ملحمة هور الغموكه الجزء الثاني


سعدي جبار مكلف
2020 / 4 / 26 - 11:31     

إنتفاضة هور الغموگه
الجزء الثاني
سعدي جبار مکلف
کان النهر الذی ذهب إلیه (شلش) یمر بآرض مکشوفة تناثرت عليها بعض الخرائب وأشجـار النخيـل المتفرقـة هنا وهناك . وكان(جبار) قد طلب من (شلش) بإعـادة المحاولـة ثانية لجلب الماء وإٌعطى له مخزنان لرشاشة دكتاريوف لجلب الماء بهما بعد أن سدا ثقباهما بالطين
وقد ذهب (شلش) وعاد حاملاً الماء وقد إبتلت ملابسه بماء النهر،إلا أن الماء الذي جلبه لم يكفِ لهم .وحين سمع (جبار) ملاحظات(شلش) عن النهر والطريق الذي سلكه ، أمر الجميع بالتوجه
الى النهر على شكل مجموعات وهناك روي غليلهـم ، إذ قام البعض منهم برمي نفسه في النهـر ،بعدها إختفوا في تلك الخرائب وجدوا هناك إناء معدنيا أُستخدموه فيما بعد لنقل الماء.
بعد وقت قصير تمت العملية بنجاح فعبرت المجموعة الأولىلإستطلاع الجانب الآخر من النهر ثم أوعـز للجميع بالعبور وواصلوا مسيرهم طوال الليل رغم أقدامهم المتورمة والتي
كانت تنزف قاصدين هـور (عوينه) إلا أنهم غيـروا إتجاههـم قليلا لإختصار الزمـن وقـرروا
الوصول الى هور (الغموگه) ،وعند الفجر تخفوا في نهر قديم جاف يرتفع الى مسافة(2) قـدم
تحيطه شجيرات على جانبيه. مكثوا في مجرى النهر ساعات طويلة، إتفقوا عندها على دخول القرى القريبة لغرض الحصول على الطعام وما يحتاجونه إلا أنهم إستثنوا هذه الفكرة خوفا من حصول بعض المضايقات وهم في غنىً عنها.
إقترح (حسين ياسين) أن يذهب الى القرية لجلب الطعام والماء في زورق كبير مقابل إحدى البنادق فأيده الرفاق على ذلك ، ذهب( حسين ياسين) ومعه البندقية ومسدس وفي الطريق إلتقى مع مجموعة من الرعاة وبعد حديث قصير عرف الرعاة بأنه من الشيوعيين ، قدموا له ما بحوزتهـم من الخبـز والتمـر بلا مقابـل ، بعدها إلتقى بأحد الفلاحين منتحلا صفة مهرب أسلحة ووضـّح له كيف أن مفارز الشرطة حالت دون مواصلة سيـره هو وجماعته من الرفاق بسبب الأحداث الأخيرة التي وقعت في الهور ،وقد إتفق معه على المقايضة وعاد الإثنان الى مكان إختفاء الرفاق وحينذاك كان الرعـاة قد أشرفوا على مكان الرفاق. وعند وصول الفلاح إتضح له هويـة رفاقنـا بأنهم من الشيوعيين وفي هذه اللحظة إستعدوا لمساعدتهم وعاد الفلاح لجلب الطعام والماء وبعد ذهابه مر برفاقنا أحد الفلاحيـن راكبا حصانـه وأطل عليهم وحياهـم دون أن يهتم للأمـر، لكن هـذا الرجل أصبح موضع شك لدى رفاقنا .إلا أن الفلاح عاد ثانية بصحبة رجل آخر يدعي أنه خاله حاملين اللبن والطعام والسجائركما وصل الفلاح الأول وإبن أخيه حاملين الخبز والتمر واللبن والسجائر وعند لقاء الجميع تبين أن الفلاح وإبن أخيه والفلاح الثاني وخاله يعرفون بعضهم البعض وإتفق الجميع على تقديم المساعدة لإيصال الرفاق الى (هـور العمارة) وعلى ظهور الخيول ، وقد إتفق رفاقنا معهم بإيصال(حسين ياسين) الى شخص يعرفـه في المنطقة وذلك لإحضار زورق كبـير
( هذا ما إتفق عليه الرفاق أخيراً) فذهب أحدهم لإيصال (حسين ياسين) الى الشخص أما الباقون من الفلاحين فقد عرضوا على رفاقنا إستضافتهم في أحد البيوت إلا أن(جبار) شكرهم على ذلك
عاد الفلاح بعد إيصال(حسين ياسين) ....وعن طريق الصدفة إلتقيت مع الزميل(علي إعويش- إبو حسان) فـأوضح لي بـأن الرفيق (حسين ياسين) إتصل بأحـد رفاقنا وهـو (جاسم الكندور) وطلب منه مساعدته بإرسال مشاحيف ومؤونة الى الرفاق ،إلا أن الرفيقين رفضا ذلك
لأنه وهو (جاسم )كان تحت أنظار شيوخ العشائر لمعرفتهم بأنه يميل الى الشيوعيين ،وعلى هذا الأساس رفض التعـاون مع(حسين ياسين) وقد قام الرفيـق بإخبار التنظيم بذلك وأنه لم يبدِ أيـة مساعدة لخوفـه وجبنه من شيوخ (آل نايف ) وهم شيوخ(بني سعد) ، وعند وصول هذا الفلاح غادر الفلاحين المكان وعند رحيلهم إنتقل رفاقنا الى مكان آخر وكان التنقل أمرا شاقـا جداً لهم قضوا الليل بطوله يتناوبون الحراسة حتى الصباح اما الرفيق الجريح (كاظم) فقد لـّف بعباءة أحد الفلاحين.
