المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أوروبا: ألمانيا نموذجاً


كاظم حبيب
2020 / 4 / 18 - 17:23     



المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أوروبا: ألمانيا نموذجاً

الفهرس

الفهرس

أولاً: المدخل 3
ثانياً: حول تحديد بعض المفاهيم الواردة في الدراسة 8
اليمين المحافظ 8
اليمين المتطرف 9
النازيون الجدد 11
ثالثاً اليمين المتطرف على صعيد دول الاتحاد الأوروبي 13
1)نمو كبير في عدد ودور ونشاط اليمين في دول الاتحاد الأوروبي. 13
2) تطور ظاهرة التعاون والتنسيق بين القوى اليمينية المتطرفة في دول الاتحاد الأوروبي 15
3) دور اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وعلاقته بأوروبا 16
1)الهوية Identität 21
2)الروح المحافِظة Conservative spirit 23
رابعاً: حاجة المانيا للأيدي العاملة الأجنبية 27
خامساً: العوامل الملموسة وراء النهوض الجديد لليمين المتطرف والنازية الجديدة في أوروبا، ألمانيا نموذجاً 29
سادساً: من هي القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة في ألمانيا 32
سابعاً: نشوء حزب اليمين واليمين المتطرف البديل من أجل ألمانيا AfD 37
نشوء وتطور الحركة اليمينية المعادية للمسلمين پيگیدا PEGIDA 41
ثامناً: ما هي الأهداف التي تسعى إليها قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة 43
تاسعاً: أساليب وأدوات عمل قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة 48
1)الرموز المستخدمة 48
2)الأساليب والأدوات التي تمارسها هذه الأحزاب والمنظمات اليمينية 49
3)تسلسل زمني للجرائم المرتكبة على أيدي قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة 50
عاشراً: واقع وجود قوى إسلامية سياسية متطرفة وإرهابية في المانيا 55
المسلمون والإسلامويون السلفيون 56
السلفيون في ألمانيا 60
أحد عشر: المخاطر التي يشكلها تنامي اليمين المتطرف والنازية الجديدة على الحياة الديمقراطية في المانيا 71
1)الدور السلبي المتفاقم الذي تلعبه قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة في تهديد الحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم الاجتماعي في ألمانيا وفي التجاوز على دستور ألمانيا الديمقراطي. 71
2)مخاطر وجود قوى يمينية متطرفة ونازية جديدة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، لاسيما في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية. 72
3)المخاطر الكبيرة على تصدع الوحدة الأوروبية وعلى تنامي التناقضات والصراعات الداخلية وعلى عملتها الموحدة (اليورو) ومجمل تطورها الاقتصادي. 75
اثنا عشر: سبل مواجهة فكر وسياسات وممارسات قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة 77
وقوى الإسلام السياسي المتطرفة في ألمانيا 77
الملاحق
الملحق رقم 1 نتائج استطلاع الرأي بشأن وجود الإسلام والمسلمين في ألمانيا عام 2019 81
الملحق رقم 2 سفر حسقيال 38: يأجوج ومأجوج (الإنجيل) 82
الملحق رقم (3) قانون حماية الدم والشرف وقانون الجنسية الرايخ 83
الملحق رقم (4) مفهوم العنصرية والتطهير العنصري 84
الملحق رقم (5) عمليات الإبادة لشعوب المستعمرات الألمانية 86
الملحق رقم (6) استطلاع الراي عام 2006 86


إن معطيات الواقع الراهن والدراسات والأبحاث الجادة والتقارير التي تنشرها المعاهد العلمية ومراكز البحث العلمي ومجموعة كبيرة من الكتب الحديثة والمجلات والصحف في دول كثيرة، ومنها دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما في المانيا، إضافة إلى تصريحات كثير من قادة الاتحاد الأوروبي والأحزاب السياسية، وكذلك جمهرة من المسؤولين في مجلس الوزراء الألماني، وأحزاب المعارضة الديمقراطية، كلها تشير إلى تزايد كبير في نشاط القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة أو العنصرية في عموم دول الاتحاد الأوروبي، وألمانيا بكل خاص، مقترناً بنمو متزايد في أعداد هذه القوى، ومنها الجماعات الإرهابية، التي تمارس توجيه رسائل التهديد والاعتداء والاغتيال الفعلي. وإذ يحاول كثير من المسؤولين إعطاء الانطباع وكأنهم فوجئوا حالياً بتزايد عدد القوى والجماعات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة والجرائم التي ترتكبها بعد وقوع الحادث البشع الذي أدى أخيراً إلى اغتيال فالتر لوبكه، وهو مسؤول سياسي وإداري كبير من مدينة كاسل Kassel، ومن ثم سقوط عشرة مواطنين من أصول أجنبية في مدينة هاناو Hanau، وهما مدينتان تابعتان لمحافظة هيسنHessen الواقعة في وسط المانيا، تؤكد معاهد ومراكز البحث العلمي وباحثون ديمقراطيون، إلى جانب استطلاعات الرأي العام والإحصاءات الرسمية، أن هذه الظواهر ليست جديدة ولا مفاجئة، بل كثيراً ما جرى التنبيه إليها والتحذير منها منذ ما يقرب من أربعة عقود خلت، ولكن دون جدوى. لقد كانت العين اليمنى للأحزاب الحاكمة والشرطة وأجهزة المخابرات الداخلية الألمانية (المكتب الاتحادي لحماية الدستور Bundesamt für Verfassungsschutz, BfV))، والمكتب الاتحادي للجريمة (Bundeskriminalamt, BKA)، ووسائل الإعلام مغلقة تماماً، وكانت كلها مفتوحة على جماعة اليسار الألماني، لاسيما اليسار المتطرف. كما كانت هذه العين مغلقة إلى حدود بعيدة عن قوى الإسلام السياسي المتطرفة أيضاً، بحيث جرى نسيان أو إغفال هذه القوى عن قصد للبعض غير القليل، وعن غير قصد واستهانة بما يمكن أن تقوم به للبعض الآخر، فتسنى لهذه القوى أن تبني تقيم بنيتها التحتية وتنظيماتها السرية وخلاياها النائمة والجاهزة للعمل بكل حرية لتوجه بين فترة وأخرى ضربات قاسية، متى وجدت الحاجة لذلك، دون رقيب أو حسيب. لقد كانت هناك، ومنذ سنوات كثيرة، تشخيصات جدية واضحة بوجود مثل هذه النزعة القومية اليمينية المتطرفة والمتصاعدة لتشكل اتجاهاً وتياراً فكرياً وسياسياً متطرفين وخطيرين على المجتمع الألماني وعلى الحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان ونقابات العمال وعموم دولة القانون، لاسيما وإن الأرضية والتراث السابق والتركة الثقيلة صالحة لهذه الذهنية العنصرية العدوانية. كما أن مجموعة من الباحثين العرب في ألمانيا قد نبهوا وفي وقت مبكر إلى مخاطر ظاهرة التطرف الإسلامي ودور السلفيين والداعين إلى الخلافة الإسلامية في المساجد والتدريس الديني المتعصب في المدارس العربية، لاسيما الأكاديمية السعودية في بون، وتأثيرها السلبي على المسلمين في علاقاتهم الإنسانية بالمسيحيين واليهود في ألمانيا وعلى عملية الاندماج بالمجتمع الألماني. وأبرز هؤلاء الأساتذة نشير إلى البروفيسور الدكتور بسام طيبي الذي كان أستاذاً في جامعة توبنگن Tübingen Universität والذي نشر العديد من الكتب وحذر من بروز ونمو ونشاط السلفيين في ألمانيا ومخاطرهم على علاقة المسلمين بالألمان وعلى تخلف عملية الاندماج الضرورية للمسلمين والمسلمات في المجتمع الألماني، كما برز السمات اتي يفترض أن يتسم بها المسلم الأوروبي الديمقراطي.

في عام 1995 كنت أعمل باحثاً علمياً في "جمعية البحوث التطبيقية للنزاعات" في مدينة برلين. وكان العداء للأجانب قد تفاقم وصار حديث الشارع والسياسة. قمت خلال عامين بإنجاز دراسة نظرية وتطبيقية حول هذه الظاهرة وتحت عنوان: حوار أم صدام الثقافات في ألمانيا، مع قسم خاص عن مدينة برلين، التي كانت قد توحدت منذ العام 1991. وقد شخصتُ في هذه الدراسة، رغم كون ألمانيا أصبحت منذ عقود مجتمعاً متعدد الثقافات، إلا إن نهجاً سياسياً يمينياً متشدداً بدأ بالظهور، منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين مع تسلم تحالف الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي وحزب الأحرار الدمقراطي الحكم في ألمانيا، قوامه رفض هذه القوى الاعتراف بكون الدولة الألمانية دولة متعددة الثقافات، ثم إشاعة الخشية من الأجانب، بسبب وجود ما يزيد عن 8 ملايين مواطن ومواطنة من قوميات وثقافات أخرى تعيش في حينها وجنباً إلى جنب مع الثقافة الألمانية التي تمثل الأكثرية السكانية أولاً، وفي الموقف من اللجوء السياسي والهجرة الأجنبية إلى ألمانيا ثانياً، وفي الموقف الأكثر تشدداً من الإسلام والمسلمين ثالثاً، وفي مجمل العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تؤشر بروز ظواهر جادة لأزمة ديمقراطية تعيشها الدولة الألمانية الاتحادية وعموم دول الاتحاد الأوروبي والتي لم تحظ باهتمام الأحزاب السياسية الحاكمة رابعاً. وتجلى هذا النهج ليس في سياسات الحكومة الألمانية والبرلمان الاتحادي والحكومات المحلية والإعلام الرسمي والخاص فحسب، بل وفي نهج وسياسات غالبية الأحزاب السياسية، فيما عدا القوى اليسارية وحزب الخضر حينذاك. وقد أدى هذا التوجه العام إلى تنشيط وتنامي سريع في صفوف القوى اليمينية المتطرفة وبقايا النازيين السابقين، الذين بدأوا ينشطون في صفوف الشبيبة ويكسبون أعداداً جديدة، لاسيما بعد قيام الوحدة الألمانية. وقد تميزت القوى النازية الجديدة بشكل خاص في هذا النشاط، وكانت تعمل في إطار القوى القومية اليمينية واليمينية المتطرفة وتحت أسماء وعناوين غير صارخة ومتسترة أو بنهج عنصري وعدواني كامنين.

لم يكن هذا النهج اليميني والمحافظ مقتصراً على ألمانيا الاتحادية قبل قيام الوحدة في عام 1990، بل كان اتجاهاً عاماً شمل الحياة السياسية في ارجاء العالم بشكل عام، والدول الرأسمالية المتقدمة بشكل خاص، إضافة إلى بروزها في دول كثيرة في قارات آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. لقد اقترن هذا النزوع اليميني ابتداءً في الدول الرأسمالية الأكثر تقدماً وبسرعة ملموسة صوب الالتزام بنهج اللبرالية الجديدة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وإزاء البيئة أيضاً، وعلى المستويات الداخلية والإقليمية والدولية حتى تأثير عوامل عديدة، منها:

1) تبني الدول الرأسمالية المتقدمة في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والبيئية نهج اللبرالية الجديدة نحو الداخل والخارج. ولعبت الولايات المتحدة الأمريكية (منذ عهد رونالد ريگن)، وبريطانيا (منذ عهد مارغريت تاتشر)، وألمانيا (منذ عهد هلموت كول)، وفرنسا (منذ عهد فرانسوا ميتران)، الدور القيادي في العالم الغربي في الدفع بهذا الاتجاه. وقد شجع على ذلك اعتبار الرأسمالية قد انتصرت على الاشتراكية، وبروز رفض فعلي لدى الرأسماليين والاحتكارات الرأسمالية للمساومة مع النقابات العمالية حول الأجور وحماية المكاسب الاقتصادية والاجتماعية الأخرى التي تحققت للطبقة العاملة والموظفين خلال فترة الصراع بين المعسكرين وتحت تأثير المنافسة والصراع بينهما.

2) انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وإنهاء عمل مجلس التعاضد الاقتصادي وحلف وارشو العسكري. وفي هذه الفترة برزتا نظريتان متخلفتان وغير علميتين تؤكدان:

أ‌) إن سقوط الاشتراكية أوصل العالم إلى نهاية التاريخ، أي إن الرأسمالية قد انتصرت وإلى الأبد وإن الاشتراكية قد انتهت وإلى الأبد!![1]

ب‌) وب) وأن التناقض الرئيسي لم يعد تناقضاً اقتصادياً أو طبقياً في المجتمعات الرأسمالية وعلى الصعيد العالمي، أي لم يعد التناقض والصراع بين العمل ورأس المال، ولا بين الرأسمالية والاشتراكية التي اختفت، بل أصبح التناقض والصراع الناجم عنه يدور بين ثماني حضارات تسود في العالم، ولكن وبشكل خاص بين حضارتي الغرب والشرق، وبتعبير أكثر صراحة ووضوحاً بين الدين المسيحي والدين الإسلامي، وبالتالي بين المسيحيين والمسلمين.[2]

3) الدور المتعاظم للعولمة الرأسمالية والمرتبطة عضوياً بنتائج الثورة العلمية-التقنية وعموم ثورة الإنفوميديا على الصعيد العالمي، وهيمنة الغرب واقتصاده على اتجاهات التطور السياسي والاقتصادي العالمي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها القطب الأوحد، بفرض سياساتها على العالم. وهذا الانفراد قد تراجع خلال السنوات الأخيرة كثيراً بسبب بروز أقطاب أخرى بعد غياب الاتحاد السوفيتي، لاسيما الصين وروسيا الاتحادية، والخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن ثم السياسة الاستعلائية والتدميرية التي يمارسها دونالد ترامپ على صعيد العالم. وقد برز في العولمة ليس الجانب الاقتصادي الأكثر استغلالاً للدول المتقدمة والمتخلفة فحسب، بل واستخدام التهديد والمقاطعة الاقتصادية وممارسة القوة العسكرية لفرض السياسات الاقتصادية والمصالح الجيوسياسية على الدول الأخرى وشن الحروب الإقليمية. ويمكن أن نتابع كثير من هذه الحروب في فترة التسعينيات من القرن العشرين والعقد الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين: الحروب في الشرق الأوسط الحروب في يوغسلافيا، ومن ثم الحروب في الدول العربية وما بين بعضها.

4) وجدير بالإشارة إلى أن أزمة البنوك العقارية في الولايات المتحدة في عام 2008، وتفاقمها إلى أزمة مالية عميقة ساهمت في تعميق الأزمة البنيوية في الاقتصاد العالمي الذي كان يعاني منها النظام الرأسمالي العالمي والدول الرأسمالية المتقدمة وتأثيرها السلبي البالغ على المجتمعات الرأسمالية وعموم العالم، لاسيما الفئات الكادحة والمنتجة للخيرات المادية والروحية وتفاقم البطالة والفقر والحرمان. وقد اقترن كل ذلك بنهج تقشفي عالمي صوب الانفاق الاستهلاكي نحو الداخل ونزوع متفاقم صوب التسلح وتجارة السلاح، والتي عمقت من الأزمات المتلاحقة في الدول الرأسمالية المتقدمة ومعاناة كبيرة في الدول النامية. وفي الوقت الذي لجأت الدول الرأسمالية المتقدمة إلى التقشف وتركت الجماهير الكادحة التي بذمتها ديون للعقارات التي اشترتها بقروض مصرفية أن تخسر عقاراتها بسبب عدم قدرتها على تسديد أقساط القروض والفوائد المترتبة عليها، قدمت في الوقت ذات مبالغ طائلة من الخزينة العامة وعلى حساب دافعي الضرائب من أجل معالجة الأزمة المالية لإنقاذ البنوك الرأسمالية الخاصة وكبار الرأسماليين من الإفلاس والذي اقترن بفساد مالي كبير جداً في العمليات المصرفية لتلك البنوك. وفي حينها اتفق "قادة مجموعة اليورو خطة إنقاذ مالي تعتمد على تأميم جزئي للمؤسسات المالية المتضررة وتستند أساسا إلى ضخ أموال عامة في وافقت الحكومة الألمانية على خطة لإنقاذ البنوك تتضمن تأسيس صندوق لإعادة الاستقرار إلى الأسواق، وخصصت له أربعمائة مليار يورو (أكثر من 540 مليار دولار)". وهنا اعترضت قوى اليمين المتطرف على موضوع التأميم الجزئي باعتباره إجراءً اشتراكياً لا يجوز ممارسته بأي حال، وليس اعتراضاً على دعم البنوك الرأسمالية من المال العام.[3]

5) وإذ بدا وكأن عام 1991 كان بداية النهاية للحرب الباردة وإيقاف سباق التسلح وتراجع الصراعات والحروب. وقع عملياً وتدريجياً عكس ذلك. ويلاحظ اليوم سباقاً جديدا وواسعاً للتسلح بين الدول الكبرى يحمل معه مخاطر جمة للعالم كله، إذ تشير المعلومات إلى توجه صوب إنتاج أجيال جديدة من الأسلحة النووية والصواريخ، إضافة إلى تطوير الأسلحة التقليدية وإنتاج أجيال جديدة متقدمة وأكثر دموية، وارتفعت النسب المخصصة للميزانيات العسكرية للدول الرأسمالية المتقدمة وكثير من الدول الأخرى في ميزانياتها السنوية العامة. كما تزايد حجم بيع وتصدير السلاح على الصعيد العالمي وإلى الدول النامية، خاصة في تلك المناطق الساخنة وذات النزاعات العسكرية، أي إلى تلك الدول التي فُرضت فيها وعليها الحروب الأهلية والتدخل الفظ في الشؤون الداخلية من جانب الدول الإقليمية والدولية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.

6) ويبدو لي إن العجالة التي مورست في إدخال البلدان التي كانت جزءاً من المنظومة الاشتراكية إلى الاتحاد الأوروبي، وهي ما تزال في مرحلة التحول التدريجي، قد لعب دوره البارز في إشاعة مشكلات قومية وشوفينية كثيرة في عدد من تلك الدول والتي تنعكس اليوم في سياسة الاتحاد الأوروبي ومشكلاته، إضافة إلى عجالة الأخذ بالعملة الموحدة اليورو بدلاً من عملاتها الوطنية والتي اثارت مشاعر قومية محبطة تعاني منها تلك الدول والاتحاد الأوروبي والنزوع الجديد للخروج منه لاسيما في صفوف القوى القوى القومية اليمينية المتطرفة في بعض هذه الدول، ومنها إيطاليا، وكذلك في صفوف حزب المحافظين اليميني وضغط القوى القومية اليمينية والمتطرفة على الوضع السياسي العام في بريطانيا والذي أدى إلى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أخيرا.

7) في هذه الأجواء المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى مشكلات البيئة والتغيرات المناخية وتدمير الغابات، تنامت حركة النزوح والهجرة على الصعيد الدولي ووصلت إلى أرقام سنوية مقلقة للبشرية جمعاء. ورغم إن حركة غالبية المهاجرين والنسبة العظمى تركزت في محيط الدول النامية ذاتها، ولكن جزءاً منها توجه صوب الدول الغربية، ومنها دول الاتحاد الأوروبي التي استقبلت نسبة ضئيلة من مجموع المهاجرين على الصعيد الدولي، وكذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا أو استراليا من دول أمريكا الجنوبية ودول أسيوية. وفي وسط هذه الأجواء كلها برز على سطح الأحداث، والذي كان إلى حدود معينة كامناً في نفوس كثيرين، العداء للأجانب ومعاداة السامية ونشط وتوسع اليمين الشعبوي والمحافظ عموماً واليمين المتطرف والنازية الجديدة في عموم الدول الغربية، ومنها الاتحاد الأوروبي، لاسيما المانيا، حيث برزت أيضاً تنظيمات وخلايا للنازيين الجدد بجوار اليمين المتطرف واليمين الإرهابي. ومثل هذه الاتجاهات لا تؤذي الأجانب واللاجئين أو المواطنات والمواطنين الألمان من أصول أجنبية فحسب، بل وتؤذي بشكل خاص العلاقات الإنسانية بين المقيمين في ألمانيا كافة والاقتصاد الوطني والازدهار الاقتصادي الذي عرفته ألمانيا منذ أول استقبال للهجرة العمالية في ستينيات القرن الماضي والذي حقق ما أطلق عليه بـ "المعجزة الاقتصادية"، وكان للشغيلة المهاجرة من الأتراك والإيطاليين والإسبان والمغاربة بشكل خاص دور متميز فيها.







ثانياً: حول تحديد بعض المفاهيم الواردة في الدراسة


قبل البدء بهذه الدراسة يستوجب الأمر توضيح بعض المفاهيم أو المصطلحات التي يجري تداولها، من وجود مسارات انسيابية بين القوى التي ترتبط بتالك المفاهيم والمصطلحات.

ففي المجتمعات الأوروبية يواجه الباحث قوى سياسية تساهم في الحكم وأخرى في المعارضة، ولها برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية محافظة ويمينية. فبماذا تتميز هذه الأحزاب والقوى والبرامج؟





اليمين المحافظ


وسواء أكانت القوى اليمينية المحافظة في الحكم أم خارجه تتبنى عموماً رؤية قومية ضيقة إزاء القوميات الأخرى، ورفض وجود أقليات قومية أو دينية، ولاسيما أقلية مسلمة، ورفض عام للأجانب وقبول نسبي مشروط لمهاجرين على وفق الحاجة الماسة والمؤقتة لهم، وتدعو إلى نقاوة الثقافة القومية ورفض التعددية الثقافية أو مجتمع متعدد الثقافات، وترفض التلاقح الثقافي مع الثقافات الأخرى، وترفض ولوج عادات وتقاليد قوميات أخرى إلى عاداتها وتقاليدها القومية والدينية المسيحية. وهي تؤكد على ضرورة وجود دولة قومية قوية ونهج سياسي محافظ في مختلف المجالات الأساسية. كما تقف في المجالات الاقتصادية الاجتماعية والبيئية إلى جانب النهج النيولبرالي. وهي في سياساتها الداخلية تقف بوضوح إلى جانب النهج المساند للاحتكارات الرأسمالية الكبرى وفي الصراع مع نقابات العمال أو في مسألة الحد الأدنى للأجور وضد فرض ضرائب تصاعدية على الدخل وأرباح الشركات الكبرى أو على الميراث، وتعارض القوى الأكثر يمينية وتطرفاً وترى فيها خطراً على وجهتها اليمينية المحافظة وتسعى أحياناً على تبني شعاراتها بذريعة تبويش أو سحب البساط من تحت أقدام ومواقع وشعارات اليمين المتطرف ذاته، وغالياً ما يجد اليمين المتطرف ما يقوله بهذا الشأن ويدعو إلى الأخذ بالأصل لا للمتبني شعاراته. وإذ وافق اليمين المحافظ على الاتحاد الأوروبي ولكنه يسعى لأن تلعب دولته الدور الأكبر، لاسيما الدول الكبيرة وقوية مثل ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا، وهم يحنون إلى تاريخ دولهم ويمجدونه وماضيهم كأي محافظ. وهؤلاء اليمينيون المحافظون غالباً ما يسقطون في الشعبوية وهم خارج السلطة أو فيها في تبني شعارات مناهضة للأجانب والهجرة واللجوء تلتقي مع اليمين المتطرف وفي ذرائعهم ورفضهم للهجرة واللجوء. من هنا يتبين إنها تتبنى أيديولوجيا قومية شوفينية ودينية متعصبة، ونهج اقتصادي واجتماعي يميني محافظ وتقليدي جامد. وهي تقف في الصف المعادي للاشتراكية، دع عنك الشيوعية، وضد مبدأ العدالة الاجتماعية، كما إنها في مواقفها محافظة ويمينية من حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، رغم ضغط التحولات التقدمية الجارية في الدول الأوروبية والتي فرضت نفسها بفعل نضال المرأة الأوروبية وعلى صعيد الدول الرأسمالية المتقدمة.



اليمين المتطرف
أما مفهوم ومصطلح اليمين المتطرف فهو يلتقي مع اليمين بالعديد من المسائل الأساسية، ولكن يزيد عليه بالتشدد والتطرف والوسائل التي يستخدمها في تحقيق ما يسعى إليه. إنه فهم قومي شوفيني مناهض للقوميات الأخرى ومعارض لوجودها في الدولة التي ينتمي إليها، ويجد فيها خطراً كبيراً على نقاوة قوميته وشعبه وتهديداً مباشراً على ثقافته ونقاوتها وتراثها الذي يجب أن يحافظ عليه ويتواصل به، ويرفض كل العادات والتقاليد القادمة مع الأجانب ويقاومها بشتى السبل. إنه يتمسك بالتقاليد والطقوس الدينية، رغم كون إن كثرة منهم لا يمارسها بالضرورة وخارج عن الكنيسة التي ينتمي إليها. اليمين المتطرف يسعى للحفاظ على استقلال دولته وقوتها وتعزيز الأمن الداخلي من "جرائم!" اللاجئين والمهاجرين القادمين إلى بلده، فهو يرى فيهم خطراً على فرص العمل لأبناء الوطن، وتوفر السكن ومستوى الأجور والتقاعد والضمان الصحي والاجتماعي، كما إنه يرفض العادات والتقاليد والقيم والمعايير الأخلاقية التي يحملها القادم من قومية وبلد آخر، لاسيما القادم من دول ذات أكثرية مسلمة المسلم والمسلمة. والمتطرف يرفض العولمة باعتبارها خطراً على دولته المستقلة وعلى ثقافته ونقاوة قوميته. وبالرغم من كونه لا يميل إلى الديمقراطية كمبدأ في الدولة، ولكنه يستفيد منها في الوصول إلى أهدافه، لاسيما الوصول إلى السلطة على الأمد البعيد. ومن حيث المبدأ فيه يميل إلى النيولبرالية في الحياة الاقتصادية، ولكنه يعارض من مواقع الاحتجاج على سياسات الدولة البرجوازية في الدول الأوروبية والكسب الشعبوي لشعاراته التعبوية. واليمين المتطرف جعل من قضية الهجرة واللجوء محوراً مركزياً في سياساته إزاء سياسة الدولة في هذا لمجال، ويثير مخاوف المجتمع بشأنها وما يطلق عليه بـ "أسلاموفوبيا" والمنتعشة حالياً في جميع دول الاتحاد الأوروبي. فالباحث في الفكر السياسي والاستراتيجي السيد ريناس بنافي يشير إلى اليمين المتطرف بما يلي: " تجدر الإشارة بداية إلى عدم وجود اتفاق واضح حول تعريف جامع لليمين الراديكالي أو المتطرف، وإن كان هناك شبه اتفاق حول الخصائص والسمات المشتركة لهذه الظاهرة؛ إذ يشكل العداء للأجانب، ورفض الأقليات وفكرة التعددية الثقافية والدفاع عن هوية إثنو–وطنية وعن التقاليد القومية التاريخية والدعوة إلى الحد من الهجرة، القاعدة المشتركة لأي برنامج سياسي لحزب يميني متطرف. كما تشترك هذه الأحزاب في موقف موحد تجاه الحد من الهجرة، بحيث تصور المهاجرين في صور عدة، منها تهديد الهوية الإثنو–وطنية والتسبب في البطالة والجريمة، وغيرها من مظاهر غياب الأمن الاجتماعي واستغلال ما توفره دولة الرفاه." [4]

ورغم وجود تباين في سلم التطرف اليميني بين جماعة احتجاجية وأخرى متشددة وشوفينية، فأن استعدادها العام لممارسة العنف والشعبوية المبتذلة ومعاداة الأجانب والسامية ومعارضة الاتحاد الأوروبي هي الصبغة العامة والغالبة التي تميز سلوكها وأساليب عملها بين الأوساط الشعبية، ولاسيما الوسط، ودعايتها ضد الأجانب وضد القوى الحاكمة، مستفيدين على حدود بعيدة من السياسات الخاطئة والموجهة لمصلحة القوى والاحتكارات الرأسمالية الكبرى ومن تراجع مصداقية الأحزاب البرجوازية الحاكمة. يشير "البروفيسور والدن بيلو، الأكاديمي البارز وأحد دعاة حماية البيئة في الفلبين، والمدير التنفيذي لمنظمة “التركيز على الجنوب العالمي”، يقدم تحليلًا نظريًا وتاريخيًا شاملًا للعناصر والظروف التي غذَّت صعودَ اليمين المتطرف، خلال العقد الأخير، في الغرب، ومناطق أخرى من العالم"، فيقول " صادر اليمين المتطرف الأجندة المناوئة لليبرالية من اليسار المستقل، وتجاوز كل من اليسار ويسار الوسط حول مسألة “العجز الديمقراطي” للاتحاد الأوروبي، وبالتالي احتكر واحدة من أقوى السرديات في أوروبا الحديثة. وحولت الأحزاب اليمينية الخوف من المهاجرين، والنفور من تكنوقراطية الاتحاد الأوروبي، والمخاوف من فقدان الوظائف إلى خطاب تآمري ملغم."[5] وفي قوى المين المتطرف اجنحة تقترب أو حتى تتبنى نهج وسياسات النازيين الجدد في المانيا وفرنسا أو في عموم أوروبا. فعلى سبيل المثال لا الحصر كتب الزميل الباحث ريناس بنافي يقول: "إن جون ماري لوبان كونه أبرز المعبرين عن اليمين المتطرف في فرنسا على وجه الخصـوص، وأوروبـا عمومـا، رفـض بقـاء فرنسـا داخـل الاتحـاد الأوروبي، كمـا طالـب بعـودة الفرنـك الفرنسـي، ومواجهـة العولمـة والهيمنـة الأمريكيـة، ودعـا إلى مـا أسمـاه “تفضـيل الـوطني قبـل الأجنـبي في الوظـائف، والفرنسـي في مواجهـة الأجنـبي في الخـارج.” وطالـب أيضـا بوضـع نظـام حمـائي شـامل ثقافيـا واجتماعيـا واقتصـاديا وسياسـيا يحـيط بفرنسا. فالتراث الفرنسي، بحسب لوبان، يجب تنقيته من “الشوائب” الـتي وضـعها المثقفـون الفرنسـيون مـن أصول غير فرنسية، وحمايته من الغزو الثقافي الأجنبي وتحديـدا الأمريكـي. كـذلك حمايـة المنتجـات الفرنسـية بفرض الضرائب الجمركية على البضائع الأجنبية، وحماية النظام السياسي والاجتماعي بعدم إعطاء الجنسية الفرنسـية إلا لمـن كـان أحـد والديـه فرنسـيا “أصــليا”، مـع طـرد الأجانـب جميعـا الـذين يعيشـون بصـورة غـير شرعية."[6] وقد بذلت ابنته ماري لوبان في تعديل صورة حزب الجبهة الوطنية الذي أسسه وقاده والدها جون ماري لوبان طوال عقود وأخذت منه القيادة عنوة وبعد صراع مرير أن تعدل صورة الحزب الفاشي إلى يميني متطرف، وجمعت فيه كل اليمين المتطرف والفاشيين أو العنصريين أو النازيين الجدد. فمن هم النازيون الجدد وإلى ماذا يسعون؟

النازيون الجدد
يمكن تقديم التعريف العام التالي لأيديولوجية النازيين الجدد: إنها الأيديولوجيا التي تتشكل فيها مجموعة من المفاهيم المتداخلة والمتفاعلة ابتداءً من العنصرية والقومية الشوفينية ومروراً بمعاداة السامية ومعاداة الأجانب والداروينية الاجتماعية (البقاء للقوي والأصلح) ومناهضة التعددية السياسية والحزبية والقومية والثقافية، ومعاداة الديمقراطية والدولة الديمقراطية، وانتهاءً بالإيمان بالزعيم القائد الفرد ذو السلطة المطلقة للأمة القومية، إضافة إلى السعي الممكن للسيطرة على الشعوب والعالم، كما سعى إلى ذلك أدولف هتلر في شنه الحرب الاستعمارية عام 1939. والنازيون الجدد على استعداد تام ومستمر إلى استخدام جميع الوسائل والأدوات الممكنة المتاحة، لاسيما العنف المفرط والعدوان، لتحقيق الغايات المنشودة.

ومصطلح "النازيون الجدد" قد برز في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، بعد أن كان يطلق على القدامى منهم وتمييزهم عن "النازيين القدامى" الذين كانوا ضمن الحزب النازي (حزب العمال الاشتراكي القومي الألماني (Nationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei, NSDAP، والدولة النازية، دولة الرايخ الثالث، خلال الفترة الواقعة بين 1933-1945. ومثل هذه القوى لا توجد في ألمانيا فحسب، بل وفي دول أوروبية أخرى التي كانت في حينها والقدامى منهم يؤمنون ويعملون مع الدولة الألمانية النازية والحزب النازي.

يؤمن النازيون الجدد بـالنظرية العنصرية المؤمنة بكون "الجنس الآري" هو الجنس المتفوق على جميع الأجناس، وهو الجنس الأنقى والأفضل، ويجب أن يبقى كذلك، وهم يتخذون مواقف شديدة العداء والكراهية للأجانب والمهاجرين واللاجئين إلى بلدانهم، لاسيما للمسلمين والمسلمات، وهم في عداء دائم مع السامية، أو اليهود أحياءً أو أموات. وهنا تتجلى كراهيتهم العنصرية وحقدهم في سلوكهم الشائن في تدنيس مقابر وشواهد قبور اليهود في مجموعة كبيرة من الدول الأوروبية. وهم على استعداد لقتل الأجانب واللاجئين واليهود وبث الرعب في صفوفهم للقبول بالهجرة المضادة والعودة إلى البلدان التي جاءوا منها. كما أنهم ضد ذوي الاحتياجات والناس الضعفاء وضد المثليين والأقليات القومية والدينية، لاسيما ضد الإسلام والمسلمين والمسلمات وهم على استعداد لقتلهم والخلاص منهم. وهم يعملون من أجل إقامة دولة قوية مستقلة يسود فيها الأمن التام وبعيدة عن وجود الأجانب الذي يتبنون بالجرائم لكونهم من جنس غير نقي وغير نظيف وفاسد، كما أنهم وضد الاتحاد الأوروبي ويسعون إلى تفكيكه وضد العولمة ومع الرأسمالية النيولبرالية، رغم التهريج ضد الدول القائمة التي تمارس سياسات نيولبرالية. وهم يقفون بعدوانية إزاء الأفكار الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، كما أنهم يرفضون الموقف من المرأة الحديثة ويسعون إلى صورة المرأة الأم والتربية المنزلية والمطبخ، وليست المرأة الحرة والمستقلة والواعية لشخصيتها ومسؤوليتها إزاء الدولة والمجتمع والتمتع بكامل حقوقها ويرفضون الرؤية "الجندرية" للمرأة التي تسود أوروبا والعالم حالياً. إنهم وباختصار يرون في الدولة الألمانية النازية النموذج الذي يستوجب أن يتبع. تستخدم القوى النازية الجديدة أساليب مختلفة بما فيها وفي البداية خاصة أسليب تعبوية احتجاجية لاستمالة الناس لها ودفعها بالاتجاهات التي تسعى إليها لاسيما العداء للأجانب وضد السامية وضد الشعب الأخرى.






