الاقلاع عن التعامل بالدولار في الاقتصاد الدولي La dé-dollarisation de l’économie mondiale


سعيد زارا
2020 / 4 / 24 - 01:41     

كثر الحديث مؤخرا بين الاوساط الاقتصادية و الجيوسياسية عن منعطف في العلاقات الاقتصادية الدولية بشأن مستقبل تداول الورقة الخضراء (1) و ان العالم مقبل ، كما يزعمون، على مرحلة تراجع تداول الدولار في الاقتصاد العالمي خصوصا مع صعود الصين كقوة اقتصادية و محاولتها تقويم معاملاتها مع البلدان الاسيوية بعملتها الييوان و تزايد طلب روسيا على الذهب و تقليصها من الاحتياط النقدي المقوم بالدولار و محاولتها احلال التعامل بالروبل عوض الدولار في مبادلاتها التجارية ، زد على ذلك محاولات الاتحاد الأوروبي و بعض الدول من اجل تقليص هيمنة الورقة الخضراء ، الخ... فهل نشهد فعلا بداية نهاية الامتياز "المكلف"، على حد تعبير الجنرال دوغول، للورقة الخضراء واننا ازاء منعطف و لو بوتيرة بطيئة نحو الاقلاع عن التعامل بالدولار دوليا، ام هي رغبات من طرف البلدان العظمى "المتضررة" من هيمنة الورقة الخضراء بعيدة ان تهدد هيمنة الدولار ؟؟؟

ما يجب التأكيد عليه هو ان الدولار المزيف او هذا اللاشيء المكسي بزي النقد هو من يقرر اليوم الخريطة الجيوسياسية للعالم بكل مفاصلها و منعرجاتها ، فكيف ذلك ؟ و كيف يعقل لنقد بلا قيمة يعتلي عرش كل عملات العالمين؟؟ في حين ان تجارة امريكا الدولية لا تمثل غير 10 بالمائة من كل التجارة العالمية و انتاجها الداخلي الخام لا يتجاوز 18 بالمائة من الانتاج العالمي و مع ذلك فما يناهز النصف من المبادلات التجارية العالمية تجرى بالدولار ، كذلك نذكر ان ما يقارب 60 بالمائة من الاحتياطي العالمي من العملات مقوم بالدولار، زد على ذلك ان ازيد من 80 بالمائة من معاملات الصرف العالمية تتم بالدولار ايضا .

لم يتسن للدولار ان يهيمن على قنوات التداول العالمية الا بعد انهيار الامبراطوريتين البريطانية و الفرنسية اثر الحرب العالمية الثانية ، و صعود امريكا قوة اقتصادية عظمى لم تتضرر بالعدوان النازي حيث تقدمت الانتاج العالمي و راكمت من رؤوس الاموال ما تعدى النصف في اسواق المال العالمية و اصبحت اكثر من 60 بالمائة من الاحتياطي العالمي النقدي من الدولار مع نهاية الخمسينات موسعا بذلك الفجوة بينه و بين الجنيه الاسترليني ، ليعتلي الدولار مكانة النقد الملك و قد بايعته كل المؤسسات النقدية التي خرجت من معاهدات برؤتن وودز بما في ذلك أقواها و هي صندوق النقد الدولي. استمر الدولار نقدا عالميا و هو يرسو على المعدن البراق يستمد لمعانه منه كما يقتضي قانون القيمة الرأسمالي ، كالقمر المضيء و هو يعكس اشعة الشمس وفقا لقانون الانعكاس الضوئي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الى حدود 15 من شهر غشت 1971 عندما اعلن الرئيس الامريكي نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب.