كان في المكان الذي نزلوا فيه نهراً رطباً في بعض مواضعه وقد نجح أحد رفاقنا بالحصول على الماء حين حفر بئراً ،وفي الصباح رأوا صبياً في العاشرة من عمره يطل عليهم بعد أن كان يبحث عن شيء أصدضاعه في مجرى النهر وكان يسير على الحافة وعند رؤيتهـه لهم نزل إليهم بسرعة وحـّدثهم بلغة كلهاعتاب إذ أنه بحث عنهم كثيراً وقد ذكروا ما قاله الطفل"
إنتم وين وآنه أدّور عليكم وأمي سمعت عنكم جوعانين ودزّت إلكم هذا الخبز والگيمر ، وتگول إنتم معزومين عدنه الليله" أثر موقف هذا الصبي البريء في نفوس كافة الرفاق وأخذوا يقبلونه وشعروا بالفخر لكون هذا الطفل من أبناء شعبنا الذي يكافحون من أجله.
شكر(جبار) هذا الطفل وقبّله وأوصاه أن يبلـّغ والدته شكره الجزيل لمشاعرها الطيبة وأوصاه أن لا يخبرآحداً عن مکانهم «وهنا رد الصبي محتجاً على قوله هذا( إشلون أخبر عنكم وأنا أحبكم وأمي تحبكم مثلي" ضحك الرفاق لقول الصبي فهو يتمتع بذكاء وفطنة ، وبعد ذهاب الصبي وصل الفلاح وإبن أخيه وأخبـروا الرفاق بأنهم أعـدوا لهم غـذاء وطالبـوهم بالمجيء الى القرية. إلا أن(جبار) شکرهم وآخبرهم بعـدم إمكانيـة الـذهاب الى القرية ، في ذلك الوقـت رأى
الرفاق سيارات الشرطة وقد توقفت عند القرية ونزل منها بعض الفلاحين وأفراد الشرطة وذلك لغرض تفتيش القـرية ،أعطى الرفيق جبار) بعض البنادق الى الفلاحين وطالبهم بالمساعـدة بفك الحصار إذا ما فرض القـتال علينـا. إلا أن الرفـاق تراجعـوا عن هذه الفكـرة وطالبوا الفلاحيـن بالخلاص بأنفسهمنبعد إنصراف الفلاحين إنتقل رفاقنا الى موضع آخر في مجرى النهر وأخذوا مواقفهم إستعداداً للمعركة الحاسمة إذا ما إنكشف أمرهم وظلوا يرصدون تحركات الشرطة الذين توزعوا في مجموعات تساندهم مجموعة من أتباع الإقطاعيين وكان القرار بالمقاومة حتى المساء ليتمكنوا من الإنسحاب تحت جنح الظلام فيما إذا فُرضت عليهم المعركة.
بعد وقت قصير تمكنت إحدى فرق الشرطة من العثورعلى رفاقنا وقد شاهد الرفاق رجلا يمتطي حصاناقد أوقفتـه المجموعـة من الشرطـة وأخبرهم بمكان رفاقـنا وكانت الساعـة تشير الى الحاديـة عشرة والنصف صباحا، بدأت المعركة وتجمعت مجموعات الشرطة وأتباع
الإقطاعيـين وبعد عملية التطـويق المُحكَمـَةِ على موضع رفاقـنا وبعد بسالة نـادرة كان الرفـاق خلالها يهتفون بحياة الحزب والشعب وجبهة الكفاح المسلح وبسقوط الرجعية والصهيونية وكـان
الشرطة يرددون طلب الإستسلام من خلال مكبرات الصوت إلا أن الرفاق كانوا أكبر من ذلـك.