ثالثاً اليمين المتطرف على صعيد دول الاتحاد الأوروبي




إن النزوع الحاد نحو اليمين في السياسة الدولية وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي برّز ثلاث ظواهر مهمة وخطرة هي:

1) نمو كبير في عدد ودور ونشاط اليمين في دول الاتحاد الأوروبي.

حين نتابع تطور الأحداث والسياسيات التي تمارسها دول الاتحاد الأوروبي نكتشف دون عناء وجود اختلالات كثيرة وكبيرة في سياسات الاتحاد الأوروبي إزاء مصالح شعوب الدول الأعضاء واسس الديمقراطية وفي توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي واستخدامه وفي سياسات التقشف وضعف الاهتمام بالخدمات الاجتماعية للفئات الفقيرة والمعوزة والكادحة، وبروز ضمانات صحية واجتماعية طبقية كدرجة أولى ودرجة ثانية في الواقع العملي المعاش، ونشوء برودة اجتماعية متنامية واستجابة كبيرة لمصالح الاحتكارات الرأسمالية والبنوك المالية على حساب مصالح وحاجات شعوبها، لاسيما الفقراء والعاطلين عن العمل. وقد أدت هذه السياسات اليمينية إلى بروز احتجاجات في صفوف المجتمعات في دول الاتحاد قادت إلى استثمارها من جانب قوى اليمين لتحقيق نهوض يميني عام وتجليه في سياسات أغلب الأحزاب العاملة في دول الاتحاد الأوروبي القديمة أو التي التحقت بالاتحاد الأوروبي بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية، ووفرت التربة الخصبة لنمو قوى اليمين المتطرف بمختلف أطيافه وكذلك قوى النازية الجديدة أو العنصريين ومن تنظيمات عنصرية بمسميات كثيرة بما فيها ذوو "البشرة البيضاء". فاليمين المحافظ كان موجوداً باستمرار في الأحزاب البرجوازية في دول الاتحاد الأوروبي، إلا إنه خلال العقود الأربعة الأخيرة مارس سياسات ملموسة في العداء للأجانب وضد الهجرة والتصدي للجوء وتحجيم قبول اللاجئين ورفض التعدد الثقافي من جهة، ونهج مناهض للسامية كامن أو مبطن يبرز هنا وهناك في برامج وسياسات هذه القوى. ولكن خلال هذه العقود تبلور نهج قومي يميني متطرف تغذى على تلك السياسات، وبرزت فيه أجنحة أكثر تطرفاً وعنصرية ومستعدةً لممارسة العنف، إلى جانب بروز أكثر لتنظيمات نازية جديدة وعنصرية مكشوفة إلى حدود غير قليلة، سواء في تنظيمات علنية أم سرية. وهو ما أشار إليه الكاتب والباحث الأردني سعود الشرفات إلى ذلك بقوله: - "الاستثمار في الخوف (الخوف من التطرف، الخوف من الإرهاب، الخوف من المهاجرين، الخوف من المنافسة الاقتصادية).. - الصراع على الهُوية (تجدد بموجات الهجرة واللجوء المعاصرة، اللغة، العادات، التقاليد والقيم). تأتي فورة الشعبوية والتطرف الآن متزامنة مع صراعات وحروب أهلية طاحنة في الشرق الأوسط ومشاكل اللجوء والهجرة. - الإسلاموفوبيا (الخوف من المسلمين). وتصويرهم كمصدر محتمل للتطرف والإرهاب. - العنصرية ومعاداة السامية (معاداة المسلمين واليهود تحديداً)."[7].

تشير المعطيات التي تحت تصرف الكاتب إلى واقع وجود أحزاب وقوى اليمين المتطرف في جميع دول الاتحاد الأوروبي وأن اختلفت في قوتها وفي دعم المزيد من المصوتين لها في الانتخابات العامة والمحلية أو في انتخابات الاتحاد الأوروبي. ويمكن هنا الإشارة على تلك الأحزاب في الدول التالي: (1) حزب الشعب بالدنمارك (DF) ،(2) حزب الجبهة الوطنية بفرنسا (FN) ،(3) حزب الفجر الذهبي باليونان (Chrysi Avgi) ،(4) شين فين الجمهوري بأيرلندا (SF) ، (5) حزب الحرية بهولندا(PVV) ، (6) حزب الحرية بالنمسا(FPÖ) ، (7) حزب فوكسParty Vox في أسبانيا، (8) حزب ديمقراطيي السويد بالسويد (SD)، (9) حزب الاستقلال ببريطانيا ،(UKIP)، (10) الحزب القومي الديمقراطي ألمانيا(NPD) ، وحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، ومواطنو الرايخ بألمانيا (RB) ، (11) حركة يوبيك بالمجر (Jobbik) ، حزب فيدَس – الاتحاد المدني المجري الحاكم بالمجر (Fidesz) ، (12) حزب أتاكا ببلغاريا (Ataka) ، (13) حزب القانون والعدالة اليميني بولندا (PIS) ، (14) وحزب الربطة الشمالية الإيطالية (LN)، و(15) حزب الحركة القومية أو العمل القومي في تركيا (MHP).

خلال فترة الانتخابات العامة في دول الاتحاد الأوروبي أحرزت القوى اليمينية المتطرفة على قوة تصويتية عالية نسبياً ومتباينة في حجمها ونسبتها من دولة إلى أخرى.. فالمعلومات المتوفرة عن بعض دول الاتحاد تشير إلى ما يلي:

حصلت قوى اليمين المتطرف في فرنسا على 23% من أصوات الناخبين، وفي بريطانيا على 30% من الصوات، وحزب الرابطة في إيطاليا على 37% من الأصوات، وحزب خمسة نجوم اليميني الشعبوي على 33% ف انتخابات عام 2018، وفي أسبانا على حوالي 15% من الأصوات وفي ألمانيا حصل البديل من أجل ألمانيا 12,6% من الأصوات، وفي السويد 18%، وفي الدنمارك 17%، وفي المجر 52،77% من الأصوات. والبلد الوحيد الذي تلقى اليمين المتطرف فيه إلى خسارة ملموسة هو حزب الفجر الذهبي في اليونان، وحصل نفس الأمر بالنسب للأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة في الدنمارك.



2) تطور ظاهرة التعاون والتنسيق بين القوى اليمينية المتطرفة في دول الاتحاد الأوروبي

أصبحت قوى اليمين المتطرفة تشكل القوة الخامسة في البرلمان الأوروبي. فالأرقام المنشورة تشير إلى أن تسعة أحزاب يمينية متطرفة في دول الاتحاد الأوروبي قد حازت في انتخابات عام 2019 على 73 نائباً من مجموع 702 نائباً، بعد شطب حصة بريطانيا (46 نائباً) من عضوية البرلمان بعد انسحابها من عضوية الاتحاد الأوروبي، أي أن هذه القوى قد حققت نسبة قدرها 10،4% من مجموع النواب، وبالتالي من مجموع الذين شاركوا في التصويت، وهي نسب عالية، إذ كان اليمين المتطرف في انتخابات عام 2014 قد حصل على نصف هذا العدد (36) نائباً فقط. وتوزعت المقاعد النيابية للدورة النيابية 2019-2024 على النحو التالي: النمسا 3 نواب، بلجيكا 3 نواب، التشيك نائبان، ألمانيا 11 نائباً، الدنمارك نائب واحد، استونيا نائب واحد، فنلندا نائبان، فرنسا، 22 نائب، وإيطاليا 28 نائب.[8]

ويفترض الإشارة هنا إلى أن حزبين يمينين معاديين للأجانب والسامية يقودان الحكم في كل من هنغاريا وبولونيا، وقد اتخذا مجموعة من الإجراءات التي تقود في جوهرها إلى مسخ الديمقراطية وإقامة دولة التسلط اليمينية والدمج الفعلي بين السلطات الثلاث، ومصادرة استقلال سلطة القضاء ووضعه القضاء والادعاء العام تحت تأثير نفوذ ومباشر للسلطة التنفيذية.

وتشير المعطيات المتوفرة إلى بروز نشاط تعاوني وتنسيقي بين الأحزاب اليمينية المتطرفة على مستوى البرلمان الأوروبي والذي سيمنحهم قوة وزخماً جديدين للعمل وتوسيع قواعدهما ونشاطاتهما المشتركة. ففي لقاء مع الصحفي والكاتب أندرياس سبيت المتخصص في موضوعات التطرف اليميني والنازية الجديدة قدم إجابات عن أسئلة مهمة، أورد هنا اجابتين عن سؤالين لأهميتهما في العمل اللاحق لهذه القوى مع وجود تناقضات وصراعات بينهما، يقول اندرياس عن النقاط المشتركة لقوى اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي وخارجه ما يلي:

**إنهم يرفضون الاتحاد الأوروبي، ويرفضون المجتمع التعددي والليبرالي، ويدعون جميع الهجرة والأسلمة المفترضة لأوروبا المسيحية الغربية إلى التوقف.

وعن القضايا الصراعية التي يمكن ان تعيق بهذا القدر أو ذاك عملهم المشترك يقول ما يلي:

** هذا الوسط مثقل بالصراعات حول حدود الدول التي رسمت بعد عام 1945، ومناقشات حول التأثير المفترض لـ "اليهود" أو نقاشات حول عداء "الغرباء" من التحيزات العنصرية أو الثقافية. وقد ذكرت مارين لوبان بالفعل لمجلة وموقع سيسيرو أونلاين أن الحزب القومي الديمقراطيNPD (ألمانيا) غير مرغوب فيه بالنسبة لهم، وأنه "متطرف يميني". هذا المنطق ليس جديدا، إذ يحب المتطرفون اليمينيون أن يوحي المشهد إلى أن الآخرين هم المتطرفون اليمينيون "الحقيقيون".[9]

في ربيع عام 2017 التقى قادة مجموعة من الأحزاب اليمينية متطرفة في براغ بدعوة من رئيس حزب "الحرية والديمقراطية المباشرة" التشيكي توميو أوكامورا للتشاور والتعاون والتنسيق فيما بينهم وعلى مستوى البرلمان الأوروبي وعموم أوروبا. وقد حضر قادة يمثلون الأحزاب التالية: "زعيمة التجمّع الوطني الفرنسي مارين لوبن، والهولندي خيرت فيلدرز زعيم حزب "الحرية"، والإيطالي ولورنزو فونتانا من رابطة الشمال الإيطالية وغيورغ ماير من حزب حرية النمسا، والبلجيكي جيرولف انيمانز، والبولندي ميشال ماروسيك، وماركوس بريتسل من حزب البديل من أجل ألمانيا، وجانيس أتكينسون التي كانت عضوا في حزب استقلال المملكة المتحدة (يوكيب)."[10]

وفي براغ أيضاً التقى في ربيع عام 2019 قادة خمسة أحزاب يمينية متطرفة لتعزيز التعاون والتنسيق فيما بينها بعد حصولها على نتائج متقدمة في انتخابات الاتحاد أوروبي. وقد حضر هذا الاجتماع "زعيمة التجمّع الوطني الفرنسي مارين لوبن، والهولندي خيرت فيلدرز زعيم حزب "الحرية"، كما شارك ماتيو سالفيني، زعيم رابطة الشمال اليمينة المتطرفة في إيطاليا عبر توجيه رسالة مصوّرة.[11]



3) دور اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وعلاقته بأوروبا


تشير دراسات كثيرة إلى أن اليمين المتطرف المتسم بالنزعة العنصرية والعداء للأجانب وضد السامية قد ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر حين تأسس حزب اليمين (Whig Party) في عام 1776 واتخذ مواقف إلى جانب تكرس العبودية والتخلص من وجود الهنود الحمر عبر الإبادة الجماعية ايما أمكن ذلك والسيطرة على أراضيهم من قبل المهاجرين الأوروبيين. وبسبب عدوانية هذا الحزب وعنفه ومواقف المناهضة للإدارة الحكومية تم في عام 1860 حله. وبعد عام فقط اندلعت الحرب الأهلية في عام 1861 واستمرت حتى عام 1865. في هذه الفترة بدأت إرهاصات تشكيل تنظيم جديد بديل أكثر فاشية وعنصرية وعنفاً. وتحقق ذلك في عام 1965/1966 حين بادر ستة من ضباط الجيش الفيدرالي بتأسيس هذا التنظيم اليميني المتطرف، تنظيم فاشي الفكر والممارسة يضم إليه السكان البيض فقط وأطلق عليه اسم (كو كلوكس كلان) Ku Klux Klan))، واختصاراً KKK. وكانت هذه المنظمة تضم في الستينيات عدداً يتراوح بين 5000-8000 عضو فاعل ومتطرف ومستعد لارتكاب أبشع الجرائم لإنهاء وجود السود في الولايات المتحدة. وتراوح عدده في عام 2018 بين 8000-12000 شخص.[12] وجه هذا التنظيم سياته العنصرية والفاشية المباشرة ضد السود والهنود الحمر، ضد سكان البلاد الأصليين، والأمريكيين من أصل أفريقي، وضد تحرير العبيد، كما كان ضد السامية، وضد المثليين، إضافة إلى كونه مناهضاً للحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان والعيش المشترك والتعددية وضد الدستور الأمريكي. كما كان ضد الاشتراكيين والشيوعيين وعموم التقدميين.

لا تختلف أهداف هذا التنظيم عن جميع القوى والتنظيمات العنصرية حيث يعتبر الجنس الأبيض جنساً متميزاً ومميزاً ومتفوقاً على بقية الأجناس من البشر، وهو في هذا يستند إلى النظريات العرقية التي تتحدث عن أسطورة الأجناس الواردة في التوراة والإنجيل. لعبت هذه المنظمة دوراً هائلاً في قهر واضطهاد السود والهنود الحمر في فترات مختلف، وكان نشاطها بين مدٍ وجز. ولكن دورها برز ونشاطها اتسع مجدداً في ستينيات القرن العشرين لمواجهة نشوء وتطور الحركة الاحتجاجية المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، تلك الحركة الشعبية والشجاعة التي قادها القس مارتين لوتر كنغ (1929-1968م) والحائز على جائزة نوبل للسلام، والتي طالبت بأساليب سلمية وبعيداً عن العنف بإلغاء التمييز العنصري وممارسة الحقوق المدنية بما فيها المساواة بين المواطنين بغض النظر عن لون بشرتهم. وقد اغتيل مرتين لوتر كنغ في الرابع من أبريل عام 1968 على يد عنصري وسجين سابق[13].

ومنذ الستينيات من القرن الماضي تشكلت العشرات من التنظيمات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة التي لا تتصدى لحرية السود فحسب، بل وضد المهاجرين الجدد، لاسيما ضد القادمين من دول أمريكا اللاتينية وعموم أمريكا الجنوبية ومن الدول الآسيوية والأفريقية، لاسيما ضد المسلمين والمسلمات، وضد أسس الحياة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وضد المثليين في الولايات المتحدة الأمريكية وضد سياسات الإدارة الأمريكية في الداخل. ويشير تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنفيذ فعلي لجرائم إبادة جماعية كثيرة وإشعال الحرائق والقتل والتهجير القسري لمئات الآلاف من السكان الأصليين ومن أصول أفريقية التي مارستها التنظيمات اليمينية المتطرفة والعنصرية والفاشية.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين والوقت الحاضر تشكلت كثير من التنظيمات اليمينية المتطرفة والنازية التي تدين بالولاء للفكر العنصري ولفكر الدولة النازية الهتلرية. فهناك حزب الاستقلال الذي تأسس عام 1967، والحزب البيض الوطني، والحزب النازي الجديد NSM، والحركة الفيدرالية الجديدة. كما أن هناك أحزاباً تشكلت في فترة رئاسة باراك أوباما للولايات المتحدة بين عامي 2009-2017 وكانت موجهة ضد سياساته. من بين تلك الحركات والتنظيمات نشير إلى ما أطلق عليها بحركة "حفلات الشاي" في عام 2008، وحركة تفوق البيض أو السيادة للبيض التي وجدت في الستينيات من القرن الماضي وعاودت نشاطها في فترة حكم باراك أوباما، وحزب الحرية الأمريكي عام 2010، إضافة إلى حركة اليمين البديل The Alt-Right أو Alternative Right، وحركة مواجهة الجهاد في عام 2009، وهي منظمة موجهة ضد الإسلام والمسلمين والمسلمات وضد ما يسمى بأسلمة الولايات المتحدة. وتشترك كل هذه القوى والجماعات اليمينية في تبني المواقف القومية والشوفينية والعنصرية، والفاشية والنازية الجديدة، ومعاداة السامية، وإنكار المحرقة، والفوضوية، وهم متطرفون مسيحيين مؤيدون لنظرية المؤامرة، الشعبوية، ومعارضة حقوق المرأة، ومعارضة الهجرة واللاجئين والمثليين، وهم ضمن الجماعات التي تدعو إلى عزلة أمريكا عن العالم، والسياسات الاقتصادية الحمائية، وضد الحريات الديمقراطية والتعددية وضد التعدد القومي والثقافي والاختلاط بين السود والبيض.[14] ومن متابعة ما جرى ويجري في الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحملة الانتخابية لدونالد ترامب في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في عامي 2015 و2016 والبنية الفكرية اليمينية المتطرفة لفريق حملته ومستشاريه فيها من أمثال مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق، وستيفن ميلر المستشار الخاص لترامب وستيفان، ومن ثم بعد فوزه فيها وتشكيلته الوزارية والسياسات التي انتهجها والتصريحات والتغريدات التي أطلقها التي توضحت والتزمت نهجاً يمينياً متطرفاً يتسم بمعاداة الهجرة واللجوء، وضد الإسلام والمسلمين، وضد المرأة والإجهاض، ورفع شعار أمريكا أولاً، والدفع باتجاه سباق التسلح على الصعيد العالمي والتدخل الفظ في شؤون الدول الأخرى، كل هذه الاتجاهات وغيرها ساهمت في إعطاء دفعة قوية لليمين المتطرف من حيث حرية الحركة والدعاية والكسب الجديد وزيادة النشاط والتأثير في المجتمع. والأسئلة العادلة التي تواجه كل باحث في هذا الموضوع الشائك هي: من هم الذين صوتوا وأوصلوا دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، وما هي السياسات الفعلية التي مارسها ثانياً، وما هي العوامل الكامنة وراء صعود اليمين المتطرف والنازية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية؟

يمكن بلورة النقاط الآتية في الإجابة عن السؤال الأول:

1) الوعود الانتخابية السخية التي قدمها المرشح للرئاسة دونالد ترامب لناخبيه والتي حرَّك بها من جديد تلك القوى اليمنية المتطرفة والنازية الجديدة والتي تركزت بشكل صارخ في: ضد الهجرة واللجوء السياسي وضد الإسلام والمسلمين والمسلمات، وضد المرأة والإجهاض، وضد العولمة ورفع شعار أمريكا أولاً.

2) قوى المسيحيين المحافظين والمتعصبين المتشددين الغارقين في جنون الدين والخرافات والأساطير وضد أتباع الديانات الأخرى ولاسيما ضد الإسلام والمسلمين والخشية من أسلمة أمريكا!

3) قوى اليمين واليمين المتطرف والنازية الجديدة التي وجدت ف تصريحاته ما يتناغم تماماً مع أهدافها وما تسعى إلى تحقيقه في الولايات المتحدة كخطوة ضرورية على الطريق.

4) قوى الريف والفلاحين منهم على نحو خاص لمعاناتهم والمشكلات التي تواجههم والمستوى الوعي المتأخر والمحافظ والديني عموماً بالقياس إلى مستوى الوعي العام في المدينة.

5) قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية التي بثت الخشية والرعب في صفوف جمهرة كبيرة من الناس في أوروبا وفي العالم والتي كانت تدعو أيضاً إلى اسلمة أوروبا والولايات المتحدة، وهي التي دعمت ترامب بصورة غير مباشرة وفعلية.

6) دعم القوى اليمينية والمحافظة والمتطرفة في أوروبا والعالم لترامب وسياساته واللقاءات التي عقدها مع عدد من قادة يمينيين في أوروبا.

ويمكن الإشارة هنا إلى نقطة بالغة الأهمية بالنسبة للمجتمع الأمريكي وللبيض العنصريين والمتطرفين والفاشيين والمتمثلة بانتخاب باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة وجلوسه في البيت الأبيض لدورتين متلاحقتين 2008-2017، إذ كان ناقوس خطر كبير قد دق بقوة في أذان هؤلاء وأرعبهم الدور الذي يمكن أن يلعبه السود في المجتمع الأمريكي بعد اليوم، والذي لم يغظ الذين يعادون الاختلاط والمساواة فحسب، بل ودفع بهم إلى القيام بكل ما هو متاح وممكن لمنع تطور الأمور بهذا الاتجاه. ويفترض أن نتذكر هنا بأن هذه القوى المتطرفة والنازية لم تستطع تحمل حركة السود المطالبة بالحقوق المدنية والتي دفعت بأحد عناصرها لقتل الداعية مارتين لوتر كنغ عام 1968.

وحال تسلم دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية قام بتنفيذ تلك الوعود بسرعة فائقة مما زاد من تأييد ودعم قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة واعتبروه واحداً منهم. لقد بدأت هذه القوى بإعادة تنظيم نفسها وتشديد كراهيتها ضد الأجانب عموماً والمهاجرين واللاجئين منهم خصوصاً، وكذلك ضد السود من منطلق الدفاع عن "حقوق البيض!". والمعلومات المتوفرة تشير مثلاً إلى ارتكاب 115 عملية قام بها اليمينيون المتطرفون والنازيون الجدد خلال الفترة الواقعة بين 2008-2015، لكنها ارتفعت في أكتوبر من عام 2018 بنسبة 30% وفي حزيران 2019 بنسبة 40%.[15]

وتشير معلومات كثرة إلى وجود علاقات وتبادل معلومات بين القوى اليمينية الأكثر تطرفاً والنازية الجديدة مع الحزب القومي الديمقراطي في المانيا (NPD) من جهة، وإلى الدور الجديد الذي بدأ يلعبه المستشار السابق في الانتخابات ورئيس المكتب الاستراتيجي لترامب السابق في البيت الأبيض بعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة ستيفان بانون Stephan Bannon (1953) والذي يدعى ستيف، المتسم باليمينية والتطرف القومي في أوروبا، والذي تولى في فترة طويلة رئاسة تحرير شبكة الأخبار اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة برايتبارت Breitbart ثم أنُهي عمله فيها بسبب خلافه مع ترامب وعزله عن مسؤولية المكتب الاستراتيجي في البيت الأبيض من جهة ثانية. فخلال العام الذي انتهى أعماله في الولايات المتحدة سافر إلى أوروبا ونظم لقاء مع أليس فايدل ِAlice Weidel رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا ومساعدتها بياتركس فون شتورش (Beatix von Storch) في أذار/مارس عام 2018، كما حضر مؤتمر الجبهة الوطنية في مدينة ليل في فرنسا في ذ0 أذار/مارس من نفس العام، ثم اتفق مع قوى يمينية في إيطاليا لتنظيم دورات تثقيفية لقوى يمينية متطرفة. وعلى وفق تصريحاته فأنه يسعى إلى تشكيل حركة يمينية متطرفة باسم الحركة The Movement وفتح مقر لها في بروكسل لتقوم بدعم القوى اليمينية المتطرفة ومساعدتها لتوحيد نشاطاتها وعملها المشترك بأمل الحصول على ثلث أصوات البرلمان الأوروبي في الانتخابات القادمة. وفي جولته في أوروبا كان يهاجم ميركل بسبب مد خط أنبوب النفط بين روسيا والدول الأوروبية (Nord Stream)، وضد الصحافة التي يتهمها بالجهالة والتحيز وعدم فهم ما يجري في العالم، كما أنه من المعادين للعرب والمسلمين وضد الاتفاق النووي مع إيران.[16]



ويمكن إيراد النقاط التالية في الإجابة عن السؤال الثاني:

لم يتخلف دونالد ترامب بعد أن تسلم إدارة البيت الأبيض لحظة واحدة في البدء بتنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه أمام ناخبيه. فكانت أولى خطواته دعم العمال البيض والتعجيل بإقامة السور أو الستار الحديدي الجديد بين الولايات المتحدة الأمريكية على طول الحدود مع المكسيك، ورغم معارضة الحزب الديمقراطي له، تمكن من فرض هذا الإجراء وبدأ به فعلاً واتخذ مجموعة من الإجراءات لتحقيقه لإيقاف "اجتياح أمريكا!" من دول الجنوب الأمريكي والبحر الكارريبي ومكافحة الهجرة غير الشرعية والمخدرات والجريمة! كما أعلن إن أولية السياسة الأمريكية يتكون نحو الداخل وسيكون شعاره المفضل والرئيس "أمريكا أول America First ". وقد أشاع بها الروح القومية الشوفينية والعنصرية لدى البيض بشكل خاص والخوف من "الجنس الآخر!". ثم كانت خطواته المتلاحقة بتقليص الضرائب عن مدخولات كبار الاحتكارات والرأسماليين، إضافة إلى إجراءاته في تنفيذ تغييرات كبيرة في جهاز الأمن الداخلي والمخابرات المركزية والقضاء وغيرها، كما وظف ونشط القوى الأكثر تطرفاً في نهج اللبرالية الجديدة والروح القومية. ثم جاءت قراراته بشأن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدر ومن ثم اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، واعتبار أراضي المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية الفلسطينية جزءاً من إسرائيل.. إلخ، وقراراته بالتشدد في مواجهة الهجرة إلى الولايات المتحدة من الدول العربية والمسلمين والمسلمات على وجه الخصوص. ولم يلتزم بعدم الاهتمام بالخارج بل شارك في التدخل العسكري في سوريا بشكل خاص ودعم التحالف العربي السعودي الإماراتي في اليمن وتخلى عن الاتفاقية النووية مع إيران من طرف واحد ودون التنسيق مع الدول الأوروبية وروسيا التي وقعت مع الولايات المتحدة على تلك الاتفاقية وفرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية على إيران ومن يتعامل معها وخلق إشكالية كبيرة لدول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا في التعامل مع إيران. كما أعلن عام 2019 عن خروج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ التي وقعت في عام 2015، والتي جوبهت بنقد شديد من جميع الدول الأوروبية. ثم "إلغاء اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) ثم استبداله باتفاق آخر بشروطه، وإطلاقه حربًا تجارية مع الصين في انتظار اتفاقات جديدة بشروطه أيضاً لكن بأثمانٍ سياسية ثقيلة ستظهر لاحقاً.[17] ولكن ترامب عجز عن إلغاء قانون الضمان الصحي الذي تقرر في فترة رئاسة أوباما والذي كان في مصلحة الكادحين والفقراء وذوي الدخول الضعيفة بسبب عدم تقديم بديلاً معقولاً يقبل به الجمهوريون ورفض الديمقراطيين إلغاءه، وهم يشكلون الأكثرية في مجلس النواب.



وفما يلي محاولة للإجابة عن السؤال الثالث والأخير.

والمسألة العادلة التي تفرض نفسها هي: إن سياسات وإجراءات دونالد ترامب نشطت وعمقت ووسعت وأعطت دفعة قوية لقوى اليمين المتطرف والنازيين الجدد، ولكنها لم تتسبب بوجودها، فما هي تلك العوامل التي كانت ولا تزال وراء ظهور ونمو وتأثير اليمين المتطرف والنازيين الجدد على السياسات الأمريكية منذ عقود؟ وبتعبير أدق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز المكارثية المناهضة لحرية الفكر والعقيدة وضد الفكر التقدمي والاشتراكية والشيوعية، ثم حملاتها المعروفة في الفترة الواقعة بين 1947-1954 والتي لعب فيها رونالد ريگن، الذي كان حينذاك رئيس نقابة الفنانين، في التحقيقات مع المثقفين والفنانين والصحفيين والسياسيين وأساتذة الجامعة وموظفين في وزارة الخارجية وغيرها. وقد حكم على مجموعة كبيرة بالحبس بتهمة الخيانة والعمالة للشيوعية، والتي تميز بما يطلق عليه بـ "حكم قراقوش" الذي لا يستند إلى أدلة واقعية مقنعة. لقد كانت حركة معادية لحرية الفكر والعقيدة ومهاجمة الشيوعية باعتبارها ضد المسيحية، مما استطاعت هذه الحملة تحقيق نجاحات في الفترة الأولى ولكنها أخفقت في الاستمرار بها طويلاً.[18] ثم انتعشت الحملة اليمينية من جديد في مواجهة حركة الحقوق المدنية للأمريكان الأفارقة بين 1961-1968، وفيما بعد أيضاً وفي الوقت الحاضر.

يبدو لي بأن المشكلة المركزية الأولى التي تواجه المجتمع الأمريكي منذ عدة قرون وعقود تكمن في موضوع الهوية بأبعاد ثلاثة:

1) الهوية Identität


أ. البعد العرقي، حيث يميز البيض أنفسهم عن النهود الحمر وعن الأمريكيين الأفارقة والأسيويين وسكان أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي الأصليين. فهم أوروبيون ينحدرون من جنس أبيض متفوق على بقية الأجناس ينبغي الحفاظ على نقاوته وحمايته من الاختلاط بالأجناس الأخرى. ويتجلى ذلك في السياسات العنصرية التي رفعتها وعملت بها جميع التنظيمات والأحزاب اليمينية المتطرفة والفاشية والنازية الجديدة التي تشكلت عبر تاريخ الولايات المتحدة الحديث وقبل بدء الحرب الأهلية بكثير، وابتداءً من القرن الثامن عشر ومروراً بالتاسع عشر والعشرين والوقت الحاضر. وهي إشكالية لم تستطع نسبة مهمة من الشعب الأمريكي من ذوي البشرة البيضاء التخلص منها حتى الآن، بل لدى نسبة مهمة منهم ما تزال عميقة وتدفع بهم إلى سلوك طريق العنف لتنقية أمريكا من بقية الأجناس. ويمكن أن يرى المتتبع وجوداً لها في الجناح اليميني الشعبوي في الحزب الجمهوري، وربما بعض الديمقراطيين أيضاً.

ب. البعد القومي، حيث يتبنى كثير من الأمريكيين رؤية قومية يمينية شوفينية بأنهم يشكلون قومية متميزة عن بقية القوميات وأن لها ثقافتها التي تتفوق على بقية الثقافات والتي يفترض الحفاظ عليها من قوميات وثقافات أخرى، وهي في الغالب الأعم تمس البيض ولا تشمل السود أو غيرهم، رغم قناعة الآخرين بأنهم جزء من هذه القومية الأمريكية. والبيض يسلخون الهنود الحمر والسود وغيرهم من هذه القومية، رغم كل الحديث عن الاندماج أو الانصهار في بودقة الرؤية الأمريكية للفرد والمجتمع. ومن يتتبع الأصول التي انحدر منها البيض، فسيجد إنها حصلت بين القرنين السابع عشر والتاسع وفي الغالب الأعم من إسبانيا والبرتغال وهولندا وبريطانيا وألمانيا، وكانت كلها امبراطوريات استعمارية.

ج. البعد الديني، حيث تشير المعلومات المتوفرة إلى أن الغالبية العظمى من المهاجرين إلى أمريكا كانوا من فلاحي الريف الأوروبي ومن العاطلين عن العمل والمغامرين والباحثين عن الذهب والغنى، إضافة إلى جمهرة من المبشرين بالدين المسيحي ومن مختلف الطوائف. وقد احتل الدين موقعاً كبيراً في نفوس هؤلاء الناس والسعي لنشره والتمسك به والحفاظ على طقوسه والتقاليد الأوروبية التي جاءوا بها. وكان الأوائل منهم ضد اليهود، باعتبارهم خونة المسيح التي لعبت دوراً كبيراً وعنصرياً دموياً ضد اليهود في العالم ولاسيما في فترة النازية في المانيا وعموم أوروبا. وقد وجهت الكنيسة الكاثوليكية في القرن العشرين اعتذارًا عن مآسي اليهود التي حصلت بسببها أو "بسبب تقصيرها في حمايتهم"، ثم تكاثرت التصريحات، على سبيل المثال تصريح يوحنا بولس الثاني عام 1986، الذي يعتبر جزءًا من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: "بالنسبة إلينا، ليست الديانة اليهودية ديانة خارجية، بل إنها تنتمي إلى قلب ديانتنا، وعلاقتنا بالديانة اليهودية مختلفة عن علاقتنا بأي دين آخر. أنتم إخوتنا الأحباء ونستطيع القول ما معناه، أنتم إخوتنا الكبار".[19]. إلا إن هذه الظاهرة لدى أجزاء من القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة ما تزال فاعلة ومؤثرة. وقد أضيف إلى البعد الديني الكراهية المتفاقمة ضد المسلمين لدى هذه القوى لاسيما في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 والعمليات الإرهابية التي تنظمها القوى الإسلامية السياسية المتطرفة والإرهابية في الدول الأوروبية والدول ذات الأكثرية المسلمة. ولا شك في أن نظرية العالم الأمريكية صموئيل هنتنكتون في صراع الحضارات والثقافات والديانات التي بدأها في أوائل العقد الأخير من القرن العشرين قد عمقت روح الرفض والعداء والكراهية لدى المسيحيين المتشددين إزاء الإسلام والمسلمين والمسلمات والحجاب والنقاب.. إلخ. (راجع الملحق رقم 1).



