مرحلة جديدة، وامكانية عالم اخر!


فارس محمود
2020 / 4 / 20 - 02:51     

مع كرونا، العالم على اعتاب مرحلة جديدة. ليس عالم مابعد كرونا "عالم انتصار الصين في الحرب العالمية الثالثة دون ان ترمي طلقة"، ولا"عالم الثورة الرقمية وانعكاساتها على حياة الانسان"، ولا "عالم لملمة الراسمال لجراحه ومواصلة عمره كانه شيء لم يكن"، ولا "استمرار عالم وافكار السوق والديمقراطية وحقوق الانسان". انه عالم الظهور والبروز الشفاف للصراع الطبقي وتناقضاته الحادة على صعيد عالمي، عالم تصطف فيه جماهير مليونية بوجه حاكميها، العمال والكادحين والمحرومين واغلبية المجتمع بوجه الطبقة البرجوازية، اقلية طفيلية تراكم الارباح حتى في ظل هذا الوضع الماساوي.
عالم اتضحت فيه ماهية الدولة والحكومات، اليوم اكثر من اي وقت مضى، بوصفها ادوات بيد الطبقة البرجوازية من اجل ادامة ادارة المجتمع بهدف تامين تراكم الارباح وادامة عمر الراسمال، تلك الارباح المنتزعة من كدح وشقاء الاغلبية الساحقة للمجتمع، العمال. وتبين زيف كون هذه المؤسسة مؤسسة مجتمعية خارج الطبقات و"مافوق الطبقات" وتخدم مصالح "كل المجتمع".
ستترك الكورونا تغييرات كبيرة برايي على العالم قاطبة سواء من الناحية السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، نظرة الانسان للحياة، للمجتمع، لفلسفة الوجود والخ. ستترك اثار لايمكن مقارنتها الا باحداث هائلة عمت على الانسانية، من امثال الحربين العالميتين. ان هذا ما يقر به مفكروا البرجوازية وساستها.
رغم ان القاعدة تتمثل دوماً بسعي الطبقة البرجوازية الى رمي ازماتها على كاهل العمال والمجتمع، وهذا ماشرعت به من الان الا انه يصعب على راسمالية منفلتة ان تكون ردا على اوضاع مابعد كرونا. تلقت الليبرالية الجديدة، اقتصاد السوق وكل الاطر الفكرية والسياسية التي رافقتها ضربة جدية على صعيد اجتماعي واسع. ليس بوسع البشرية ان تقبل بعد بهذا الانفلات الذي مارسته راسمالية متعطشة للدم والربح في كل مناحي الحياة من خدمات، صحة، تعليم وسائر اشكال الرفاه. هل يستمر العالم على حاله بعد كرونا مرتعاً للحروب، التشرد، الصراعات الطائفية والقومية، التمييز، الجوع، الفقر، البطالة وانعدام الحقوق؟! بعد كرونا، يصعب تقبل هذا.
ان التوازن مابين الحاكمين والمحكومين قد اختل، واختل كثيراً. تحررت الطبقة العاملة الى حد كبير من الضغط الفكري والسياسي الذي ارسفت به الراسمالية الطبقة العاملة والبشرية. فقدت الديمقراطية بريقها، وغدت تحت سؤال جدي امام البشرية جمعاء. وتبين ان ليس للديمقراطية صلة بالحرية، وليس لها ربط بتفعيل ارادة الانسان او اقرار الانسان على مصيره. اذ رات تحت عباءة الديمقراطية وحكم الديمقراطية، ان حياتها وغدها ومستقبل اطفالها اصبحت كلها وبلمح البصر في مهب الريح، وان هذه السلطات والحكومات لاصلة لها بصيانة وجودهم الفيزيقي من الاساس. وكل ما لدى الراسمالية ان "تبشر" به اكثر من 7 مليارات انسان هو ان مئات الملايين سيفقدوا فرص عملهم!!! ان مصير مجتمعات باكملها تحت السؤال، العراق اقرب نموذج لذلك.
سفهت اوضاع كورونا الدين والقومية وسائر الترهات البرجوازية وبينت عن خوائهما التامين. اذ رات البشرية بام عينها ان اول مدينة ضرب الفايروس في ايران هي مدينة قم، ولم ينفعها "قدسيت"ها في شيء! واصطف "الاسلاميون" جزعين امام الاخبار تاركين دينهم وربهم ينتظرون العلماء "الكفار" كمنقذاً لهم من محنتهم هذه!! كشفت ان انظار البشرية تتطلع للعالم اجمع، خارج الاطر القومية والمحلية الضيقة، قلبها مع قلوب اناس ذلك العالم، والاشتراك الجمعي في السعي لايجاد الحلول وللخلاص الجمعي. ان السمة الجمعية العالمية ووحدة مصالح البشر بالضد من انقسامات الاقطاب الراسمالية وكتلها هو ابرز ملامح هذا العالم.