وحين تكاثرت أعداد الشرطة أصبح من المستحيل على رفاقنا الإنسحاب ،وبعد نقاش سريع طرح(جبار) ىفكرة وجوب مفاتحة الشرطة بالتفاوض على أساس مبدأ الإستسلام.
ايـده قسم من رفاقـنا أمـّا الآخرون فقـد رفضوا ذلك وفضلوا المقاومـة حتى النهايـة
إلا أن أكثرية الرفاق كانوا يؤيدون(جبار) خاصة وأن العتاد على وشك النفاذ ولم يبق إلا القليل وقد طالب رفاقنا الشرطة بوجـوب جلب المتصرف وبعض المسؤولين لغرض التفاوض حـول الإستسلام ، إلا أن الشرطة رفضوا هذا الطلب وطالبـوا بألإستسلام دون قـيد أو شرط ، وفـي الساعة الخامسة والنصف عصراً وصلت الى مكان المعركة طائرة مروحية فطلب (جبار) عدم إطلاق النـارعلى الطائرة ظنـاً منه أنها تحمـل بعض المسؤولين وأنهـم جـاءوا للتفـاوض لكـن الطائرة فاجأت الرفاق بوابل من الرصاص إلا أنها لم تصب أحداً ،بعد ذلك هبطت الطائرة في مكان قريبمن أرض المعركة بحيث تعذرعلى الرفاق رؤيتها .
لنعد عزيزي القاريء من خلال هذه الأسطر والتي ستبقى نبراساً لمناضلي الحزب مدى الأيام والتي تعد من أروع صفحات التضحية والفداء من أجل المباديء .....تلك الأسطر التي سطرها المناضل(هادي) من ذهب ولتكن درساً للنضال يقتدى به أصحاب المباديء السامية
فلقد ألقى أحد ركاب الطائرة المروحية قنبلة يدوية(رمانة) بإتجاه موضع رفاقنا ،سقطت القنبلة بقرب الرفيق(هادي) فما كان منه سوى أن يعيد رميها على موقع الشرطة إلا أن الوقت قد فات فإنفجرت بيده وهو ماسك بها فبترتها وأصابته بحروق ،سقط على الأرض وهو يتخبط بدمائه ، بعد ذلك صرخ(شلش) معلناً أن الطائرة قد عادت الى رمي القنابل على موضعنا وطالب(جبار) بأن يوعز للرفاق بإطلاق النار على الطائرة إن أمكن ذلك ، في ذلك الوقت حلقت الطائرة من جديد فتصدى لها الرفاق بوابل من الرصاص فأصابوا الطيار ،سقطت الطائرة وتحطمت وأدى ذلك الى مقتل الطيار ،كان حادث إسقاط الطائرة مبعث رد فعل على الشرطة وكان المسؤوليـن يشجعونهم على التقـدم والهجـوم وتمكـن شرطي بالتقـرب من موضع الرفـاق وقد أصاب أحـد الرفاق لكنه قتل على الفور.
بعد هذا الوقت أفاق (هادي) وتمكن من الإتصال ب(جبار) وإخباره بالأمر وطلب منه السماح له بالخـروج لغرض ألإستسلام حتى يتسنى له العـلاج ،وقد وافق (جبار) على ذلك وخرج (هادي) جريحاً من مجرى النهر رافعاً راية الإستسلام ،وأمـر بالتقدم من قبل الشرطة إلا أنهم لم يتوقفوا عن إطلاق النارعليه وأصابوه في جسمه إلا أن الإصابـة لم تكن قاتلـة فعـاد الى مجرى النهر والدماء تسيل منه من كل مكان، وبعد عودته طالبوه بالخروج ثانية وأوعدوه بوقف
الرمي فخـرج إلا أنهم لم يوقفـوا الرمي إلا بعد حين وطالبـوه بخلع ملابسه ظناً منهم أنـه يحمل متفجرات . أتـمّ خلـع ملابسه وتقـدم من الشرطة وعنـد وصولـه طالب بحضور أحد المسؤولين فجاء أحدهم وطلب منه الذهاب معه الى رفاقه لغرض التفاوض على أساس الإستسلام .