2) الروح المحافِظة Conservative spirit
إن التأثير الكبير الناشئ عن مفهوم الهوية المركب ودورها لدى الغالبية العظمى من الأمريكيين، لاسيما البيض، وبأثير انحدار الغالبية العظمى من الأمريكيين من الريف الأوروبي والفقراء والمعدمين والعاطلين عن العمل والمغامرين المتمسكين بالتقاليد الريفية والفلاحين، لاسيما الدين، ثم تطور البلاد صوب الرأسمالية في أعقاب إعلان الاستقلال عام 1776 ونشوء الحزب الجمهوري الديمقراطي عام 1792 باعتباره حزباً يمينياً محافظاً ومؤيداً لنظام العبودية في الولايات الجنوبية بشكل خاص. وفي تلك الفترة برزت وبمرور الوقت إلى سطح الأحداث صورة ألـ "أنا" الأمريكية المحافظة التي التصقت في البيض من السكان، في حين كان الهنود الحمر مبعدين عن الحياة العامة ومعرضين للإبادة التدريجية، كما كان السود المستوردين من أفريقيا قد تحولوا إلى عبيد في مزارع البيض المهاجرين إلى أمريكا. وهنا نشأت صورة الـ "آخر" المستعبد والأقل قيمة والأدنى ذكاً ومستوى...الخ من الصورة النمطية للـ "أنا" والـ "آخر" في مفهوم العنصرية المقيت. وبعد انشقاق هذا الحزب إلى حزبين جمهوري وديمقراطي كان الأول إلى جانب الخلاص من العبودية في حين التصق الثاني في الجنوب وعمل لحماية نظام العبيد. وقد تأسس الحزب الديمقراطي في عام 1828، وبعد عقدين من السنين تأسس الحزب الجمهوري الجديد (GOP) في عام 1854 باعتباره انشقاً عن الأول ورفضاً لسياساته اليمينية المتطرفة. وقد تجلت سياسات هذين الحزبين في الحرب الأهلية في الموقف من تحرير العبيد وفي إقامة الدولة الاتحادية الأمريكية، إذ وقف الحزب الجمهوري برئاسة إبراهام لنكولن إلى جانب تحرير العبيد وإقامة الولايات المتحدة، في حين وقف الحزب الجمهوري إلى جانب الفدراليات الجنوبية التي رفضت تحرر العبيد، فكانت الحرب الأهلية التي استمرت طيلة الفترة 1861-1865. وكانت كلفة الحرب باهظة بشريا ومادياً وتخريباً. إلا إن مواقف هذين الحزبين قد تبدلا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ تحول الجمهوري إلى حزب يميني محافظ، وأصبح الحزب الثاني في ظل رئيس الحزب ودروو ويلسون (1826-1924) الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة في الفترة بين 1913-1921، صاحب المبادئ الأربعة عشرة المعروفة باسمه التي طرحها في أعقاب الحرب العالمية الأولى بشأن المستعمرات التي كانت تحت السيطرة العثمانية وفي العلاقات الدولية،[20] ومن ثم عهد فرانكلن روزفلت (1882-1945) حزباً لبرالياً.[21] ولا يزال وضع الحزبين على هذه الحالة والتي لا تعني إن الحزب الديمقراطي ليس فيه ما يكفي من المحافظين الجدد واللبراليين الجدد، وفي الحزب الآخر بعض اللبراليين، ولكن الوجهة العامة للحزبين واضحة في قوى المحافظة واليمينية وقوى من اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري، واللبرالية والنيولبرالية في الحزب الديمقراطي.

رغم سيادة النظام الرأسمالي والتطور الصناعي ومنجزات الثورة العلمية والتقنية وثورة المعلومات، فأن نسبة عالية من المجتمع الأمريكي بحكم تمسكها بالهويتين القومية والدينية وهوس الرؤية الأمريكية لدى الفرد لذاته، تتمسك بالتقاليد والعادات والقيم الدينية وطقوسها والشك بالجديد والحداثة. ويمكن أن نجد ذلك في الصراع المستمر بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، فأن الأول يميل إلى اللبرالية، في حين ينزع الحزب الجمهوري إلى روح المحافظة والتشدد بالقيم والعادات والتقاليد الموروثة والتراث وتمجيده دون تمييز، ومنها الموقف من الدين والمرأة والإجهاض وإزاء الديانات الأخرى وأتباعها...الخ. ويمكن أن يؤشر المتتبع فترة وصول رونالد ريگن إلى رئاسة الجمهورية إلى انتصار كبير لما يطلق عليهم بالمحافظين الجدد الذين يحملون أيديولوجية محافظة جديدة موجهة بقوة صوب اللبرالية الجديدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وفي السياسة الخارجية والعلاقات الدولية المتطرفة.[22] ويمكن متابعة بعض الفوارق في الموقف من العرب والإسلام في مواقف قوى الحزبين أيضاً في غير صالح العرب والمسلمين لدى الحزب الجمهوري، ومنه دونالد ترامب، ولهما مواقف مشتركة إزاء القضية الفلسطينية وإسرائيل. وتزداد روح المحافظة لدى كثير من السكان عند الأزمات والكوارث الطبيعية أو الحروب. ومن المعروف عالمياً أن صعوبات جمة وعراقيل كثيرة وفترات زمنية طويلة تواجه عمليات تغيير التقاليد والعادات والقيم والطقوس والشعائر والمذاهب الدينية لدى الفرد أو الجماعة أو المجتمعات، أو حتى في تقبل الآخر. إذ إن رؤية الـ "أنا" لدى المحافظ في مقابل ألـ "آخر" أقوى بكثير من اللبرالي الديمقراطي أو التقدمي. وهنا يمكن الإشارة إلى استثمار قوى اليمين واليمين المتطرف روح المحافظة والقبول المديد بالرأسمالية إن جمهرة واسعة تقف ضد الجديد وضد الاشتراكية. وفي الدعاية الأخيرة في التنافس بين السناتور الأمريكي بيرني ساندرز وبين جو بايدن وبقية المرشحين الديمقراطيين، سعى أتباع دونالد ترامب في إعلامهم إلى القول بأن ساندرز اشتراكي من باب التحريض ضده والإساءة له أمام الناخبين والناخبات وإبعادهم عن تأييده. ويمكن في هذا الصدد إيراد شخصية يمينية محافظة جديدة ومتطرفة يمثل الوجهة المتزايدة في التطرف لدى الحزب الجمهوري وكثير من القوى اليمنية المتطرفة والنازية الجديدة، وأعني به ستيفان بانون. إذا كان اليمين المحافظ يستمدون نهجهم الفكر والسياسي من الفكر المثالي التي بشر بها أفلاطون وكون التقاليد والعادات والقيم والدين تتميز بالأبدية والأزلية والنهائية، فأن بانون يعتمد "على فلسفة إدموند بورك، المفكر السياسي المؤثر في القرن الثامن عشر، والذي يستشهد به أحيانًا. في تأملاته حول الثورة الفرنسية، يجادل بورك بأن المجتمع الناجح لا ينبغي أن يستند إلى أفكار مجردة حول حقوق الإنسان أو العدالة الاجتماعية أو المساواة. وبدلاً عن ذلك، فأن المجتمعات كانت تعمل بشكل أفضل عندما تنتقل التقاليد التي أثبتت نفسها من جيل إلى جيل"، ومن هذا المنطلق الفكري اليميني المحافظ يؤكد بانون بأن فلسفته السياسية تستند بشكل أساسي على ثلاثة أشياء تحتاجها الدول، وأمريكا على وجه الخصوص، لتحقيق النجاح: الرأسمالية والقومية و "القيم اليهودية -المسيحية". هكذا يخضع بانون هذه الدولة الأمريكية التي تعتمد مبدأ الفصل بين الدين والدولة نظرياً إلى الالتفاف عليها من خلال الربط العضوي بين الهويتين الدينية اليهودية-المسيحية والقومية بالرأسمالية، والتي تقود البلاد بالضرورة إلى مجتمع التسلط والوجهة الواحدة وغياب التعددية الديمقراطية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن السلفيين والمتطرفين المسلمين يلتقون مع السلفيين أو الأصوليين المسيحيين أو اليهود في الرؤية الأبدية والأزلية والنهائية لدين كل منهم، أي لما ورد في التوراة والإنجيل والقرآن. ومن هنا تظهر تطرفهم في رفضهم الحداثة والتقدم والتفاعل الحضاري بين المجتمعات البشرية، والعودة إلى صراع الحضارات والديانات والمذاهب بين اتباع الديانات والمذاهب.


إن التفاعل بين هذه الرؤية الذاتية والتصرف العام أوجد لدى جمهرة من المفكرين اليمينيين المتطرفين والقادة السياسيين رؤية مريضة متداخلة بين الواقع المحافظ والمتطرف في رؤية الذات ودورها في العالم من جهة، والمخيال الخرافي والأسطوري المستند إلى الإنجيل وما فيه من حديث عن يأجوج ومأجوج وارد في "سفر حسقيال 38" الإنجيل من جهة ثانية. ويمكن أن يرد هنا موقف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش (الابن) كنموذج للرجل المحافظ والقومي اليميني والمتشدد بالتمسك بالدين الذي من واجبه أن ينشر ويدافع عن اليهودية-المسيحية، الذي يرى من واجبه نشر المسيحية والحرية والحياة على الطراز الأمريكي إلى جميع أنحاء العالم، كما يؤمن بالخرافات والأساطير البالية، ومنها إيمانه بمسألة جيوش ياجوج ومأجوج حين غزا العراق ليدافع عن إسرائيل!، والتي كانت محاولة للتستر على الأهداف الحقيقية والأساسية للولايات المتحدة وراء غزو العراق عام 2003 وفي الشرق الأوسط عموماً ومحاولة تلقين الشعوب درساً في القدرة الأمريكية على خوض الحروب والانتصار فيها لتحقيق إرادتها ومصالحها![23] (راجع الملحق رقم 2).

من هنا تنشأ مخاطر جدية على إرادة ومصالح الشعوب وجريتها والحياة الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة حين يتطور التعاون بين القوى اليمينية المتطرفة والنازيين الجدد في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وعموم أوروبا ويمتد ليشمل دولاً أخرى مثل استراليا وكندا ونيوزيلندا والهند وغيرها من البلدان. إن المعلومات التي تنشرها الصحافة العالمية تشير إلى تنفيذ عدد غير قليل من الهجمات الإرهابية لليمينيين المتطرفين والنازيين الجدد والمتعصبين في الولايات المتحدة أدت إلى قتل وجرح المئات المواطنين والمواطنات في السنوات الأخيرة في بلد يسمح لكل فرد فيه اقتناء السلاح الذي يرغب فيه والكمية التي يرغب في الحصول عليها وكذلك العتاد، بما فيها الأسلحة التقليدية الحديثة والأوتوماتيكية. ولم تنفع حملات جزء مهم من الشعب الأمريكي لمنع حرية بيع وحمل السلاح، إذ اصطدمت بإرادة النواب الجمهوريين المحافظين والقوميين اليمنيين والمتطرفين منهم على وجه الخصوص.





رابعاً: حاجة المانيا للأيدي العاملة الأجنبية




إن المتتبع لسياسات ومواقف جميع القوى والأحزاب السياسية في المانيا يدرك، بما لا يقبل الشك، بأنه تعلم علم يقين حاجة الاقتصاد والمجتمع الماسة في ألمانيا للمزيد من القوى العاملة الشابة الأجنبية سنويا التي في مقدورها المساهمة في تطوير وتنمية الاقتصاد الألماني وفي استمرار ازدهاره أولاً، وفي إنعاش وتجديد شبابية الهرم السكاني ثانياً. أي إن هناك حاجةً كبيرة إلى الأيدي العاملة الأجنبية تنشأ من عدة جوانب، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أ‌) فالهرم السكاني في ألمانيا يشير إلى ثلاث حقائق مهمة: ** قلة الولادات الجديدة، ** وكثرة السكان ممن تزيد أعمارهم على الـستين عاماً، ** وقلة النسبة التي تدخل في خانة القوى العاملة السنوية. وهذا يعني إنها بحاجة ماسة إلى شبيبة من الدول الأجنبية التي تساهم في تحسين الهرم السكاني من خلال الزواج والإنجاب لتحقيق الزيادة السنوية المنشودة في الولادات الجديدة، وزيادة عدد العاملين من الشبيبة في حقوق الاقتصاد المختلفة، كما تحتاج إلى مزيد من القوى العاملة العلمية والفنية والمهنية، إذ يبرز في ألمانيا نقص سنوي كبير في توفير الأيدي العاملة المهنية، مما يفرض عليها استيراد المزيد من الأيدي العاملة.

ب‌) هناك مجموعة من النشاطات الاقتصادية التي لا يمارسها الألمان، وبالتالي فالاقتصاد الألماني في مجال الخدمات بشكل خاص والخدمات الإنتاجية بحاجة ماسة إلى أيدي عاملة ماهرة قادرة ومستعدة للعمل في هذه القطاعات الاقتصادية، وهي الأيدي العاملة القادمة من الدول الأخرى، سواء أكانت من دول أوروبا الشرقية أم من الدول الأخرى كشمال أفريقيا أو دول الشرق الأوسط، ومنها الدول العربية. فعلى سبيل المثال لا الحصر يشير أحد التقارير المهمة إلى الموقف التالي: إن ".. القطاعات الخدمية بحاجة إلى أكثر من 150 ألف موظف سنوياً في مجالات الصحة وتقنية المعلومات والتجارة والتعليم وغيرها. وينبغي استقدام قسم كبير من الخارج لعدم توفرهم في ألمانيا“[24].

ت‌) كما إن القوى العاملة الشابة القادمة من الدول الأخرى تساهم في النشاط الاقتصادي وتدفع الضرائب والضمان الصحي، في حين استخدامها للضمان الصحي في البداية قليل نسبياً، بما لا يكلف الاقتصاد الألماني مبالغ طائلة ويخفف من أعباء الضمان الصحي والتقاعد، إضافة إلى كونهم يساهمون في إنتاج وإغناء الدخل القومي الألماني.

تشير الإحصائيات الرسمية المتوفرة إلى إن عدد سكان ألمانيا بلغ 83,783,942 نسمة في عام (2020)، منهم11 مليون نسمة ممن يعتبرون من الأجانب، أي بنسبة قدرها 13,1% من مجموع السكان. وتشير إحصاءات أخرى إلى أن عدد السكان من خلفيات مهاجرة وصل في العام 2019 إلى رقم قياسي إذ بلغ 20,8 مليون نسمة، أو ما يعادل 25,8% من مجموع السكان. أي أن ربع سكان ألمانيا من أصول مهاجرة (نحو 21 مليوناً) نصفهم ذوو جنسية ألمانية، أي بزيادة قدرها 2,5% بالمقارنة مع عام 2018. وجدير بالإشارة إلى أن 52% من هؤلاء يحملون الجنسية الألمانية.[25] يبلغ عدد المسلمين في ألمانيا في عام 2019 حوالي 5 مليون نسمة، أي ما نسبته 6,1% من مجموع السكان لنفس العام. ويشكل الأتراك والكرد القادمون من تركيا بحدود 3 مليون نسمة، أو ما يعادل 60% من مجموع المسلمين في المانيا، أو ما يعادل 27% من مجموع الأجانب في العام ذاته. أما نسبة المسلمين إلى مجموع الأجانب في ألمانيا فقد بلغت 45% في عام 2019.

من هنا يتبين إن عدد الأجانب المسلمين لا يشكلون خطراً على الثقافة والمجتمع الألماني ولا على الاقتصاد الألماني، بل كل الدلائل تشير إلى الحاجة المستمرة للأيدي العاملة الأجنبية، لاسيما الماهرة والفنية والعلمية منها. والسؤال المهم لماذا إذن هذا التصعيد المتفاقم المعادي للأجانب وللمسلمين بشكل خاص؟ الإجابة عن هذا السؤال سترد في الفقرة اللاحقة.




خامساً: العوامل الملموسة وراء النهوض الجديد لليمين المتطرف والنازية الجديدة في أوروبا، ألمانيا نموذجاً

أشارت الفقرة الأولى من هذه الدراسة إلى العوامل العامة التي ساهمت في الصعود الجديد لقوى اليمين المتطرف والجماعات النازية الجديدة، لذا ستركز هذه الفقرة على العوامل الملموسة التي أدت إلى هذا الصعود في ألمانيا، والتي تتماثل في أغلبها مع بقية دول الاتحاد الأوروبي. وإذ كانت الوجهة اليمينية العامة ونشاطات اليمين المتطرف قد برزت في ألمانيا الاتحادية منذ أوائل العقد التاسع من القرن العشرين بشكل ملموس، فأن هذه الوجهة قد تفاقمت في الفترة التي أعقبت انهيار جمهورية المانيا الديمقراطية وقيام الوحدة الألمانية، واقترنت بالعوامل المباشرة التالية:

** انتهاج الدولة الألمانية الاتحادية سياسة اقتصادية نيولبرالية متشددة، رغم الحديث عن سياسة اقتصاد الدولة الاجتماعي، وبدأت، ومعها الاحتكارات الرأسمالية الكبرى، ترفض المساومة مع الطبقة العاملة وتحاول انتزاع تلك المكاسب الاقتصادية والاجتماعية المهمة التي تحققت لعموم شغيلة ألمانيا في فترة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي. وكتبت مجموعة من الكتاب الديمقراطيين عن التناقض بين الواقع القائم والادعاء بممارسة الاقتصاد الحر الاجتماعي، وأن الدولة تمارس بإصرار نهج النيولبرالية، التي تعمق التناقضات الاجتماعية وتزيد من غنى الرأسماليين الأغنياء وتوسع الفجوة بين مستوى الدخول والحياة المعيشية وتزيد من عدد الفقراء ومن سوء أوضاعهم المالية والاجتماعية.

** تنامي البطالة، لاسيما في القسم الشرقي من المانيا، وارتفاع ملموس في عدد العاطلين عن العمل وإحالة كثيرين على التقاعد قبل بلوغ سن التقاعد بسنوات. وقد تراجع عدد العاطلين عن العمل في السنوات الأخيرة بسبب تغيير في احتساب العاطلين ومتسلمي المساعدة المالية ممن هم في حالة بطالة فعلية ولكنهم لا يحسبون ضمن البطالة والتي بدأت مع تطبيق أجند 2010 في فترة المستشار الألماني گيرهارد شرودر، رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي حينذاك (SPD). فقد بلغ عدد العاطلين في ألمانيا الشرقية 543,662 نسمة في عام 2019 من مجموع سكان شرق ألمانيا البالغ عددهم 12,6 مليون تقريباً، أي بنسبة 4,3%، في مقابل 1.723.061 شخصاً في غرب ألمانيا الى من مجموع 70.5 مليون نسمة تقريباً، أو ما يعادل 2,4% من مجموع سكان غرب المانيا فقط، أي نسبة البطالة في شرق ألمانيا عالية حقاً بالقياس إلى غربها.[26]

** اتساع فجوة الدخل السنوي بين الفئات الفقيرة والكادحة والتي تعتمد على المساعدة الاجتماعية وبين الفئات الغنية والأكثر غنى، وتزايد عدد أصحاب المليارات والملايين من اليوروات. في الوقت الذي بلغ عدد أصحاب المليارات في ألمانيا ما يقارب الـ 195 ملياردير، وفقاً لمجلة ( بلانتس بزنس) الألمانية، (قارن: DW من هم أثرى أثرياء ألمانيا؟ بتاريخ 22/09/2019). وبلغ عدد أصحاب الملايين في العام ذاته 1،35 مليون شخص، أي بحدود 1،6% من السكان تقريباً. (موقع الشرق الأوسط، العدد [14833] بتاريخ 909/07/2019)، في حين بلغ عدد الفقراء في العام ذاته 15 مليون إنسان، أو ما يقرب من 18% من مجموع سكان ألمانيا. (راجع: موقع DW، بتاريخ 30/10/2019). أما عدد الفقراء الأطفال فقد بلغ 2،7 مليون شخص تقل أعمارهم عن 18 سنة، (موقع قناة ZDFبتاريخ 03.07.2019)، في حين قدرت المنظمة المسؤولة عن رعاية الأطفال عدد الفقراء الأطفال 4،4 مليون طفل.[27]

** تراجع في مستوى الخدمات الاجتماعية وتقليص نوعية وحجم المكاسب التي تحققت للشغيلة في فترة الصراع بين الشرق والغرب، مما نشر البرودة المتزايدة في الحياة والعلاقات الاجتماعية.

** استمرار الهجرة الأجنبية إلى ألمانيا والتي كانت تثير جمهرة القوميين اليمينيين والنازيين الجدد وتستثمر منهم للدفع باتجاه الكراهية للأجانب وتعبئة الرأي العام ضدهم. وإذ ارتفع عدد المهاجرين في العام 2015 وتسبب في إشكاليات كبير لمستشارة المانيا الاتحادية الدكتورة أنجيلا ميركل التي فتحت ذراعيها لاستقبال من حجز بصورة غير إنسانية على الحدود النمساوية المجرية، فأن عدد طالبي اللجوء قد تراجع كثيراً في السنوات الأخيرة بالمقارنة مع عام 2015/2016. فأحد التقارير يؤكد: "بعد موجة اللجوء المليونية التي شهدتها ألمانيا ووصول عدد طلبات اللجوء إلى ذروتها عام 2016، انخفض عدد الطلبات العام الماضي 2019 إلى أدنى مستوياته وهو في تراجع مستمر منذ ذلك الحين. وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية في 08 كانون الثاني/ يناير 2010 تراجع عدد طلبات اللجوء في ألمانيا العام الماضي إلى 142509 طلب لجوء، وأوضحت أن عدد الأشخاص الذين قدموا طلبات لجوء للمرة الأولى في ألمانيا، تراجع مجددا في عام 2019 بإجمالي 20 ألف شخص تقريبا."[28] ولا بد من الإشارة إلى أن الفارق بين تقديم الطلبات وقبول الطلبات كبير جداً، إذ غالباً ما تُرفض نسبة عالية من تلك الطلبات سنوياً. فقد "كشف مكتب الإحصاء الاتحادي في ألمانيا أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء بلغ حتى نهاية عام 2018 نحو 1.8 مليون شخص، منهم 1.3 مليون حاصلون على حق الإقامة، غالبيتهم سوريون (526 ألف) وعراقيون (138 ألف) وأفغان (131 ألف).[29]

** جعل الموقف من اللجوء السياسي وضد الهجرة واحداً من أكثر الشعارات الشعبوية السلبية التي استخدمت من قبل الأحزاب السياسية الألمانية، لاسيما الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي وحزب الأحرار الديمقراطي والأحزاب اليمينية المتطرفة الصغيرة، وإلى حد ما الحزب الديمقراطي الاجتماعي، في حملاتها ودعاياتها الانتخابية، في حين رفض حزبا الخضر واليسار هذا الموقف الشعبوي من الهجرة واللجوء. وكانت بعض تلك البرامج تتضمن صراحة سياسات تؤكد رفض الهجرة الأجنبية والإشارة إلى المخاطر الناشئة عن وجودهم أو استقبال المهاجرين الجدد على توفير فرص عمل للعاطلين الألمان أو الحصول على سكن وارتفاع الإيجارات، والتأثير على مستوى الأجور والضمان الصحي من جهة، وعلى نقاوة الثقافة الألمانية القائدة من جهة أخرى. وقد حققت الأحزاب التي حملت شعارات مناهضة للهجرة ورفض قبول لاجئين جدد نجاحات ملموسة في نتائج الانتخابات البرلمانية المحلية والبرلمان الاتحادي.

** حققت تلك الحملات في عام 1992 نجاحاً أولياً لقوى اليمين واليمين المتطرف والنازيين الجديد حين تمكنت من فرض إجراء إضافات على المادة (16 أ) الخاصة باللجوء السياسي حيث حوفظ على نص المادة، ولكن أضيف إليها خمس فقرات، جعلت من إمكانية الحصول على حق اللجوء السياسي غاية في التعقيد. فقد أكدت المادة المذكورة بشكل مطلق على ما يلي "يحظى المُلاحقون سياسياً بحق اللجوء". في حين وضعت على هذا النص غير المحدد خمسة قيود بحيث أصبح من الصعوبة بمكان لطالبي اللجوء السياسي الوصول إلى ألمانيا، وأن وصلوا عبر دولة ثالثة فسيرفضون...الخ.[30] كما وضعت تعليمات أخرى للجهات المسؤولة عن اللجوء ساهمت في التشديد على ولوج ألمانيا. وهي استجابة فعلية للضغوط الدعائية التي مارستها قوى اليمين واليمين المتطرف والنازيين الجدد على الأحزاب والنخب الحاكمة.

** ويهمنا أن نشير هنا بموضوعية بأن جمهرة من المسلمين الذكور بشكل خاص تلعب دوراً إضافية في مساعدة قوى اليمين عموماً واليمين المتطرف والنازيين الجدد في عموم أوروبا، حين تتحدث عن أسلمة أوروبا والدعوة للخلافة الإسلامية ونشر التطرف في المساجد والدعاية ضد الكفر والكفار في أوروبا، أي ضد الدين المسيحي لأبناء وبنات البلدان المضيفة، إضافة إلى سفر جمهرة كبيرة من المسلمين المتطرفين إلى سوريا والعراق للمشاركة مع قوى القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في القتل ووحشية التعامل مع شعوب تلك المنطقة والقوميات فيها، كما حصل في احتلال محافظة نينوى في العراق والمآسي والإبادة الجماعية التي تعرض لها المواطنون والمواطنات من الإيزيديين والاستباحة والاغتصاب والأسر والبيع بالمزاد الإسلامي للنساء الإيزيديات، وكذلك ما حصل للمسيحيين أو للتركمان والشبك الشيعة. وهذه الجمهرة الضالة لا تمثل الجماهير المسلمة الواسعة في ألمانيا، بل قلة قليلة ولكنها مسيئة للأكثرية وللعلاقة بين البشر.


سادساً: من هي القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة في ألمانيا




إن وجود قوى اليمين المتطرف والنازيين الجدد في المانيا ليس بجديد، بل الجديد هو هذا الصعود المتنامي لهذه القوى منذ تسعينيات القرن الماضي حيث وصلت ذروته في سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. إن دلائل كثيرة تشير إلى احتمال زيادة عدد المنخرطين والداعمين والمؤيدين والمنتخبين لهذا التيار الفكري اليميني المتطرف بمختلف أطيافه بما فيه النازي الجديد في الفترة القادمة، واتساع فعالياته المناهضة للدستور الألماني والنظام السياسي القائم والدولة الألمانية الدستورية والحياة الديمقراطية والعيش المشترك بين الألمان الأصليين ومن أصول أجنبية أو بينهم وبين المهاجرين واللاجئين الجدد، ما لم تتخذ الدولة الألمانية بسلطاتها الثلاث سياسات جديدة وإجراءات فاعلة ومؤثرة في مجالات الفكر والاقتصاد والحياة الاجتماعية والقوات المسلحة وأجهزة الشرطة والمخابرات والقضاء.

إن المعلومات المتوفرة تشير إلى بروز ملموس وفعال لقوى اليمين المتطرف والنازيين الجدد منذ ستينيات القرن العشرين والتي كانت تعمل تحت واجهات حزبية ذات وجهة قومية وتسميات ديمقراطية. وكان عدد المعلن عنهم قليل، ولكن عدد من كان كامناً (latent) أو متستراً منهم أكبر بكثير من المعروف منهم (manifest). إذ أن مخاطر الأفكار الكامنة في الإنسان تلعب دوراً أخطر بكثير أحياناً كثيرة في مجال العداء للأجانب أو ضد السامية.[31]

في عام 1964 تأسس الحزب الديمقراطي القومي الألماني (NPD)، ولا يزال قائماً حتى الآن. وخلال الفترة التي أعقبت التأسيس استطاع هذا الحزب أن ينجح في عقد السبعينيات من القرن الماضي في الوصول إلى سبعة برلمانات محلية وبـ 61 مندوباً موزعاً عليها. وفي عام 1969 لم يحصل على النسبة 5% كحد أدنى للدخول في البرلمان الاتحادي، إذ حصل على 4،3% من أصوات الناخبين فقط. وقد استفاد في هذه الفترة من الأزمة الاقتصادية ومن البطالة التي اتسعت في حينها. وفي السبعينيات من القرن الماضي برزت مجموعة من التنظيمات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة والجماعات الإرهابية، وبشكل خاص نشير هنا أربع تنظيمات هي: جبهة العمل الاشتراكية الوطنية (ANS) والحركة الاشتراكية الشعبية الألمانية (VSBD) وجماعة العمل الألمانية (DAK)، جماعة هوفمان العسكرية (WSG). وفي عام 1971 نشأ تحالف يميني متطرف بين هذه القوى باسم اتحاد الشعب الألماني (DVU).[32] ومع إن الأرقام الرسمية التي نشرتها الجهات المسؤولة تشير إلى تراجع بين 1967 و1979 من 39000 ألف شخص منظم إلى 17000 شخص منظم، فأن الوقائع على أرض الواقع كانت تشير إلى غير ذلك.

في ثمانينيات القرن الماضي اتجهت سياسات الأحزاب الأربعة التي كانت تتناوب الحكم بتحالفات متنوعة، وهي الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي وحزب الديمقراطيين الأحرار والحزب الديمقراطي الاجتماعي، بممارسة نهج اللبرالية الجديدة والتي اقترنت بمنجزات الثورة العلمية والتقنية وقادت إلى مزيد من البطالة والمشكلات الاجتماعية، مما ساعد على نمو ملموس لليمين عموما في سياسات تلك الأحزاب واليمين المتطرف والنازيين الجدد في عموم ألمانيا, وتشكل في عام 1983 الحزب الجمهوري، وهو حزب يميني متطرف، استطاع الوصول إلى برلمان برلين الغربية بحصوله على 7،5 % من أصوات الناخبين في عام 1989، وبلغت عضويته 50000 شخص منظم.[33]

في عام 1990/1991 حصلت الوحدة الألمانية والتي اعتبرتها جماعات غير قليلة من المانيا الديمقراطية بمثابة مصادرة لها ولاقتصادها لصالح ألمانيا الاتحادية. وبسبب انهيار المنشآت الاقتصادية فيها أو تعطيلها أو الحصول عليها بأسعار بخسة من جاني الصناعيين في ألمانيا الاتحادية وتعطيلها أو دمجها بمصانعهم لإبعاد منافستها لسلعهم، برزت مشكلات كبيرة في مجتمع شرق المانيا، لاسيما البطالة والتمايز في الأجور والرواتب التقاعدية والوظائف التي نمت مع الوقت بدلاً من أن تعالج، مما تسببت في نشوء جماعات يمينية متطرفة جديدة ونازية جديدة أو امتداد التي كانت في غرب ألمانيا إلى شرقها، وإلى بروز استعداد كبير لممارسة العنف بشكل غير مسبوق. وبرزت في هذا الفترة ثلاثة أحزاب يمينية متطرفة هي الحزب الديمقراطي القومي، والحزب الجمهوري، واتحاد الشعب الألماني، التي حققت نتائج ملموسة في ولوج البرلمانات المحلية وازداد عدد المؤيدين لها من المصوتين، لاسيما في شرق ألمانيا. وخلال هذه الفترة نشأت مجموعات صغيرة من النازيين الجدد وبأسماء مختلفة وبصورة سرية تعمل في محيط قوى اليمين المتطرفة والتي وجدت مجالات لعملها ونفوذا ملموساً ومؤثراً في شرق ألمانيا.

في أجواء اليمين المتطرف والجماعات النازية الجديدة برزت جماعة سرية جديدة في عام 1998 باسم الاشتراكي الوطني السري (NSU). وهي خلية سرية مكونة من رجلين وامرأة، ولها صلات واسعة بقوى النازية الجديدة واليمين المتطرف، والذين يتراوح عددهم بين 100-200 شخص. بدأت هذه الخلية النازية الإرهابية نشاطها الفعلي في عام 1999 واستمر حتى عام 2007، حيث نفذت مجموعة من العمليات الإرهابية بضمنها 43 محاولة اغتيال، وإشعال ثلاث حرائق في بيوت للاجئين، و15 سطو، إضافة إلى قتل عشرة أشخاص، ثمانية منهم من المهاجرين من تركيا وواحد من اليونان وشرطية ألمانية واحدة خلال الفترة الواقعة بين 2000-2007. وفي عام 2011 انتحر الرجلان الإرهابيان Uwe Böhnhardt und Uwe Mundlos، وتم اعتقال المرأة الإرهابية Beate Zschäpe التي قًدمت إلى المحاكمة وحكم عليها بالسجن المؤبد، كما حُكم على بعض المتعاونين معهم بأحكام مختلفة. [34]تشير المعلومات المتوفرة إلى أن الأجواء اليمينية العامة في المانيا والمشكلات الاقتصادية، وتفاقم التمايز الطبقي بين الفئات الأكثر غنى والفئات الأكثر فقراً في المجتمع، وغياب عدالة توزيع الثروة واستخدامها، والأزمات التي مرّ بها الاقتصاد الألماني في فترات مختلفة لاسيما أزمة البنوك والمالية عموماً في عام 2008 وبروز البطالة المستمرة، لاسيما في شرق ألمانيا، والأجواء العامة في سياسات الأحزاب الحاكمة إزاء الأجانب في دعاياتهم الانتخابية ...الخ، ساهمت هي وغيرها في تنامي قوى اليمين المتطرف والنازيين الجدد من حيث العدد والتنظيم والدعاية والجماهيرية. فعلى مدى الفترة الواقعة بين 2000 و2020 شهدت ألمانيا وجوداً مستمراً ومتطوراً لليمين المتطرف والنازيين الجدد والجماعات التي تمارس الإرهاب ضد الأجانب أولاً، وضد اليهود ثانياً، وضد قوى الأحزاب السياسية الحاكمة والقوى الديمقراطية ثالثاً. فعلى الساحة السياسية الألمانية يواجه الشعب الألماني في المرحلة الراهنة نشاطاً متسعاً للأحزاب اليمينية المتطرفة المتشابكة في الفكر والممارسة مع قوى النازية الجديدة. وهي مجازة رسمياً بسبب أن برامجها لا يشير صراحة إلى الفكر النازي الهتلري، ولكن يؤشر فكرها إلى التطرف في الصيغ المطروحة. من تلك الأحزاب نشير إلى:

1) الحزب الديمقراطي القومي (NPD)، 2) الحزب الجمهوري (REP)، 3) اتحاد الشعب الألماني (DVU)، 4) الطريق الثالث لألمانيا (III.WEG)، 5) حزب اليمين (Die Rechte), Reichburger (6

وبرزت في الفترة ذاتها أو استمرت في وجودها ونشاطها السابق مجموعات من النازيين الجدد المستعدة لممارسة الإرهاب السياسي والعنف ضد الأجانب والقوى الأخرى والتزام الأهداف التي نادى بها النازيون القدامى عفي ثمانياتلى وفق الظروف الجديدة. ونشير هنا إلى واقع وجود 115 منظمة مختلفة الأوزان من حيث العدد والقدرات وموزعة على جميع المدن الألمانية بنسب متفاوتة. صدرت ف فترات مختلفة قرارات بمنع ثمانية منها من العمل العلني، ولكن بعضها تعمل سراً، كما جرى حل تسع منظمات نازية ومتطرفة، مع إن بعضها لم ينقطع بهذه الطريقة أو تلك.

