كيف نحارب فايروس كورونا وفايروس المجاعة؟


عادل احمد
2020 / 4 / 20 - 01:44     

ان انتشار فايروس كورونا بسرعة في العالم وكذلك إجراءات الحكومات في مواجهته والتي تمثلت في العزل الأجتماعي العام والحجر الصحي، مع تعطيل قسم اعظم من الشركات والمصانع والمحال التجارية والأماكن العامة والمناطق السياحية، تسبب في اشتداد معانات الجماهير المحرومة من الفقر والجوع والبطالة المليونية.. وان انتشار فايروس كورونا تزامن مع انكماش الاقتصاد العالمي والذي كانت على وشك ان يصل الى الكساد العام، وان ظهور هذا الفايروس عجل في عملية انهيار نمط الأقتصاد الرأسمالي الممثل بالنيوليبرالية والتي أصبحت مسألة وقت لا أكثر.
أنهيار آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة وربما بعض الشركات الكبيرة، تسريح قطاعات واسعة من العمال وفقدان الوظائف وتقليص ميزانيات الخدمات العامة ستكون سمات العالم ما بعد زمن الكورونا. أي ان خوف جماهير العمال والكادحين والمحرومين والفقراء من هذا الوباء ليس فقط لتهديده لحياتهم وانما سيجعل معيشتهم ما بعد كورونا جحيما وسيترك بصماته لعشرات السنين ولأجيال متعددة. من المعروف ان الطبقة البرجوازية والرأسمالية لكي تخلق دورة جديدة لعملية نمو الرأسمال وتراكم الأرباح سوف تكون على حساب سحق عظام الطبقات المحرومة في المجتمع بدون أي رحمة أو شفقة أو أعتبارات لأنسانيتهم، كما رأينا في حروبهم المدمرة كالحربين العالميتين الأولى والثانية..
ان هذه الوقائع تطرح المواجهات الطبقية اكثر علانية ووضوحا بين الطبقات المحرومة من العمال والكادحين بالضد من عدوهم المباشر والواضح وهي الطبقة الرأسمالية من الأغنياء وأصحاب الأموال والملكيات وأرباب الصناعات، مواجهة مباشرة طبقية ومصيرية في وقت واحد. ليس من طريق أمام العمال والكادحين الا طريق النضال المباشر بالضد من النظام الرأسمالي والحد من تطاولاتهم على حياتهم، هذا الطريق يحتاج الى تنظيم أنفسهم تنظيما سياسيا وجماهيريا بأكثر درجة ممكنة، وإلا بوسع الطبقة البرجوازية المرور من هذه الأزمة الخانقة بسلام وبدون تهديد لأنظمتها الدموية.
الطبقة البرجوازية والرأسمالية في العراق المتمثلة بالأحزاب والمليشيات الإسلامية والقومية والطائفية، لم ولن تهتم بأدنى شرط لحياة ومعيشة الجماهير المحرومة منذ اليوم الأول من حاكميتها والى يومنا هذا، ليس هذا وحسب وانما تشدد خناق البؤس والحرمان يوم من بعد يوم.. ولا يهمها حياة ومعيشة الجماهير في ظل انتشار فايروس كورونا، وليس في نيتها صرف الأموال اللازمة في هذا المجال سواء كأعانات للمتضرريين من كورونا او ممن هم قابعين في الحجر الصحي العام. الطبقة البرجوازية في العراق بعيدة كل البعد عن تقليل معانات الجماهير المحرومة. ولهذا تقف هذه المهمة على عاتق الجماهير المحرومة من العمال والكادحين والفقراء للخروج من هذه المحنة بأقل الأضرار الممكنة وكذلك اجبار السلطات للقيام بحماية حياة ومعيشة الجماهير.