رُفض طلب(هادي) من قبل المسؤول وسحب الى مكان خلفي وأجري معه التحقيق بعدها أوعـز المسؤول لكافـة أفـراد الشرطة وحاشية الإقطاعيـين بمواصلة الهجـوم على موضع الرفاق ودارت معركة حاسمة ،إستبسل فيها رفاقنا ولم تتمكن الشرطة من إقتحام الموضع إلا بعد أن نفذت ذخيرة الرفاق ولكن الشرطة لم تتوقف عن إطلاق النار على رفاقنا رغم الإعلان عن إستسلامهم فإستشهد كل من الرفاق:-
1/ جبار ( خالد أحمد زكي) قائد المجموعة
2/ شلش( محسن حوّاس)
3/ كـاظم (منعثـر سوادي)
وكـان (كاظم) سبق له وأن جرح في المعركة الأولى بطريق الخطأ من قبل (حسين ياسين) وقد واصل السير جريحا وقاوم معهم حتى سقط صريعا مخضبا بالدم ،وإستشهد شجاعا وبطلا كما جرح كل من الرفاق ( هادي لفته- وجمعه) وبالمقابل قتل طيار المروحيـة التي تم إسقاطها وقتل معه (4) من من أفراد الشرطة كما جرح (5) منهم.
كان بإمكان رفاقنا قتل عدد أكبر من أفراد الشرطة إلا أن الرفيق(جبار) رفض ذلك..... وبعد إنتهـاء المعركـة والتي دامت ما يقرب من ساعتيـن أخذ الشرطة بإخـلاء الجثـث وبإسلوب وحشي وقد سحل الرفاق المستشهدين على الأرض لمسافة طويلة الى موقف سيارات
الشرطة المسلحة وفي ذلك الحين لاحت طلائع الجيش التي جاءت لمساندة الشرطة ومشاركتهم في العملية بعد الإتصال بهم لاسلكياً. نقل رفاقنا الى ناحية (الدوّايه) وكانوا يطالبون المسؤولين بمعالجة الجرحى إلا أنهم رفضوا ذلك . إضافة الى ذلك كانوا يمنعون عن رفاقنا الماء رغم أن الجو كان حاراً وذلك إذعاناً في تعذيبهم. واصلت السيارة مسيرها الى مدينة(الشطرة) والجرحى من الرفـاق دون عـلاج وكانت دمائهـم تـنزف ومن ( الشطرة ) إتجهـوا الى ( مـركز سـراي الناصرية) [ مبنى المحافظة حاليا] وهناك قسمّـوا الرفاق الى ثلاثة مجموعات......الأولى الى (الموقف) والثانية الى( المستشفى) والثالثة الى (الطب العدلي) وبهذه الخاتمة المؤلمة والبطولة الفذة إنتهت صفحة كانلة لأروع معركة وأشرفها . بهذه الشجاعة إنتهت أول قاعدة بناها الحزب لخوض الكفاح المسلح ضد السلطة الرجعية الغاشمة في الأهوار.
كان ذلك في بدايات عام 1968م في أيلول ملأت القوات العسكرية والشرطة ناحية(الدوايه) بأعداد كبيرة ، حيث أصبحت هذه الناحية التابعة لمحافظة( الناصرية )كأنها ثكنة عسكرية ترافقها البرمائيات والسيارات المسلحة والشرطة والمسؤولون، الكل يعرف أنهم جاءوا بعد عملية (الغموگه) بأيام . عملية (الغموگه) التي قامت بها قاعدة الكفاح المسلح في الهور.لكننا نعيش الأخبارلحظة بلحظة من الشرطة الساكنين بالناحية أومن القادمين من الهور، شهود عيان يقصون حوادث وقصص خيالية ،حتى بلغ أن طائرة الهيلوكوبتر التي أسقطوها الثوار كان حجم الحدث مؤلم للسلطة رافقه خبر مصرع طيارها، خبرجديد يهزمعنويات جموع العسكر والشرطة المحتشدة.أثارت تلك الأخبارأن الهوريحترق وأن حجم المقاومة كبير.فمن عملية مخفر(الغموگه)
ومصادرة السلاح الى غسقاط طائرة الى قتل طيار.بلغ الأمر مقتل شرطة وجرح بعضهم ،عمل
كبير يثير الخوف والقلق لدى الحكومة التي وقعت بين حيرة التقارير والوشاية والإعترافات عن حجمهم وهذا الفعل الذي لا يمكن أن تنجزه تلك الأعداد.إنتهت المواجهة عند المساء ،أو بالتحديد في بدايات عصر ذلك اليوم، عند المساء والشمس تقارب الأفق ، قدمت القوة بسيارات الشرطة المختلفة وخلفها عاصفة من التراب.تقدمت السيارات الى مركز الشرطة ،وقفت السيارة المسلحة