من بين أقدم المنظمات اليمينية المتطرفة العاملة في ألمانيا نشير إلى تلك التي أسست في عام 1953 تحت اسم منظمة "مواطنو الرايخ"، وهي ما تزال تعمل وذات عضوية واسعة. تشير المعلومات عن هذه المنظمة منذ تأسيسها إنها ترفض الاعتراف بجمهورية ألمانيا الاتحادية وتسعى إلى تصفيتها وترفض دفع الضريبة ولها هوية خاصة وجواز سفر خاص باسم مواطن الرايخ الألماني Reichsbürger Deutschaland. وأعضاء المنظمة يتسمون بالعنف عموماً في مواجهة أجهزة الأمن. فعلى سبيل المثال لا الحصر صوب أحد أعضاء المنظمة نار بندقيته في عام 2016 إلى موظف حكومي جاء لمطالبته بدفع الضريبة، احتجاجاً منه على تجاوزه محيط داره، الذي لا يعتبر ضمن حدود جمهورية ألمانيا الاتحادية، بل ضمن حدود الإمبراطورية الألمانية (Deutsches Reich) التي يؤمن بها ويعمل لأجلها. وهم بهذا يعلنون ويؤكدون إيمانهم والتزامهم بالإمبراطورية الألمانية أو الرايخ الألماني الذي ساد في ألمانيا بين عامي 1871-1945. وقد بلغ عدد أعضاء هذه المنظمة 19000 شخصاً حتى نهاية عام 2019، في حين كان في عام 2018 حوالي 18000 شخصاً. وأشار وزير داخلية محافظة راين لاند فالس وجود ما يقرب من 100000 مساند لهم.[35]

كما إن أعضاء هذه المنظمة يؤكدون التزامهم بالقانون الذي صدر عن الرايخستاغ (البرلمان) الألماني في عام 1935 باسم قانون "مواطن الرايخ". (راجع: الملحق رقم 3، القانون 1 والقانون رقم2)، والذي اعتمد في إصداره على القانون رقم 1 الذي صدر في نفس العام ومن نفس البرلمان تحت عنوان قانون الدم والشرف، وكلاهما يحدد من هو المواطن الألماني، حيث تتجسد فيهما الذهنية العنصرية بكل أبعادها ومناهضتها للسامية والالتزام بما يطلق عليه اسطورياً بـ "الجنس الآري".[36] يوجد في هذه المنظمة، على وفق على وفق تقارير المكتب الاتحادي لحماية الدستور، المخابرات الداخلية الألمانية، عدد يصل إلى 950 شخصاً يعتبرون من اليمينين المتطرفين المشخصين كمرشحين لممارسة العنف بينهم 470 من النشطين والإداريين الذين يحملون أسلحة مجازة رسمياً.[37]

وفي 19/03/2020 وتفتيش عدداً من بيوت قادة هذا التنظيم في عشرة محافظات من 16 محافظة ألمانية وحُرم ما لا يقل عن 790 من مواطني الرايخ من رخصة السلاح الخاصة بهم. وجاء في تقارير نشرتها العديد من الصحف الألمانية قرار المنع بالخبر التالي: "حظر وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر (CSU) مجموعة من المواطنين الرايخ في جميع أنحاء البلاد. وقام مسؤولو المصالح في ساعات الصباح الباكر ليوم الخميس 19/03/2020 بمباغتة وتفتيش دور الأعضاء القياديين لجمعية "شعوب وقبائل ألمانية موحدة" ومنظمتها الفرعية "معالم أوسنابروك" في عشر محافظات فيدرالية. وكتب المتحدث باسم الوزارة، ستيف ألتر، على خدمة الرسائل القصيرة على تويتر: "التطرف اليميني والعنصرية ومعاداة السامية يتم محاربتهم بلا هوادة حتى في أوقات الأزمات".[38]

تشير المعطيات المتوفرة إلى إن مجموعة كبيرة من هذه التنظيمات ذات طابع محلي وتعمل في المحافظات المختلفة، ولكن لها صلات متنوعة مع بعضها، كما أن لها علاقات مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وبريطانيا، ومع دول غربية أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا. وكان لبعضها، سواء أكان في ألمانيا أم فرنسا (لوپان) والنمسا (هایدر)، علاقات مع حزب البعث والحكومة العراقية في فترة حكم البعث الدكتاتوري والدكتاتور الشمولي صدام حسين ووقفوا إلى جانبه وأيدوا سياساته علناً.[39] وتشير الأوساط الرسمية إلى أن عدد الأشخاص المنتمين إلى قوى وأحزاب اليمين المتطرف والنازية الجديدة بلغ عام 2014 بحدود 21000 شخصاً منهم 10500 شخصاً كانوا على استعداد لممارسة العنف لتحقيق الأهداف التي يسعون إليها. وارتفع عدد المسجلين على قائمة اليمين المتطرف في عام 2018 إلى 24100 شخصاً، منهم 12700 شخصاً على استعداد لممارسة العنف، وتشير المعلومات الأولية إلى أن الرقمين هما في زيادة مستمرة بالنسبة لعامي 2019 و2020. تؤكد ذلك مناقشات البرلمان الاتحادي إلى ارتفاع في عدد الذين صدرت بحقهم أوامر قضائية باعتقالهم وهم هاربون من وجه العدالة حتى الآن من 253 شخصاً في عام 2014 إلى 605 شخصاً في عام 2018، وحوالي النصف منهم يشكل خطراً فعلياً على المجتمع. واليوم بلغ عدد الهاربين من وجه العدالة 497 شخصاً من قوى اليمين المتطرف والنازيين الجدد.[40]



وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن ألمانيا الاتحادية شهدت منذ العام 2013 حتى الوقت الحاضر تصاعداً مستمراً في نشاط قوى اليمين واليمين المتطرف والنازيين الجدد. وأبرز هذه القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة نشير إلى: الحزب الديمقراطي القومي، والحزب الجمهوري، وحزب المحافظين الأحرار (LKR)، واتحاد الشعب الألماني، والجامعة الألمانية (DL)، وأخيراً وأكثرها شعبية وقوة هو حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، إضافة إلى الحركة المعروفة بـ "وطنيون أوروبيون ضد اسلمة الغرب" (PEGIDA) وسنبحث في هذا الحزب والحركة بشكل أوسع في فقرة لاحقة. كما إن أكثر الجماعات النازية تطرفاً والممنوعة من العمل ولكنها تعمل في الخفاء هي: حزب العمال الألماني الحر (FAP)، القائمة القومية (NL)، الفعالية المباشرة (FJ)، البديل الألماني (DA)، الشباب الفيكنغ (WJ)، الجبهة القومية (NF)، إضافة إلى المنظمة النازية الجديدة (قتال 18، Combat 18) الإرهابية التي منعت أخيرا بقرار من وزير الداخلية. وجاء في حيثيات المنع ما يلي: "وبحسب وزارة الداخلية الاتحادية، فإن المنظمة موجهة ضد النظام الدستوري، لأنها "مرتبطة" بالاشتراكية الوطنية. وهي ملتزمة بـحزب العمال القومي الاشتراكي الألمانيNationalsozialistische Deutsche Arbeiterpartei (NSDAP) ومسؤوليها، وهي منظمة عنصرية ومعادية للسامية وكراهية الأجانب. بالإضافة إلى ذلك لديها "موقف عدواني بالأساس ".[41]







سابعاً: نشوء حزب اليمين واليمين المتطرف البديل من أجل ألمانيا AfD

أقوال لقادة "حزب البديل من أجل المانيا" عن الموقف من الأجانب:

بعد كل شيء، لدينا الآن كثير من الأجانب في البلاد لدرجة أن المحرقة تستحق ممارستها مرة أخرى.

مارسيل گراوف

التواضع في التخلص من الناس غير مناسب.

يورگ مویته

المشكلة هي أن هتلر يُصور على أنه شر مطلق.

بيورن هوكه[42]

في عام 2013 بادر أستاذ جامعي اسمه بيرند لوكا Bernd Lucke إلى تشكيل حزب لبرالي يميني حمل اسم "البديل من أجل ألمانيا Die Alternative für Deutschland "، ومختصره AfD. وكانت توجهات هذا الحزب اليميني تتركز في ثلاث نقاط أساسية هي: شكوك ونقد لسياسات الاتحاد الأوروبي، والرؤية القومية لدور ألمانيا، في العالم، وتقديم بديل لسياسات الأحزاب الحاكمة في المانيا. ولكن انشق مؤسس هذا الحزب وشكل حزباً صغيراً تحت اسم حزب التحالف من أجل التقدم والانبعاث Partei Allianz für Fortschritt und Aufbruch (ALFA)، في حين احتفظت الأكثرية باسم الحزب اليميني، إلا إنه تحول بمرور الوقت إلى حزب يضم في صفوفه من أقصى اليمين المتطرف وجمهرة من النازيين الجدد إلى اليمين اللبرالي والمحافظ. وفي الجوهر أصبح هذا الحزب الوعاء الذي يضم جمهرة واسعة من القوى اليمينية المتطرفة ومن أكثر المعادين لوجود المهاجرين الأجانب واللاجئين عموماً والمسلمين والمسلمات خصوصاً في ألمانيا، إضافة إلى معارضته للاتحاد الأوروبي والرؤية القومية المتطرفة لدور ألمانيا في الاتحاد الأوروبي وعلى الصعيد العالمي. إنه الحزب الذي انبثق من رحم اللبرالية الجديدة والعولمة الرأسمالية اليمينية المتطرفة، إنه المعادل أو المكمل السياسي للنهج الاقتصادي والاجتماعي للبرالية الجديدة في ألمانيا. وتفاعل هذا الحزب مع الحركة اليمينية المناهضة للإسلام والمسلمين (پيگيدا Pegida)، كما أنه يشارك بفعالية في المظاهرات والفعاليات التي تنظمها هذه الحركة والحركات اليمينية المتطرفة الأخرى، وأكثر مؤيديه هم من هذه الحركة اليمينية التي تفاقم تطرفها السياسي والاجتماعي في عموم ألمانيا.

وإذ بدأ هذا الحزب بشكل متواضع خلال السنوات الأولى وعجز عن الحصول على تأييد واسع النطاق، إلا إنه استثمر السياسات الاقتصادية الخاطئة لتحالف الأحزاب الثلاثة الحاكمة (الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي) بسياساتهم ذات الوجهة والمضمون اللبرالي لجديد، والجو اليميني العام السائد في البلاد، وتفاقم أجواء العداء للأجانب، وضد السامية، والمناهضة لسياسات الاتحاد الأوروبي، أن يقفز في حصوله على أصوات الناخبين في المجالس النيابية المحلية وفي برلمان ألمانيا الاتحادية وفي البرلمان الأوروبي. ففي انتخابات البرلمان الاتحادي حصل حزب البديل من أجل ألمانيا 4،7% من أصوات الناخبين في انتخابات عام 2013، ولم يحصل على مقاعد في البرلمان بسبب عدم تجاوزه نسبة الـ 5% المقررة للحصول على مقاعد في البرلمان الاتحادي. أما في انتخابات عام 2017 فقد حقق هذا الحزب قفزة كبيرة، إذ حصل على نسبة قدرها 12،6% من أصوات الناخبين أو ما يعادل 89 نائباً من مجموع 709 نائباً، وأصبح القوة الثالثة في البرلمان بعد الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاجتماعي والحزب الديمقراطي الاشتراكي، والقوة المعارضة الأولى[43].

وهذه القفزة المهولة أرعبت الأحزاب السياسية الحاكمة وقوى المعارضة، بما فيها القوى اليمينية المحافظة،

لخشيتها من التطورات القادمة المحتملة، لاسيما وأن مثل هذا التطور يلاحظ في عدد من الدول الأوروبية لاسيما فرنسا وهنغاريا وبولونيا وإيطاليا، على سبيل المثال لا الحصر.

اما في انتخابات المحافظات ألـ 16 الألمانية فقد استطاع حزب البديل من أجل ألمانيا الدخول إلى برلمانات 15 محافظة ألمانية من مجموع 16 محافظة وبقوة تصويتية كبيرة حقاً وأن كانت متفاوتة من محالفظة إلى أخرى. فهو يحتل اليوم في المجالس النيابية المحلية القائمة على المقاعد التالية: بادن فتنبيرغ 47 نائباً من 143، بايرن 38 نائباً من 205، برلين 27 نائباً من 160، براندنبورغ 10 نائباً من 88، بريمن بلا نائب من 43، هامبورغ 7 نواب من 123، هيسن 18 نائباً من 137، ميكلنبورغ فوربوميرن 14 نائباً من 71، نيدرساكسن 9 نواب من 137، نوردراين فستفالن 12 نائباً من 199، راينلاند فالس 12 نائباً من 101، سارلاند 3 نواب من 51، ساكسن 38 نائباً من 119، ساكسن أنهالت 21 نائباً من 87، شلسفك هولشتان 4 نواب من 73، تيرنگن 22 نائباً من 90.[44] ومنه يبدو أن المحافظة الوحيدة التي لم يفز فيها هي بريمن. وتشير أغلب الدراسات واستطلاعات الرأي باحتمال زيادة هذه الأعداد في الانتخابات المحلية القادمة لمختلف المحافظات بسبب الأجواء اليمينية العامة السائدة في البلاد.

أما على صعيد الانتخابات في الاتحاد الأوروبي فأن المعلمات الرسمية المتوفرة تشير إلى الواقع التالي: في انتخابات عام 2014 حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على 7،1% من أصوات الناخبين المصوتين أو ما يعادل 2.070.014 ناخباً، وعليه فق حاز على 7 مقاعد نيابية. أما في انتخابات عام 2019 فقد حصل على 12،6% من المشاركين في التصويت أو ما يعادل 4,104.453 ناخباً، وعدد المقاعد التي حاز عليها بلغت 11 مقعداً، أي بزيادة قدرها 4 مقاعد نيابية.[45] وعلى وفق الأرقام الرسمية لشهر شباط 2019 بلغ عدد أعضاء هذا الحزب 33651 عضواً، دع عنك عدد المؤيدين والمصوتين له أو المساندين لسياساته من القوى والمنظمات اليمينية واليمينية المتطرفة والنازية الجديدة. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: ما هي السياسات التي ينتهجها هذا الحزب التي تلقى صدى تأييد متزايد في صفوف الناخبين الألمان؟ إن أبرز المسائل التي يطرحها هذا الحزب تمس في الجوهر خمس مسائل أساسية نشير إليها على وفق أهميتها بالنسبة لهذا الحزب وللذين يصوتون له:

** الاهتمام بالهرم السكاني الألماني الذي يظهر نقصاً كبيراً في الولادات من السكان الأصليين. لا بد من تشجيع الولادات للسكان الألمان الأصليين. تقديم الدعم لهم والتخفيف عن العائلات. رفض الأخذ بـ "الايديولوجية الجندرية" وتأكيد العلاقة التقليدية الألمانية بين الرجل والمرأة. إن هذا التوجه يفترض أيضاً أن يقترن بإجراءات أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية.

** الموقف من الهجرة: يدعو هذا الحزب إلى غلق الحدود الألمانية وعموماً الأوروبية بوجه المهاجرين واللاجئين للحماية منهم. وفي هذا الصدد يؤكد بأن اللاجئين يجب أن يلجئوا إلى المناطق التي تقع خارج حدود أوروبا وليس إلى أوروبا. كما يرفض اعتبار اللجوء مسألة إنسانية ينبغي القبول بها. رفض منح الولادات الجديدة من أبوين مهاجرين أو لاجئين المواطنة والجنسية الألمانية، ويرفض قاعدة لمّ الشمل، وعدم منح اللاجئين الموجودين مساعدات اجتماعية إلا بعد مرور أربع سنوات على وجودهم. يمكن قبول العلماء والمهنيين الأجانب الذين تحتاجهم ألمانيا على وفق شروط. على الدول التي يأتي منها اللاجئون دفع مبالغ المساعدة التي تدفعها ألمانيا أو الدول الأوروبية لهم، والاّ تتحمل خزينة البلد المستقبل للجوء هذا العبء المالي.

** يعتبر هذا الحزب إن الإسلام جسم غريب في المانيا على وفق ما جاء على لسان رئيس الحزب ألكسندر گاولاند "Der Islam ist ein Fremdkörper"، وأن الإسلام كدين، والمسلمين والمسلمات كأفراد ومجموعة بشرية، يشكلون الخطر الأكبر على الحضارة الأوروبية وعلى الديمقراطية الأوروبية، وفي محاولاتهم أسلمة أوروبا. يجب تحريم ارتداء الحجاب والبرقع نهائياً، ومنع تعدد الزوجات والزواج القسري، وضد تدريس الدين الإسلامي في المدارس الألمانية.[46]

** يفضل الخروج من الاتحاد الأوروبي، والخروج من اتفاقية أمستردام، وابتداءً ينبغي الحفاظ على استقلالية كل دولة في الاتحاد، الخروج من منطقة اليورو والعودة إلى المارك الألماني. يمكن تشكيل جيش أوروبي لمواجهة الهجرة والمهاجرين واللاجئين. ضد دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي. ضد استخدام الجيش الألماني في العمليات العسكرية خارج الحدود الألمانية. وهو يقف ضد المقاطعة الاقتصادية لروسيا الاتحادية بهدف معارضة المقاطعة الأوروبية والألمانية لروسيا.

** يبدي هذا الحزب اهتمامه بالمسائل الاجتماعية والثقافية ويؤكد على أهمية ونقاوة الثقافة الألمانية باعتبارها الثقافة القائدة والرائدة، كما يؤكد على الخلل الحاصل في الجانب الاجتماعي من سياسة الدولة الألمانية ومصاعب الحياة للكثير من الناس. ويطرح تصوراته بصدد الحدود الدنيا للأجور وسنوات العمل والإحالة التقاعد وقضايا الأطفال والمدارس.. الخ.

ومن المهم ملاحظة محاولة هذا الحزب تسويق سياسات الرايخ الألماني الاستعمارية وإشعالها حربين عالميتين (1914-1918) و1939-1945) من خلال مدح دور الجنود الألمان في هاتين الحربين دون إعارة أي اهتمام وببرودة لأكثر من س0 مليون إنسان فقدوا حياتهم في هاتين الحربين حيث صرح ألكسندر گاولاند Alexader Gauland، رئيس الحزب بما يلي: "من حقنا أن نفخر بإنجازات الجنود الألمان في حربين عالميتين." أو قوله الاستفزازي التالي: "هتلر والنازيون مجرد هراء في أكثر من 1000 عام من التاريخ الألماني الناجح."[47]




نشوء وتطور الحركة اليمينية المعادية للمسلمين پيگیدا PEGIDA


في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2014 برزت حركة احتجاجية يمينية صغيرة في مدينة دريسدن القريبة من الحدود التشيكية ضد اللاجئين والمهاجرين المسلمين أطلق عليها اسم "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب Patriotische Europäer gegen die Islamisierung des Abendlandes.

اقترن نشوء هذه الحركة بنشاط مجموعة "حزب البديل من أجل ألمانيا" الذي استثمر هذه الحركة لصالحه لتوسيع قاعدته ونشر أفكاره عبر المظاهرات الأسبوعية. وفي عام 2015 سُجلت هذه الحركة كمنظمة مجتمع مدني باسم "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب". واتفق منظمو هذه الحركة على التظاهر كل يوم الجمعة من كل أسبوع. وإذ كانت الحركة صغيرة لم تضم في البداية سوى قوى يمينية متنوعة، فإنها قد تحولت في السنوات الأخيرة إلى حركة شعبية واسعة تضم الآلاف من المتظاهرين الذين لم يعودوا مجرد يمينيين محافظين ومستقلين، بل أصبحوا في الغالب الأعم من العناصر اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة الذين يصطفون جنباً إلى جنب مع اليمين المحافظ وقوى اليمين المتنامية في البلاد عموماً. كما لم تعد مظاهراتهم تنظم في مدينة دريسدن فقط، بل امتد نشاط الحركة إلى كل المدن الألمانية الكبيرة وتحت أسماء تبدأ بالحروف الأولى من هذه المدينة أو تلك وتستكمل ببقة حروف المنظمة كأمثلة على ذلك: مدينة لايبزكLegida ، منطقة تيورنگن ,Thürgida وهامبورگ Hamgida وبرلين Bergida.

ولا بد من الإشارة إلى ثلاث مسائل مهمة قبل الانتقال إلى فقرة عمليات العنف التي تمارسها قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة في المانيا إزاء الأجانب واللاجئين، وهما:

المسألة الأولى: تزايد شعبية ونفوذ قوى اليمين عموماً واليمين المتطرف والنازية الجديدة خصوصاً في المانيا والتي تشير إليها ارقام نهاية عام 2019. فـ"الأكثر خطرًا حسب "زيهوفر" هو التطور الحركي لهذه المجموعات والذي بات "مقلقا" بشكل كبير. فحسب الأرقام الرسمية فإن نحو 5500 شخص منخرطون بشكل كامل في منظومة "الحزب اليميني القومي" المتطرف، ونحو 6600 آخرين منخرطون ضمن مجموعات أخرى مثل حركة "مواطني الرايخ" المتطرفة. من هنا " ... حذّر "زيهوفر" بشدة من تعزيز اليمين المتطرف وتواجده المتزايد على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل خاص، وعلى المواقع الإلكترونية بشكل عام، مُتحدثًا عن تطور "نوعي"، ومُقرِّا في الوقت ذاته بضرورة القيام بالمزيد من الجهد لمواجهة خطر اليمين المتطرف."[48]

المسالة الثانية: تشير مجموعة من الدراسات والأبحاث إلى وجود علاقات تعاون وتنسيق وتبادل الخبرة والتجارب والتضامن بين قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة في المانيا وبين الدول الأوروبية الأخرى أولاً ومع عموم الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية ثانياً.[49]

المسألة الثالثة: حصول قوى وأحزاب اليمين المتطرف والنازية الجديدة على مساعدات مالية وعينية من جهات غنية وشركات وشخصيات رأسمالية في ألمانيا ومن الخارج. وقد اكُتشف بعضها القليل وقدموا للمحاكمة وعوقبوا بدفع تلك المبالغ وغرامات إضافية، كما في حالة حزب البديل من أجل ألمانيا AfD.[50]







ثامناً: ما هي الأهداف التي تسعى إليها قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة




إن المتابعة المستمرة لأدبيات ونشرات ودعايات ومظاهرات وفعاليات وشعارات قوى اليمن المتطرفة والنازية الجديدة يؤكد بما لا يقبل الشك أن هناك استراتيجية أساسية ومركزية واحدة توحد هذه القوى مع وجود تمايز أو تباين نسبي محدود وتنوع في حركة تكتيكاتها على وفق الظروف التي تمر بها ألمانيا وعموم دول الاتحاد الأوروبي وحركة اليمين المتطرف ذاتها. ومن الجدير بالإشارة إلى إن قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة تعيش اليوم مرحلة انتعاش كبيرة في جميع دول الاتحاد الأوروبي وعموم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وبعض دول أمريكا اللاتينية، دع عنك الدول العربية مجموعة من الدول الآسيوية والأفريقية. إنه جنوح عام عالمي نحو اليمين الذي يمكن أن يهدد البشرية والعالم بكوارث غير قليلة على مستوى الدول أو الأقاليم أو العالم كله. علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دوراً كبيراً في إشاعة الفوضى السياسية والاقتصادية والبيئية على الصعيد العالمي بسبب سياساتها النيولبرالية المتشددة من جهة وبسبب وجود شخصية نرجسية يمارس سياسات غير محسوبة العواقب في عالم رأسمالي معولم ومتشابك. إنها المسألة التي تستوجب الدراسة الواسعة على ثلاثة مستويات محلية وإقليمية ودولية مع بلورة العلاقات الجدلية القائمة فيما بينها وبالارتباط مع النظام الرأسمالي العالمي في ظل اللبرالية الجديدة والعولمة والثورة العلمية التقنية والاتصالاتية وغياب المنظومة الاشتراكية التي كانت في حينها تضعف من النهج اليميني المتطرف للرأسمال العالمي عموماً وفي الدول الغربية خصوصاً. فما هو استراتيج قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة في المانيا الاتحادية؟

يبدو لي إن هذه الاستراتيجية تتكون من ثلاثة أهداف على المدى البعيد، وهي:

أ‌. إقامة دولة نازية جديدة في ألمانيا على غرار الدولة الهتلرية تستند إلى المبادئ والأهداف الأساسية ذاتها التي نادى بها القوميون العنصريون الألمان الأوائل وما ورد في برامجهم الفكرية والسياسية والاجتماعية قبل وأثناء قيام الرايخ الثالث وقبل سقوط الدولة الألمانية الهتلرية مع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، والتي يمكن أن يجدها القارئ والقارئة في كتاب أدولف هتلر "كفاحي"، وفي كتابات جمهرة من فلاسفة وسياسيي العهد الهتلري، منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ الجامعي مارتين هايديگر، وألفريد بويملر، وفيلسوف النازية والسياسي المتعصب الفريد روزينبيرغ. وقد صدرت للأخير مجموعة من الكتب التي تمجد العنصرية والفكر النازي منها على سبيل المثال لا الحصر: كتاب "اسطورة القرن العشرين"، و"مسار اليهود عبر العصور"، و"الدم والشرف"، و"الفُسق في التلمود"، ومذكرات الفريد روزينبيرغ، ويوميات روزينبيرغ 1934-1944. وهي كلها تدعو إلى العنصرية وتفوق الشعب الآري على الشعوب الأخرى وكراهية اليهود والشعوب الأخرى، بمن فيهم الشعوب العربية. (الملحق رقم (4) حول مفهوم العنصرية).[51]. إن العنصري الألماني يرى نفسه آرياً نقياً، يرسم لنفسه صورة ذاتية متميزة ذات سمات تفوق سمات الآخرين من البشر، فهو الرجل الأنقى والأذكى والمبدئي والمنتج للأفكار والشجاع وصاحب الرأي الصواب دوماً، إنها صورة الـ "أنا" الذاتية، التي ترى في ألـ "أخر" سمات معاكسة تماماً لسماته، فهو الهجين والغبي واللامبدئي والجبان وصاحب الرأي الخاطئ. إنها رؤية نمطية معروفة عالمياً وتعبر عن شخصية ذات أحكام مسبقة يصعب تغييرها لدى العنصري المؤمن بأسطورته العرقية المتخلفة التي عفا عليها الزمن، ولكنها ما تزال سائدة لدى جميع العنصريين في العالم ومن مختلف القوميات أو الشعوب، إنها صورتهم الخاصة المضادة والمناهضة لصورة الآخر. (راجع الملحق رقم 3 بصدد الدم والشرف والجنسية الألمانية في قوانين نورنبيرغ في 15 أيلول/سبتمبر 1935).

ب‌. وتعتبر الأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة في ألمانيا من أشد الجماعات تمسكاً ودفاعاً عن الرأسمالية والنهج النيولبرالي والاستغلال ومصادرة الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة على نحو خاص، وحقوق الشغيلة والنقابات، وهي تؤمن بالفرد القائد وفرض إرادة قائد الحزب النازي الأوحد على الدولة والمجتمع. وتقدم الحياة الألمانية في عهد النازية صورة بشعة لمعاناة أصحاب الاتجاهات الفكرية والسياسية الديمقراطية والتقدمية واليسارية. فالنازيون الجدد يعملون من أجل إقامة نظام دكتاتوري فردي مطلق يسوده الفكر الواحد والممارسة المستندة إليه وخضوع الدولة والمجتمع والاقتصاد للقائد الفرد، لقراراته وأهواءه بعيداً عن إرادة الشعب ومصالحه.

ت‌. وهذه القوى المتطرفة لا تسعى إلى ممارسة التمييز بين الشعوب فحسب، بل إنها تجسد التزامها بأيديولوجية إمبريالية تسلطية تسعى للهيمنة على البلدان والشعوب الأخرى واستغلالها واعتبارها أقل قيمة من الشعب الآري، وهي تثير الكراهية والأحقاد بين الشعوب وتميل إلى ممارسة العنف والحروب في السيطرة على العالم. وهي قوى تمارس العنف، سواء أكانت خارج السلطة أم حين تكون في السلطة نحو الداخل، كما حصل في العهد النازي 1933-1945. وقد مارست الإمبراطورية الألمانية في مستعمراتها، لاسيما في أفريقيا سياسات عنصرية وإبادة جماعية. (أنظر الملحق رقم 5). وهذه القوى تحن إلى هذا التاريخ المخزي والبشع، والذي تخشى ألمانيا الاتحادية من الاعتراف الكامل بالإبادة الجماعية التي مورست في حينها، لما يترتب على ذلك من إدانة فعلية لهذا التاريخ والالتزام بدفع تعويضات لذوي الضحايا. من هنا يحاول النازيون الجدد التخفيف أو عدم الاعتراف بما جرى في الماضي، بما في ذلك رفضهم القاطع للمحارق النازية البشعة التي حصلت ضد اليهود في ألمانيا والمدن الأوروبية الأخرى قبل واثناء الحرب العالمية الثانية.

والقوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة تمارس تكتيكات عديدة وتلتزم في المرحلة الراهنة بمجموعة من القضايا المباشرة التي تطرحها في دعايتها الانتخابية وفي أدبياتها وفعالياتها الشعبوية، وهي مستعدة لممارسة أحط الأساليب الشعوبية والمبتذلة في مواجهة الخصوم السياسيين، والمقصودون هنا كل الذين يرفضون الفكر اليميني المتطرف والنازية الجديدة والعنصرية والعداء للسامية والعداء للأجانب. فما هي القضايا التي يستخدمها اليمين المتطرف والنازية الجديدة في الساحة السياسية الألمانية، والتي نجد ما يماثلها بهذا القدر أو ذاك في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى؟

أشرت في بداية هذه الدراسة المكثفة إلى أن الاتجاهات اليمينية واليمينية المتطرفة في السياسة الدولية ظاهرة عامة وشاملة تقريباً لكل دول العالم، لاسيما الدول الرأسمالية المتطورة، ومنه دول الاتحاد الأوروبي. وهي ظاهرة مقلقة حقاً. وهي لم تنشأ دفعة واحدة بل اقترنت وارتبطت عضوياً بعدد من العوامل الجوهرية والأساسية. ويمكن أن نرى ذلك بوضوح كبير في الانتعاش غير المسبوق لليمين المتطرف والنازية الجديدة في جمهورية ألمانيا الاتحادية بعد قيام الوحدة الألمانية. وتشير الدلائل واستطلاعات الرأي إلى إن هذه الظاهرة ليست في تراجع بل تسير بسرعة غير معهودة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويمكن تلخيص العوامل الفاعلة بهذا الاتجاه التحول الفعلي في ممارسة اللبرالية الجديدة في النظام الرأسمالي العالمي وفي ظل العولمة الرأسمالية النيولبرالية، والتي سارت عليها وماستها الأحزاب البرجوازية الألمانية. ونتجت عن هذه السياسة مجموعة من العواقب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سهلت على قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة كسب المزيد من المواطنين والمواطنات. ونشير هنا بشكل خاص إلى: ممارسة سياسة التقشف في الانفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم بمختلف مراحله والتعليم الفني والمهني والبحث العلمي، والصحة والسكن الاجتماعي وإهمال بناء المزيد من بنايات المدارس أو تجديد القائم منها وصيانة الطرق والجسور، وتقليص المساعدة الاجتماعية للمعوزين والعاطلين عن العمل، إضافة إلى تقليص جملة من المكاسب الاجتماعية التي كانت تمنح في فترة الحرب الباردة، في مقابل تقليص نسب الضرائب المفروضة على أرباح كبار الاحتكارات الرأسمالية والرأسماليين أو حتى إعفائها منها. قاد هذا الواقع وغيره إلى نتائج سلبية أخرى منها اتساع وتعمق الفجوة في الدخل السنوي وفي مستوى المعيشة بين الفئات الغنية والفئات الفقيرة ونشوء بطالة وإحالات مبكرة على التقاعد، مما تسبب بنشوء حالة من البرودة الاجتماعية في العلاقات بين البشر. واقترنت هذه الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية بسياسات داخلية أدت إلى تقليص ملموس في الحريات الفردية والعامة وزيادة الرقابة الأمنية على الأفراد وعبر الهواتف ونصب المزيد من الكاميرات، إضافة إلى تراجع دور المجتمع في تقرير السياسات الرسمية واقتصارها على البرلمانات المحلية والبرلمان الاتحادي، مما أكد بروز أزمة ديمقراطية فعلية في حياة المجتمع وفي العلاقة بين الدولة والمجتمع وتراجع مصداقية الأحزاب والشخصيات والنواب والحكومات المتعاقبة بكل تشكيلاتها التحالفية المتنوعة لدى الفئات الاجتماعية المختلفة. أشاعت هذه الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية النيولبرالية، باعتبارها أحدث ممارسة للرأسمالية على الصعد المحلية والعالمية، وبرَّزت على سطح الأحداث التناقضات الاجتماعية ووفِّرت مستلزمات تصاعد الصراعات الطبقية والسياسية، والتي اقترنت بانعدام استعداد الاحتكارات الرأسمالية الكبرى والعابرة للقارات للمساومة التي برزت في فترة الحرب الباردة بين العمل ورأس المال بما أسهم في تخفيف تلك التناقضات الاجتماعية والصراعات الطبقية. فالفقر والبطالة وتراجع مستوى الخدمات وعدم عدالة توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي وفَّر مستلزمات جوهرية لقوى اليمين المتطرف لاستثمارها ضد الوضع القائم في ألمانيا وضد السياسات التي تمارسها الحكومة، ولكنها لم تتحرك باتجاه معارضة سياسات اللبرالية الجديدة ونهجها الاستغلالي، بل ضد السياسات التي مارستها الحكومات المتعاقبة باسم الديمقراطية، وبالتال فهي تسعى إلى إدانة الديمقراطية وليس النيولبرالية. وإذ تمكنت القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة الاستفادة من كل ذلك، عجزت القوى اليسارية عن تحقيق الاقتراب المنشود من الفئات الكادحة والفقيرة والمعوزة والساخطة على السياسات الرسمية وتراجع في الحياة الديمقراطية، والتي اقترنت بالمصاعب التي واجهها اليسار بعد انهيار جمهورية المانيا الديمقراطية والإساءة الشديدة للقوى الاشتراكية والفكر الاشتراكي وقوى اليسار عموماً، لاسيما لدى جماهير غرب ألمانيا، بسبب السياسات البيروقراطية والاستبدادية التي مارسها الحزب الاشتراكي الألماني الموحد وحكومة المانيا الديمقراطية إزاء شعبها. هذا الواقع الصعب، وخاصة بعد قيام الوحدة الألمانية، وفر الفرصة الذهبية لقوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة للولوج منه وممارسة الدعاية ضد النهج اللاديمقراطي والتشكيك بالديمقراطية البرجوازية وإبراز المصاعب الاقتصادية والاجتماعية لمزيد من السكان أولاً، وعدم إحالة ذلك على سياسات اللبرالية الجديدة والاحتكارات الكبرى، بل أحيلت كل المصاعب الحاصلة في البلاد على سياسات القوى الديمقراطية وقوى اليسار والاشتراكية، والادعاء بالتخلي عن الهوية القومية واستقلال البلاد لصالح الهوية الكوسموبوليتية في العلاقات الأوروبية، أي ضد الاتحاد الأوروبي ثانياً. كما أصبحت قوى معينة بذاتها هي الهدف الذي توجهت صوبه نيران قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة. ففي أجواء انتعاش السياسات اليمينية في البلاد، وفرت الأحزاب الحاكمة الأرضية الصالحة لشن حملات ظالمة وهستيرية ضد الأجانب والمهاجرين واللاجئين، ضد المسلمين، إضافة إلى معاداة السامية (اليهود) علناً وبشكل مستتر. وإذ تتفق أغلب القوى المتطرفة والنازية الجديدة في موقف العداء المكشوف إزاء وجود الأجانب والمهاجرين واللاجئين وضد اليسار، فأن بعضهم يخفي عداءه الكامن للسامية وإنكاره للمحرقة النازية ضد اليهود في ألمانيا وعموم أوروبا وضد السنتي والروما، وضد المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والمثليين. إلا إن الجماعات الأكثر تطرفاً من قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة تعلن صراحة وبلا خشية مواقفها المعادية، لاسيما التنظيمات السرية منها. وتجدر هنا الإشارة إلى أن القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة تُبرَّز بشكل خاص في دعايتها اليومية على الهوية القومية الألمانية وتؤكدها وتمجدها أولاً، وتبرز الثقافة الألمانية المميزة والقائدة والنقية ثانياً، والتي تعلن عن خشيتها من تلويث الهوية والجنس الألماني بالأجانب من هويات قومية أو "أعراق!" أخرى، كما تضعف وتلوث الثقافة الألمانية بثقافات قوميات أو شعوب أخرى. ولدى الشعب الألماني، رغم مرور 75 عاماً على سقوط الفاشية والنشاط المعادي للفاشية والفكر الفاشي وافتضاح الجرائم التي ارتكبتها النازية باسم القومية والهوية الثقافية والعنصرية، نقطة ضعف اتجاه القومية والثقافة الألمانية والحفاظ على نقاوتهما من منطلق عنصري استعلائي مقيت. من هنا يتبين بأن هذه القوى لا تستخدم الأوضاع السيئة الفعلية القائمة لصالح دعايتها المتطرفة فحسب، بل وتستخدم أساليب شعبوية معادية للشعوب الأخرى وللثقافات الأخرى لتُنشط الكراهية والأحقاد في المجتمع الألماني المتعدد الثقافات. وهدفها المركزي على المدى البعيد إقامة نظام سياسي لا يختلف عن النظام الذي ساد في ألمانيا في الفترة بين 1933-1945، الذي اعتبر، من حيث الفكر والممارسة، أبشع نظام جريمة ارتكبت بحق البشرية جمعاء، بما فيها النهج العنصري وسياسات دكتاتورية مطلقة وحرب احتلال وقتل جماعي ومحارق بشرية (Holocausts) وتدمير ثقافي لخيرة نتاجات المثقفين الألمان وعلى صعيد أوروبا.







