تساؤلات حول سرديات الثورة السورية


عبدالله تركماني
2020 / 4 / 18 - 14:57     

يعيش الشعب السوري، في الداخل وفي كل أماكن النزوح واللجوء، محنة حقيقية تجلياتها متشعبة في كل مناحي حياته، وجاءت جائحة " كورونا " لتضاعف من معاناته. وإزاء هذا الواقع، يتوجب على المثقف السوري النقدي إعادة صياغة أولويات تفكيره، بما يمكّنه من المساهمة في الإحاطة بواقع ثورة السوريين، ومن ثمَّ استشراف الحلول الممكنة، التي يمكن أن تفتح أفقاً لتحقيق أهدافهم في الحرية والكرامة.
إن المسألة السورية، بعد تسع سنوات على الثورة، تطرح تساؤلات جوهرية: أسباب الثورة؟ لماذا استمرت طوال هذه السنوات؟ هل هناك من أفق لحل سياسي يقوم على أساس أن " الصراع في سورية وليس عليها "؟ وما هي مقوّمات هذا الحل؟ وما هي تحديات مرحلة ما بعد التغيير؟
لا شك أن خصوصية الثورة السورية، من حيث العلاقة بين امتدادها الزمني والتأثيرات الإقليمية والدولية وعطب بنيتها الداخلية، جعلها موضع اختلاف حول توصيفها: هل هي ثورة كلاسيكية شبيهة بثورات القرن العشرين؟ أم هي مجرد حراك شبابي عفوي سخّر وسائل التواصل الاجتماعي للتجمع في ساحات المدن؟
مهما كان أمر توصيفها، فإن بداياتها كانت سلمية، تنطوي على جهد إنساني جبار، وتحمل مطالب الحرية والكرامة للشعب السوري، إلا أن الخيار الأمني للنظام دفع هذا الحراك نحو " العسكرة " و" الأسلمة ". لكنّ " العسكرة " جرت بشكل عشوائي، حين تمَّ رفض كل المحاولات لتشكيل قيادة عسكرية موحدة من ذوي الاختصاص، وقد نتج عن ذلك استقلالية حاملي السلاح عن الحراك المدني السلمي، بل محاولة إخضاع المؤسسات المدنية للثورة إلى هؤلاء المسلحين.

ولم تكن أسلمة الثورة بفعل جهاديي الخارج فحسب، وإنما أيضًا بفعل توجهات الفصائل السورية المسلحة، استجابة لمطالب الممولين الخليجيين. كما أن النظام رفد الكتائب الإسلامية المسلحة بالعديد من الجهاديين الذين كانوا في سجونه، كي يتبوؤا قيادة بعض هذه الكتائب، ويطبقوا وصفات غسيل الدماغ التي أجرتها أجهزته الأمنية المختصة. كما لا شك أن التدين الشعبي الواسع بين السوري، خاصة في الأرياف التي عانت من مظلومية ممارسات النظام طوال أربعة عقود، والدور الذي لعبه بعض المشايخ في تسطيح الوعي الإسلامي العام، قد دفع قطاعات شعبية للانضواء تحت لواء الفصائل الإسلامية المسلحة.
وفي المقابل انحسار وضعف تأثير العمل المنظم للتيار الديمقراطي، بل انتقال بعض مناصريه لمنظمات إسلامية متمكنة من مصادر مالية.
وهكذا، لم يعد الصراع داخل سورية، وإنما على سورية، بين القوى الإقليمية والدولية لتقاسم النفوذ والمصالح، نتيجة لولاء أمراء الحرب لجهات خارجية. وفي المقابل، عجزت المؤسسات الرسمية للمعارضة عن بناء قنوات تفاعل مع الحراك الشعبي، ومده بأسباب الدعم والاستمرار. ليس ذلك فحسب، وإنما افتقد خطابها إلى القدرة على تحديد مشكلات الواقع وصياغة الحلول المجدية لها، ومتابعة آلياتها التنفيذية.
كما نفر السوريون من مؤسسات معارضة تعلن أنها تسعى إلى تحقيق طموحات الشعب السوري في الحرية والكرامة، وبناء دولة المواطنين الأحرار المتساويين في الحقوق والواجبات، بينما هي تصر على توزيع المناصب والامتيازات على أساس المحاصصات القومية والطائفية، وليس على أساس القدرات والكفاءات.
وعلى ضوء التوصيف الأولي السابق لبعض سرديات الثورة وتساؤلاتها، يبدو أننا أحوج ما نكون إلى سردية واضحة للتغيير المنشود، انطلاقًا من أن ثمة تحديات كثيرة ستواجه السوريين في مرحلة ما بعد التغيير، من أخطرها بنية التسلط والاستبداد، التي عمّمها النظام طوال خمسة عقود، مما يفرض أن تُضمَن في المرحلة الانتقالية الحريات الفردية والعامة، وإبعاد الدين عن أن يكون " كهنوتاً سياسياً " ومادة للدعاية السياسية.