على مقربة من مركز (الدوايه) وبالتحديد في زاوية الحديقة الأمامية تجمـّع الناس حول السيارة ،شباب في حوض السيارة أيديهم مربوطة الى الخلف ،كان حوض سيارة الشوفرليت الزيتونية تسع لخمسة أو أربعة أشخاص إثنان على كل جانب توسط الجلسة خامسهم يرافقهم شرطيين الى الأمام جلسا على حافة حوض السيارة الخلفية ،وثالث نزل حال توقف السيارة ليدخن سيگارة ، كانت وجوههم مرفوعة عيونهم تلتقي بعيون المتجمهرين إصراراً وإباءاً ، تحدٍ واضح رغم تلك الحالة من البؤس والإرهاق ،الثياب ممزقة ،شكلهم يومي بأنهم أعظم مما يرتدون حتى قال أحد الواقفين" هؤلاء طيارون أو أطباء أو مهندسون هربوا الى الهور" إدعاءات من وحي الخيال الذي يرسمه التحدي ويصّور عمق الإيمان ،إنعكس بإحترام الجمهور الذي حولهم لهم...بعينيرأيـت كل ذلك لم أسمع أحـداً يكيـل لهم الإهانـة أو كلمة(خَطِيّه) حتى تراجـع البعض معجبـا بالتحدي الذي يحملونه هؤلاء الأبطال ، وقال أحد الواقفين "إنهم أبطال" (بصوت منخفض)
الجميع في صمت عدا أسئلة الإعجاب ،وقال آخر ....أن أحدهم ويقصد أحد الرفاق قطعت يـده ..بقيت متصلة ..ضاق ذرعاً بها ...وضعها تحت قدمه اليمنى وسحبها ..إنقطعت كف يده وبقيت تحت قدمه ،إقشعر الجميع لتلك الصورة التي وصفها أحد رجال الشرطة للواقفين.
لننتقل سويةً الى خندق المواجهة لنقل الصورة الناصعة لإستشهاد الرفاق ، حيث تجمعت أعداد كبيرة من الناس واقفة على ضفاض النهر المتناثرة على ضفافه أكداس الرصاص والبنادق المرمية وشواجيرالرشاشات،كان ثلاثة من الشهداءعلى جانبي الخندق متجمدة أجسامهم ، بنادقهم بأيديهم أو في أحضانهم،إلتصق أحدهم بالأرض وهم كل من ( خالد أحمد زكي- محسن
حوّاس- كاظم منعثر)
قيل أن الرفيق الذي قطعت يده بأنه(هادي) ،أخذت أبحث عن هذا البطل الجريء مرات فلم أجد جوابا ومرة قيل أنه (عقيل حبش) وكم تهللت فرحا بأن (عقيل) الذي حكم عليه بالإعدام قد خرج من المحنة .
يذكر (مظفر النـّواب) في رسالة الى (عقيل...)
" تغربت في بلاد الدنيا ،ما زال عقيل البطل الذي لا أعرفه يمثل علامة في ذاكرتي حتى ذلك اليوم في بدايات تموز من عام 2006م عندما إلتقيت عقيلاً ، كان سؤالي عن صاحب اليد المقطوعة قص عليّ القصة [ إنـه البطل هادي إسمه الصريح –عبد الجبار علي جبر- من قرية(برنون) في لواء الحلة ، هو أحد الهاربين من سجن الحلة ، إلتحق بقاعدة الكفاح المسلح ] ..عرفت الآن بطلي الذي سبق فعله إسمه أكثر من (40) سنة "
أرسل (مظفر) تلك الرسالة مع عائلة (هادي) القادمة من الحلة الى الديوانية لزيارة هادي في السجن مع عقيل ورفاقهم الباقين. قدم مظغر من تلك الأصقاع البعيدة الى بيت
(هادي)علـهُ يجد من يحـّدثه عن أخبار جديدة عن عقيل . كانت الرسالة التي بين ايدينا من خطها يبدو أنها سريعة الكتابة ،مكتوبـة على عجل في نفس المكان ودون أيـة مقدمات أو رموز يريـد إخبارها لعقيل سوى رفع المعنويات. في تلك الفترة كان حكـم الإعـدام قد صدر بتاريخ 7 تموز 1968 وحصلت المتغيرات المعروفة. يالهذا البطل الذي تضطرب عنده الأحداث حيث الزمن يضطرب . زمن إعتقال (عقيل) ورفاقه مضطرب بذاته يحمل متغيرات كثيرة.