تاسعاً: أساليب وأدوات عمل قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة


1) الرموز المستخدمة


تستخدم قوى اليمين المتطرفة بمختلف أطيافها والنازية الجديدة عشرات الرموز للتعريف بنفسها ووجهة عملها أو نهجها، والتي غالباً ما تعبر عن القوة والجبروت والشجاعة والاستعداد للقتال والحرب والروح العدوانية. من الرموز المنتشرة والمعروفة ما تستخدمه حركة الرؤوس الصلعاء، رأس محلوق أصلع وحذاء أسود ضخم. بعض تلك الرموز يقدم على شكل صور، وأخرى كتابات أو أرقام ترمز إلى أسماء معينة أو إلى أحداث معينة أو حتى بعض الأزياء، وبعضها الآخر يأتي ضمن علامات تجارية وشركات تُطَّعم ببعض الحروف التي ترمز إلى واحدة من القوى اليمينية المتطرفة أو النازية الجديدة. بعض تلك الرموز منعتها الحكومة الألمانية ويعاقب عليها القانون في حال استخدامها، وبعضها الآخر غير ممنوع، رغم تعبيره المحدد سلفا عن فكرة أو نهج أو شخصية نازية معروفة. من بين أبرز الرموز المستخدمة صورة لقبضة رجل أبيض ممتدة إلى الأعلى لتعبر عن القوة والعنف والعدوانية. أو رمز يحمل حرفين هما أس أسSS ، وهما يرمزان لكلمتي الشمس السوداء وهو رمز غير ممنوع رغم إنه يعبر عن الشعار الذي كانت تحمله فرقة الحراس النازية في معسكرات الاعتقال، وهي في الوقت نفسه يمكنها أن تعني رجال الأس أس النازيين .

كما يمكن أن تحمل أعداداً مثل 18 و88. فالعدد الأول يرمز إلى الحرفين الأولين من اسم أدولف هتلر، وهما الحرفان الأول والثامن في الأبجدية الألمانية، أما العدد الثاني فهو يرمز إلى حرفي ألـ HH والتي ترمز إلى هايل هتلر، أي التحية الهتلرية ـ أو استخدام العددين 19 و8 (8/19) التي ترمز إلى الحرف التاسع عشر والحرف الثامن في الأبجدية الألمانية وتعني نصر هتلر (Sieg Hitler). كما يستخدم حامل، أو صليب معقوف، بثلاثة رؤوس منحنية يحمل أسلحة مثلاًTriskele لواحدة من المنظمات النازية الجديدة. من الرموز الممنوع استخدامها نشير إلى شعار "الدم والشرف"، وشعار شباب الفيكنغ، وشعار الجمجمة البشرية بأسنان بارزة، وشعار الأس أس الخاص بـ "سرب الحماية" النازي والذي يستخدم من قبل بعض قوى النازية الجديدة. كما محرم رفع شعار الصليب المعقوف، رمز النظام الهتلري، بمختلف أشكال كتابته، كما منع أخيراً شعار المنظمة النازية الجديدة قتال 18، بسبب منعها كمنظمة. [52]







2) الأساليب والأدوات التي تمارسها هذه الأحزاب والمنظمات اليمينية


منذ سنوات كثيرة وقوى اليمين المتطرف، رغم التباين في عنف وقساوة ما تقوم به بالارتباط مع عمق وشدة تطرفها، وقوى النازية الجديدة تمارس شتى الدعايات الشعبوية المسطحة فكرياً وسياسياً والفعاليات والعمليات السياسية الإرهابية مستفيدة في ذلك من التقنيات العلمية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة والعديدة، والثغرات في القوانين الألمانية السمحة، منها بشكل خاص:

1) إصدار بيانات وكراسات وكتب وطرح شعارات تحريضية شعبوية تحث وتحرض على العداء والكراهية إزاء الأجانب عموماً وضد اللاجئين والمسلمين والمسلمات بشكل خاص، وكذلك ضد قوى اليسار والخضر، كما تتوجه ضد التحالف الحاكم وعموم القوى الديمقراطية.

2) استخدام التقنيات الحديثة كإنتاج الأقراص الممغنطة (الفيديوهات) التي تحمل الخطب والأفكار والأغاني والحفلات الموسيقية الخاصة بهذه القوى التي تمجد الأفكار التي تلتزم وتحرض بها ضد الأجانب واللاجئين بلغة مبطنة ضد السامية والدعاية للنازية وتجسد عداً كامناً، كما تستفيد من مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها بين الشباب والشابات، وفي المدارس بشكل خاص. كما تنظم أفلاماً وألعاباً خاصة وبرامج للأطفال تنشط فيهم العداء للأجانب وتنمية الشعور القومي المعادي للآخر والعنف.

3) تنظيم اللقاءات والاجتماعات والمظاهرات التي يجري التحشيد لها على نطاق المدينة أو المحافظة الواحدة أو في عموم ألمانيا، وأحياناً على مستوى أوروبا، وتكون موجهة ضد الأجانب والمسلمين وضد السامية، إضافة إلى الدعاية المضادة للحكومة الألمانية أو الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي.

4) استخدام الشتائم البذيئة والقدحية ضد العناصر الديمقراطية واليسار والخضر وضد المحافظين في مجالس المحافظات والبرلمانات والحكومات المحلية وتهديدهم بالقتل.

5) ممارسة العنف في مواجهة المتظاهرين والمتظاهرات والقوى المناهضة لليمين المتطرف والنازية الجديدة.

6) استخدام التهديد بإجراءات إرهابية قاسية، بما فيها رمي القاذورات أو كتابة شعارات استفزازية على دور ومكاتب السياسيين اليساريين والخضر أو حتى ضد أعضاء في الأحزاب الحاكمة، وكذلك القيام بتدنيس مقابر اليهود أو المواقع والتماثيل التي تشير إلى معاناتهم في العهد النازي، أو تمجيد النازية ورسم الصليب المعقوف النازي على الجدران والشواهد القبور.

7) ممارسة إشعال الحرائق في دور المهاجرين واللاجئين القادمين من دول الشرق الأوسط والمسلمين خاصة، أو تحطيم النوافذ للتعبير عن رفضهم لوجودهم في ألمانيا أو حتى رمي قنابل يدوية عبر الشبابيك.

8) ممارسة عمليات الاغتيال الفردي أو الجمعي التي تستهدف الأجانب المسلمين خاصة والتي تكررت في السنوات الأخيرة، كما تمارس عمليات اغتيال ضد بعض الألمان المسؤولين الذين يساندون الأجانب ويدافعون عن وجودهم في ألمانيا بهدف إرعاب الأخرين والكف عن تضامنهم مع اللاجئين.

9) تنظيم المظاهرات الحاشدة ورفع الشعارات الاستفزازية ضد الأجانب وضد القوى السياسية الديمقراطية ومطاردة الأجانب في حالة وجودهم قرب المظاهرات أو المحتجين ضدهم.

10) استخدام مواقع الاتصال الاجتماعي وشبكات الإنترنيت لنشر الفكر اليميني المتطرف والفكر النازي والتنسيق فيما بين المتحاورين وكاتبي الرسائل المفترضين. فقد جاء في مقال بعنوان "شبكة اليمين المتطرف...تمجيد للفكر النازي" ما يلي: "تزخر شبكة الإنترنت بالعديد من التجمعات المتطرفة، حيث يلتقي افتراضياً أشخاص معزولين بآخرين يتقاسمون معهم العزلة. هذه الشبكات الافتراضية هي في الواقع حقيقية وفي غاية الخطورة. ففي مثل هذه التجمعات يقوم المتطرفون وأصحاب نظريات المؤامرة بتشجيع بعضهم البعض وهنا يتم تبادل الأفكار العنيفة وممارستها، كما أنه هنا يمجد المؤيدون "الذئاب المنفردة" المزعومة. وتحظى بشعبية كبيرة بينهم بالخصوص منتديات مثل "8Chan" الذي يتم فيه تبادل الصور والتعليقات في غياب تدخل حقيقي من أصحاب الموقع".[53]



3) تسلسل زمني للجرائم المرتكبة على أيدي قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة


في ضوء نهج العنف والعدوان السياسي الذي تمارسه غالبية قوى اليمين المتطرفة (الراديكالية) والنازية الجديدة ارتكبت مجموعة كبيرة من الجرائم البشعة خلال الفترة الواقعة بين 1990 حتى عام 2019. وتتوزع تلك الأعمال الإرهابية والجرائم ضد اللاجئين أو المهاجرين المسلمين القاطنين في ألمانيا، أو ضد اليهود من منطلق معاداة السامية، وكذلك ضد الألمان الذين يرفضون النهج الفكري والسياسي المتطرف والنازي والعمليات الإرهابية لهذه القوى الزاحفة تدريجياً والتي تشكل خطراً على المجتمع الألماني والحياة المشتركة والديمقراطية وحقوق الإنسان التي كرَّسها القانون الأساسي (الدستور) للدولة الألمانية الاتحادية الذي أقر في 23/05/1949. في هذه الفقرة يتم تسجيل جملة من العمليات الإرهابية ذات البعد السياسي، وليس كلها، التي مورست في ألمانيا خلال السنوات المنصرمة والتي أدت إلى وقوع حرائق وموت أو اغتيالات مباشرة للأفراد، لاسيما ضد المهاجرين المسلمين ومواطنين من مكتسبي الجنسية الألمانية، أو ضد مسؤولين ألمان، والتي وردت في تقارير وزارة الداخلية والمكتب الاتحادي لحماية الدستور وفي الصحافة والمواقع الإلكترونية الألمانية.

** ففي مقال مهم للكاتب بيتر هيلله Peter Hille أشار فيه إلى سقوط 94 ضحية قتل على أيدي القوى اليمينية المتطرفة خلال الفترة الواقعة بين قيام الوحدة الألمانية في عام 1990 حتى عام 2020. ولكنه يؤكد في الوقت ذاته إلى أن معلومات الصحفيين ومؤسسة أماديو أنطونيو الخيرية تشير إلى سقوط 198 ضحية، وهو الرقم الأقرب إلى الصواب.[54]

** في الفترة بين 1990-1993 سقط 53 قتيلاً في عمليات إرهابية نفذها نازيون جدد، منها:

- قتل المواطن الأنغولي أماديو أنطونيو كيوا في عام 1990 بمدينة دريسدن.

- الشغب الذي أثاره اليمينيون المتطرفون والنازيون الجدد أدى إلى جرح العديد من اللاجئين في روستوك-لشتنهاگن بين 1890-1992.

- جرد حرق دار للاجئين في مدينة مولن Mölln ألألمانية راح ضحيتها طفلان بعمر 10 سنوات وبنت بعمر 14 سنة، إضافة إلى وفاة جدتهم.

- في مدينة سولنگن Soligen أقدم اليمينيون المتطرفون والنازيون الجدد على إشعال النيران في دار تعيش فيها عائلة تركية مما أدى إلى وفاة خمس نساء وطفلة.

- ظهرت في عام 1998 خلية نازية سرية جديدة باسم "الاشتراكية الوطنية السرية NSU". ارتكب أعضائها الثلاثة (رجلان وامرأة) بين عام 2000 وعام 2007 عمليات اغتيال لعشرة أشخاص مشخصين: 8 منهم أتراك ويوناني واحد وشرطية ألمانية واحدة. في عام 2011 انتحر الرجلان في سيارتهم، واعتقلت المرأة وحكم عليها في عام 2018 بالحبس المؤيد.

- ارتكب نازي جديد جريمة قتل 8 من الشباب الأجانب وامرأة في عام 2016 قرب المركز الأولمبي في ميونخ.

- أصيبت السيدة هنريته ريكر، المرشحة لانتخاب محافظ كولون Köln، بجرح في رقبتها نتيجة طعنة سكين وجهها لها نازي جديد في عام 2015.

- بين عامي 2015 و2016 ارتكبت 995 جريمة يعاقب عليها القانون من جانب القوى اليمينية المتطرفة والنازيين الجدد وجهت في الغالب الأعم ضد الأجانب واللاجئين المسلمين واليهود.

- في عام 2015 استخدمت منظمة إرهابية باسم "جماعة فرايتال Freital" النازية هجمات باستخدام المتفجرات ضد اللاجئين المسلمين وضد من يقدم لهم المساعدات.

- في عام 2019 تم اغتيال رئيس حكومة مدينة كاسلKassel ، التابعة لمحافظ،Hessen، السيد فالتر لوبكه، وهو العضو البارز في الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، على يد نازي جديد، بسبب دعمه للاجئين ودفاعه عنهم.

- بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019 "تجمع أكثر من 70 شخصاً في الكنيس اليهودي بمدينة هالة في شرقي ألمانيا، من أجل الصلاة والاحتفال معا بعيد الغفران. فقط باب مدخل الكنيس المؤمن بقوة، حال دون أن يتسبب ألماني يحمل قنابل يدوية ورشاشا في حمام دم!" ولكنه قتل امرأة ألمانية مارة من هناك حاولت أن تثنيه عن عمله الإجرامي.[55]

بتاريخ 20/02/2020 ارتكب اليمينيون المتطرفون والنازيون الجدد جريمة إرهابية جديدة وبشعة، كانت حمام دم حقاً، ضد الأجانب المقيمين في ألمانيا في مدينة هاناوHanau التابعة لمحافظ هيسن Hessen، إذ قتل في هذا العملية الإجرامية وفي مكانين مختلفين، في مقهى أولاً، ومن ثم في كشك يقع على شارع عام، عشرة اشخاص من جنسيات غير المانية، ثم قتل المجرم أمه في شقتهم، بعدها قتل نفسه.[56]

وعلى مدى السنوات السابقة ادعت القوى الأمنية والمكتب الاتحادي لحماية الدستور بأن أغلب تلك العمليات الإجرامية هي فردية وليست بالضرورة منسقة مع جماعات يمينية متطرفة أو نازية جديدة. وكان لهذا الموقف المسبق أثره الكبير في عجزهم عن تشخيص القوى التي تقف وراء تلك العمليات الفردية أو اعتقال جمهرة كبيرة من المطلوبين الذين يصل عددهم إلى أكثر من 600 مطلوب من قبل القضاء الألماني. وجاء في تصريح لوزير داخلية المانيا الاتحادية هورست زيهوفر تصنيفه لـ "جريمة العنف التي وقعت في مدينة هاناو الألمانية كهجوم إرهابي يميني متطرف: "الجريمة التي وقعت في هاناو هجوم إرهابي بدافع عنصري على نحو قاطع". وأضاف زيهوفر أن هذا "ثالث هجوم إرهابي يميني (تشهده ألمانيا) في غضون أشهر قليلة"، وقال: "وضع الخطورة الذي يشكله التطرف اليميني ومعاداة السامية والعنصرية في ألمانيا مرتفع للغاية[57]". وتشير كثرة من الدراسات الألمانية إلى وجود تقصير وإغفال وإهمال لنشاط وعمليات اليمين المتطرف والنازيين الجدد التي برزت بشكل خاص في تصريحات رئيس جهاز المكتب الاتحادي لحماية الدستور (رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية) هانز-جيورج ماسن بعد الأحداث التي وقعت في مدينة كيمنتس. فبعد قتل شخص ألماني اتهم فيها لاجئ سوري بسبب مشادة بينهما، "صرح ماسن لصحيفة "بيلد" الألمانية أن المكتب الاتحادي لحماية الدستور ليس لديه معلومات دامغة عن حدوث مطاردات لأجانب في كمنيتس. وفي هذا التصريح عارض ماسن بذلك تصريحات للمستشارة الألمانية أنگيلا ميركل والمتحدث باسمها شتيفن زايبرت. وعن الفيديو الذي تظهر فيه مشاهد مطاردة تستهدف أجانب بالقرب من ميدان يوهانيس في كيمنيتس، قال ماسن: "لا يوجد دليل على أن الفيديو المتداول على الإنترنت حول هذه الواقعة المزعومة، حقيقي". ووصف ماسن هذه المعلومات بأنها من المحتمل أن تكون مغلوطة بشكل متعمد. وطالب وزير الداخلية هورست زيهوفر رئيس الاستخبارات الداخلية بتوضيح الأدلة التي استند عليها في شكوكه. وقدم ماسن أول أمس الاثنين تقريره للوزير."[58] إلا إن التقرير لم يكن مقنعاً، مما أدى إلى أزاحته عن منصبه وإحالته على التقاعد. وقد دعا ماس أخيراً إلى إمكانية التحالف بين الاتحاد المسيحي وحزب البديل من أجل ألمانيا والذي رفض من قبل كل الأحزاب السياسية الحاكمة والقوى الديمقراطية الألمانية.[59]

وخلال الفترة الأخيرة اكتشف واعتقل العديد من القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة ومواطني الرايخ وفتشوا العديد من المنازل في مناطق مختلفة من ألمانيا واكتشفوا مجموعة كبيرة من الأسلحة النارية وغيرها فيها.[60]

وأكدت خبيرة السياسة الداخلية في حزب اليسار، مارتينا رينر، بأنها "ترى أن الوقت قد حان "للتعامل بشكل جديد مع المحرضين اليمينيين"، مشيرة إلى أنه تم الاستهانة بخطر "الإرهاب اليميني" لمدة طويلة، ولم يكن يتم الحديث سوى عن "أفراد مجرمين". وأضافت رينر: "لا يوجد مجرمون منفردون (في الجرائم من هذا النوع). يجب أن نكافح ضد الشبكات". وهي بهذا تعبر عن واقع حال تعيشه ألمانيا منذ العقد الأخير من القرن العشرين حتى الوقت الحاضر.[61]

في خريف عام 2012 عُقد المؤتمر المخصص لمكافحة اليمين المتطرف والتحدي المجتمعي في ألمانيا، والذي ناقش بحوثاُ كثيرة عبَّرت عن المخاطر التي تواجه المجتمع الألماني بسبب نشاط هذه القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة. وفي واحد من الأبحاث المهمة قدم المدعي العام الاتحادي هيرالد رانگه (Herald Range 1948-2018) دراسة قيمة أشار فيها إلى واحد من أخطاء الاستهانة التي ارتكبها القضاء الألماني في وقت مبكر إزاء النشاط الإرهابي لليمين المتطرف والنازي الجديد والذي جاء فيه:

"في 20/02/2001 قام النازيون الجدد بارتكاب جريمة تحطيم واجهات محل أسيوي واشعال الحرائق فيه والذي هدد في مكان في الطابق العلوي من الدار التي فيها المحل. لقد نجا طفلان من موت محقق. اعُتقل الفاعلون وقدموا للمحاكمة بتهمة محاولة قتل أجانب بسبب الموقف االمعادي للأجانب للفاعلين. لم تتفق المحكمة مع هذا الاتهام، واتخذت قرارات خاطئة أدت إلى تنشيط قوى اليمين في ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الأجانب واللاجئين. وكانت قرارات المحكمة على النحو الآتي:

** كان هذا الحادث بمثابة فعل في مرحلة تجريبية.

** عواقب هذا الحادث محدودة.

** وقع هذا الحادث بفعل بعض الشباب الحاديث.

** لم يتأثر الرأي العام الألماني بهذا الحادث.

** لم يجد هذا الحادث صدى ملموساً في الخارج ولم يسء إلى سمعة المانيا.

** لم يجد هذا الحادث صدى واسعاً ف الإعلام الداخلي ولم يقدم نموذجا لأعمال قادمة.

** لم يلعب هذا الحادث أي دور خارج المنطقة التي حصل فيها ولم يؤثر على شعور الخوف لدى الأجانب خارج الإقليم، وكحد أسوأ بقي محصوراً في المنطقة ذاتها.

ولم ينفع اعتراض المدعي العام الاتحادي على قرارات المحكمة، التي اعتبرت بمثابة توجيهات للعمل بموجبها من قبل أجهزة الشرطة والادعاء لعام لاحقاً، وهو تجلي صارخ عن ضعف اهتمام المسؤولين والقضاء الألماني في حينها لمثل هذه الأفعال العدوانية التي تفاقمت فيما بعد نتيجة هذا الإهمال والاستهانة بعمليات ناتجة عن ذهنية العداء للأجانب."[62]



وقد أكد المدعي العام الاتحادي في مقدمة بحثه بأن الإرهاب الذي تمارسه قوى اليمين المتطرفة يهدف إلى إضعاف الأساس الديمقراطي السلمي للنظام القائم والعمل على استبدال الدولة والقانون الأساسي بدولة القائد"، وهي إشارة واضحة لدولة الدكتاتور المطلق أدولف هتلر في الرايخ الثالث 1933-1945. [63]





عاشراً: واقع وجود قوى إسلامية سياسية متطرفة وإرهابية في المانيا




كما أُشير سابقاً إلى وجود نسبة مهمة من المسلمين والمسلمات من مختلف الدول ذات الأكثرية المسلمة في ألمانيا، ولاسيما من الدولة التركية، ثم المسلمين والمسلمات من الدول المغاربية في شمال أفريقيا أو من الدول العربية في الشرق الأوسط أو من إيران وأفغانستان وباكستان والهند. والنسبة الكبيرة منهم يحملون الجنسية الألمانية، فيما عدا النسبة الكبيرة من اللاجئين الجدد من العراق وسوريا وافغانستان وتركيا وغيرها من الدول التي تواجه شعوبها والقوى المعارضة فيها أوضاعاً ونزاعات عسكرية وإرهاب وقمع شديدين. فوفق الأرقام المنشورة هناك ما يقرب من 5 ملايين مسلم ومسلمة في عام 2019، أو ما يتراوح بين 5،8-6،0% من مجموع سكان ألمانيا البالغ 83،1 مليون نسمة. تتوزع هذه الملايين الخمسة على ثلاث جماعات: الجماعة الحائزة على الجنسية الألمانية، الجماعة الحاملة للجنسية الألمانية وجنسية البلد الذي ولدت فيه، والجماعة التي تحمل جنسية البلد الذي ولدت فيه فقط، وهم في الغالب الأعم من اللاجئين الذين لم يستكملوا الفترة الدستورية للحصول على الجنسية الألمانية، أو الذين لا يحق لهم ذلك وفقاً للدستور لأنهم لم يحصلوا على اللجوء السياسي ولا يتمتعون بحق الإقامة الدائمة، لكنهم قبلوا على أساس إنساني ومؤقت.

يلاحظ بوضوح بأن غالبية الأجانب المقيمين في ألمانيا والحائزين على الجنسية الألمانية قد اندمجوا بهذا القدر أو ذاك بالمجتمع الألماني وليست لديهم مشكلات كبيرة في العيش في ألمانيا عدا ما يواجهه الألمان أنفسهم، ومنها البطالة مثلاً، أو ضعف الحالة المعيشية أو نقص التأهيل المهني. فوفق استطلاع للرأي جرى في ألمانيا ظهر إن 96% من المسلمين يشعرون بالارتباط بألمانيا، 78% من المسلمين لديهم تواصل مستمر مع أتباع الديانات الأخرى، و37% من المسلمين لديهم تجارب تمييز عنصري. ولكن هناك قلة قليلة من هذه المجموعة تتسم بالتطرف في عقيدتها الإسلامية وتمارس التعصب الديني والتي تعتبر ضمن الجماعات السلفية.

جاء في تقرير نشرته الأهرام المصرية حول التقسيم المذهبي للمسلمين المقيمين في ألمانيا لعام 2015 على النحو التالي: وينقسم المسلمون في ألمانيا طبقا لانتماءاتهم الطائفية إلى: العدد الكلي للمسلمين: 4.550.000 نسمة، منهم 2.640.000 نسمة من أهل السنة، 500.000 نسمة من العلويين، 225.000 نسمة من الشيعة، و70.000 نسمة من الأحمدية، و56.780 نسمة من طوائف أخرى.[64] وبين هذه الكثرة من المسلمين توجد قلة قليلة تتسم بالتطرف في عقيدتها الإسلامية وتمارس التعصب الديني والمذهبي والعنف، إنها الجماعات السلفية، أو الأصولية الدينية أو الإسلامويون المتطرفون.

وكانت حصة الدول التي هاجر منها المسلمون إلى ألمانيا على النحو التالي:

أما عن أعداد المسلمين في ألمانيا وفق بلدانهم الأصلية، جاءت تركيا في المقدمة وبلغ عددهم 2.295.308 نسمة، ثم سوريا ووصل عددهم 458.482 نسمة، تليها جمهورية يوغوسلافيا السابقة: 453.475 نسمة، وأفغانستان: 235.886 نسمة، ثم المغرب وبلغ عددهم 156.327 نسمة، والعراق135.210 نسمة، ثم لبنان: 116.634 نسمة، وجنوب أفريقيا 114.563 نسمة. وتأتي بعد ذلك باكستان في المرتبة التاسعة وبلغ عددهم 110.691 نسمة، ثم شمال أفريقيا وعددهم 108.102 نسمة، وإيران وبلغ عددهم 84.956 نسمة، وروسيا وبلغ عددهم 73.476 نسمة. وفي النهاية تأتي ألبانيا ويبلغ عدد مسلميها في ألمانيا 61.323 نسمة[65].

المسلمون والإسلامويون السلفيون


تشير المعلومات المتوفرة إلى أن بداية وصول الدفعات الأولى من المهاجرين طالبي العمل في ألمانيا كانت في أوائل الستينيات من القرن العشرين بعد أن عقدت عدة اتفاقيات مع بعض الدول الشرق أوسطية والمغاربية وبشكل خاص: مع تركيا (19612)، المغرب (1963)، تونس (1965)، يوغسلافيا (1968). وقد وصلت أعداد كبيرة من العمال المنحدرين في الغالب الأعم من أرياف تلك الدول والعاطلين عن العمل والعائلات الفقيرة والكادحة. واستمر مجيء المزيد منهم عبر السنوات اللاحقة حتى إيقاف العمل بتلك الاتفاقيات في عام 1973 بسبب الأزمة الاقتصادية التي عاشت فيها أوروبا.[66]

ورغم إن الاتفاقيات كانت تنص على عمالة مؤقتة والالتزام بالعودة إلى الوطن، فأن غالبية العمالة المهاجرة قررت البقاء في ألمانيا، بسبب أوضاعهم المناسبة في ألمانيا وسوء الأوضاع الاقتصادية في بلدانهم، ثم عمدوا إلى جلب بقية أفراد عائلاتهم تدريجاً استناداً إلى قانون ألماني يسمح بلم الشمل. وكانت الأكثرية الساحقة القادمة من هذه الدول عائلات مسلمة فقيرة ومتدينة، كما هو حال سكان الريف في تلك البلدان، والذين سعوا للحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم الدينية والاجتماعية وتشكيل تجمعات خاصة بهم أو منعزلة عن الألمان. وقد أقيمت بعض الجمعيات الإسلامية للمسلمين العرب أو الترك أو غيرهم إضافة على بناء المساجد في عدد من المدن حيث يكثر وجود هؤلاء العمل. كما كانت هناك مجموعات غير قليلة من الدارسين في الجامعات الألمانية الاتحادية، سواء على حسابهم الخاص أم بعثات حكومية وزمالات دراسية (المنح) لطلبة الدول العربية ومن شمال أفريقيا في المانيا الديمقراطية، الذين شكلوا عموما الجماعة المتعلمة والمثقفة من المسلمين المقيمين في المانيا. ومنذ الستينيات والسبعينيات وما بعدها بدأت دفعات جديدة من اللاجئين السياسيين تتدفق على ألمانيا بسبب تدهور الأوضاع السياسية في أغلب تلك الدول وكذلك الحروب الأهلية والحروب الخارجية حتى أصبحت ألمانيا موطناً لعدد كبير من مواطني الدول العربية وتركيا وإيران وأفغانستان ودول شمال أفريقيا...الخ.

في أوساط العمال المسلمين الأوائل بدأ تحرك بعض الدول العربية على المهاجرين بثلاثة اتجاهات هي:

1. تقديم الدعم المالي لبناء المساجد في عدد كبير من المدن الألمانية حتى لو كان عدد المسلمين فيها قليلاً، إضافة إلى إرسال أئمة دين لهذه المساجد ليتحدثوا بلغة تلك البلدان العربية أو التركية.

2. مساندة إقامة جمعيات دينية وتجمعات إسلامية ودعمها مالياً.

3. إقامة المدارس بدعم من حكومات تلك البلدان أو وكالات إسلامية أو شخصيات غنية.

وكانت أبرز تلك المدارس هي الأكاديمية السعودية في بون والتي كانت تدرس المناهج السعودية فيها والتي تعتمد المدرسة الوهابية المتطرفة.

4. إيصال كميات هائلة من القرآن المترجم إلى الألمانية والمطبوع في المملكة السعودية إلى ألمانيا وتوزيعه في الساحات والشوارع من قبل أناس يرتدون الزي الأفغاني باعتبارهم أعضاء في تنظيم القاعدة أو من المجموعة السلفة الأكثر تطرفاً وتعصباً وعنفاً. وقد برز هذا النوع من النشاط في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين).

5. تشكيل جماعات من الإسلاميين المتطرفين باسم "شرطة الشريعة"، الشبيهة لما هو موجود في السعودية تحت اسم شرطة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، في المانيا، والتعرض للنساء والرجال "في شوارع مدينة فوبرتال (غرب ألمانيا)، من خلال تنظيم دوريات حراسة ليلا لمراقبة السلوكيات... وطلبت "شرطة الشريعة"، التي تسعى إلى تطبيق متشدد لأحكام الشريعة، من مرتادي النوادي الليلة عدم شرب الكحول أو الاستماع إلى الموسيقى. كما طلبت من مرتادي أماكن اللعب عدم لعب القمار. وظهرت المجموعة في شريط فيديو انتشر على الانترنت ومن أفرادها المدعو سفين لاو وهو ألماني اعتنق المذهب السلفي، ويقول إنه من بين الداعين لتنظيم هذه الدوريات في بلد أوروبي أغلبية سكانه من المسحيين."[67] وهذا النشاط برز بشكل خاص في عام 2014 والذي رفضته وزارة الداخلية وفرضت إيقافه وتهديدهم بإقامة الدعوى ضد الفاعلين لإخلالهم بالأمن العام.

من خلال هذه النشاطات واستناداً إليها واعتماداً على الدول الراعية للجوامع والجمعيات الإسلامية برزت أولى الدعوات للسلفية الدينية وبرز أوائل السلفيين المنتمين للمدرسة الوهابية ولجماعة الإخوان المسلمين، وهم جميعاً ينتمون في الأصل إلى المذهب الحنبلي للفقيه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (780-855م)، والتي وجدت توسيعاً وتزمتاً أكبر لها في كتابات وتعليمات أحمد أبن تيمية (1263-1328م) ومن ثم على ايدي السلفي محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (1703-1791م). وهاتين المدرستين السلفيتين السعودية والمصرية اعتمدتا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين على عدد من الفقهاء الذين غاصوا بعيدا وشددوا من تعاليمهم المذهبية وأبرزهم في عبد العزيز بن عبدالله بن باز (1912-1999م)، ومحمد ناصر الدين الألباني (1914-1999م)، وأبو عبد الله محمد بن صالح بن عثيمين (1929-2001م)، وكذلك سيد قطب (إبراهيم حسين الشاذلي (1906-1966) وهو أبرز قائد إخواني في مصر وأعدم شنقاً، وحسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا (1906-1949م)، وياسر برهامي (1958م) القائد السلفي وغيرهم كثير. وأحد أبرز دعاة الإخوان المسلمين السلفيين الحاليين هو الشيخ يوسف القرضاوي (1926م) ومحمد سعيد رسلان (1955م). وتشير المعلومات المتوفرة إلى إن هؤلاء يعتمدون في دعواتهم السلفية على حكومات دول مثل المملكة السعودية وقطر والكويت والإمارات العربية وتركيا، وكذلك على قوى وشخصيات ذات إمكانيات مالية في هذه الدول وفي خارج أوطانهم.