الاقلاع عن التعامل بالدولار في الاقتصاد الدولي او على الاقل الحد من هيمنته على قنوات التداول العالمية كان طموح الدول العظمى الأوروبية و على وجه الخصوص البريطانية و الفرنسية لكن دون جدوى. حال هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، بعثت بريطانيا مندوبها جون مينارد كنيز الاقتصادي النجم الذي كان يخطف الاضواء لحضور معاهدات برون ودوز من بين 730 مندوب تمثل 44 امة و قد كان مرفقا ببرنامج اعده سمي فيما بعد بمخطط كنيز لدراسة القضايا النقدية و المالية و خاصة الدفاع عن المصالح البريطانية التي كانت تتمثل في دعم الجنيه الاسترليني و تحاشي تهميشه من طرف الدولار الصاعد، كان مخطط كنيز المناور ليحد من هيمنة الدولار هو خلق اتحاد عالمي للمقاصة نقده المسمى ب"البنكور" يقوم مقام نقد عالمي ترتبط به كل العملات الاخرى و بدوره يرسو على الذهب. اقول مناورة من طرف كنيز لان البريطانيين ما بين الحربين كانوا قد جعلوا من الجنيه الاسترليني نقدا عالميا عكس ما كان قبل الحرب العالمية الاولى حيث كان النقد العالمي هو الذهب ، و في المقابل كان هناك "هاري دكستر وايت" مندوب الولايات المتحدة الامريكية، حال دون ان يتفوق مخطط كنيز و هو الاقتصادي المرموق، فدافع بدوره عن مصالح بلاده التي عرفت نهضة قوية منذ بداية القرن العشرين ليتبنى ممثلو الامم مخطط وايت الرامي الى جعل الدولار نقدا يتمتع بتفرده الحصري في تحويله الى الذهب دون العملات الاخرى لتبدأ هيمنته على الاقتصاد العالمي، ليذكر وايت كنيز اذن بان قوة الدولة الرأسمالية في قوة نقدها. اما فرنسا عندما استعادت عافيتها الاقتصادية بعد عقدين من انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد اعلن زعيمها الجنرال دوول خلال مناظرة صحفية في الرابع من فبراير من سنة 1965 معارضته لسياسة امريكا النقدية عندما اصبحت تسجل عجوزات في ميزان الاداءات و انها بذلك تسمح لنفسها ان تستدين بالمجان، كما طالبها باسترجاع ذهب فرنسا و طالب ايضا بان يفسح المجال لفرنكها بان يدرج ضمن النقد العالمي بقابلية تحويله الى الذهب الى جانب الدولار. و في شهر فبراير من سنة 1971 رد كونلي كاتب الدولة للخزينة الامريكية ببرودة و ثقة في وجه وفد ديبلوماسي اوروبي اتى يشتكي مستاء من تهاوي الدولار قائلا : " الدولار نقدنا، و لكنه مشكلتكم". استمرت خلافات فرنسا و امريكا حول السياسة النقدية الى حين اجتماع الخمسة الكبار في رامبوييه عام 1975 خلال ايام 15 الى 17 من شهر نونبر.

نقلد ماركس و نقول دوما ان ازمة نظام الانتاج الرأسمالي هي ازمة فائض الانتاج التي تتحقق بعجز النظام الكامل عن تصريفه ، و هو ما حدث فعلا عندما لم يستطع المركز الرأسمالي ان يصل بما فاض عليه من انتاج بضاعي الى الاطراف او المحيطات في بداية السبعينات من القرن العشرين عندما لم يبق هناك مستعمرات مع بداية السبعينات و هو ما يعني ان قنوات صرف فائض الانتاج قد سدت الى الابد ليغرق المركز فيما انتجه. اما امريكا بلا مستعمرات فقد انفقت ما راكمت من اموال في الحروب على الشيوعية (كوريا ، فييتنام...) حتى افرغت كل خزائنها مما استدعى نيكسون ان يخطب في 15 غشت من سنة 1971 يعلن تعليق غطاء الدولار بالذهب بشكل مؤقت و من بعد بإعلان لا رجعة فيه وضع حدا نهائيا لمعاهدات برؤتن وودز من خلال البند 11 في اعلان رامبوييه نونبر 1975 و رسميا في الفصل الرابع من اتفاقيات جمايكا كنغستون يناير 1976 .