ومن رسالة الشاعر (مظفر النواب) لعقيل حبش
((لقد كنتَ حقيقياً في كل ما حدث ،والناس شعبا يتحدث عنكم في كل مكان وأريد أن أقبلك كما بالأمس من عينيك للتحدي الذي فيهما الذي تتحدث عنه الجماهير بفرح ))
بعيني رأيت كل شيء كما وصفها مظفر في تلك السنوات .رأيت الناس ..الجمهور يحترم الأبطال ..يحترمهم وجهاً لوجه في ناحية الدوايـّه بحس فطري لأنهم ثوار مبدأوقضية ، الكبير والصغير لم يتجاوز حدود اللياقة ،حتى الشرطة في تلك اللحظة لم تظهر غلظتها أو تجاوزها أمام الجمهور كأنهم يحترمون مشاعر الجمهور أو التعاطف مع أولئك الثوار حتى وهم في القيود ..ناول أحد الواقفين قرب سيارة الشرطة سيگارة ،أشعلها لهم ولأن الرفيق مكبل اليدين الى الخلف وضعها في فمه غطى الدخان وجهه كغيمة مطــر.
وهناك السؤال الذي يطرح نفسه ..من أسقط الطائرة....؟
يقول عقيل " تعرف أني لم أكن هناك فقد تهتُ في بداية العملية وتاه بي الطريق نبعد قصة مثيرة مليئة بالأحداث،أعتقلت غير أني في السجن تقصيت الحقيقة من الأفراد المتواجدين وهم [ عبد الجبار علي جبر- عبد الأمير عبد الواحد يونس الركابي- محمد حسين الساعدي- علي بوجي- عبد الله شهواز] وبعد أن حاصرتهم الطائرة الهليكوبتر ،هبطت قرب موضعهم ،كان الطيار متسرعا عندما رماهم بقنبلة يدوية ..الموضع عبارة عن نهر صغير جاف جاءتهـم القنبلة تتدحـرج حتى تلقفها (هادي) ليبعـدها عن رفاقـه وعن نفسه ....غيـر أن الوقت كان حرجا ،إنفجـرت بيد (هادي)....... (من تلك اللحضة ترتسم في ذهني مـدى المسافة بيـن موضع المقاتلين وموقع رمي القنبلة القريب. بدأ الطيار بالإقلاع ليقترب من خندق( خالد أحمد زكي) ورفاقه ،إنهالوا عليه بوابل منهم نحو الطائرة المائلة إخترق وابل الرصاص من بنادق المجموعة الثمانية جانب الطائرة ،تهاوت وسقطت ،كان وابل الرصاص كثيفا أصاب الطيار وصرعه حيث فقد السيطرة على الطائرة ". إنه عمل بطولي تسجله البنادق شرفا جماعيا قبل الأقلام وإستمر عقيل بكلامه عن الطيار حيث قال" أنه من مدينة ( الموصل) شديد الكراهيـة للشيوعيين ، وقد تهكم أكثر من مرة أن المجموعة صغيرة لا تستطيعوا القضاء عليها؟! كل اهل الناصرية خونة متخاذلون مع الشيوعيين " كل تلك الرواية سمعتها من أهالي الديوانية.
في يوم من أيام أيلول الساخن(عقيل) ورفاقه الأربعة في سجن (مقر إنضباط الفرقة الأولى) في( الديوانية ) تقلبهم أخبـار مقلقة ، وتعصرهـم بين حكم الإعدام الصادر ضدهم وأخبـارالحـزب المنقطعـة وغصة الألـم التـي تولـدت لديهـم بعـد أحـداث ( 17تموز) إحباطات ومرارات هزت كيانهم ، غيـر أنهم ما زالوا يتحـدون اليـأس ينشـدون أناشيـد الثـورة والصمـود
كان لتلك الأناشيد أثر معنوي يدركه (عقيل) فيكرره غير مرة .في أحداث محددة ( في لحضة صدورحكم الإعدام أو تنفيذه ، في لحضةعودة أحد الرفاق من التعذيب أوذهابه الى الإستجواب)
تلك الأناشيد تحافظ على تأجج وحّس التحدي ،تبعد اليلأس من التسرب الى نفوس بعض الرفاق
خمسة في السجن يتوالى دورهم في الإستجواب والتعذيب ،ستة كانوا البقية الباقية من خلية هور ( الغموگه) الإثني عشر يمارسون الحياة بطرق بداثية ،يصنعون من عجين الخبز المتبقي لعبة الشطرنج ، يتقاسمون السيكارة التي يغنمونها ويتناقشون في أمور المعتقل والتحقيق والمحكمة وعن أخبار الحكومة. بصيص من الأمل أ يصل مسامعهم بالعفو أو تخفيض
الأحكام القاسية، ما زالوا متماسكين حتى الساعة
في الديوانية في سجن مقر إنضباط قيادة الفرقة الأولى وهي المحطة الثانية بعد سجن الناصرية عندما إنتهت قاعدة الكفاح المسلح في هور (الغموگه) في أولى عملياتها بنهاية درامية عظيمة ،تحتاج بذاتها الى دراسات وتقييم عن مدى الإرتباط والإيمان الذي كان يتمتـع به أولئـك الإثني عشر شاباً . تتملكهم أخلاقيـات إحترام الحياة حتى يفضلون عـدم قتـل الشرطة في لحظة المواجهـة ، حقاً وطنيين تـرفُ قلوبهـم بنفس النبض الذي ينبض في قلوب الآخرين من آفراچ الشعب ولو کانـوا شرطة.