فما هي السلفية وكيف تطورت هذه القوى في المانيا؟

ابتداءً يستوجب التمييز بين المسلمين الطبيعيين المؤمنين بدينهم ويمارسون واجباتهم الدينية وطقوسهم بصورة اعتيادية ومحترمة بغض النظر عن المذهب الذي يلتزمون به في إطار الإسلام ولا يتعرضون بالإساءة أو التكفير لأتباع المذاهب الأخرى، كما لا يتعرضون لأتباع الديانات الأخرى بالإساءة أو التحقير أو التكفير. ونجد هؤلاء الناس الطبيعيين في صفوف أتباع المذاهب العديدة في الإسلام، وهم يشكلون الغالبية العظمى من عدد المسلمين في العالم البالغ 1.8 مليار شخص في عام 2020.[68] وبهذا يختلفون عن السلفيين من مختلف المذاهب الدينية السنية أو عن المتطرفين الشيعة. والسؤال الذي يشغل البال هو: ما هي السلفية؟

السلفية حركة فكرية ذات خلفية سياسية واجتماعية صارمة تؤكد قوة الالتزام التام بالقرآن والسنة النبوية وانتهاج سيرة السلف الصالح منذ أيام النبي محمد والخلفاء الراشدين. وهي تلتزم بمبدأ النقل المتشدد عن السلف الصالح. كتب الشيخ أحمد الزومان ما يلي:

"فالدين الحق دين الإسلام، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومَن خالفه بعد ظهور الحق فهو مبتدِع من أهل الوعيد، وكون هذه الفرقة التي على الحق بين فرق كلها تدعي الإسلام، وأنها على الهدى، فلابد لها من اسم تتميز به، فيطلق عليها وعلى أتباعها تارة الفرقة الناجية والفرقة المنصورة وأهل الحديث وأهل الأثر وأهل السنة والجماعة وأتباع السلف، وتشتهر هذه التسميات في وقت من الأوقات كما اشتهر لفظ السلفية والسلفيين في هذا الزمن."[69]

السلفية ترفض الديانات الأخرى، سواء أكانت "سماوية" أم أرضية دنيوية، وترفض المذاهب الأخرى وتعتبرها خروجاً على الدين الصحيح أو الحق، وهم وحدهم يجسدون الدين الإسلامي النقي. يرفضون الطقوس الدينية التي يمارسها السنة والشيعة باعتبارها بدعاً لا تجوز في الإسلام. لا يمكن للإسلام أن يبقى ويدوم دون ان يحافظ على نقاوته كما كان في صدر الإسلام. ولهم الحق في ممارسة العنف والحرب والقتل لكل من يتجاوز على نقاوة الإسلام على وفق تفسيرهم لهذه النقاوة. ويعتمدون في ذلك على آيات قرآنية في دعوتهم، إذ يعتبرون أنفسهم هم المهتدون، كما في الآية التالية:

﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ [البقرة: 137].[70]

جاء في تعريف الإخوان المسلمين لأنفسهم ما يلي:

"جماعة من المسلمين، ندعو ونطالب بتحكيم شرع الله، والعيش في ظلال الإسلام، كما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكما دعا إليه السلف الصالح، وعملوا به وله، عقيدة راسخة تملأ القلوب، وفهمًا صحيحًا يملأ العقول والأذهان، وشريعة تضبط الجوارح والسلوك والسياسات. أسلوبهم في الدعوة إلى الله التزموا فيه قول ربهم سبحانه: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل:125).[71] الحوار عندهم أسلوب حضاري، وسبيل الإقناع والاقتناع الذي يعتمد الحجة، والمنطق، والبينة، والدليل."[72] والدعاية التي عملوا بها في مصر اقترنت بشعارين بارزين هما: "الحاكمية لله"، و "الإسلام هو الحل". وهم يعملون من أجل إقامة دولة إسلامية في الدول العربية ومن ثم في الدول ذات الأكثرية الإسلامية وأخيرة دولة إسلامية عالمية![73]

في الوقت الذي يلتقي السلفيون من حيث المبدأ بأهداف مشتركة من حيث الالتزام بالقرآن والسنة النبوية والسلف الصالح والتشدد في تطبيق الإسلام الحق والنقي، فإنهم يختلفون في أسلوب نشر دعوتهم وتعبئة الناس حولهم وفي الوصول إلى إقامة الدولة الإسلامية على ورفق رؤيهم الخاصة للإسلام والتي ينبغي أن تتوائم تماماً، كما يرون، مع ما كانت عليه في زمن محمد، وينقسمون إلى جماعتين أساسيتين: الدعوة السلمية المتزمتة لإسلامها، والدعوة الجهادية لإسلامها، أي إباحة العنف المتطرف في الوصول إلى الهدف. وقد عرف هذا التوجهان السلفيان انشقاقات كثيرة وتفرعات عنهما وبناء تنظيمات جديدة في مختلف الدول ذات الأكثرية المسلمة وفي الخارج بالاتجاهين. وإذا كانت الحركة الانسيابية بين التنظيمات السلفية الجهادية المتطرفة مستمرة، حيث ينتقل البعض من هذا التنظيم السلفي إلى تنظيم آخر أكثر أو أقل عنفاً، فأن حركة الانسياب بين التنظيمات السلمية المتزمتة والتنظيمات الجهادية هي الأخرى قائمة، سواء أكان ذلك في الدول ذات الأكثرية المسلمة أم في دول المهجر.



السلفيون في ألمانيا


إن المتتبع لمثل هذا التنظيمات في المانيا، يجد وجوداً لهذين الاتجاهين السلفيين، ويلاحظ تطوراً في عدد الجهاديين منهم على حساب عدد المسالمين المتزمتين من سنة إلى أخرى. فعلى وفق الأرقام المتوفرة الصادرة عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور عن عدد العناصر الإسلاموية المرتبطة بتنظيمات إسلاموية تشير إلى حركة صعود وهبوط من سنة إلى أخرى كما في الجدول التالي:

عدد الإسلامويين
السنة

32.100
2005

32.150
2006

33.170
2007

34.720
2008

36.270
2009

37.470
2010

38.080
2011

42.550
2012

43.190
2013

43.890
2014

24.400
2016

25.810
2017

26.560
2018


ومنه يتبين بأن العدد بلغ في عام 2005 بحدود 32.110 شخصاً، وارتفع في عام 2014 إلى أقصى الحدود وبلغ 43.890 شخصاً، ثم انخفض إلى 24.400 في عام 2016 ليعود فيرتفع إلى 25.810 في عام 2017، وإلى 26.560 عام 2018 شخصاً.[74] أما عدد السلفيين في ألمانيا فقد تطور خلال الفترة بين 2011-2019 على النحو التالي:

2011 (3.500) شخصا، 2012 (4500) شخصاً، 2013 (5740) شخصاً، 2014 (5680) شخصاً، 2015 (8350) شخصاً، 2016 (9.300) شخصاً، 2017 (10.500)، 2018 (11.500) شخصاً و2019 (12.150) شخصاً.[75]



والمعلومات المنشورة والصادرة عن المكتب الاتحادي للجريمة حول عدد الأشخاص الذين يشكلون خطراً فعلياً فقد بلغ 774 شخصاً في عام 2017، وانخفض إلى 702 في عام 2018، ثم انخفض في عام 2019 إلى 679 شخصاً. إلا إن المشكلة برزت في موقع آخر حيث ارتفع عدد الذين يقدمون الدعم والمساندة لهم من 42 شخصاً إلى 512 شخصاً خلال نفس الفترة.[76]

وفي آخر المعلومات فأن "التحقيقات التي تجريها الدوائر الأمنية ضد الإسلامويين، على حد قول آرمين شوستر، ممثل الاتحاد المسيحي في لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) لـ (د ب أ) إن هناك أكثر من ألف تحقيق، منها 890 لدى الولايات و150 تحقيقا يجريه المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة"[77]. كما تشير المعلومات المتوفرة إلى أن عدد الجهاديين الذين غادروا ألمانيا للمشاركة مع تنظيم الدولة الإسلامية في عملياتها الإجرامية في كل من سوريا والعراق بلغ 1000 شخص، قتل منهم ما يقرب من 240 شخصاً في معارك العراق وسوريا، وحوالي ثلث الذين بقوا على قيد الحياة عاد بطرق مختلفة إلى ألمانيا. وهذه المجموعة، ومن يأتي منها لاحقاً، تشكل خطراً على السكان والمجتمع في ألمانيا. وقد قدم البعض منهم إلى المحاكم الألمانية وصدرت أحكاماً بحقهم.[78]

والأسئلة التي تستوجب الإجابة عنها: لماذا هذا القلق والارتياب المتعاظم لدى نسبة عالية من الألمان إزاء الإسلام والمسلمين والمسلمات؟ ومن المسؤول عن تفاقم هذه الظاهرة؟ وهل هم على حق في ذلك؟ "تشير استطلاعات الرأي في ألمانيا في عام 2019 حول الموقف من المسلمين والمسلمات إلى عدد من المواقف التي تستوجب الدراسة الممعنة لمعرفة العوامل الكامنة وراء ذلك أولاً، والمتسبب فيها ثانياً، وسبل معالجتها ثالثا، والتي يمكن تكثيفها فيما يلي:

** 93% من المسيحيين في ألمانيا يجدون أن الحياة الديمقراطية في ألمانيا متينة، 91 % من المسلمين لهم نفس الرأي و83% ممن لا دين أو مذهب لهم. ((ZDF Heute 11.7.2019

** 57% من سكان شرق ألمانيا و50% من سكان غرب المانيا يعتبرون الإسلام تهديداً لنمط حياتهم. (Der Tagesspiegel 11.07.2019)

** 30% من سكان شرق ألمانيا، و16% من سكان غرب ألمانيا لا يريدن أن تكون عائلة مسلمة جارة لهم. (Welt 2019)

** 70% من الألمان يرفضون أن يعتبر الإسلام جزءاً من المانيا، 19% فقط يرون ذلك. (قارن ذلك مع استطلاع الرأي في عام 2006، راجع الملحق رقم 6).

** 51% من الألمان يرون أن العنف جزءاً من الإسلام، 31% لا يرون ذلك تماماً أو ليس كذلك.

** 71% من الألمان يرون بأن تأثر المسلمين كبير في ألمانيا، 23% لا يرون ذلك."Vocus 2019))

من هنا يتبين للمتتبع أن الحالة مقلقة حقاً ويمكن أن تتفاقم ما لم تعالج بروح مسؤولة وسياسات وإجراءات علمية وعملية تسهم في تغيير هذا الواقع لصالح التعايش الودي والديمقراطي بين مواطني مواطنات ألمانيا على وفق الدستور الألماني والقانون الألمانية المرعية.

عند الدراسة المعمقة لهذه الظاهرة السلبية يفترض أن لا يُنظر إلى المواقف غير المرتاحة من وجود المسلمين والمسلمات أو الرافضين لهم أو المعادين لهم من الرافضة للمسلمين والمسلمات أو المعادية لهم بمنظار واحد ورميهم جميعاً في سلة واحدة. فمثل هذا الموقف يقود إلى عواقب سلبية ومضرة بالعيش المشترك. يمكن التمييز بين أربع جماعات متباينة. في حالة إهمال هذا التمييز يمكن أن تصبح الحدود فيما بينها مفتوحة ومعرضة لقلق أكبر.

1) الجماعة الأولى التي لا ترى أي ضير في وجود مسلمين ومسلمات في ألمانيا وتعتبرهم إغناء إنساني وثقافي واقتصادي واجتماعي. إلا إن هذه الجماعة لا تشكل الأكثرية في المجتمع الألماني. وهي التي يفترض الحفاظ عليها وزيادتها.

2) الجماعية غير المرتاحة من وجود مسلمين لا بسبب وجودهم، بل بسبب كثرة عددهم وانعزال الكثير منهم وعيشهم في مناطق كثيفة بهم حيث يبدو الألماني غريباً بينهم، أي أشبه بـ "گيتو" خلقه المسلمون والمسلمات أنفسهم. ويمكن أن يلاحظ ذلك في أحياء معينة في برلين مثلاً، أو كراهية اليهود والتصرف ضدهم في المدارس.

3) الجماعة الثالثة الرافضة لهم لأسباب ترتبط يعامل عدة منها: كثرة وجودهم في مدن كبيرة في ألمانيا، توزيع القرآن في الساحات العامة وفي الشوارع، إقامة صلاة الجمعة في الشوارع وعلى مقربة من المساجد، ارتداء الحجاب والنقاب من جانب النساء المسلمات، وجود منظمات إسلامية سياسية متطرفة وتعمل بوعي ضد المجتمع الألماني وتتهم المسيحيين بالكفر من على منابر المساجد، وتدعو إلى اسلمة المسحيين والغرب عموماً، ومثل هذه المنظمات تشكل قيداً ثقيلاً على المسلمين والمسلمات أنفسهم بسبب تطرفهم وبسبب نقل معلومات عنهم إلى حكومات دولهم، لاسيما المنظمات الإسلامية السياسية والسلفية التركية التي تعمل بوحي من النظام السياسي في تركيا، تأثيرهم السلبي على طلبة المدارس الأتراك وعلى الحياة الاجتماعية للعائلات التركية. كما إن العنف الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي المتطرفة في سائر أرجاء العالم تخيف الناس وتدفع بهم إلى مناهضة هذا الوجود لخشيتهم من ممارسة العنف، وهو حاصل فعلاً في ألمانيا.

4) الجماعة الرابعة ه المعادية للمسلمين من منطلق أثني (عرقي) وفكري قومي شوفيني، وديني متعصب ضد الإسلام والمسلمين والمسلمات، وهم الذي يمكن أن يطلق عليهم باليمينيين الأكثر تطرفاً والنازيين الجدد. وهي التي تستفيد من مجموعة كبيرة من الأساليب والأدوات غير السليمة والسيئة التي تستخدمها قوى الإسلام السياسي المتطرفة والسلفة التي تؤدي إلى كسب هذه الجماعة المزيد من الناس اللمان إليها والتي يمكن ملاحظتها في التحولات الجارية في استطلاعات الرأي قبل عشرين سنة أو عشر سنوات والوقت الحاضر.

وفي ضوء هذا التمييز يستوجب تأكيد حقيقة إن قوى الإسلام السياسي المتطرفة والجماعة السلفية هما هماي المسؤولان عن جزء مهم من تفاقم هذه الظاهرة، والجزء الثاني تشترك به المنظمات والأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة. ومن الواجب مواجهة كلا الطرفين بحزم وصرامة، إضافة إلى تغيير الكثير من العادات والتقاليد المضرة بالعلاقات والحياة المشتركة مع الشعب الألماني.

ولا بد من التذكير بأن وجود السلفيين في ألمانيا برز ابتداء من نهاية السبعينيات وامتد ونما في عقد الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين حتى الوقت الحاضر. ومن هنا لا بد من تأكيد حقيقة أن ليس كل المسلمين والمسلمات مسؤول عن هذه الظاهرة المقلقة، بل يمكن اعتبار قوى الإسلام السياسي، لاسيما المتطرفة منها والسلفية والإرهابية، هي المسؤولة عن ذلك بشكل خاص. إذ لا بد من التذكير بأن وجود السلفيين برز في ألمانيا منذ نهاية السبعينيات وعقد الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين. لكن كانت نشاطاتهم متمركزة في المساجد وفي القاء المحاضرات، ولم يكن يشكل تهديداً قوياً في ألمانيا. إلا إن نشاط الإسلامويين، ومنهم القوى السلفية، برز بشكل خاص في أعقاب شن أربع طائرات مدنية بقيادة عناصر من تنظيم القاعدة هجمات إرهابية عدوانية وضربت أهدافاً لها في الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وهي برجا التجارة الدولية ووزارة الدفاع (البنتاگون)ن وفشلت الطائرة الرابعة بإصابة الهدف. وكانت نتيجة هذه الضربات، التي سجلت تحولات كبيرة في العلاقات والسياسة الدولية والذي اقترن بحادث لم يسبق له مثيل وضد الدولة النووية الأولى والقط الأوحد حينذاك والماسكة بالسياسة الدولية والمهيمنة على سياسة الأمم المتحدة عملياً، والذي أدى هذا الحادث إلى "سقوط 2973 قتيلا و24 مفقودا، إضافة لألاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة."[79] في الوقت الذي أثار هذا الفعل الهمجي موجة احتجاج عالمية ضد قوى الإسلام السياسي المتطرف التي خططت ونظمت ونفذت هذه العمليات الإجرامية، حيث اعترف تنظيم القاعدة بقيادة الشيخ السلفي الإرهابي أسامة بن لادن، السعودي الجنسية بمسؤوليته عنها، شعر الإسلامويون والسلفيون الأكثر تطرفاً بانتعاش ونشوة وشعور بالقدرة على اجتياح العالم الغربي وإنزال الضربات بأقوى دولة في العالم وتحقيق الانتصارات للـ"إسلام!" و"للمسلمين والمسلمات!" في سائر أرجاء العالم!

وفي أعقاب هذا العدوان الجنوني شنَّت الولايات المتحدة الأمريكية حربين غير ضروريتين وكانا أحد أكثر العوامل إساءة للعلاقات الدولية والسلم العالمي والأكثر دماراً منذ الحرب العالمية الثانية والتي أثارها المدمرة لا تزال مستمرة حتى الآن. شُنّت الحرب الأولى ضد أفغانستان في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2001، حيث أطيح بحكم حزب طالبان السلفي المتطرف والإرهابي الذي احتضن تنظيم القاعدة وقيادته وأسامة بن لادن أولاً، ومن ثم شنت الحرب الثانية ضد العراق باعتباره المتعاون مع تنظيم القاعدة "والملك للسلاح النووي!" في 20 مارس 2003. وإذ تحققت الحرب الأولى بموافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فأن الحرب الثانية تحققت بتحالف دولي خارج الأطر الشرعية وعدم موافقة مجلس الأمن الدولي وكلاهما تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبقيادة جورج دبليو بوش.

على إثر هذه الأحداث المتتابعة برز بوضوح كبير وتكثيف شديد تحرك قوى الإسلام السياسية المتطرفة، ومنهم السلفيون السلميون المتزمتون والجهاديون الأكثر تطرفاً وعنفاً في آن واحد، وبمختلف واجهاتهم وتسمياتهم في سائر أرجاء العالم وحيثما وجدوا، ومنه ألمانيا ضد دول الاتحاد الأوروبي المستهدفة أيضاً. وفي المانيا برزت أولى التحركات السلفية الملموسة في الفترة بين 2002-2004 على حد تقدير الكاتبة الألمانية نينا فيدل في كتابها الموسوم "حول صناعة سلفية ألمانية: النشأة، التطور، النشاط الدعوي للحركات السلفية في ألمانيا" والذي قالت فيه “إن سلفيي ألمانيا أسسوا روابط قوية مع علماء ودعاة وحركات السلفيين في مصر، السعودية والمغرب وغيرها من الدول العربية وغيرها من البلدان العربية، الذين قدموا إلى ألمانيا لإلقاء محاضرات في المساجد مثل السعودي محمد العريفي، والمصري محمد شريف حجازي."[80]

ابتداءً هي: من هم السلفيون في المانيا، وإلى ماذا يسعون، وما هي العواقب التي تترتب عن وجودهم وفعالياتهم في ألمانيا على الأكثرية المسلمة وعموم الشعب الألماني؟

إن مجموعة من المهاجرين إلى المانيا من أصول عربية وديانة إسلامية قد شاركوا في التخطيط لعمليات إرهابية في المدن الألمانية، كثيرٌ منها أحبط قبل التنفيذ، وبعضها أصابه الفشل، وبعضها الآخر نفذ وأدى إلى سقوط ضحايا كثيرة وجرحى أكثر. فالمعلومات المنشورة تشير إلى تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية في ألمانيا والتي انتهت بسقوط ضحايا وجرحى ومعوقين فيها خلال الفترة 2011-2019، وهي كالآتي:

"* سقوط قتيلين وجريحين في عملية إرهابية في مدينة فرانكفورت/ماين بتاريخ 2 أذار/مارس 2011.

* إصابة جريح واحد في عملية إرهابية في مدينة هانوفر بتاريخ 26 شباط/فبراير 2016.

* إصابة ثلاثة بجروح في عملية إرهابية في مدينة أيسن/باير بتاريخ 16 نيسان/أبريل 2016.

* سقوط قتيل و5 جرحى في عملة إرهابية في مدينة فُورتسبورغ/باير بتاريخ 18 نيسان/أبريل 2016.

* سقوط قتيل و4 جرحى في عملية إرهابية في مدينة أسباخ/ باير، بتاريخ 24 نيسان/أبريل 2016.

* سقوط 12 قتيل و62 جريح ومعاق في عملية إرهابية بشاحنة ضد المحتفلين بالكريسمس في ساحة بمدينة برلين في 19 كانون الأول/ديسمبر عام 2016.

* سقوط قتيل و6 جرحى في عملية إرهابية في مدينة هامبورغ في 28 تموز/يولي 2017.

* كما سقط بعض القتلى الألمان في عمليات إرهابية في مدن أخرى خارج ألمانيا."[81]

إن هذا الواقع، إضافة إلى حجم التفجيرات وضخامة عدد القتلى والجرحى والمعوقين والخراب والدمار والخسائر المالية في مدن أوروبية أخرى بشكل خاص، لاسيما في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، أو في دول عربية أو دول ذات أكثرية إسلامية، أثار ويثير دوماً قلقاً شديداً في نفوس السكان الألمان، ويشعرون بأن هذا الإرهاب ينطلق من مواقع دينية إسلامية متخلفة وعدائية تبيح قتل الكفار. فالتبشير الديني لعدد كبير حقاً من شيوخ الدين المسلمين التقليدين والمحافظين الإسلامويين والمتخلفين منهم عقلياً وحضارياً، إن لم نقل كلهم، يكفرون أتباع الديانة المسيحية وأتباع جميع الديانات الأخرى غير الإسلام والمسلمين والمسلمات! فالجميع كفار إلا هم، لأن الله قد أرسل نبياً لهم ألغي بمجيئه ودينه الجديد كل الديانات "السماوية" السابقة، وعلى أتباع كل الديانات الأخرى الإيمان بالإسلام ديناً وبمحمد كأخر نبي أرسل للبشرية جمعاء! كما إن أساليب وصيغ الدعاية في المساجد والمساجد أو عبر مواقع الاتصال الاجتماعية التي يبثها السلفيون والمتطرفون والفيديوهات التي ينشرونها بما فيها الذبح بقطع الرؤوس أو غيرها هي التي تبعث المزيد من القلق والخشية والكراهية في نفوس الأوروبيين، ومنهم الألمان.

وعلى وفق المعلومات المتوفرة تلعب كثيرٌ من الدول ذات الأكثرية الإسلامية مثل تركيا والسعودية وإيران وبعض دول الخليج وغيرها أولاً، والمنظمات والأحزاب والقوى الإسلامية السياسية فيها ثانياً، دوراً بارزاً في ترويج الفكر السياسي الإسلامي المتطرف ودعم بناء المساجد والمساجد أو بناء المدارس التابعة لها وتدريس الدين الإسلامي على وفق مناهجها الدينية المتطرفة، كما هو حال تدريس الدين على طريقة المدرسة الوهابية المتطرفة المنبثقة عن المذهب الحنبلي، أو تدخل سلطان تركيا الجديد رجب طيب أردوغان في التأثير المباشر على سياسة الإسلامويين الترك في ألمانيا في الضد من سياسة الدولة الألمانية والترويج للفكر القومي العنصري والديني المتعصب.

إن المتتبع لمجرى موجات اللجوء المستمرة من بلدن الشرق الأوسط عموماً، ومن لبنان والعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وإيران خصوصاً، صوب الدول الأوروبية، لاسيما إلى ألمانيا، التي تقبل أعداداً كبيرة منهم بالمقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى، أن يلاحظ بأن جمهرة كبيرة جداً من هؤلاء اللاجئين هم من الشبيبة الذين تتراوح أعمارهم بين 15-30 سنة والذين عاشوا مرارة الحروب والفوضى والسبي والاغتصاب والقتل والنهب والسلب، سواء أكان ذلك قد تم عبر الميليشيات المسلحة للتنظيمات الإرهابية الإسلامية السياسية الدولية، أم من ميليشيات طائفية مسلحة محلية ولها علاقات متنوعة وتبعية لدول الجوار، كما بالنسبة للعراق وسوريا ولبنان، مع إيران وتركيا دول عربية كالسعودية وقطر، أم تعرضوا لإرهاب الدولة وقمعها وقهرها، إضافة إلى معاناتهم من البطالة والفقر والفراغ وغياب الرؤية المتفائلة للمستقبل. وبالتالي فأن كثير من هؤلاء يعاني من علل نفسية وعصبية وجسدية مرضية تتجلى في سلوكيات جمهرة منهم وفي طريقة عيشهم وفي صعوبة حصولهم على عمل أو حتى عدم رغبتهم في العمل أو أسلوب تعاملهم مع الآخر. ويزيد في الطين بِلة عدم وجود منظمات مدنية كافية قادرة على لعب دور مساعد للنهوض بهؤلاء الشبيبة وتبيان مواطن الخلل في سلوكياتهم وطريقة حياتهم في ألمانيا وتصادمها مع عادات وتقاليد وثقافة الشعب الألماني أو عموم الشعوب الأوروبية. ولا شك في أن أغلب المهاجرين من هذه الدول هم من المسلمين والمسلمات، والتي ينقل كثير منهم عادات وتقاليد بلدانهم معهم ويصعب عليهم التخلص منها ويعيشون في الغالب الأعم فيما بينهم وفي عزلة عن الألمان، إضافة إلى مصاعب جدية في الحصول على فرصة عمل، مما يزيد من صعوبة تعلمهم اللغة الألمانية ومن الاندماج بحياة المجتمع الألماني اليومية. ومن المشكلات البارزة وجود تنظيمات مافيوية تسعى لاصطياد جمهرة غير قليلة منهم لزجهم في نشاطاتها المافيوية في مختلف الاتجاهات الرديئة التي تخضع للعقوبات القانونية في ألمانيا.

ولا بد هنا من الإشارة إلى وجود قوى إسلامية سياسية متطرفة تحمل عداءً واضحاً لليهود، سواء بسبب ما ورد بشأنهم في القرآن أو التقاليد والعادات التي نشأوا عليها في البلدان ذات الأكثرية المسلمة والتعليم التقليدي البالي في الموقف من اليهود عموماً، أم بسبب الصراع الجاري في منطقة الشرق الأسط، لاسيما بين الدولة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية والسياسات اليمينية التي تمارسها حكومة بنيامين نتنياهو إزاء الشعب الفلسطيني والأراضي المحتلة في الضفة الغربية وإزاء الحصار حول غزة وما ينشأ عن ذلك من قدرة منظمة حماس الإسلاموية المتطرفة في التعبئة ضد إسرائيل واليهود عموماً. ولا بد هنا من الفصل بين اليهود عموماً أو الذين يعيشون في ألمانيا وأوروبا، وبين السياسة اليمينية التي تنتهجها حكومة إسرائيل، وأن لا يُنقل الصراع إلى الساحة الألمانية وبين المسلمين واليهود، إذ في ذلك مخاطر فادحةً على الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم الاجتماعي في المجتمع الألماني.

إن الإسلام السياسي المتطرف والإرهابي الموجود في ألمانيا لا يشكل خطراً على الألمان وحدهم، بل هم يشكلون خطراً على كل المسلمين أيضاً ويحرمونهم من نظرة إيجابية من جانب الألمان إزاء وجودهم وعلاقاتهم معهم، وبالتالي يوفرون الأرضية الصالحة لليمين المتطرف والنازيين الجدد في تعبئة المزيد من الشبيبة الألمانية ضد الناس الطبيعيين واعتياديين والمسالمين من المسلمين والمسلمات المقيمين في ألمانيا.

كما إن هناك مجموعة صغيرة بين هؤلاء تدعي كون المسيحيين كفرة ولا بد من تحويلهم إلى الدين الإسلامي بل وأسلمة ألمانيا وعموم أوروبا. وهي تدعو من على منابر المساجد والمساجد إلى الخلافة الإسلامية. ليس هؤلاء جميعا من الإرهابيين أو على استعداد لممارسة الإرهاب. ولكن الذين آمنوا أو تبنوا تنظيمات إرهابية متطرفة مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو تنظيمات متفرعة عنها، هم الذين يمارسون العنف والإرهاب، ومنهم من غادر ألمانيا إلى سوريا والعراق بمساعدة فعلية من تركيا التي دعمت هذه التنظيمات ونشطتها ودربتها على استعمال السلاح في معسكرات على أراضيها، ليشاركوا في القتال ضد شعوب ودول المنطقة. كما حصل هؤلاء على دعم مباشر وغير مباشر من دول عربية مثل السعودية أو قطر أو الإمارات العربية.

إن تطرقنا بشكل واضح عن المصاعب التي يواجهها المسلمون والمسلمات في ألمانيا بسبب نشاط قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة ينبغي له أن يحرما من رؤية واقع آخر هو أن المسلمين والمسلمات يتمتعون في ألمانيا بحريات وحقوق تفوق ما يتمتع بها في بلدانهم، بل إن في الغالبية العظمى من بلدانهم إن لم نقل كلها، يواجهن غياب الديمقراطية ومصادرة الحقوق والاستبداد بشتى أنواعه، إضافة على البطالة والفقر والحرمان. فعل سبيل المثال وفي بلد أغلبية سكانه من المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت، نجد إن متوسط حصة الكنيسة الواحدة من المسيحيين الألمان دون خلفية أجنبية، بغض النظر عن عضويته في الكنيسة أملا بلغ 1359 شخصاً في عام 2018، في حين كان متوسط حصة المسجد الواحد في ألمانيا للمسلمين، بغض النظر عن أداءهم للشعائر الدينية أم لا، بلغ لنفس العام 1819 شخصاً، وهو تعبير عن تساهل كبير في بناء المساجد، في حين لا يجد المتتبع في المملكة السعودية مثلاً أي كنيسة مسيحية واحدة أو في الإمارات العربية رغم وجود مسيحيين يعملون هناك.[82]

هل طارق رمضان من مجددي الإسلام أم من سلفييهم بثياب مهلهلة؟

منذ عدة عقود وأفراد من عائلتين مصريتين إسلاميتين سلفيتين متشابكتين يعيشون في سويسرا، كان الأول هو سعيد رمضان، الإسلامي الإخواني المتطرف، المتزوج من أبنة زعيم الإخوان المسلمين حسن البناء وسكرتيره اخاص. غادر سعيد مصر إلى المانيا وعاش في كولون فترة من الزمن لاجئاً أثناء فترة حكم جمال عبد الناصر. ومن بين أبناء وبنات سعيد رمضان برزت شخصيتان هما هاني وطارق اللذان يعيشان في سويسرا ويتنقلان في عموم أوروبا، وكلاهما ينتهجان فكر الإخوان المسلمين السلفي المتطرف، أحدهما بصورة مكشوفة وهو هاني سعيد رمضان، والثاني يطرح نفسه مجدداً للإسلام في أوروبا، وهو طارق سعيد رمضان. وتشير العديد من الصحف في أوروبا إلى أن لطارق رمضان كثير من المؤيدين المسلمين والمسلمات بسبب ادعاءه بتجديد الإسلام. إن القراءة المدققة لكتابات طارق رمضان تكشف عن زيف هذا الادعاء، بل تؤكد بأنه كان ومازال يعيش في حضن الفكر السلفي من حيث الجوهر والموضوعات (الأطروحات) الأساسية للفقه الإسلامي التي يتشبث بها السلفيون والإخوان المسلون.

ولد طارق رمضان في جنيف في عام 1962، وهو حفيد حسن البنا (1906-1949م) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذي اغتيل عام 1949، وابن سعيد رمضان سكرتير حسن البنا الخاص في حينه. تزوج من امرأة فرنسية وتبنت الإسلام ديناً لها. نشر كتب كثيرة طرح فيها وجهة نظره، وأقنع كثير من السياسيين الأوروبيين بأنه يعمل على تجديد الإسلام ومن أجل الاندماج في المجتمعات الأوروبية. أغلب هؤلاء السياسيين الأوروبيين، إن لم نقل كلهم، لم يقرأوا طارق رمضان ولم يتعرفوا على وجهات نظره الفعلية في الإسلام، بل ربما استمعوا إلى بعض أفكاره ووجدوها مناسبة لأوروبا ومن منطلق موقعهم من دينهم أيضاً، كما في موقف السياسي العمالي توني بلير الذي دعا رمضان للحضور والمشاركة في ندوة لعلماء مسلمين للبحث في تصاعد العنف المتطرف لقو الإسلام السياسي المتطرف والفاشي في بريطانيا حيث سقط في هجوم همجي في 7 تموز/يوليو 2005 بلندن سقط على أثره 56 قتيلاً و700 شخصاً من الجرحى والمعوقين.[83]

هذا الادعاء لا يصمد أمام ما ينشره ويدعو له كأحد الدعاة النشطين والكتاب البارعين بين الجماعات الإسلامية في أوروبا، لاسيما في الموقف من رفضه إعمال العقل بدلاً عن النقل والإيمان المطلق بقدرة الخالق الكلية على توجيه الإنسان صوب الصواب ودور الدعاة في إبعاد الإنسان عن الخطأ وطريق الضلال، أو في الموقف من عالمية وأزلية وابدية الإسلام والتعاليم الإسلامية الواردة في القرآن والسنة والسلف الصالح. ولا يختلف طارق عن بقية السلفيين في الموقف من الفلسفة والفلاسفة، وخاصة موقف أبو حامد الغزالي (1058-1111م) في موقفه المناهض للفلسفة وكرهه للفلاسفة الذين يستخدمون العقل في تفسير الأحداث وفهم الواقع. ويشير الدكتور رالف غضبان بصواب على واقع أن رمضان وغير من المدعين زيفاً بالتجديد أنهم يستخدمون منجزات العلم والتقنيات الحديثة، ولكنهم يرفضون القيم الإنسانية الحديثة مثل المجتمع المدني وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وعموم الحياة في المجتمع الغربي.[84] إن المهمة الرئيسية التي يسعى إليها طارق رمضان لا تختلف عن مهمة السلفيين الذين يعيشون في أوروبا والتي تتركز في سبل جعل الإسلام جزءاً من أوروبا ومن ثم تحويل أوروبا إلى الإسلام في المحصلة النهائية باعتبار الإسلام هو أخر الديانات السماوية وهو الذي ينسخ الديانات الأخرى وعلى البشرية جمعاء أن تأخذ بالإسلام ديناً، وهو حين يدعو إلى الحوار بل بهدف التعايش المتجاور بين المسلمين والمسلمات وبقية أتباع الديانات الأخرى، بل لإقناعها بصواب وصحة الدين الإسلامي فقط بعد أن نسخ الله الديانات الأخرى بتنزيل القرآن على آخر الأنبياء محمد. وهو مؤمن كبقية السلفيين أو المسلمين المتطرفين بأن من هو غير مسلم فهو كافر!

إن الدعوة في أن يكون الإسلام جزءاً من أوروبا دعوة خاطئة، والصحيح هو أن الفرد المسلم أو المسلمة هما ضمن أفراد المجتمع، كما هو حال المسيحي والمسيحية في دولة علمانية تفصل بين الدين والسياسة والدولة، فدين الفرد لله والوطن للجميع. إن إيمان طارق رمضان يبرز في دعوته التي تبناها من جده لأمه ومن أبيه في أن الإسلام هو الدولة والدين في آن واحد، هو السياسة والاقتصاد والمجتمع وكل شيء، وأن الإسلام هو الحل لكل المشكلات التي تواجه المجتمع وأن الحاكمية لله.