الدول الأوروبية رغم اعتراضها ، خصوصا الدولة الفرنسية، على هيمنة الورقة الخضراء لم تجد منفذا اخر غير كفالة الدولار المنهار في قمة رامبوييه بعد تصفية مجمل الخلافات كما جاء في البند 11 من الاعلان "...و قد سجلنا بارتياح التقارب, الذي كان منشودا من طرف مجموعة من البلدان, بين وجهات نظر الولايات المتحـــــدة الأمريكية و فرنسا حول موضوع الحاجة إلى الاستقرار و كذا إصلاح النظام النقدي العالمي..."، . سارعت الدول الأوروبية الى تأسيس النظام النقدي الاوروبي في مارس 1979 لعلها تحمي عملاتها من تبعات الازمة التي اودت بحياة الرأسمالية، بعد فشل ما يسمى ب"الثعبان النقدي الاوروبي" نتيجة تخفيض الجنيه الاسترليني ب30 بالمائة عام 1976، بغية تمكينها من ضبط استقرار عملاتها المتهاوية ، لكن سرعان ما بدأت في تدهور سببه انهيار الدولار.


كثفت الدول الاوروبية من مفاوضاتها في اواخر الثمانينات من اجل توحيد نقدها فكانت معاهدة ماستريشت 1992 التي وضعت اللبنة الاولى لعملة اوروبية موحدة "الاورو" فتهاطلت تصريحات المختصين حول مستقبل الاورو الواعد و منافسة الدولار على اعتلاء عرش النقد، اثرها قال الاقتصادي روبرت ماندل الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 1999 : "سيهدد الاورو وضع الدولار و سيغير موازين القوى في النظام"، و لم يفوت الاقتصادي شارل ويبلوز الفرصة ليؤكد فيما بعد ان قيام الاتحاد الاوروبي النقدي يأتي لمنافسة الدولار من اجل الهيمنة النقدية او ما سماه ب"النوايا المبية ، المبرمجة منذ زمن، لأوروبا لتبني نقد موحد"، و في سنة 1997 تحدث برغستون فريد يقول ان الاورو يحتاج بين خمس و عشر سنوات فقط لكي يقف على" قدم المساواة" مع الدولار، اما الاقتصاديان جورج الوغوس كوفي و ريتشار بورطس 1997 و بكل اريحية قالا: "الاساسيات تبين تحولا مهما لصالح الاورو... و ان الدولار يمكن ان يفقد حالا اهميته كنقد سيار (2)" . مر عقدين من الزمن لتخيب امال المراهنين على الاورو في ان يقلب موازين القوى لصالح القارة العجوز الا ان الواقع اكد ان الدولار لازال يتحكم في كل منعرجات الاقتصاد الدولي رغم زيفه المفضوح، و ان تأثير العملة الاوروبية لم يتعد "دائرة نفوذ الاورو" او ما يطلق عليها "محمية اوروبا" حيث حصته من الاحتياطي العالمي تراوح العشرين بالمائة بينما الدولار يفوق 60 بالمائة .

قبضة الدولار على عالم الرأسمالية في ظل اتفاقيات برؤتن ودوز بعد الحرب العالمية الثانية معاكسة تماما لقبضته على عالم ما بعد الرأسمالية في ظل اتفاقيات جمايكا كنغستون عندما فك الدولار ارتباطه بالذهب بشكل نهائي، ففي الاول كانت هيمنته تقوم على سريان قانون القيمة الرأسمالي عندما كانت الولايات المتحدة الامريكية وحدها تمتلك 70 بالمائة من الاحتياطي العالمي للذهب حيث الدولار النقد الوحيد ذو قابلية التحويل الى الذهب، يشير الى قيمة البضائع او بتعبير ادق معايرا لكل القيم ، اما التالي فسيطرته على العالم محبوكة بشطب قانون القيمة حيث "النقد" يأتي الى الوجود بعيدا عن انتاج الخيرات، بعيدا عن بطون فائض القيمة ، يأتي الى الوجود بقدرة الامريكان الحصرية على النفخ و ضخ مليارات الدولارات الفارغة من كل قيمة يوميا في مسالك التداول العالمية فاصبح خازنا للقيم، و قد نقلت القيمة تعسفا من البضاعة اليه فلم يعد نبض في الدورة الرأسمالية، كيف تحيا و قد غدا الدولار خفيفا تكفله العملات الاخرى و تغطيه بضائع الصين و شرق اسيا و بترول الخليج العربي. مع دولار ما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية الى نهاية الخمسينات كان امام العالم افق الشيوعية المزهر بفضل القيادة الرفيعة للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي(3)، اما دولار، اواخر الستينات و ما بعد السبعينات، المفرغ من كل قيمة و بعد انهيار الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي بإلغاء الخطة الخماسية الخامسة اصبح العالم يغرق في فوضى عارمة.