مع كورونا، سفهت افكار "مابعد الحداثة" و"نهاية التاريخ" وان العالم هو ليس اكثر من هذا ولاتتطلعوا الى اكثر من هذا! وانه بظلمه واستغلاله وحروبه واغترابه ثابت لايتغير!
ان عالم ما بعد كرونا هو عالم يفرض على الانسان ان يعيد النظر لنفسه، للمجتمع، ولتطلعاته من الحياة والمجتمع البشري. عالم يصبح فيه السؤال "من انا؟!" و"ماذا اريد؟!" و"اين يمضي العالم؟!"، و"الى متى يستمر هذا الوضع؟! اسئلة فورية ومطروحة على طاولة المجتمع.
اليوم، واكثر من اي وقت مضى، "كفت" الاشتراكية عن ان تكون امراً ايديولوجياً، امراً مدرسياً او فكرياً. او "علكة مثقفين" والطبقات الوسطى والمتعلمة، الاشتراكية هي امرأ حياتياً ومجتمعياً، ولذا بوسعها ان تصبح بلمح البصر ظاهرة اجتماعية وعريضة تلف عشرات الملايين حولها.
ما ان حلت ازمة فايروس كرونا، حتى راينا عتاة الراسماليين الذين كانوا طوال عمرهم يستهزئون و"يستسخفون" كل افكار ذا نفحة اشتراكية او مساواتية او داعية للحرية، يصادقون على ماركس وقيم ماركس. ان عالم مابعد اكتوبر هو عالم ستتضخم فيه تلك القيم والمثل التي تؤكد على ان للحرية معنى، للمساواة معنى، للرفاه معنى، للطفولة معنى، للصحة والرفاه معنى، لحاجات الانسان وامكانية وضرورة تلبيتها معنى، للنضال والمقاومة بوجه النظام الراسمالي البغيض معنى، والتطلع الانساني المشترك وعالم عابر للحدود القومية والاثنية والعرقية معنى. من الان، ترى البشرية بوضوح ذلك.
كلنا راينا كيف هب ترامب مرعوباً لتوجيه النداء للعلماء والاطباء والشركات بـ:"يجب ان تتعاونوا!" و
"لاتجعلوا من الربح والمنافسة محرككم" ، "العالم بحاجة الى التعاضد والتعاون" ويلهجون للمجتمع كيف ان هذه القيم يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار اليوم. هذا مايقولوه اليوم. اين ذهبت تنظيراتهم وافكارهم وطروحاتهم حول "الفردية" و"المنافسة بوصفها المحفز لارتقاء البشرية وتطورها" وغيرها من ترهات معادية لانسانية الانسان. بلع مفكروا البرجوازية السنتهم اثر كرونا. لقد ختمت ازمة كرونا على احقية ماركس وافكار ماركس وتطلعاته بعالم افضل. ان من يتندر على ماركس اصبح نفسه مدعاة تندر!
ان عالم مابعد كرونا هو عالم تعاظم الصراعات الاجتماعية وحراك القوى الاجتماعية المختلفة. ان تيه البرجوازية وتخبطها وضياع بوصلتها من الناحية السياسية والايديولوجية وبالاخص افكارها الاقتصادية، وافلاس اليمين المتشدد يوفر ارضية خصبة للملمة الطبقة العاملة والشيوعية لقواها والهجمة على اسس النظام الراسمالي.
ان الشيوعية بديل ونقد لمجمل المجتمع البرجوازي، وهي السبيل الوحيد لتحرر البشر. ازفت ساعة ان تشمر عن ساعدها لشن الهجوم على طبقة، البرجوازية، لم ياتي على ايديها سوى المصائب والويلات والحروب والاغتراب وعبودية العمل الماجور. واذا اخذنا بنظر الاعتبار مجمل التطورات الجارية عل الصعيد العلمي والتقني والمعلوماتي والرقمي، ان ارساء عالم افضل، مرفه وحر هو امر ممكن. بيد انه مرهون بتدخل الطبقة العاملة والشيوعية بوصفها الضمير الواعي للحركة الداعية لاسقاط النظام الراسمالي.