في لقاء فكري بين الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مع الإسلامي طارق رمضان أكد الأخير، اعتمداً على بعض الاستطلاعات، ما يلي: أنَّ ثمانين في المائة من المهاجرين المقيمين في أوروبا القادمين من بلدان إسلامية يعتبرون مسلمين لا يطبِّقون تعاليم الدين ولا يلتزمون بها".[85] ولكن كان على طارق أن يضع أمام المستمعين حقيقة موقف كثرة من المسلمين والمسلمات من قوى الإسلام السياسي في بلدانهم ومن النظم السياسية فيها. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن إيراد موقف الترك في ألمانيا من الدولة المدنية والعلمانية الألمانية ومن النظام السياسي والدولة التركية التي يرأسها عضو في تنظيم الإخوان المسلمين عالميا ورئيس الجمهورية التركية رجب طيب اردوغان. وقد صوت غالبية الترك في المانيا إلى جانب منح أردوغان سلطات إضافية تزيد على ما لديه من سلطات لتحول تركيا إلى دولة تسلطية باسم الإسلام، وأشارت الصحف الألمانية إلى تفاقم الخلافي بين ألمانيا وتركيا ومنها ما ورد في صحيفة فايننشال تايمز، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

"كانت خلافات قد نشبت بين الحكومتين، الألمانية والتركية، على خلفية سعي الأخيرة لإقناع المواطنين الأتراك المقيمين في ألمانيا بالتصويت في استفتاء تركي لصالح منح الرئيس رجب طيب أردوغان سلطات إضافية. وقالت الصحيفة إن تركيا تستمر في لعب دور كبير في شؤون الجالية المسلمة في ألمانيا من خلال مؤسسات تخضع لإشراف تركي وتشرف بدورها على ثلث المساجد في ألمانيا تقريبا. وترى السلطات في ألمانيا أهمية متزايدة لاندماج المسلمين في المجتمع الألماني لمحاربة التطرف، حسب الصحيفة. وقد زاد الاهتمام بقضية اندماج المسلمين في المجتمع عقب وصول مليون لاجئ مسلم إضافي إلى ألمانيا في العامين 2015- 2016. وتستمر تركيا في لعب دور كبير في حياة المسلمين المقيمين في ألمانيا من خلال ما يسمى "الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية"، وهي أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا، حيث تشرف على 900 مسجد من أصل 2400 مسجد في البلاد. وتشير الصحيفة إلى أن الأئمة في المساجد التابعة للاتحاد الإسلامي التركي يلقون الخطب باللغة التركية، ويقبضون رواتبهم من الحكومة التركية."[86] والوقائع تشير إلى أن نسبة عالية من مواطني ومواطنات الدولة التركية من الترك (عدا الكرد) قد صوت لصالح أردوغان كما صوتوا لصالحه وصالح حزبه الإسلامي "العدالة والتنمية" في الانتخابات العامة.

والمعلومات المتوفرة تؤكد وجود تدخل فظ ومستمر للنظم السياسية في الدول ذات الأكثرية المسلمة التدخل المستمر في شؤون المسلمين في الدول الأوروبية وتدفع بها إلى التطرف والابتعاد عن الديمقراطية وعن الاندماج الفعلي في المجتمع الألماني، تماماً كما تمارسه القوى الإسلاموية المتطرفة، ومهم القوى السلفية.

وهنا لست معنياً بما يؤخذ عليه في الجانب الاجتماعي، وهو كثير، إذ يمكن العودة في هذا الصدد إلى عدد من الكتاب العرب بشأن سلوك طارق رمضان السياسي والاجتماعي، ومنهم الكاتب الجزائر مدني قصر في مقاله الموسوم " أفكار الإسلامي طارق رمضان الدينية التعصبية أخطر من قصصه العاطفية".[87]

إن المعايير المنشودة للمسلم الأوروبي طرحها الأستاذ الدكتور بسام طيبي في عام 1992 والتي تعتبر الرؤية الواقعية والسليمة المنشودة والتي لخصها بما يلي:

"** قبول الديمقراطية. ** قبول فصل الدين عن السياسة أي العلمانية. ** قبول حقوق الإنسان الفردية. ** حرية العقيدة، التسامح بالمفهوم الحديث لا الإسلامي. ** الاعتراف بالمجتمع المدني التعددي."[88]




















أحد عشر: المخاطر التي يشكلها تنامي اليمين المتطرف والنازية الجديدة على الحياة الديمقراطية في المانيا


إن تزايد نفوذ ودور وتأثير قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة في المانيا يثير مخاوف جدية لدى الغالبية العظمى من الشعب الألماني على تراجع الديمقراطية التي يتمتعون بها منذ نهاية الحرب العلمية الثانية حتى الآن، كما يثير كافة الأحزاب التي تشارك في الحكم وقوى اليسار والخضر والقوى الديمقراطية كافة لثلاثة أسباب جوهرية:

1) الدور السلبي المتفاقم الذي تلعبه قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة في تهديد الحياة الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلم الاجتماعي في ألمانيا وفي التجاوز على دستور ألمانيا الديمقراطي.


ويبرز هذا الدور من خلال جملة من الظواهر والأفعال التي نشير إلى عدد منها فيما يلي:

* العنف المفرط الذي تمارسه القوى الأكثر تطرفاً وشراسة والتي ازداد عدد الممارسين لهذا العنف، سواء أكان بالقتل الفردي أم إصابتهم بجروح وعاهات عبر العمليات الإرهابية الفردية والجمعية وإشعال الحرائق.

* دفع الناس التشكيك بالديمقراطية وقدرة النظام على حماية الناس، لاسيما الجماعات المستهدفة من هذه القوى، وهم المسلمون والمسلمات واليهود والعناصر الديمقراطية واليسارية.

* دفع الحكومة والبرلمان الاتحادي إلى اتخاذ إجراءات تسمى احترازية ضد نشاط قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة والتي لا تقتصر عند اتخاذها على هؤلاء بل تشمل المجتمع كله، منها مثلاً الرقابة على الهواتف أو نصب الكاميرات في الساحات العامة والشوارع وكثير من الكاميرات التي ترصد حركة الناس، أو الرقابة على مواقع الاتصال الاجتماعي والحد من حرية وحركة الأشخاص والتدخل عملياً في الشؤون الخاصة التي يفترض أن تصان وتحترم. وهي التي تسببت باحتجاج كثير من القوى الديمقراطية على تلك الإجراءات.

* توجيه المزيد من الإساءات والتهديدات للمسؤولين في المحافظات، ابتداءً من النواحي ومروراً بالأقضية والمدن الكبيرة، وكذلك ضد أعضاء في البرلمانات المحلية أو البرلمان الاتحادي، وكذلك ضد قيادات في الأحزاب الحاكمة أو في المعارضة، والتي تضعف إلى حد غير قليلة قدرة هؤلاء على مواجهة المشكلات القائمة أو الدفاع عن الجماعات التي يمكن أن تتعرض للإرهاب. وقد نفذ اليمينيون المتطرفون والنازيون عمليات اغتيال فعلية بما يشي إلى عزمهم على تنفيذ ما يهددون به، كما يدفع بالمهددين إلى الخشية والتراجع عن الوظائف التي يؤدونها، كما أُشير إلى ذلك ساقاً.

* وتقوم هذه القوى بالتشكيك بالديمقراطية وثقافة التسامح من خلال النشرات والكراسات والكتب التي يصدرونها والموجهة للأطفال وتلاميذ المدارس والشباب والتي تمجد القومية بمضمونها العنصري (العنصر الآري الجرماني)، ونشر الحقد والكراهية إزاء الآخر، وتمجيد التراث الإمبريالي الألماني والقوى الفاشية بأساليب غير مباشرة وأحياناً مكشوفة.

* الترويج المستمر للعلاقة بين القوة والحق وإن الحق لا يصان إلا بالعنف وامتلاك ناصية القوة للحفاظ على الحقوق أو انتزاعها، إضافة على تمجيد البطولة والاحتفال ببعض الأحدث والتواريخ التي تعبر عن الروح القومية الشوفينية والعنصرية.



2) مخاطر وجود قوى يمينية متطرفة ونازية جديدة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، لاسيما في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.


تشير المعطيات المتوفرة والتقارير المنشورة والكتب المهنية الصادرة بصدد وجود عناصر وأفكار ونشاط اليمين المتطرف والنازية الجديدة في صفوف القوات المسلحة الألمانية أولاً، وإلى تنامي ملموس في هذا الوجود ونشاط ثانياً، وإلى المخاطر التي تحف بمثل هذا الواقع والتنديد به والتحذير من تناميه ثالثاً. والمخاطر التي يراها الديمقراطيون واليساريون الألمان من وجود قوى يميني متطرفة ونازية جديدة في الجيش والشرطة والأمن والمخابرات العسكرية والقضاء تنبع من طبيعة هذه القوى المعادية للديمقراطية واحترام كرامة وحقوق الإنسان وحرياته الشخصية، إضافة إلى ما يمكن أن يبرز من تميز بين الناس في التعامل، لاسيما في مراكز الشرطة أو التحقيق الذي يجريه القضاء، أو إيصال المعلومات السرية عن تحركات الجيش والشرطة وأجهزة الأمن ضد الجماعات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة أو المساعدة في اخفائهم أو إبلاغهم باحتمال صدور قرارات باعتقالهم.

إلا إن الأكثر خطورة في نشاط هذه القوى يبرز في نشرهم للفكر اليميني المتطرف والنازي الجديد في صفوف القوات المسلحة والعمل على كسبهم لتنظيماتهم السرية أو تكوين سياج يحميهم من محاولات الدولة في تصفية المواقع الفكرية لهم. فبعض هذه القوى لا يخفي عداءه الثابت لوجود جمهورية ألمانيا الاتحادية ودستورها الديمقراطي العام ويسعى إلى تصفيتها وبناء امبراطورية المانيا الجديدة وممارسة سياساتها المعروفة. وقد أتينا على ذكر هذه التنظيمات الأكثر صراحة في عدائها للجمهورية القائمة، وان اختلفت بعض أهداف هذه لقوى إلا إنها تشترك في الموقف المناهض للديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، لاسيما قوى النازية الجديدة الإرهابية ومواطنو الرايخ (الإمبراطورية) والجماعات الأكثر راديكاليةً من اليمين الألماني التطرف.

فالمعلومات المتوفرة تشير بما لا يقبل الشك إلى تنامي عدد الجنود الذين يؤمنون بالفكر اليميني المتطرف والنازية الجديدة. فقد كتبت مارتينا رينر، المتحدثة باسم السياسات المناهضة للفاشية في مجموعة اليسار DIE LINKE البرلمانية. في البوندستاغ، إن المخابرات العسكرية الألمانية (MAD) قد كشفت عن أربعة متطرفين يمينيين. يقال على أن جميع الحالات الفردية، وأن ليست هناك شبكات يمينية في الجيش الاتحادي. إن هذا الادعاء لا يمكن الوثوق به في ضوء سلسلة الحوادث الكاملة التي لوحظ مشاركة الجنود فيها، وهي من ضمن الأعمال التي يقوم بها النازيون الجدد في السنوات الأخيرة. إلا إن الجيش الاتحادي والمخابرات العسكرية الألمانية ينفيان باستمرار ذلك ولا يتحدثان عن مدى قوة النزعات النازية الجديدة في الجيش. إذ من خلال التستر وإشاعة الغموض، فإنهم يخاطرون بتوفير الفرصة للنازيين الجدد بأخذ الأسلحة والذخائر والقدرات العسكرية من مخازن الجيش واستخدامها في أعمال العنف وتنفيذ الهجمات". وقد أوردت السيدة رينر مجموعة من الحوادث التي وقعت ف الجيش، بما فيها إداء التحية النازية، أو تبادل المعلومات عن اعتقال وتعذيب وقتل يساري بين آمرية قوات النخبة الخاصة Eliteeinheit Kommando Spezialkräfte (KSK).[89]

ونشر موقع ميركوري تقريراً بعنوان "حفلة تحية هتلر" بتاريخ 20/03/2020 جاء فيه: "ولكن الآن هناك فضيحة جديدة - وهذا جزء واضح من سلسلة من القضايا اليمينية في Bundeswehr. بالإضافة إلى مواطني الرايخ أو المناقشات حول تحية هتلر والصخور اليمينية في الحفلات، يقال أن هناك ضابط صف من القوات الخاصة يقود وحدة النخبة وهو متطرف يميني."[90]

كتبت مجموعة من العاملين في ستوديو التلفزيون الاتحادي ARD وهم الثلاثي ميخائيل گوتچنبيرگ، ماري فون مالنكوروت وكرستوف پروسل Michael Götschenberg, Marie von Mallinckrodt und Christoph Prössl دراسة جاء فيها: "يُظهر العديد من الجنود عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعلانية عن مواقفهم اليمينية المتطرفة. وتشير الدراسة إلى ارتكاب 150 نشاط سياسي يثير الفتنة في القوات المسلحة في عام 2018 في مقابل 167 حالة في عام 2017 في حن كانت 63 حالة في عام 2016. ويشيرون إلى أن من الصعوبة تحديد عدد الأشخاص الذي ينخرطون في مواقفهم مع اليمينيين المتطرفين والنازيين الجدد. [91]

وفي تقرير للمخابرات العسكرية الألمانية militärische Abschirmdienst (MAD) يشير إلى واقع وجود 550 يميني متطرف ونازي جديد من مجموع 180000 من افراد الجيش الاتحادي الألماني، وهو عدد قليل بالقياس إلى المجموع الكلي، ولكن يحمل هذا مع ذلك مخاطر جدية، ويصعب تقدير من هم لا يُظهرون مواقفهم اليمينية علناً. وتدرس المخابرات العسكرية الألمانية ما تزال تدرس 360 حالة لقوى اليمين المتطرفة والتي يمكن ان تكون محذرة من مخاطر جدية.[92]

تشير معطيات أخرى إلى اكتشاف أجهزة الأمن الألمانية خلايا وعناصر تعمل في القوات المسلحة، في الجيش والشرطة، وهي تدين بالولاء لقوى يمينية متطرفة أو نازية جديدة، وهي التي تقوم أيضاً بتوفير السلاح والعتاد للعناصر والخلايا التي تمارس العنف والقتل الفردي والجماعي، أو مساعدتها للحصول عليها من السوق الموازي. والمخاطر الناجمة عن وجود وتنامي هؤلاء في القوات المسلحة جدية، بسبب تأثيرها السلبي والمباشر على عمل وسمعة وعلاقة هذه القوات بالقوت المسلحة الأخرى في حلف الأطلسي وفي الدول الأوروبية بشكل خاص وبالعلاقات الديمقراطية في القوات المسلحة ومع الفرد والمجتمع. ولا بد من تقدير المخاطر التي تنشأ عن واقع أن هؤلاء جميعاً لهم الحق في حمل السلاح واستخدامه عند الضرورة، ومدى تأثير ذلك على دولة القانون والدفاع عن الأنسان وإرادته ومصالحه. إذ يمكن أن يكون لها دور تمييزي وتخريبي وإلحاق الأضرار بسياسة الدولة الألمانية في المجالات السياسية والعسكرية وعلاقاتها الدولية. ونورد هنا على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في تقرير نشر عن كتاب الصحفية هايكة كلفنر Heike Kleffnerوالسيد ماتياس مايسنر Matthias Meisner الموسومين "في صفوف الساكسونيين – بين الغضب والترحيب" الصادر عام 2017 عن دار اليسار، وكتاب "الأمر الاستثنائي – يمينيون متطرفون في الشرطة، الجيش الاتحادي، والقضاء" الصادر عام 2019 على عن دار هيردر.[93]

وقد جاء في هذا التقرير: "عندما عاد عدد أعمال العنف اليمينية في عام 2016 إلى مستوى ارتفاعه في أوائل التسعينات من القرن العشرين، وحين بادرت پيگيدا Pegida في دريسدن برفع شعار "لا إلى المنزل" وتظاهرت كل أسبوع، ثم نزل عشرات الألوف من اليمينيين الغاضبين إلى شوارع الجمهورية. في حينها أقدم المدعي العام الاتحادي بإصدار أمر باعتقال مجموعة فرايتال اليمينية الإرهابية في مدينة فرايتال الصغيرة الساكسونية، التي نفذت في فترة ستة أشهر فقط خمس هجمات إرهابية على اللاجئين والسياسيين المحليين ومشاريع الإسكان البديل للاجئين. وقد اثارت هذه الهجمات شكوكاً تؤشر تورط الشرطة في تزويد النازيين الجدد بالمعلومات، وحذروا من إجراءات يمكن أن يتخذها زملاء لهم. وفي حينها خسر نائب رئيس ولاية سكسونيا مارتن دوليج (SPD) شعبية كبيرة لدى الشرطة، بعد أن افترض وعبر عن ذلك في مقابلة "زيت" بقوله بوجود تعاطف أكبر مع Pegida وAfD في أوساط الشرطة من وجود مثل هذا التعاطف كمتوسط بين السكان". ثم قال دوليج: "إن ضباط الشرطة لدينا هم ممثلو دولتنا. وبصفتنا موظفين، يمكننا أن نتوقع أنهم استوعبوا العناصر الأساسية للتربية السياسية. ”وأشار دوليج بهذا الصدد إلى الشرطة وساكسونيا.[94]



3) المخاطر الكبيرة على تصدع الوحدة الأوروبية وعلى تنامي التناقضات والصراعات الداخلية وعلى عملتها الموحدة (اليورو) ومجمل تطورها الاقتصادي.



تؤكد كثير من الدراسات الجادة والبحوث التطبيقية إلى واقع تنامي مختلف أطياف اليمين في المجتمعات الأوروبية، سواء الشرقية منها أم الغربية، ابتداءً من اليمين المحافظ إلى اليمين المتطرف واليمين الإرهابي. ومع وجود نقاط التقاء جوهرية بين جميع هذه الأطياف من حيث المواقف القومية وصورة ألـ "أنا" في مواجهة صورة ألـ "آخر" العدو، فأن اليمين المحافظ لا يستهدف تغيير النظام السياسي القائم، بل تعديله في الموقف من الأجانب أو قضايا اقتصادية أخرى، إلا إن قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة تعمل ضد النظم السياسية القائمة وتسعى إلى إقامة نظم سياسية جديدة تقوم على أسس غير بعيدة عن النظم الاشتراكية الوطنية في فترة الهتلرية أو إيطاليا في زمن الفاشية الموسولينية. والأمثلة القريبة المتجهة صوب المزيد من التوغل في السياسات اليمينية المتطرفة تقدم لنا كل من هنغاريا وبولونيا بشكل خاص. إن نمو وتطور الاتجاهات اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة تشكل مخاطر جمة على الوحدة الأوروبية لأنها:

** تدعو إلى الدولة القومية والاستقلالية ورفض الكوسموبوليتية التي يعرضها قيام الوحدة الأوروبية. فهي تسعى عملياً على حل الوحدة الأوروبية.

** إنها ترفض العولمة لا من منطلق رفض الرأسمالية واحتكاراتها، بل لأنها تخشى التفاعل بين الشعوب والقوميات وبين الثقافات، ولأنها تضعف القيود الدولية على الهجرة والنزوح. فهي تشكل الوجه السياسي الثاني للرأسمالية في الاقتصاد.

** وهي ترفض الهجرة الأجنبية إلى بلدانها، بما في ذلك الهجرة من دول أوروبا الشرقية الأعضاء ف الاتحاد الأوروبي، وخاصة من الشعوب السلافية، لأنهم على قناعة مضللة بأن الألمان هم من الشعب الآري الذي يتفوق على الشعوب الأخرى في كل شيء!

** واليمين المتطرف يدعو إلى إقامة نظام يفرض النظام والقانون بالقوة، والذي لا يعني سوى إقامة نظام دكتاتوري شبيه بالنظام الدكتاتوري المطلق وشخصية الدكتاتور الأوحد الذي يمتلك الجاذبية الفاتنة (Charisma) والمؤثرة والمعبئة للشعب، والذي في مقدوره مصادرة الحقوق والحريات الفردية والعامة برضى كثير من المخدوعات والمخدوعين بالشعارات الشعبوية والعنصرية التي ترفعها هذه القوى المتطرفة. أي إنها تسعى لإيهام الناس بأفضليتها بأمل إنهاء وجود النظام السياسي الديمقراطي البرجوازي القائم حالياً لصالح البرجوازية الكبيرة والاحتكارية.

** وهذه القوى تسعى إلى إخراج ألمانيا من منطقة اليورو لصالح المارك الألماني، علماً بأن ألمانيا هي المستفيدة الأكبر من الوحدة الأوروبية ومن توحيد العملة الأوروبية باليورو. وهذا الموقف ينبع من الرؤية القومية اليمنية المتطرفة التي تريد أن تكون متفردة في كل شيء بما فيها العملة إزاء القوميات والعملات الأخرى. ونجد هذا الموقف نفسه لدى القوى القوية اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا أيضاً

** ومن يتابع الوضع في الاتحاد الأوروبي يرى بوضوح تفاقم الخلافات والصراعات بين الدول الأعضاء بالنسبة للعديد من القضايا المطروحة في السياسات الداخلية أم الإقليمية أم الدولية، ومنها الموقف من الديمقراطية وعلاقة السلطة التنفيذية باستقلالية القضاء أو الموف من اللجوء والهجرة أو من تشكيل جيش أوروبي مشترك...الخ. وتقدم العلاقات المتوترة بين الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي وبين كل من هنغاريا وبولونيا بشكل خاص نموذجا للسياسات اليمينية المتطرفة لحكومتي البلدين الأخيرين، مع وجود ملامح مقاربة لهما في دول أوروبية أخرى مثل بلغاريا والبانيا والتشيك. فكل المؤشرات السياسية المتوفرة تشير بما لا يقبل الشك إلى تطور سريع نحو التسلط الفردي والدكتاتورية اليمينية المتطرفة في هنغاريا، لاسيما في زيادة صلاحيات رئيس الوزراء فيكتور أوربان من جهة، وتقليص شديد في صلاحيات مجلس النواب ومصادرة حرية الإعلام والضغط المتزايد على قوى المعارضة، وخاصة في اعقاب إجراءاته في ما ادعاه لمواجهة وباء كورونا من جهة ثانية.

ويقدم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صورة جديدة عن العلاقات الأوروبية المحتملة في الفترة القادمة ما لم يجرِ تغيير فعلي في كثير من السياسات الراهنة التي تمارسها دول الاتحاد الأوروبي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي ذاتها والتي تُستثمر الأخطاء الفادحة التي ارتكبت وترتكب بتتبع خاص ومستمر من جانب قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة، لاسيما العلاقات الاجتماعية التي تثير كثير من التناقضات بين الشغيلة المنتجة للخيرات المادية وأصحاب رؤوس الأموال، بين العمل ورأس المال، بين الفقراء المتزايد عددهم وبين القلة المتزايدة غِناً واحتكاراتها الكبرى العابرة للقارات، بين مستوى المعيشة المتباين والمتباعد باستمرار.


اثنا عشر: سبل مواجهة فكر وسياسات وممارسات قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة
وقوى الإسلام السياسي المتطرفة في ألمانيا


تؤكد جميع الدراسات والأبحاث الجادة للكتاب والإعلاميين والسياسيين الديمقراطيين أن الدولة الألمانية قد أغفلت واستهانت وأهملت لفترة طويلة مواجهة قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة ونشاطاتها وفعالياتها المناهضة للدستور الألماني والقوانين الألمانية وكرامة الإنسان وحقوقه، والمعادية للأجانب المقيمين في المانيا أو للاجئين إليها ومعاداة السامية. كما أهملت ولفترة طويلة قوى الإسلام السياسي السلفية والمتطرفة ونشاطاتها المسيئة لكل الأجانب والداعية إلى الخلافة الإسلامية أو أسلمة ألمانيا أيضاً. وفي الوقت ذاته ساوت في الرصد والمراقبة والمتابعة بين هذه القوى وقوى اليسار عموماً واليسار المتطرف خصوصاً. في حين كانت كل الدلائل المتوفرة تشير إلى أن مخاطر جدية من احتمال تنامي وتطور قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة تفوق أضعاف المرات مخاطر القوى الأخرى التي كانت في عداد القوى اليسارية المتطرفة التي ترصدها المخابرات الألمانية الداخلية. ولم تميز الأجهزة المسؤولة بين المواقف المتباينة لهذه القوى. ففي الوقت الذي تسعى قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة إلى إنهاء وجود الدولة الألمانية الدستورية، ودولة القانون والديمقراطية، وإلى إقامة دولة القائد الأوحد والمتفرد في حكم البلاد، لم تسع القوى اليسارية إلى ذلك، بل كانت تدعو إلى تعميق النهج الديمقراطي في البلاد وتقليص الفوارق بين الأغنياء والفقراء. وكانت هناك بعض القوى اليسارية المتطرفة التي كانت تتسم بالفوضوية والتخريب في احتفالات الأول من أيار/مايس من كل عام مثلاً. إن هذه الاستهانة والإهمال أديا إلى ما هو عليه الوضع حالياً والذي يشير إلى تفاقم في دور قوى اليمين المتطرفة والنازية الجديدة ونشاطاتها وتأثيرها في الناس لاسيما في صفوف الشبيبة والجماعات ذات المستوى المتدني ثقافياً.

ومن جانب آخر فأن الإهمال في رؤية ومواجهة قوى الإسلام السياسي المتطرفة لسنوات طويلة من جهة وإهمال العمل المطلوب مع المهاجرين واللاجئين الجدد وضعف الاهتمام بدعم التنظيمات المدنية الداعية لتبني المجتمع المدني والديمقراطية واحترام دستور ألمانيا الاتحادية وعقد الندوات وإلقاء المحاضرات بهذا الصدد في صفوف المواطنات والمواطنين من أصول أجنبية واللاجئين الجدد من جهة ثانية، وعدم الأخذ بتحذيرات الكتاب والباحثين والمحذرين من اتساع وتطور ونشاط القوى الإسلامية السياسية، لاسيما السلفية والمتطرفة والإرهابية من جهة ثالثة، أدى إلى استفحال وجود وفعل وأذى هذه الجماعات.

ومن المفيد هنا إبراز نقاط الضعف الجوهرية في الموقف من وجود ونشاط القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة فيما يلي:

** ضعف نشاط أجهزة الأمن والشرطة والمخابرات الداخلية (حماية الدستور) في مراقبة ورصد نشاطات هذه القوى ومتابعتها.

** ضعف التنسيق والتكامل الضروريين في عمل مختلف الأجهزة المسؤولة عن قضايا الأمن والمخابرات والجريمة والقضاء. ومن هنا يشار إلى المئات من المطلوبين والهاربين اليمينيين المتطرفين والنازيين الجدد من وجه العدالة في ألمانيا.

** وجود عناصر يمينية متطرفة وربما نازية جديدة في صفوف مختلف الأجهزة المسؤولة عن نشاط هذه القوى.

** كما يمكن أن يكون بين القوى المرتدة عن قوى اليمين والمندسة مجدداً في صفوفهم بمعرفة المخابرات الداخلية لا تقدم المعلومات الكافية أو تلعب دوراً مسانداً لقوى اليمين المتطرفة. وأحياناً تكون العناصر المندسة هي تحمل فكراً يمينياً متطرفاً أيضاً.

** ضعف أو حتى غياب التنسيق الضروري بين المانيا ودول الاتحاد الأوروبي حول نشاط هذه القوى على صعيد أوروبا وفي كل دولة منها.

** ويبدو أن غياب أو وجود بنك للمعلومات حول هذه القوى لا يعمل بالصيغة المناسبة والمعقولة للكشف عن نوايا وخطط وفعاليات هذه القوى.

** استهانة أجهزة المخابرات الداخلية والقضاء والمسؤولين السياسيين بوجود ونشاط هذه القوى معتقدين بأن الديمقراطية في الدولة الألمانية راسخة ومكرسة لا يمكن لهذه القلة التغلب عليها! فالمعلومات التي توفرت لأجهزة الأمن الألمانية تشير إل إنها منذ عام 2011 قد اكتشف قوائم تحمل 25000 اسماً لدى القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة أطلق عليها قوائم الأعداء تتضمن عناوينهم وأرقام هواتفهم والتي يراد التخلص منهم. فقد أوردت دويتشة فله بهذا الصدد ما يلي: " ذكر موقع "شبيغل أونلاين" في تقرير أن اليمينيين المتطرفين في ألمانيا أدرجوا في السنوات الماضية آلاف الأشخاص ضمن قوائم أطلقوا عليها ""قوائم الأعداء". وحسب الموقع فإن السلطات الأمنية، منذ عام 2011، عثرت من خلال حملاتها واعتقالاتها في صفوف اليمين المتطرف، على وثائق تثبت ذلك. وحسب التقرير فإن اليمين المتطرف وثق أسماء 25 ألف شخص وأرقام تلفوناتهم وعناوينهم في قوائم "الأعداء" هذه. ونقل الموقع معلوماته عن "شبكة التحرير الألمانية RND"، التي استندت بدورها إلى رد من الحكومة الاتحادية الألمانية على طلب إحاطة من كتلة حزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني "بوندستاغ".[95]

** عجز المحاكم عن دراسة ومتابعة قضايا هذه القوى لكثرة الدعوى المختلفة وقلة عدد المحققين والقضاة، وبالتالي تهمل قضايا كثيرة لفترة طويلة أو لا تدرس وتدقق كما يجب لاكتشاف الخيوط والخطوط الضرورية لهذه القوى.

ولكن أبرز النواقص تبرز في ضعف الصراع الفكري والسياسي ضد هذه القوى لتحصين المجتمع من الفكر والنهج السياسي الذي يعرض الحياة الديمقراطية والسلم الاجتماعي في ألمانيا على مخاطر جمة.

وفي ضوء هذه الوقائع ماذا يمكن للدولة الألمانية القيام به لمواجهة فكر وممارسة ونمو هذه القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة؟ هناك مجموعة من الدراسات الجادة والمسؤولة التي تشير بوضوح إلى عدد كبير من السياسات والإجراءات الضرورية لمواجهة التحدي الذي تفرضه هذه القوى على الدولة والمجتمع في ألمانيا والتي يمكن بلورتها في نقاط كثيرة منها:

1) إن المسألة الأكثر أهمية تبرز في ضرورة توسيع الحياة الديمقراطية وليس تقليصها بإجراءات تحد من حرية وحركة ونشاط المواطن ودوره في المجتمع، إذ إن القوى اليمينية هي التي تريد تقليص الحقوق الديمقراطية لتدين النظام السياسي القائم وتعتبره فاقداً للمشروعية بمصادرته جملة من الحقوق والحريات الأساسية للمواطن والمواطنة.

2) التمييز الدقيق بين أطياف اليمين عموماً واليمين المتطرف خصوصاً بسبب وجود أجنحة عديدة ومواقف متباينة، إذ لا بد من التمييز في المواقف بين العنصريين من جهة، وأولئك الذين يشكون من تصرفات جمهرة صغيرة من الأجانب، لاسيما المسلمين. كما إن المتظاهرين والمتظاهرات في جماعة پيگيدا (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب) ليسوا كلهم من المتطرفين اليمينيين بالضرورة. كما لا شك في وجود كثرة من النازيين الجدد في صفوف المحتجين.

3) لا يمكن مكافحة قوي اليمين المتطرفة والنازية الجديدة بالإجراءات الأمنية وحدها، بل لا بد من اعتماد الكفاح الفكري والسياسي ضد فكر وسياسات وممارسات هذه القوى المتطرفة، ولا بد من خوض النقاش العلمي والمعرفي الهادئ والرصين في مواجهتها وفضح شعبويتها بمفهومها السلبي ورجعيتها وروح الاستبداد في تصرفاتها، لاسيما العنف والعنصرية والعداء للسامية وضد الأجانب والمسلمين والمسلمات.

4) لا بد للأحزاب والشخصيات السياسية التي تتبنى الديمقراطية في النظام السياسي القائم استعادة ثقة الجماهير الشعبية التي فقدتها خلال الفترة الطويلة المنصرمة بسبب سياسات خاطئة أو متحيزة كلية لصالح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى وضد مصالح الكادحين والمنتجين، خاصة المكاسب الاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئات والتي تراجعت كثيراً في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية، بسبب غياب المنافسة مع تلك النظم السياسية والاقتصادية.

5) عن الأحزاب والقوى الديمقراطية في ألمانيا تحتاج إلى برنامج مشترك يتضمن النهج الذي يراد اتخاذه إزاء الفكر اليميني المتطرف والنازية الجديدة بشكل خاص ومن ثم النشاطات المتنوعة التي تمارسها هذه القوى في المدارس وفي المظاهرات والحفلات الموسيقية والغنائية، وفي الانترنيت ووسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة بكل أنواعها وإصدار الكتب والكراسات والمجلات أو النشرات والتي تتضمن أيديولوجية عنصرية وفاشية واضحة تؤكد وجود تباين بين البشر وطرح صورة الأنا مقابل الآخر، والدعوة للتمييز في ضوء ذلك، وتجسد صورة العدو الذي ينبغي محاربته والتخلص منه لتهديده نقاوة الجنس الآري أو الثقافة الألمانية النقية. إن الحوار الفكري ومناقشة الأفكار السلبية التي تطرحها هذه القوى مهمة آنية وملحة، إذ إنها الطريق الصائب لدحر هذه الأيديولوجيا التي مارستها الدولة الألمانية والحزب النازي خلال الفترة 1933-1945 والمآسي والكوارث التي نجمت عنها على الشعب الألماني ذاته وشعوب أوروبا والعالم.

6) إن محاربة الفكر المتطرف يفترض أن يتضمن مكافحة فكر الإسلام السياسي المتطرف والسلفي بنفس الحزم والصرامة، إذ أنه يقود إلى ذات العواقب التي يقود لها الفكر المتطرف والنازي في إخلاله بالعلاقات الإنسانية بين اتباع القوميات والثقافات، بين البشر القاطنين في ألمانيا، سواء أكانوا من أصل الماني أم أجنبي، إلا إن الأخير لا يهدد الدولة والنظام الألماني القائم، ولكنه يشجع ويفاقم وجود ونشاط اليمين المتطرف والنازيين الجدد.