كيف نحارب فايروس كورونا وما بعده فايروس البطالة والجوع والفقر؟ إذا قبلنا بأن أكثرية الجماهير هي صاحبة المجتمع وهي من تدير المجتمع سواء في عملية الإنتاج او الإدارة والتوزيع والخدمات، إذن بأمكان نفس الجماهير ان تدير عمليات الإنتاج والإدارة والتوزيع والخدمات بعقلية أخرى. وان العقلية الأخرى تعني تنظيم الجماهير أنفسهم في كل مكان، في مكان العمل او المعيشة. لنرى في ظل الحجر الصحي والوقاية من انتشار الفايروس في الوقت الحالي ماذا يعني التنظيم. ان من الواجب في الوقت الحالي عدم التجمع والاختلاط من اجل الحد من انتشار هذا الوباء. ولكن هذا لا يقلل من تمسكنا بأن ننظم أنفسنا تنظيما قويا ومؤثرا، كيف يتم ذلك؟ ان تشكيل المجالس المحلية عن طريق شبكات التواصل الاجتماعية؛ أي بإمكان كل محلة او منطقة ان تشكل مجالسها في بادي الأمر بفتح صفحة على مواقع التواصل الأجتماعي ومن ثم مشاركة الناس عن طريق علاقاتهم الاجتماعية في هذه الصفحة. ولدينا نماذج متنوعة، مثلا هناك صفحة في الفيسبوك لمحلة معينة والمشاركين فيها معروفين بعضهم لبعض وبإمكانهم تبادل الآراء، ان هذه الصفحات بإمكانها ان تكون بمثابة المقر او مكان التجمع والحضور الفعلي.
تجمع المواطنين في محلة معينة وفي صفحة معينة على مواقع التواصل الأجتماعي تحت اسم مجالس المواطنين سيكون تنظيما فعالا، وبإمكانهم اختيار ممثلين لهم في هذا المجلس ومن ثم القيام بأعمال والتعاون فيما بينهم، وخاصة في الوقت الحاضر حول كيفية المواجهة مع فايروس كورونا ومخاطره وتوفير المستلزمات الضرورية للتصدي له. المشاركين في هذه الصفحة سوف يكونوا معروفين بعضهم لبعض وبأسمائهم، تبادل الأراء في هذه الصفحات سيكون في النهاية لصالح عملهم المشترك.. وعن طريق هذا المجلس بالإمكان التواصل والارتباط والتنسيق مع المجالس الأخرى ومن ثم تشكيل مجلس المحافظة. وإذا شكل مجلس المحافظة سوف يفرض مطاليبه بالقوة، لان اكثر ما تخافه السلطات في كل مكان زمان هو تنظيم الناس تنظيما جماهيريا. وسيكون هذا علاوة على الإرادة الفعلية للجماهير على إدارة امورهم ، سيكون بمثابة السلطة الجماهيرية أيضا.
هذا النموذج سيكون اكثر فعالا أيضا ما بعد زمن كورونا، أي في الأوضاع الاعتيادية والتي سيكون فيها بإمكان الناس التجمع والتشاور مع البعض عن قرب. ان في زمن الأوضاع الاعتيادية سيكون أسلوب الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية الأسلوب الأنسب لاسترجاع حقوق المواطنين ومع هذا التنظيم سيكون قويا وأكثر تماسكا وأكثر فعالية، لان وجود الجماهير القوية في الساحات يصاحبها وجود الجماهير وعائلاتهم منظمين في أماكن معيشتهم ومكان عملهم.
هناك بعض الصفحات الفيسبوكية للمحلات في الوقت الحاضر من اجل تقوية الأواصر مع بعضهم البعض، ولكن ما نحتاجه من الصفحات الفيسبوكية هي صفحات التنظيم المباشر للمواطنين في الهيئات والمجالس، والتي بالإضافة الى تقوية الأواصر الاجتماعية ستكون مكان لحلول المشاكل والعوائق التي نواجهها في حياتنا بعضنا مع البعض. وبالإمكان الاستفادة من موقع يوتيوب لاستعراض التقارير المصورة والواقعية لحياة الجماهير المحرومة وبيان مشاكلهم ومعاناتهم وكيفية معالجتها. ان كل تطور في وسائل التكنولوجيا بإمكاننا ان نستخدمها في نضالنا وان نستفيد منه بقدر اكبر.. الطبقة البرجوازية تحاول تشتيت صفوفنا دائما، وعلينا ان ننظم أنفسنا بأقصى درجة ممكنة دائما.