خطر نشوب حرب إمبريالية إقليمية أو معممة، يخوض الحزب الشيوعي اليوناني معركة قاسية منذ اليوم لتعزيز المعالم التي ستعطيه القدرة على العمل كطليعة ثورية في "السراء و الضراء".

و يتواجد الحزب الشيوعي اليوناني في طليعة هذا النضال، بعد أن صاغ استراتيجية ثورية معاصرة وبذَل محاولة مستمرة لتوسيع روابطه الكفاحية مع الطبقة العاملة والقطاعات الشعبية من الشرائح الوسطى في المدن و مع الفلاحين و مع شباب هذه القوى الاجتماعية.

و هو في طليعة نضالات الطبقة العاملة والقوى الشعبية، و يناضل من أجل إعادة تنظيم الحركة العمالية وتعزيز التحالف الاجتماعي، و من أجل الصراع المشترك لجميع ذوي المصلحة الموضوعية في الصراع ضد الرأسماليين والاحتكارات و دولتهم و تحالفاتهم.

و يدرس الحزب يوميا الظواهر الجديدة الحاضرة للمشهد، نتيجة الصراع الطبقي وحركة الاقتصاد الرأسمالي والمزاحمات الدولية الجارية بين الدول الرأسمالية، من أجل حفاظه دائما على استطاعته في إظهار حدود النظام الرأسمالي، و على توسيع الوعي المناهض للرأسمالية ضمن شرائح العاملين.

إن الصراع في ظروف اليوم من أجل الإلغاء النهائي لمجتمع الاستغلال الطبقي وبناء المجتمع الاشتراكي الشيوعي، يُشكِّل تكريماً عملياً للثوري الشيوعي العظيم، ف.إ. لينين و لثورة أكتوبر وأغراضها.

أثينا2142020


[1] لينين: "ما العمل"، المختارات، دار التقدم، المجلد الثاني، صفحة 77.

[2] لينين، "الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية"، المختارات، المجلد 5، صفحة 429.