برلين في 06/04/2020













الملاحق
الملحق رقم 1
نتائج استطلاع الرأي بشأن وجود الإسلام والمسلمين في ألمانيا عام 2019


"تشير استطلاعات الرأي في ألمانيا في عام 2019 حول الموقف من المسلمين والمسلمات إلى عدد من النتائج التي تستوجب الدراسة الممعنة لمعرفة العوامل الكامنة وراء ذلك أولاً، والمتسبب فيها، وسبل معالجتها، إلى الوقائع التالية:

** 93% من المسيحيين في ألمانيا الحياة الديمقراطية في ألمانيا متينة، 912 % من المسلمين لهم نفي وجهة النظر و83% ممن لا مذهب لهم. ((ZDF Heute 11.7.2019



** 57% من سكان شرق ألمانيا و50% من سكان غرب المانيا يعتبرون الإسلام تهديداً لنمط حياتهم .) (Der Tagesspiegel 11.07.2019

** 30% من سكان شرق ألمانيا، و16% من سكان غرب ألمانيا لا يريدن أن تكون عائلة مسلمة جارة لهم. (Welt 2019)

** 70% من الألمان يرفضون أن يعتبر الإسلام جزءاً من المانيا، 19% فقط يرون ذلك.

** 51% من الألمان يرون أن العنف جزءاً من الإسلام، 31% لا يرون ذلك تماماً أو ليس كذلك.

** 71% من الألمان يرون بأن تأثر المسلمين كبير في ألمانيا، 23% لا يرون ذلك. (Vocus 2019)"




الملحق رقم 2
سفر حسقيال 38: يأجوج ومأجوج (الإنجيل)


نبوءة على جوج ملك ماجوج

1وقالَ ليَ الرّبُّ: 2«يا ا‏بنَ البشَرِ، إلتفتْ إلى جوجَ، رئيسِ ماشِكَ وتوبالَ‌ في أرضِ ماجوجَ، وتنبَّأْ علَيهِ 3وقُلْ: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرّبُّ: أنا خصمُكَ يا جوجُ، رئيسُ ماشِكَ وتوبالَ، 4فأُديرُكَ وأجعَلُ حلَقةً في فَكِّكَ وأُخرِجُكَ أنتَ وجميعَ جيشِكَ، خيلا وفُرسانا لابسينَ الثِّيابَ الفاخرةَ، وكُلُّهُم مُدجَّجونَ بالتُّروسِ والدُّروعِ والسُّيوفِ. 5ومَعهُم أُخرِجُ جنودَ فارسَ وكوشَ وفوطَ‌، وكُلُّهُم مُدجَّجونَ بالدُّروعِ والخُوَذِ، 6ومعَكَ أنتَ أُخرِجُ جومَرَ وجميعَ جيوشِها، وبَيتَ توجرمةَ‌ مِنْ أقاصي الشِّمالِ وجميعَ جيوشِها، وشعوبا كثيرينَ.

7«فا‏ستعدَّ أنتَ وكُلُّ جنودِكَ المُجتمعينَ إليكَ وكُنْ لهُم قائدا، 8فبَعدَ أيّامٍ كثيرةٍ وفي سنَةٍ مِنَ السِّنينَ أدعوكَ لغزوِ أرضٍ سُكَّانُها نجَوا مِنَ السَّيفِ وجُمِعوا مِنْ بَينِ شُعوبٍ كثيرينَ وعاشوا آمنينَ في جِبالِ إِسرائيلَ الّتي كانَت مُقفِرةً. 9فتَهجُمُ علَيهِم كعاصفةٍ وتكونُ كسحابةٍ تُغطِّي الأرضَ، أنتَ وجميعُ جيوشِكَ وشعوبٌ كثيرونَ معَكَ.

10وقالَ السَّيِّدُ الرّبُّ لجوجَ: «وفي ذلِكَ اليومِ تخطُرُ على قلبِكَ أفكارٌ وتنوي نيَّةَ سُوءٍ، 11 وتقولُ: أصعَدُ إلى المُدُنِ الّتي لا أسوارَ لها وأنقضُّ على الهادئينَ السَّاكنينَ فيها، وجميعُهُم بغَيرِ سورٍ وأبوابٍ منيعةٍ، 12 لأقتحمَ الخرائبَ المَسكونةَ وأسلُبَ وأنهبَ الشَّعبَ الّذينَ ا‏جتمعوا مِنْ بَينِ الأمَمِ وا‏قتَنوا ماشيةً ومَتاعا وسكنوا في قلبِ الأرضِ المُقدَّسةِ‌. 13 ويسألُكَ أهالي شَبا‌ وددَّانَ‌ وتُجَّارُ ترشيشَ‌ وجميعُ مُدُنِها‌: هل جِئتَ للسَّلبِ؟ هل جمعتَ جنودَكَ لتنهبَ وتَحمِلَ الفِضَّةَ والذَّهبَ وتأخُذَ الماشيةَ والمُمتلكاتِ وتغنمَ الغَنائمَ؟

14 «لذلِكَ تنبَّأْ يا ا‏بنَ البشَرِ وقُلْ لجوجَ: هكذا قالَ السَّيِّدُ الرّبُّ: في ذلِكَ اليومِ حينَ يعيشُ شعبـي إِسرائيلُ آمِنا وتعلمُ بذلِكَ‌، 15تجيءُ مِنْ مكانِكَ، مِنْ أقاصي الشِّمالِ، ومعَكَ جيوشٌ كثيرةٌ، كُلُّهُم راكبو خَيلٍ فتُؤلِّفونَ جمعا عظيما وجيشا جرّارا، 16 وتصعَدونَ على شعبـي إِسرائيلَ كسحابةٍ تُغطِّي الأرضَ. يكونُ ذلِكَ في الأيّامِ الآتيةِ، حينَ أجيءُ بِكُم على أرضي لتعرِفَني الأمَمُ حينَ أُظهِرُ قداستي بِكُم أمامَ عُيونِهِم يا جوجُ».

17 وقالَ السَّيِّدُ الرّبُّ: «أنتَ الّذي تَحدَّثـتُ عَنكَ في الأيّامِ القديمةِ على ألسِنةِ عبـيدي أنبـياءِ إِسرائيلَ المُتنبِّئينَ في تِلكَ الأيّامِ والسِّنينَ بأنِّي سأقودُكَ على شعبـي إِسرائيلَ 18 في ذلِكَ اليومِ الّذي فيهِ تُهاجِمُ يا جوجُ أرضَ إِسرائيلَ، يَصعدُ غَيظي إلى أنفي. 19 وفي غَيرتي ونارِ غضَبـي أقولُ هذا الكلامَ: سيكونُ في ذلِكَ اليومِ زِلزالٌ عظيمٌ على أرضِ إِسرائيلَ، 20 فيَرتعِدُ مِنْ وجهي سمَكُ البحرِ وطَيرُ السَّماءِ ووحشُ البَرِّيَّةِ وجميعُ الحيواناتِ الدَّابَّةِ على الأرضِ وجميعُ البشَرِ الّذينَ على وجهِ الأرضِ، وتَندكُّ الجِبالُ وتسقطُ الحُصونُ والأسوارُ كُلُّها إلى الأرضِ‌. 21 لكنِّي أدعو السَّيفَ علَيكَ‌ يا جوجُ في كُلِّ جِبالي، فيكونُ سيفُ كُلِّ رجُلٍ على أخيهِ. 22 وأدينُكَ بالوَباءِ والدَّمِ والمطَرِ الجارفِ وحجارةِ البرَدِ، وأُمطِرُ النَّارَ والكِبريتَ علَيكَ وعلى جيشِكَ وعلى الشُّعوبِ الكثيرينَ الّذينَ معَكَ. 23 فأُظهِر عظَمتي وقداستي فيَعلم العالمُ أنِّي أنا هوَ الرّبُّ».






الملحق رقم (3) قانون حماية الدم والشرف وقانون الجنسية الرايخ


قانون حماية نقاوة الدم الألماني والشرف الألماني

قانون حماية الدم هو جزء من قوانين نورنبيرغ

15 أيلول/سبتمبر 1935

استناداً إلى معرفة حقيقة أن نقاء الدم الألماني هو شرط لاستمرار وجود الشعب الألماني، وانطلاقاً من الإرادة التي لا تقهر لتأمين مستقبل الأمة الألمانية، وافق الرايخستاغ بالإجماع على القانون، وبموجبه يتم الإعلان عنه:

§ 1 (1) يُحظر الزواج بين اليهود ومواطني ألمانيا أو من دم ذي صلة. الزواج المغلق باطل، حتى إذا تم إجراؤه في الخارج للتحايل على هذا السلوك.

(2) لا يمكن أن يكون إجراء الإبطال سوى عبر إجراءات المدعي العام على وفق القانون.

§ 2 يُحظر إقامة علاقات خارج العلاقات الزوجية بين اليهود ومواطني ألمانيا أو الدم المرتبط بها.

§ 3 لا يجوز لليهود تشغيل مواطنات ألمانيات أقل من 45 سنة أو الدم المرتبط بها للخدمة البيتية

§ 4 (1) يحظر على اليهود رفع شعار الرايخ والأعلام الوطنية وإظهار ألوان الرايخ.

(2) يسمح لليهود بإظهار الألوان اليهودية. ممارسة هذه الصلاحية خاضعة تحت حماية الدولة.

§ 5 (1) كل من يخالف حظر المادة (1) يعاقب بالسجن.

(2) الرجل الذي يخالف حظر المادة (2) يعاقب بالسجن

(3) سيعاقب بالسجن كل شخص يخالف حدده المسؤولون في § 3 أو 4 سنة واحدة وغرامة، أو بواحدة من هاتين العقوبتين.

§ 6 يصدر وزير الداخلية الرايخى ، بالاتفاق مع نائب اقائدر ووزير عدل الرايخ ، الأحكام القانونية والإدارية المنظمة لهذا القانون.

§ 7 يدخل القانون حيز التنفيذ في اليوم التالي للإعلان ، § 3 ،أي من 1 يناير 1936.

نورمبرغ ، 15 سبتمبر 1935

تجمع حزب الرايخ من أجل الحرية.

القائد والمستشار ادولف هتلر وزير داخلية الرايخ فريك وزير عدل الرايخ د. غورتنر،

نائب القائد ووزير الرايخ بلا وزارة ر. هيس





قانون جنسية الرايخ
15 سبتمبر 1935

وافق الرايخستاغ بالإجماع على القانون التالي، الذي تم بموجبه الإعلان عنه:
§ 1 (1) المواطن هو شخص ينتمي إلى رابطة حماية الرايخ الألماني ويلتزم بشكل خاص بذلك.
(2) يتم اكتساب الجنسية وفقًا لأحكام قانون الرايخ والمواطنة.
§ 2 (1) مواطن الرايخ هو فقط مواطن ألماني أو ذو صلة دم ، يظهر من خلال سلوكه أنه مستعد وقادر على خدمة الشعب الألماني والرايخ بكل إخلاص وأمانة.
(2) يتم منح حق المواطنة الرايخية من خلال تسلم خطاب مواطن الرايخ.
(3) مواطن الرايخ هو الحامل الوحيد للحقوق السياسية الكاملة وفقًا للقوانين.
§ 3 يُصدِر وزير داخلية الرايخ ، بالاتفاق مع نائب القائد ، الأحكام القانونية والإدارية اللازمة لتطبيق واستكمال القانون.
نورنبرغ ، 15 سبتمبر 1935 ،
تجمع الحزب النازي.
القائد والمستشار ادولف هتلر وزير داخلية الرايخ فريك


الملحق رقم (4) مفهوم العنصرية والتطهير العنصري


مرت الأيديولوجيا والممارسات العنصرية وقبل أن تعرف بهذا الاسم، بمراحل مختلفة حيث كانت بعض المجتمعات تميز بين الناس على أساس السادة والعبيد الناجم عن وقوع أسرى بسبب الحروب والغزوات أو بسبب ديون لا يقوى على دفعها المدين، كما في العصور البابلية والفرعونية، ولكنها لم تكن تستند إلى لون الإنسان أو منحدره أو الجماعة التي ينتمي إليها أو لغته وثقافته أو الآلهة التي يعبدها. وتطورت هذه الممارسة لتصاغ على شكل أفكار ونظريات في فترة أرسطوطاليس حيث اعتقد هذا الفيلسوف بأن المجتمع يستند في وجوده إلى توزيع طبيعي بين الناس تقرره الطبيعة أساساً، أي أنه يقوم على أساس وجود سادة من جهة، وعبيد من جهة أخرى، وإن على الجماعة الأخيرة أن تعمل في خدمة وإسعاد الجماعة الأولى. فالإنسان يولد أما سيداً أو عبداً دون إرادته، وبالتالي فمحكوم على السادة وأحفادهم أن يمارسوا السيادة، إلا إذا أساءوا التصرف بها، ومحكوم على العبيد البقاء عبيداً هم وأحفادهم لدى السادة. وفي هذه الحالة أيضاً لم يكن لون البشرة أو شكل الشعر أو الفوارق في جسم الإنسان هي السبب في أن يكون السيد أو النبيل (الأرستقراطية الغنية) سيداً ونبيلاً والعبد عبداً خانعاً وخاضعاً. ولكن المنحدر "الطبيعي" منذ المولد شكل السبب في ذلك التمييز وفي إعادة إنتاجه. وكانت هذه الحالة بالنسبة للعصور الماضية تستند إلى قاعدتين أساسيتين هما:

• هيمنة السادة على الحكم أو السلطة أولاً، وبالتالي من يولد في صفوفها ومنها فهو من السادة.

• وهيمنتهم على الثروة والنفوذ أو الجاه في المجتمع ثانيا.

وبرز في فترات مبكرة تمييزاً آخر يستند إلى الدين حين نشب الصراع بين اليهودية والمسيحية، وقبل ذاك تجلى فيما ورد في العهد القديم من تقسيم البشر، رغم كونهم جميعا من أولاد وأحفاد نوح، إلى أبناء وأحفاد يافت، وأولاد وأحفاد سام، وأولاد وأحفاد حام. حيث اعتبر فيما بعد أن البيض هم من أولاد وأحفاد يافت، في حين أن الآسيويين هم من أحفاد سام وأن السود هم من أحفاد حام، حيث كتب على الآخرين، بسبب الذنوب والخطايا التي ارتكبوها، أن يقوموا بخدمة يافت وأحفاده. وتجلى التمييز بين البشر في العهد القديم أيضاً، حين أشير فيه إلى أن اليهود هم "شعب الله المختار". وتحدثت بعض الأديان السماوية الأخرى بنهج مماثل أيضاً، كما جاء في القرآن "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، والمقصود هنا الأمة العربية! ومع أن المسيحية لم تطرح مثل هذه الفكرة الاستعلائية على الأديان والشعوب الأخرى التي سجلتها الديانة اليهودية "شعب الله المختار" والإسلامية "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، فأن كثيراً من الحكام ورجال الكنيسة قد تصرفوا على وفق هذه المقولة، من خلال قناعتهم بأنهم كانوا يهودا قبل أن يصبحوا مسيحيين، وبالتالي فهم "شعب الله المختار" أيضاً، وهم الأحق به من اليهود، وهم الذين حاربوا اليهود قرونا طويلة، باعتبارهم "قتلة المسيح"! وهذه التهمة هي التي حكمت علاقة المسيحيين الكاثوليك والكنيسة الكاثوليكية والبابا باليهود حتى أوائل العقد السابع من القرن العشرين، حيث بدأت تنفرج العلاقة بينهما تدريجا، ثم صدر القرار الحكيم للفاتيكان في عام 1994 بتبرئة ذمة اليهود من دم المسيح. ولم يكن موقف المسيحيين البروتستانت على نفس شاكلة الموقف الكاثوليكي المحافظ والمتزمت إزاء اليهود.
ومارس العرب والفرس في العهود الأموية والعباسية والعثمانية تجارة استيراد وبيع الناس السود كـ "عبيد" مستحلبين من أفريقيا‎، ولكنهم كانوا يستوردون في الوقت نفسه الناس البيض من مناطق القفقاس وجورجيا وغيرها كـ "عبيد" وجواري أيضا. فالعبد هنا لم يكن مقترنا بلون البشرة، بل بسبب وقوعه أسيراً أو شراءه من عائلته بطرق وأساليب مختلفة ولغايات مختلفة.

ملحق رقم 2) نشر موقع دويتشة فيله DW تقيراً مكثفا موثقاً بخرائط ومعلومات عن المآسي التي تعرض السكان الأصليون لتلك المناطق على ايدي المستعمرين الألمان. ففي عهد المستشار الألماني أوتو فون بسمارك تأسست الإمبراطورية الاستعمارية الألمانية على الأراضي التي تدعى اليوم ناميبيا، كاميرون توغو، وأجزاء من تنزانيا وكينيا. وبسبب رفض شعوب تلك المناطق للاستعمار الألماني ارتكبت القوات الألمانية إبادة جماعية ضد ثوا هيريرو. فقد لقي أكثر من 60000 شخص من السكان الأصليين حتفهم، ومن تبقى منهم، 16000 شخص تم حجزهم بظروف غير إنسانية قاتلة، مات أغلبهم أيضا. كما ارتكب المستعمر الألماني مجزرة أخرى وإبادة جماعية ضد ثوار ماجي (تنزانيا) حيث قتل أكثر من 100000 شخص من السكان الأصليين. (قارن: ألمانيا الأفريقية – تاريخ استعماري مظلم لا بد ن كشفه، دويتشة فيله DW، بتاريخ 29/10/2016).



الملحق رقم (5) عمليات الإبادة لشعوب المستعمرات الألمانية


نشر موقع دويتشة فيله DW تقيراً مكثفا موثقاً بخرائط ومعلومات عن المآسي التي تعرض السكان الأصليون لتلك المناطق على ايدي المستعمرين الألمان. ففي عهد المستشار الألماني أوتو فون بسمارك تأسست الإمبراطورية الاستعمارية الألمانية على الأراضي التي تدعى اليوم ناميبيا، كاميرون توغو، وأجزاء من تنزانيا وكينيا. وبسبب رفض شعوب تلك المناطق للاستعمار الألماني ارتكبت القوات الألمانية إبادة جماعية ضد ثوا هيريرو. فقد لقي أكثر من 60000 شخص من السكان الأصليين حتفهم، ومن تبقى منهم، 16000 شخص تم حجزهم بظروف غير إنسانية قاتلة، مات أغلبهم أيضا. كما ارتكب المستعمر الألماني مجزرة أخرى وإبادة جماعية ضد ثوار ماجي (تنزانيا) حيث قتل أكثر من 100000 شخص من السكان الأصليين. (قارن: ألمانيا الأفريقية – تاريخ استعماري مظلم لا بد ن كشفه، دويتشة فيله DW، بتاريخ 29/10/2016).



الملحق رقم (6) استطلاع الراي عام 2006
"بناء على نتائج استطلاعٍ للرأي قام به معهد الّنـزباخ (Allensbach) والذي نشر في أيار / مايو 2006، فقد أفاد 83 بالمئة ممن أدلوا بآرائهمª بأن الإسلام متعصب، في حين أن 62 بالمئة ينظرون إليه على أنه ماضوي، ويراه 71 بالمئة غير متسامح، بينما يعتبره 60 بالمئة غير ديمقراطي، وحتى أن 91 بالمئة من المشتركين في الاستطلاع أفادوا بأنهم يربطون الإسلام تلقائياً باضطهاد المرأة. واستنتج الباحثان إليزابيث نولـِّه (Elisabeth Noelle) وتوماس بيترسين (Thomas Petersen) من نتيجة استطلاعهما ما يلي: "كانت نظرة الألمان إلى الإسلام سلبية في السنوات الماضية ولكنها بالتأكيد ازدادت قتامة على نحو ملحوظ مؤخراً".[1] (راجع: بروفيسور د. هاينر بيلفلد، صورة الإسلام في ألمانيا، تعامل الرأي العام مع الخوف من الإسلام، ترجمة فادية فضة د. حامد فضل الله، موقع سودانايل، 25/تشرين الثاني/ نوفمبر 2008).
















--------------------------------------------------------------------------------

المصادر والهوامش


[1] راجع: فرانسيس فوكوياما في كتابه الموسوم "نهاية التاريخ وخاتم البشر" الصادر 1992 ومترجم عام 1993 إلى العربية، مركز الأهرام-القاهرة

[2] راجع: صموئيل هنتنكتون في كتابه الموسوم" صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي، دار سطور-بغداد. الصادر في 1996 والمترجم إلى العربية في عام 1998.

[3] راجع: أهم الخطط التي اعتمدتها الدول لمواجهة الأزمة المالية، موقع الجزيرة، في 15/10/2008.
[4] راجع: ريناس بنافي، صعود اليمين المتطرف الاسباب والتداعيات: دراسة تحليلية، المركز الديمقراطي العربي، في 12 أيار/مايو 2017.

[5] راجع: الثورة المضادة: صعود اليمين المتطرف عالميًا عين أوروبية على التطرف 25/10/2019،European Eye on Radicalization“ ".

[6] راجع: ريناس بنافي، صعود اليمين المتطرف الاسباب والتداعيات: دراسة تحليلية، المركز الديمقراطي العربي، في 12 أيار/مايو2017.

[7] راجع: سعود الشرفات، 9 دول ينشط فيها اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية، موقع حفريات، 13/03/2018

[8] Siehe: Aufschlüsselung nach nationalen Parteien und Fraktionen: 2019-2024 Konstituierende Sitzung, Europäische Union, 02.07.2019.

[9] Siehe: Europas Rechte - „Eine neue Bereitschaft der Zusammenarbeit“, Cicero Online, 11. April 2014.

[10] راجع: زعماء اليمين المتطرف الأوروبي يجتمعون في براغ وسط إجراءات أمنية مشددة، موقع فرنسا 24، بتاريخ 16/12/2017.

[11] راجع: قادة اليمين المتطرف الاوروبي يبحثون في براغ آفاق مستقبلهم/ موقع فرنسا 24، بتاريخ 25/04/2019.



[12] راجع: كو كلوكس كلان (Ku Klux Klan)، واختصارا تدعى KKK، ويكيبيديا -الموسوعة الحرة أخذت الأرقام بتاريخ 03.04.2010.

[13] راجع: حياة وأرث مارتن لوثر كينغ، Share Amercia، في 03.04.2020.

[14] (قارن: سعود الشرفات، البديل الأمريكي.. صعود اليمين المتطرف في عهد ترامب، موقع الحفريات، 24.03.2019).

[15] راجع: المصدر السابق نفسه.

[16] (Siehe: Alice Weidel trifft Ex-"Breitbart"-Chef – was steckt dahinter? Stern, 7 März 2018).

[17] راجع: الخليج اونلاين، عبد الوهاب بدرخان، بين سياسات ترامب ووعود الانتخابية، 11 كانون الثاني/ يناير 2019.

[18] راجع: المكارثية نسبة إلى جوزيف ريموند مكارثي (1908-1957) وكان نائباً عن الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي عن ولاية ويسكنسن، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، جوزيف مكارثي، اخذ تاريخ ولادته ووفاته بتاريخ 31/03/2020).

[19] راجع: التعليم المسيحي للشيبة الكاثوليكية، المصالحة المسيحية اليهودية، وكيبيديا، الموسوعة الحرة، 31/03/2020.

[20] راجع: ودروو ويلسون/ منتديات الحوار الجامعة السياسية، 24.07.2012.

[21] راجع: فرانلكين روزفلت.. الرئيس الوحيد الذي انتخبه الأميركيون أربع مرات، موقع الحرة، 30.01.2019.

[22] راجع: معتز ممدوح، النيولييرالية: الأيديولوجية التي تهيمن على حياتنا، موقع إضاءات، 09.06.209.
[23] راجع: مجموعة مؤلفين، عشرة سنوات عزت العالم، عقد على احتلال العراق 2003-2013، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. طبعة أولى، قطر 2015. راجع أيضاً: بوش دمر العراق بحثا عن “ياجوج وماجوج”، موقع أخبار أأ، AA، 12.05.2019.
[24] راجع: تحليل: وظائف كثيرة للأجانب في ألمانيا رغم تسريح عمال الصناعة، DW، 14/07/2019.

[25] راجع: رقم قياسي لعام 2019، موقع قنطرة، Qantara.de، بتاريخ 21.08.2019.

[26] قارن: موقع الاقتصاد والسياسة، أخذت الأرقام بتاريخ 02/03/2019.

[27] قارن: موقع جريدة الوقت Zeit Online، بتاريخ 01/06/2019.

[28] راجع: موقع مهاجر نيوز، بتاريخ 08/01/2020.

[29] قارن: ألمانيا: عدد اللاجئين وطالبي اللجوء يقترب من مليونين، DW، بتاريخ 18/07/2019.

[30] قارن: القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، طبعة النص الصادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، البوندستاغ الألماني، برلين، ص 26.

[31] Siehe: Sonderausgabe gegen den latenten Rassismus, Aargauer Zeitung, von 2.11.2009.

[32] Siehe: Die "Deutsche Volksunion" (DVU), Brandenburgische Landeszentrale
für politische Bildung, Landeszentrale, August 2015.

[33] Die Republikaner, wikipedia, 03.04.2019.








[34] Siehe: Rechtsterrorismus Vom NSU bis zur "Gruppe S." Tagesschau, Stand: 20.02.202.

[35] Siehe: Reichsbürger, Rechtsextreme Verschwörungstheoretiker, Von Kirsten Tromnau, Jana Lange und Kai Laufen.

[36] راجع: المصدر السابق نفسه.

[37] Siehe: Aktuelle Zahlen der „Reichsbürger und Selbstverwalter, Bundesamt für Verfassungsschutz, Stand: 30. Juni 2019.

[38] Siehe: Razzia gegen Reichsbürger in mehreren Bundesländern, ND, 19.03.2020.

[39] راجع: هايدر.. رمز اليمين المتطرف الأقوى في أوروبا، موقع الإمارات اليوم، في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2008.

[40] Siehe: Miguel Sanches, Wird das Recht nicht konsequent durchgesetzt? Gegen knapp 500 Neonazis liegen Haftbefehle vor. Einige werden seit Monaten gesucht. Kriminalität, Berliner Morgenpost, 14.06.2019.

[41] قارن: ، أهم المعلومات عن قتال 18، Das Wichtigste zu "Combat 18" im Überblick ، في موقع القناة الإخبارية الألمانية ntv، بتاريخ 23/كانون الثاني/يناير 2020

[42] Siehe: https://www.volksverpetzer.de/wp-content/uploads/2020/01/81960542_2728706 847215695_7331556899948593152_n.jpg).

[43] Siehe: Sitzverteilung im 19. Deutschen Bundestag; Deutsche Bundestag, Stand, Januar 2020.

[44] Siehe: Sitze der AfD in den Landtagen der Bundesländer in Deutschland 2020
Veröffentlicht von Statista Research Department, 17.03.2020.

[45] Siehe: Liste der deutschen Abgeordneten zum EU-Parlament (2019–2024), Wikipedia,03.04.2010.


[46] (Siehe: 7 Zitate, die zeigen, wie "bürgerlich" Alexander Gauland wirklich ist, Watson, Deutschland, 09.09.2019).

[47] راجع: المصدر السابق نفسه.

[48] راجع: محمد الغريب، الأزهر يصدر تقريرا حول اليمين المتطرف في ألمانيا، موقع البوابة، بتاريخ 18 آب/أغسطس 2019.

Vergl: Aert van Riel, Gefahr für die Grundrechte, Innenminister Horst Seehofer prüft hartes Vorgehen gegen »Demokratiefeinde«, 23.06.2019.

[49] (Siehe: Karin Priester, Fließende Grenzen zwischen Rechtsextremismus und Rechtspopulismus in Europa? Bundeszentrale für politische Bildung. 28.10.2010). (Siehe auch: Fließende Grenzen zwischen Rechtsextremismus und Rechtspopulismus in Europa? Von Manfred Schwarzmeier und Gerd Rudel, 30. November 2013).

[50] Siehe: AfD soll falsche Spendernamen genannt haben, Die Zeit online. 21.02.2019.

Siehe auch: AfD soll falsche Spendernamen genannt haben, ntv. 21,02,2019.

[51] Le’on Poliakov, Der arische Mythos, Zu den Quellen von Rassismus und Nationalismus, Junius, Hamburg 1993, ISBN 3-88506-220-8.

راجع أيضاً: ليون پولياكوف، الأسطورة الآرية



[52] Siehe: Rechtsextreme Symbole und Zeichen, Wikipedia. 03.04.2020.
[53] راجع: شبكة اليمين المتطرف...تمجيد للفكر النازي، موقع القنطرة/ دويتشة فيله، DW، للكتاب ساندرا بيترسمان وناعومي كونراد وع. ش. بتاريخ 16/10/2019.

[54] راجع: التسلسل الزمني لعنف اليمين في ألمانيا Chronologie: ،Rechte Gewalt in Deutschland نشر على موقع الـ "دويتشة فيله DW" بتاريخ 02/02/2020.

[55] راجع: وجهة نظر: هجوم هاله.. خطر مميت على اليهود في ألمانيا، DW، بتاريخ 10/10/2019.

[56] Siehe: Reaktionen auf Bluttat von Hanau "Rassismus ist ein Gift, Hass ist ein Gift", Hessenschau.de, Aktualisiert am 20.02.20). (Siehe auch: Hanau nach dem Attentat, Das Verbrechen gleich um die Ecke, Deutschlandfunk, 04.03.2020.

[57] راجع: وزير الداخلية الألماني: جريمة هاناو "هجوم إرهابي بدافع عنصري"، موقع دويتشة فيله DW، بتاريخ 12/02/2020.

[58] راجع: رئيس الاستخبارات الألمانية يقلل من شأن "تصريحات كيمنتس"، دويتشة فيلة، DW، في 12/09/2018.

[59] Siehe: Maaßen hält Zusammenarbeit von CDU und AfD für möglich, Handelsplatt, 15.06.2019.

[60] Siehe: Bundesweite Razzia gegen Reichsbürger, Durchsuchungen auch in Berlin, Berliner Zeitung, 19.03.2020.

[61] راجع: اليمين المتطرف في ألمانيا.. خطر متزايد تريد الحكومة مكافحته، دويتشة فيلة DW، بتاريخ 30/06/2019.

[62] Siehe: Herald Rnge, Rechtsextremismus: Verfahrensprobleme und Terrorismus-gesetzgebung, Bundeskriminalamt. Bekämpfung des Rechtsextremismus eine gesellschaftliche Heraus-Forderung, BAK. Herbst 2012, S. 81, 79.

[63] راجع: المصدر السابق نفسه.

[64] راجع: تعرف على إحصائيات المسلمين في ألمانيا، الأهرام في 5-4-2018.

[65] راجع: تعرف على إحصائيات المسلمين في ألمانيا، الأهرام في 5-4-2018.

[66] Siehe: Geschichte der Muslime in Deutschland, Deutsche Islam Konferenz (DIK) 08.12.2008.

[67] راجع: شرطة الشريعة: جرس إنذار لمسلمي ألمانيا أولا، دويتشة فيله DW، ف 08/09/2014.

[68] المصدر: ما هو عدد المسلمين ف العالم 2020؟ موقع فهرس، في 25.01.2020.

[69] المصدر: الشيخ أحمد الزومان، ما هي السلفية؟ موقع الألوكة الشرعية، 16/11/2011.

[70] راجع: القرآن، سورة البقرة، الآية 137.

[71] المصدر السابق نفسه، سورة النحل، الآية 125.

[72] راجع: (المصدر: د. محمد الهاشمي الحامدي، رسالة التوحيد، طبعة أولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 2010، الفصل الثاني، ص 24).

[73] راجع: الإخوان المسلمين/ ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، في 26/03/2020)، راجع ايضاً: د. محمد شحرور، تجفيف منابع الإرهاب، طبعة الكترونية، دار الساقي، لندن، 2018.

[74] Siehe: Islamistisches Personenpotenzial: Anzahl der Islamisten in Deutschland von 2005 bis 2018, Statista, veröffentlicht am 28.06.2019).

[75] (Siehe: Salafisten in Deutschland, Missionierung und Jihad, Bundesamt für Verfassungsschutz, Mai 2019).

أما بالنسبة لعام 2019 فالمصدر هو:

Siehe: Frank Jasen, Salafisten in Deutschland, Der Tagesspiegel, von 14.01.2020.

[76] Siehe: Marion Trimborn, BKA-Präsident Holger Münch im Interv1ew mit der Neuen Osnabrücker Zeitung, am 17.01.2018.

Siehe auch: Hubert Wetzel, Innenpolitik: Zahl islamistischer Gefährder in Deutschland sinkt deutlich, Süddeutsche Zeitung, 21. Dezember 2019.



[77] (راجع: ألمانيا: تراجع عدد الإسلاميين "الخطرين" لكن خطرهم لم ينته، دويتشة فيله DW، 21/12/2019).

[78] (Siehe: Hannes Heine, Syrien und Irak Bundesregierung geht von 10.000 IS-Kämpfern im Kerngebiet aus, Der Tagesspiegel, 09.09.2018). (Siehe auch: Weniger islamistische Gefährder in Deutschland, Zeit online. 23.07.2019).

[79] راجع: أحداث 11 سبتمبر 2001، وكيبيديا، الموسوعة الحرة. أخذت الأرقام بتاريخ 26/03/2020.

[80] راجع: محمد خلف، صناعة السلفية الجهادية في ألمانيا: ديناميكية الهويات والتحول إلى الإسلام العنيف، موقع درج، في 13 كانون الثاني/ يناير 2019.

[81] (Vergl.: Übersicht ausgewählter islamistisch-terroristischer Anschläge, Bundesamt für Verfassungsschutz, Stand in 24.06.2019).

[82] Siehe: Anzahl der Deutschen* mit und ohne Migrationshintergrund (im engeren Sinne) im Jahr 2018, Statista, 2020.
Siehe auch: Anzahl der Moscheen und Kirchen in Deutschland; Statista, 2020.


[83] Siehe: Ralf Ghadban Dr., Tarik Ramadan und die Islamisierung Europas, Velag Hans Schiler. Deutschland, s. 7و 2006).

[84] راجع: المصرد السابق نفسه.

[85] راجع: هابرماس واللاهوت، لقاء بين الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس والمفكر الاسلامي طارق رمضان" موقع قنطرة، في 03/07/2008.

[86] راجع: برلين تسعى للحد من النفوذ التركي على مسلمي ألمانيا، BBC، 25/03/2019.

[87] راجع: مدني قصر، أفكار الإسلامي طارق رمضان الدينية التعصبية أخطر من قصصه العاطفية، موقع حفريات، 18/02/2018).



[88] راجع: طارق سعيد رمضان، كتاب جديد عن طارق رمضان: إسلامي متشدد أم مجدد يدعو الى حوار الحضارات، موقع قنطرة، في07/06/2005.

(Siehe AUCH. Ralf Ghadban, Tariq Ramadan und die Islmisierung Europas, Verlag Hans Schiler, 1. Aulage, 2006, S. 7, ISBN 3-89930-151-1, Germany.

[89] Siehe: Einzelfälle in Serie: Neonazis in der Bundeswehr, Im Wortlaut von Martina Renner, 08. Februar 2019.

[90] Siehe: merkuri.de, Hitlergruß auf Party? Am 20.03.2020.

[91] Siehe: Bundeswehr; Wie groß ist das Problem mit den Rechten? Tagesschau.De 21.04.2019.

[92] Siehe: Extremisten gefährden das KSK, Welt, 26.01.2020.

[92] Siehe: "Unter Sachsen - Zwischen Wut und Willkommen" (Ch. Links Verlag) und 2019 den Sammelband "Extreme Sicherheit - Rechtsradikale in Polizei, Verfassungsschutz, Bundeswehr und Justiz" (Herder Verlag) heraus.

[93] Vergl. Hirschberger/dpa, Braune Staatsdiener: Rechtsradikale in Sicherheitsbehörden bedrohen die Demokratie, der Tagesspiegel, von 14.09.2019.

[94] راجع: ألمانيا: اليمين المتطرف يدرج الآلاف على "قوائم الأعداء، دويتشة فيلة DW، 30/07/2018.



نشرت هذه الدراسة في مجلة الأكاديمي التي تصدرها جمعية الأكاديميين العراقيين في استراليا ونيوزيلندا في العدد 16 نيسان/أبريل 2020 على الصفحات 74-2015.