لننتقل الى "القوة الصاعدة" الصين و قد ادهش صعودها العديد من المراقبين الدوليين ليقولوا باننا نعيش منعطفا دوليا جديدا تقوده هذه القوة الناعمة الى عالم سيختلف عن الذي نعيشه الان ، عالم يفقد فيه الدولار الريادة كما يزعمون و تكون فيه الكلمة لليوان او سلة من العملات الصاعدة. يعتمد هؤلاء على تحركات مجموعة من الدول بعد ازمة 2007-2008 و خاصة تلك التي تطالها العقوبات الامريكية كروسيا و ايران، فقد وقعت روسيا و الصين اول عقد لهما بخصوص تسليم الغاز على مدة ثلاثين عاما مقومة بالروبل او الييوان كما لجأت روسيا مؤخرا الى بيع ازيد من 20 بالمائة من احتياطي دولاراتها، تقويم البترول المستورد من طرف الصين بالييوان او ظهور ما يسمى بالبترو-ييوان الخ ...

تعاظمت الدراسات حول قوة الصين الصاعدة، فهناك فريق يقول بان انفتاحها على اقتصاد السوق هو من جعل منها قوة رأسمالية بل اصبحت من الامبرياليات الجديدة و فريق اخر من يقول بانه نموذج قوي لرأسمالية الدولة و فريق اخر يقول بانها في طور البناء الاشتراكي السليم. نسائل هؤلاء و نقول لهم كيف يمكن لرأسمالية ان تحتفظ بنسبة نمو متصاعدة بمعدل 8 بالمائة لمدة عقود بدون ان تقع بأزمة واحدة؟؟؟ و هل لنا ان نصدق الحزب الشيوعي الصيني ان ما تعيشه الصين حاليا ليس الا تحضيرا لانتقال حقيقي الى الاشتراكية و انه يعيش كفترة "نيب" لضمان عبور افضل و 70 بالمائة من الناتج الاجمالي للبلاد هو من انتاج القطاع الخاص في حين كان قبل 40 عاما يراوح 10 بالمائة؟؟؟ اقتصاد الصين ليس اشتراكيا و لا رأسماليا انه وليد علاقة مشبوهة.

علاقة الصين بالولايات المتحدة الامريكية علاقة متشابكة، كانت افراز محطتين مهمتين في تاريخ علاقة البلدين، الاولى عندما زار نيكسون - و التي عبر عنها بانها غيرت العالم- الصين عام 1972 و التالية مع بداية عام 1979 اثر زيارة دينغ سيابينغ الرئيس الصيني لأمريكا. قدوم نيكسون المعادي للشيوعية للصين الشعبية لم يكن من اجل الاعتراف بها، بل من اجل تثبيت قواعد يرسو عليها الدولار المنهار ، فمن خلال هذه المحطتين تم ابرام صفقات ربطت الاقتصادين فيما بينهما حيث امريكا اضحت المستورد الرئيسي للبضائع الصينية و هو ما يلزم الصين ان تمر الى سرعة عالية في التصنيع و التصدير نظرا لقصور الانتاج الامريكي من جهة و الاستهلاك المفرط من جهة اخرى لتجد الصين نفسها تملك تريليونات الدولارات فاقت الثلاثة. ما كان للصين ان تتقدم بهذه الوتيرة المتسارعة و قد تخلت عن الطريق "الاشتراكي" لولا ارتباط اقتصادها التصديري بالاقتصاد الاستهلاكي في امريكا و قبول الحزب الشيوعي الصيني بمبادلة انتاج العمال الصينيين بدولارات مفرغة القيمة و هو ما نتج عنه وضع منفلت عن رقابة العظميين، لا امريكا تستطيع ان تستغني عن انتاج الصين و لا الصين تستطيع ان تستغني عن الدولار. كانت الصين تحتل الصف الخامس و العشرين في قائمة شركاء امريكا التجاريين عام 1980 لتتقدم القائمة الى الصف الخامس بعد مرور 16 سنة فقط، اما حاليا فهي الشريك الرئيسي للولايات المتحدة الامريكية حيث سجلت الاخيرة عجزا تجاريا معها (الصين) يفوق 400 مليار دولار عام 2018.