لقد إشتركت قوة كبيرة جدا من الجيش والشرطة وعشرات الآليات والدبابات
البرمائية ،ومئات السيارات المدولبة ،فضلا عن حـّوامة ضخمة ... كل تلك القوة الحكومية المدججة لمواجهة إثني عشر منضلا، لم تكن المعركة متكافئة لكن الثوارالمتفانين كتبـوا فيها
ملحمة الهور المجيدة ألحقوا بعسكر الحكام خسائر كبيرة ، أعطبوا الآليات ، أخرسوا الأسلحة ، أسقطوا طائرة هليوكوبتر فقتل قائدها ومساعجه ، مرغوا جبروت السلطة الغاشمة بالوحـل...!
لكنما العتاد نفذ في جعبهم ، ولم يكن ثمة من يأتيهم بعتاد بديل . وعندما تلفتوا حولهم لم يروا أحدا يلتحق بهم وينضم إليهم مقاتلا أو يمد لهم يد العون . وتبين لهم وهم محاصرون يقاومون، أنهم لم يعدوا العدة جيدا للمعركة وأن الظروف المحيطة ( الموضوعية) غير ناضجة ولا مواتية لإشعال الثورة وتأمين إنتصارها.
في (3حـزيران 1968) تبدد غبـار المعركـة ووقتها كان المناضل الجسور (خالد أحمـد زكـي) وإثنان من رفاقه الشجعان قد تسـاموا شهداء ،فيما أصيب ثلاثة آخرون ، وأسر جندرمة السلطة خمسة غيرهم ، حكمــوا بالإعـدام لكن سخط الشعب العراقي كله داخليا
وتضامن شعوب العالم في الخارج حلا دون تنفيذ الأحكـام الظالمــة بحق المناضلين....!
والآن ماذا قال الشعراء بحـق هؤلاء الأبطــال:-
قصيدة عطش النــدى....للشاعر حميد لفته الحريزي
قطــرات النـدى
دمـوع العـذارى في بيدر القمح
مياسـم ورد ينادي الصبح
عطـرا وفراشات تتلو صلاة الجمال
نــور فجـر يغمـره بلا حساب
فـي معابـد السحـر
ترقص الشواطيء عند أقدام النخيل
الفراشات أتت بـلا أجنحة تطير
تقبّل ثنايا الضياء السارحة في مرج الحياة
تتبارى عذارى الحسن لفارس تحـّدى بحـار
الشياطين لربات السحر يحمل أرغفة الحياة
وداعــا بلاد الضبـاب
رُفـِعَ الحجاب
حــلّ يوم الحساب
فلابد من الرحيـل
«« خالد »»..1 یقول
هيا يارفـاق إقرؤوا رسائـل القصب
(( غرانيق الچبايش))..2 تستعجلنا الحضور
عـادت غربـان شباط بقناع جديد
((حمـد)) رأيتـه بلا عقيـد
((سلام))..3 يقرأكم الســلام
إياكـم والغفلة ، لازالت دمائنا تفـور
إمتشقـوا رمـاح القصب وتـدرعوا بتيجـان الزهـور
رشاشا تنكبـوا الشعار
شرارات ثـورة حولوها محاضر الحضور
الكـلاب تلهث وراء الرغيف
الثعالب تصطاد الدجاج وتخشى الصقور
تنادت الذئاب ، نبحت الكلاب ، خان الأمين
هُتـِكَ ستر ((الغموگه))..4
بكـى الحِـّذاف ن وإنتحر السمك
نزفت ((عـرانيص الخريط))..5 دمـا
تحول ((خالد)) ودماء الرفاق
زنابقا حمراء
قبلة للفقــراء لها يتعبد ((العگيد))..6
وتحج لها الطيور
لتتعلم دروس الثورة والبقاء
تغادرنا بلا وداع
تعانـق نوارس الـربيـع
تعبـر الجبال والبحـور لتنشد الدنيا
