صراع عالمي في مواجهة خطر مشترك


رضي السماك
2020 / 4 / 18 - 10:18     

مضحك مجنون هو العالم الذي نعيشه ؛ فبدلاً من أن يساعد تحوله إلى " قرية كونية " إلى تماسك أهلها ، كما هو حال القرى الفعلية في مختلف بلدان العالم ، وجدناه أكثر تحارباً وتمزقاً مما قبل تحوله إلى قرية بحيث أن الخطر الداهم المشترك التي يحدق بها لم يثنها حتى عن تسعير صراعاتها . ثمة ثلاثة الذي من أهم الأحداث الامريكية التاريخية الهامة يمكن القول بأنها تركت وراءها ظلالاً من الشك بهذا القدر أو ذاك حول المتسبب الحقيقي فيها ، سواء أكان المتسبب هو الفاعل نفسه دوره ، أم كان مجرد منفذ وتقف وراءه قوى أو جهات غير مباشرة ، ولما كانت ثمة ثغرات في وقائع تلك الأحداث أو تركت بعض علامات الاستفهام فقد وجد فيها أنصار نظرية المؤامرة ضالتهم للتشكيك فيما هو معلن للرأي العام العام العالمي أكان ذلك صادر من جهات مستقلة أم من الإدارة الأمريكية والمؤسسات الحكومية المرتبطة بها : الحدث الأول يتمثل في مقتل الرئيس جون كيندي عام 1963 ، والحدث الثاني يتمثل في قتل شقيقه روبرت كيندي مرشح الرئاسة عام 1968 ، أما الثالث والأخير ويتمثل فيما بات يُعرف " أحداث سبتمبر 2001 " ، وهانحن شهود على حدث عالمي هام كبير يكاد يرقى إلى مستوى اشتعال حرب عالمية والمتمثل في انتشار " فيروس كورونا " الذي اُصطلح على تسميته ( كوفيد 19 ) حيث بدأ فتيل اشتعاله من الصين بمدينة " ووهان " ليتمدد سريعاً كالنار في الهشيم حول العالم ، ومازالت المعارك السياسية والإعلامية حول تداعياته مشتعلة موجهةً مدفعيتها الثقيلة بوجه خاص ضد الصين ، لكن الدول الرأسمالية وحتى في سياق حربها النفسية على الصين ، وبخاصة من قِبل الولايات المتحدة ، لا تخلو مواقفها من التناقضات لتضارب مصالحها ما أفضى إلى فوضى إعلامية عالمية لعلها الأشد خلال عقدين منذ أحداث سبتمبر تسببت ، في أذهان ليس شعوب العالم فقط ، بل ونخبها السياسية أيضاً . وبإمكان المتابع أن يلمس هذا التضارب الحاد شبه اليومي فيما بين مواقف الدول الكبرى ، بدءاً من الجدل عما إذا الوباء نشأ بفعل فاعل بشري الجهة المسؤولة أم ثمة عوامل طبيعية وراء نشوئه بعيدا عن السياسة ، وليس انتهاءً بالسباق المحموم بين الدول الرأسمالية على تبشير العالم بابتكار اللقاح أو العلاج الناجع ، بينما البشرية تسمع جعجعة ولا ترى طحيناً .
أكثر من ذلك برز تباين بين الجهات الطبية لتلك الدول حول جدوى الكمام وسّبل الوقاية الاخرى ، ناهيك عن استغلال الفيروس لتصفية الحسابات فيما بين الدول التي تجري بينها من خلال التشكيك المتبادل في صحة أرقام الوفيات والإصابات المعلنة في كل دولة . الصين التي ظهر منها الفيروس كانت أكثر دولة جرى التشكيك في صحة ما تعلنه من أرقام إصابات ووفيات وبخاصة من قِبل واشنطن التي أتهمتها أيضاً بأنها من تقف وراء ظهور الفيروس في ووهان لتسريه من مختبر للابحاث البيولوجية . على بكين آثرت الرد بصوت خفيض بزرع الوباء في " ووهان " لم تصعّد إعلامياً مع الأخيرة لاعتبارات تبدو تكتيكية إذ تخشى الصين في تقديرنا من تعرض مصالحها الاقتصادية للخطر إذا ما قررت واشنطون فرض عقوبات اقتصادية ضد الصين وتكثيف ضغوطها لحمل دول تقيم علاقات جيدة معها بالا نسحاب ، لكن أصواتاً امريكية معارضة لم تتوان عن توجيه الاتهام إلى حكومة بلادها ، بأنها هي من تقف زرع الوباء في الصين ، لعل أقواها ما سطّره المفكر اليساري الأمريكي نعوم تشومسكي ، و الراجح أن اسرار الوباء لن تُعرف كاملةً إلا بعد أن يزول نهائياً عن العالم .