بحساب الناتج المحلي الاجمالي الصيني بمعيار القدرة الشرائية (4) لسنة 2017 نجد الصين فاقت امريكا في الانتاج و قد تقدمت في التكنولوجيا الرفيعة (الجيل الخامس من الاتصالات و هي بصدد انشاء الجيل السادس) لينكشف زيف ما يسمى باقتصاد المعرفة حيث تأكد كما عبر التاريخ الانساني ان المعرفة هي من بنات تطور ادوات الانتاج و ليس العكس. اقلعت امريكا عن التصنيع مع تسيد الخدمات فتراجعت معارفها التكنولوجيا بالمقارنة مع الصين المصنعة.

بعد ازمة الرهن العقاري 2007-2008 ، و هي الازمة التي لا علاقة لها بأزمات النظام الرأسمالي حيث الاخير يهزم بفائض الانتاج البضاعي، اتهم الوزير الاول الصيني وين جياب الولايات المتحدة الامريكية بانها المسؤولة عن الازمة و عن توسع المؤسسات المالية المتزايد و سعيها الاعمى وراء الربح . اتهام الصين لأمريكا بهذا المنوال يحاول اولا ، ان يغطي تورط الصينين كطرف في الازمة بحيث يملكون ازيد من 100 مؤسسة مالية و ان هذه المؤسسات ساهمت في تسهيل القروض الى المستهلكين ذوي الحسابات المكشوفة و كذا تسميم العقود المالية وهو ما يعني ان امريكا اصبحت تابعة بنيويا –مستعمرة- للمال الصيني ، و ثانيا ان تطمأن على اموالها في الولايات المتحدة الامريكية التي كانت تناهز آنذاك التريليونين دولار ، حيث صرح وين جياب يقول: "لقد اقرضنا الولايات المتحدة مبالغ كبيرة جدا. نحن حريصين على سلامة ممتلكاتنا. صراحة انا قلق (...) الولايات المتحدة يجب ان تحرص على جودة ائتمانها، ان تفي بوعودها، و ان تضمن سلامة الرساميل الصينية" . الصين تحاول جاهدة ان يبقى الدولار "سليما" ، وهو الهزيل جدا، حتى لا ينحط اقتصادها ان وقع الى القاع و هو امر وشيك.

طالبت الصين في اواخر مارس 2009 على لسان حاكم بنكها المركزي زو سيشيوان بإنشاء ما اسمته "النقد الاحتياطي ذو السيادة العليا" كبديل عن الدولار، "النقد الاحتياطي العالمي، يقول زو، المنفصل عن الامم قادر على ان يبقى مستقرا على المدى الطويل، و يقضي على مكامن القصور الناتجة عن استعمال نقد وطني مبني على الديون". فعلا انها احجية كيف سيعمل النقد ذو السيادة العليا المنقطع عن الامم ؟؟؟ كيف لمثل هذا النقد ان يعمل بعيدا عن الديون و نظام النقد الدولي بعد اعلان رامبوييه انما هو نظام يطفو على الديون؟؟؟ الاستعاضة بنقد عالمي منفصل عن "سيادة الامم" يرسو على غير الديون في نظام يجعل الديون محركه كمن يحرث في الماء . باءت المحاولة بالفشل و سارعت الصين منذ 2009 باقتراح الى صندوق النقد الدولي لتفعيل "حقوق السحب الخاصة" و تعويضها تدريجيا محل الدولار و قد الحت ان تتسع سلة العملات هذه عملة روسيا الروبل. لم يدمج الييوان ضمن حقوق السحب الخاصة الا خلال عام 2016 و هو ما يعني ان امام الليوان طريق طويلة و شاقة لقلب موازين القوى خصوصا انه بالكاد يشكل 2 بالمائة من الاحتياطي العالمي.

