الماسونية (البنّاؤون الأحرار) / 2


حسين علوان حسين
2020 / 4 / 21 - 00:39     

ثالثاً / التنظيم الماسوني
الوحدة التنظيمية الأساسية للماسونية هي "المحفل" (The Lodge) المحلي الذي يعتبر العمود الفقري لها حيث يتوجب على الماسوني أن يبدأ عضويته من خلال قبوله في واحد منها ، إنما باستثناء الدرجات الشرفية التي تمنح لعلية القوم و تسمى درجة "السيد المنصَّب" الخاصة . مثلا ، كانت المحافل السبعة الموجودة في العراق (ستة منها في البصرة و واحد في بغداد) قبل ثورة 14 تموز ، 1958 – و كلها كانت ترتبط بالمحافل الثلاثة الكبيرة في بريطانيا – تنصَّب الأمير عبد الإله بن علي الهاشمي (خال الملك فيصل الثاني) سيداً أكبر عليها جميعاً كي تحظى بمباركته و دعمه لنشاطاتها طبعا ً( رغم أن صفة "الفرمسولي" ترتبط في أذهان أغلب أفراد الشعب العراقي بأشنع التصرفات !) . و عادة ما تكون المحافل الماسونية المحلية منظمات صغيرة تسودها شخصيات مؤثرة اجتماعياً تتوارث العضوية فيها أباً عن جد لكون الماسونية ترفض اعتبار نفسها تنظيماً مفتوحاً و متاحاً للجميع بل تعمل كتنظيم نخبوي سري و حصري .
و يجتمع أعضاء المحفل – و له رئيس و ضبّاط و بوّاب يُنتخبون دورياً كل سنة – على نحو منتظم لأداء المهام الروتينية المعتادة مثل تسديد الفواتير ، وتنظيم النشاطات الاجتماعية والخيرية ، وانتخاب الأعضاء الجدد ، و معالجة البريد وما إلى ذلك . كما يَعقد المحفل اجتماعات تثقيفية تُقدَّم خلالها المحاضرات التي عادة ما تتناول جانباً من جوانب التاريخ الماسوني أو طقوسه و تكيل له المدائح على نحو مستهجن . و في ختام الاجتماع ، يُدعى الأعضاء لتناول الطعام في حفل عشاء رسمي فخم جداً يتباهى به الماسونيون ، أو لمشاهدة لوحة احتفالية ، تتضمن أحيانًا شرب الأنخاب و الغناء . كما تنظم اجتماعات اخرى لجمع التبرعات لشتى الأغراض و منها الخيرية . و يتألف الجانب الأكبر من الطقوس الماسونية من الاحتفالات المكرسة لمنح واحدة من درجاته الثلاث المذكورة في الجزء الأول من هذه الورقة (بعض المحافل لديها درجات هرمية عديدة قد تصل إلى مائة درجة تتراكب على الأقسام الرئيسية الثلاثة) . و بعد أن يقدم المرشح البالغ سن الرشد طلبه بنفسه حصراً لقبوله في الدرجة الماسونية الأولى ، و حصوله على الموافقة المطلوبة بتحديد ميعاد له ، يلزمه أداء اليمين على الكتاب المقدس حسب دينه بما يشبه هذا النص :
"أنا ، سين صاد ، بإرادتي الحرة و برضاي التام ، و الله شاهد علي ، أقسم قسماً باتا و صادقاً بالالتزام بعدم أفشاء كلمة السر المرفقة بهذا الالتزام لأي شخص ليس سيداً ماسونياً حقيقياً و شرعياً ، إلا داخل محفل شرعي ، في جلسة فعلية ، أو عند باب المحفل للحصول على الإذن بالدخول ؛ و بعكسه أضع نفسي تحت طائلة التعرض للعار فأدمغ بالخيانة إلى الأبد كرجل و أغدو محتقراً ومنحطاً ومطروداً كماسوني ".
و بعد أدائه لليمين ، تُعهد إليه كلمات المرور والباجات وإشارة السيطرة (المصافحات السرية) الخاصة برتبته الجديدة ، بضمنها إشارة الانتماء للماسونية و اشارة طلب المساعدة (إشارة الكرب) من الإخوان .
و عندما يصبح عدد المحافل الماسونية المحلية في الولاية أو الإقليم أو البلد ثلاثة فما فوق ، عادة ما يتم تكوين محفل أعلى منزلة يتولى الإشراف علي المحافل المحلية يسمى بـ "المحفل الكبير" (Grand Lodge) أو "المشرق الكبير" (Grand Orient) المستقل بذاته . و بسبب التنافس الشديد بين المحافل الكبرى حتى ضمن رقعة البلد الواحد ، فلا يوجد هناك محفل أكبر يشرف على جميع المحافل الماسونية في العالم ؛ بل نجد أن كل محفل كببر يحتفظ لنفسه بالاستقلالية التامة . و يمكن أن يحصل الاعتراف المتبادل بشرعية المحافل الكبيرة العاملة الأخرى سواء كانت داخل بلده أو خارجه فيسمح بتبادل الزيارات ، و قد لا يحصل مثل هذا الاعتراف فتمنع بعض او كل مثل هذه الصلات ، غلى الأقل على المستوى القيادي ، رغم أن الحركة تنادي بأخوة كل الماسونيين في كافة أرجاء العالم !