نشيد (( خالد )) نشيد الثورة والنقاء
1/ خالد: هو المناضل الشهيد خالد أحمد زكي الذي قاد إنتفاضة هور الغموگه
2/ غرانيق الچبایش: أهوار مشهورة فی قضاء الچبايش محافظة الناصرية
3م سلام عادل: (حسين محمد رضوي) سكرتير الحزب الشيوعي العراقي قتله الفاشست بعد إنقلاب شباط الأسود
4/ الغموگه: أحد أكبر أهوار الناصرية تابع لقضاء الشطرة
5/ عرانيس الخريط: مادة صفراء حلوة الطعم هي (زهرة البردي)
6/ العگيد : هو لب البردي أبيض اللون يستعمل كغذاء
++++++++
أما القصيدة الثانية فهي للشاعر(رحيم الغالبي) بعنوان (يا شنهي ..أموت وأحبك)
بعيونك أموتن ... حتى أفوتـن
بــابك المسدود ، ما شافه الحلم مـّره
نديمي العمر ردتـه إويـاك.........مـا صاح
أزت روحــي مسـافـه
صـار الـزمـن كلـّه إبحـزن وإنيـاح
لا,,شـرجي ولا غـربي تهـب إريــاح
شفنـّه الحنطـه كلهـه صوفـرت
والسنبـل علـه المسطاح
ذابـل سنبـل الحنطـه ،فارغ سنبل الحنطه
فـارغ من الحبــّه
ظـل يحمـل تبن مـو تين
وإبكـل جفـن مـرواح
محـّد فــزز الناطـور
مـوسم إجـه ومـوسم راح
ومـوسم بالحلم ينزع ثياب السهره والأفراح
شفنـاهـه چـذب مـن صبـّح المصبـاح
«««««+»»»»»
وگبـل مـا گتلـك ، أريـد إتخلـّي إيـدك
علـّه خـّد الوسفه وإصبع تعــط النـدمْ
آخـر ليلـه من سديت العمر
للمـوت أتـاني ، وطاح من إيدي القلـمْ
بـس آنـه نـايم ما حلم
آنـه نـايم واعـي ..................مـا حلمْ
آخـر ليلـه طـاح النجـمْ
وراسـك عـالـي مـا طـاح
والحلـم والألـم طـول السنيـن ...مـا مّـر
بالبنفسـج رازقـي وقـّداح
ولا .......شجـرة عنـب مــا يثمـر التفـاح
(( مـرانـه حمـّد ))...... ذاك الزمـان وراح
علـه إعيـوني ...رسـم خطـوات هجـرانه
وتعـّدَ أعــوام عمــري
ورگ شجـره يبـس ، من أغصـانه
حـّشْ منجـل فـرگتـه
الغاب عنهإسنيـن
بس ما غاب كـل گعداته ويانه
جـذر شجـره ..بعلـو السمه
إتسمـت شجرتـه
الزاهيـه الگـالو " خبيثه "
إتفـرعـت كلهـه محبـه يا حبيبي
إنتـه زخـه .. زخة مطـروبغدرانه
سـولفـولـي
من زمـان أسرارك وأفكـارك
تصـاويرك إبعرس الهـور
والگصبـات والبردي سولفولي
يـا جـّدي
إبسـواليفـك چنـت حـّدي
إبمشاحيفك إبصوت الماي والبردي
سـر ضميت بيـه أسرارنـه
تـاخـذنه وإتـوّدي
عـرس( خالد زكـي) لليـوم
هلهـوله تطـر وسط الغمـوکه...1
الخـّوفت تيجـان
تـدري إبكل نشيد الثوره ي(مظفر)
يگــوم الهـور والبردي.. والمعـدان
وتطگ للبصره لأهوار العماره
إصويحـب وغيــلان
إزيـرج عمامـه
وإتسير كلهه الزلم والنسوان
كلهـه إتصيح يـا بغداد
يـا بغداااااد
ضيعنـه زمـن ......گـــواااااد
1/ الغموگه: من أشهر أهوار الناصرية
*******