ان انهيار نظام التعويم نظام ما بعد برؤتن وودز انما يعني ميكانيكيا انهيار الدولار اي انهيار الاقتصادي العالمي ككل ، فعبثا تسعى الصين الى احلال منظومة جديدة تزيح الدولار من عرشه ، و عبثا تزيد من خلق مؤسسات بديلة عن القائمة كالبنك الاسيوي، و عبثا كذلك تنفق من اجل احياء طرق الحرير التي يبلغ ظرف استثمارها التريليون دولار و تبلغ مسافتها 10000 كلم الخ... سينهار الدولار قريبا كما تؤشر كل الوقائع على الارض قبل ان يقلع العالم بإرادة الصين او غيرها عن التعامل به و لن ينفعها آنذاك لا حكم كونفوشيوس و لا ارشادات ماو.

تفجرت ازمات مالية عنيفة و عديدة منذ ان فك الدولار ارتباطه بالذهب بالمقارنة مع سنوات ما قبل السبعينات عندما كان قانون القيمة الرأسمالي يسري في قنوات التداول، فلم يبق فيه ملاءة و قد التهمتها خدمات البورجوازية الوضيعة الى ان بقي فيه بعض السنتات لا غير ، زاد سعر اونصة الذهب خلال ازيد من قرن من الزمن الى 1970 بالضعف، اما بعد خطاب نيكسون 1971 فزاد سعر الاونصة اي في اقل من نصف قرن بما يفوق الثلاثين ضعفا، و رغم ذلك لم تتزعزع مكانة الدولار الملك. جبروت الدولار الملك كجبروت الملك سليمان الذي مات على عرشه و لم تر جن العالمين ذلك و استمروا في طاعته.

السيف الذي يحتمي به الدولار مصنوع من خليط الترسانة القانونية الامريكية العابرة للقارات و ثقة العالم في تداول الورقة الخضراء ما يعطيه الامتياز المطلق ليتسلط على رقاب العالمين و يعاقب من لا يبايعه. سيف الدولار ، كما سيف ديموقليس، على وشك السقوط على راس الاقتصاد العالمي حالما يفقد قيمته و هو امر وشيك عندها لن ينفع الاقلاع عن التعامل به ، لتقع البشرية الى القاع ما لم تنتظم قواها التقدمية في الاشتراكية وحدها قادرة على جبر الاضرار و تطهير وضمد الجراح العميقة التي الحقتها البورجوازية الوضيعة بالإنسانية .




----------------------------------------------------------------------------------------------
1-سمي الدولار بالورقة الخضراء لأنه بعد الفوضى العارمة و الحرب الاهلية الطاحنة بين شمال امريكا و جنوبها قرر ابراهام لينكولن سنة 1963 ان يوحد العملة و يضع حدا لتزوير الدولار و طبعت ظهره باللون الاخضر لان اللون الاخضر يصعب تزويره، فشاءت الاقدار ان يكون البنك المركز الفدرالي هو من يسهر على تزييف الدولار و يفرغه من كل قيمة و هو يفك ارتباطه بالذهب و تصبح قيمته الفعلية لا تزيد عن تكلفة طباعته
Monnaie véhicule2-
3-تجدر الاشارة ان الاتحاد السوفياتي حضر معاهدات برؤتن ودوز كملاحظ اي ان نتائجها لا تلزمه.
)Parité de pouvoir d achat (Ppa4-