و تشتمل الماسونية المعاصرة عموماً على مجموعتين رئيسيتين للاعتراف بالشرعية : "الماسونية المنتظمة" المحافظة و المؤسسة في بريطانيا و المنتشرة في مختلف أرجاء العالم ، و "الماسونية القارية" المتحررة و المؤسسة في فرنسا بتأثير بريطاني أسبق ، و التي انتشرت بفعل الثورة الفرنسية في أوربا و الأميركتين . و تصر مجموعة الماسونية المنتظمة على أن يكون مجلد الكتاب المقدس مفتوحًا في المحفل العامل ، وأن يصرح كل عضو بإيمانه بكائن أعلى ، و بأن لا يتم قبول أي امرأة ، وأن تمنع مناقشة الدين والسياسة (الغالبية العظمى من أعضاء المحافل الماسونية في أوربا و أمريكا الشمالية هم من غير الكاثوليك و من البيض) . و في حال إزالة المحفل الكبير لبعض أو كل هذه القيود ، فسيعتبر عندئذٍ من ضمن نمط مجموعة الماسونية القارية "العصرية".
و في بريطانيا ، تدير هيئات منفصلة كل محفل ماسوني من خلال تشجيعه على الانضمام إلى ما يسمى بـ "القوس الملكي المقدس" الذي يترأسه عدة ضباط ماسونيين يمكنهم الجهر بماسونيتهم إن شاءوا ، من بينهم "دوق إدنبره" ، و كذلك صاحب السمو الملكي "دوق كينت" بصفته سيدًا كبيرًا و العميد الأول لهذه الهيئة ؛ فنعمت الحرية و الإخاء و المساواة !
في أمريكا الشمالية ، أنشأ الماسونيون البريطانيون أول محفل ماسوني كبير لهم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1731 ومقره في ولاية بنسلفانيا ، و في كندا عام 1739 و مقره نوفا سكوشيا . بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية ، أصبح هناك محفل ماسوني كبير في كل ولاية . ثم برزت فكرة تشكيل محفل أكبر يجمع كل المحافل في الولايات مع منح جورج واشنطن (الذي كان عضوًا في محفل فيرجينيا) درجة أول ماسوني كبير ، لكن هذه الفكرة لم تدم طويلاً لمعارضة المحافل الكبيرة في الولايات تقليص سلطتها إن وافقت على الخضوع لمثل هذه الهيئة الفوقية .
و بالإضافة إلى الهيئات الرئيسية للماسونية المستمدة من التقاليد البريطانية ، هناك أيضًا عدد من الجمعيات الملحقة ذات الطابع الاجتماعي أو الترفيهي في المقام الأول ، و ليس لها مكانة رسمية في الماسونية بل تستمد عضويتها من الطبقات العليا في المجتمع و تنتشر بشكل خاص في الولايات المتحدة . و من بين هذه الهيئات المعروفة بأعمالها الخيرية مؤسسة "الرهبنة العربية القديمة لنبلاء الضريح الصوفي" ("الضريحيون") ( Shriners) التي تعتمد طقوس الصوفية العربية .
و كثيراً ما نقرأ في الأدبيات التي تعرض للماسونية (العربية خصوصا) ربطاً قسرياً بقصد الإثارة بينها و بين الحركة الإلمونية (illuminati) أو التنويرية – تلك المنظمة السرية التي تأسست في ولاية بافاريا الألمانية في القرن الثامن عشر و اندثرت تماماً في نفس ذلك القرن . فباستثناء الاهتمام المشترك بالطقوس وبالرمزية ، لا يوجد ارتباط واضح بين الماسونية البريطانية الناشطة و الإلمونية البافارية المندثرة منذ أكثر من قرنين .
و تنتشر الماسونية الآن في أغلب دول العالم ، باستثناءات معدودة كالصين الشعبية (موجودة في تايوان و هونكونغ) و الفيتنام و الباكستان و أفغانستان و إيران .. أما في العالم العربي ، فلا تتواجد حالياً إلا في لبنان و المغرب .

يتبع ـ لطفاً .