-خطة مارشال الجديدة- عن فكرة الرأسمال الأوروبي -العظيمة-الجديدة و البالية جداً و رد الشيوعيين عليها


الحزب الشيوعي اليوناني
2020 / 4 / 16 - 11:00     

"خطة مارشال الجديدة"
عن فكرة الرأسمال الأوروبي "العظيمة"الجديدة و البالية جداً و رد الشيوعيين عليها
مقال بقلم ذيميتريس كوتسوباس الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني




أحضر ظهور الوباء، وانتشاره السريع وآثاره العميقة على الحياة البشرية، وخاصة ضمن الاقتصادات الرأسمالية الأكثر تطوراً، نحو السطح مشاكل متفجرة كبيرة، هي التي كانت و بالطبع موجودة سلفاً، ولكنها تمظهرت اليوم بنحو صارخ و مأساوي في آن واحد. حيث ظهرت بوضوح أكبر التناقضات والتناحرات في جميع جوانب الحياة والواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي، في كل بلد على حدة كما و على المستوى الدولي. و بالتأكيد ، هناك حاجة إلى جهد جماعي أكبر ومساهمة للجميع، بنحو لا يقتصر على تسجيل و ترميز المسائل الجديدة، بل و من أجل إبراز أبعد و أعمق للمسائل والاتجاهات الجديدة الرئيسية للتطورات، و لكن أيضاً، من أجل استخلاص الاستنتاجات والمهام اللازمة، على مستوى النظرية أو السياسة أو الممارسة. و على كل حال، فلا تزال العديد من المسائل والجوانب قيد التطور.

هذا و تُظهر و تؤكّد التطورات التي نشهدها في هذا الوقت -خلال الشهر المنصرم في بلدنا و ما يزيد عليها بنحو طفيف في بلدان أخرى – و لمرة أخرى بنحو أكثر شدّة واقعة تمثّل الخطر الفعلي لجميع شعوب العالم في الرأسمالية المتواجدة في أعلى مراحلها، الإمبريالية. فهي لا تتعارض فقط و باضطراد مع حاجات البشر، و مع التطور الاجتماعي نفسه، ولكنها تسبب و باستمرار و على نطاق واسع ضرراً في جميع المجالات لا يمكن إصلاحه، بسبب التفاقم الكبير لتناقضاتها و تناحراتها. حيث ما من تشكيك اليوم، في أن صحة الشعب و رعايته و حمايته و أمانه لا تتوافق مع الربح الرأسمالي ورأس المال الجشع و نمط الإنتاج الرأسمالي. فإما أن يكون هناك فرضٌ لحلولٍ على أساس الحاجات الشعبية الفعلية، أو سيعاني الشعب و سيعيش في ظروف بائسة، وسيدفع باستمرار من عوزه من اجل ثراء القلة المختارة لرأس المال. هذا و سيبرز بنحو أكثر إلحاحاً حين انتهاء الوباء أن الوقت قد حان لتعزيز التحالف الاجتماعي، و لتعزيز خط الصراع ضد الاحتكارات و الرأسمالية، و لتعزيز اقتراحنا البديل و ردِّنا، ردِّ الغد الاشتراكي الواعد بالأمل. حيث ستحضر ضرورة الاشتراكية والثورة الاشتراكية و راهنيتهما، و ستطفوان نحو السطح مع مرور الزمن بنحو إلزامي مع زخم جديد و اقترابهما أكثر فأكثر.

و تتكاثف في الآونة الأخيرة التفاعلات والمزاحمات على الصعيدين الأوروبي والعالمي حول كيفية دعم الاقتصاد الرأسمالي المتضرر، بنحو أكثر فعالية. حيث تشكل تبعات وباء الفيروس التاجي و بالتأكيد عامل تسريع لتفاقم المشاكل الخطيرة التي كانت موجودة من قبل في الاقتصاد الرأسمالي. و كان الحزب الشيوعي اليوناني قد حذّر حتى عندما كان الحكام – السالفون و الحاضرون- يحتفلون "بالنمو" من أنه لم يتم تجاوز مشكلة فرط تراكم رأس المال باعتباره السبب المولد للأزمة، بل و أنها في تفاقم اكبر مما يقرِّب بنحو اكثر خَطَر وقوع أزمة جديدة، و لربما بنحو أسرع مما كان متوقعا. و في الواقع، فإن الاقتصاد اليوناني هو أكثر عرضة لهذه الهزات، بسبب ما يُسمى "الانفتاح"، أي اعتماده الكبير على السياحة والشحن البحري و النقل بنحو أشمل. هذا و كانت جميع الحكومات السابقة لأحزاب الجمهورية الجيدة و سيريزا و الباسوك- حركة التغيير، قد جعلت من هذا الانفتاح راية لها في حين تقويضه إمكانات البلاد الانتاجية الكبيرة، الثمينة والضرورية، و خاصة في ظروف كالحاضرة، و ذلك لمجرد فرضه من اجل أرباح رأس المال والتزامات الاتحاد الأوروبي.

و فوق هذه اﻷرضية يتطور نقاش حول الحاجة إلى تدخل قوي للدولة في الاقتصاد، تحت مسمى "خطة مارشال الجديدة". و في الواقع، يستخدم هذا المصطلح و على حد السواء من قبل أتباع إسناد آلية الدعم الاوروبي المالي الحاليين (ألمانيا، هولندا، النمسا) وأتباع السندات الاوروبية أو مما بينهما، من بلدان الجنوب المثقلة بالديون. و يُستخدم هذا المصطلح، أيضا من قبل جميع القوى البرجوازية، بمعزل عن ظهورها كمتخاصمة (نيوليبرالية، يمينية، و كافة تلاوين الاشتراكية الديمقراطية و غيرها). حيث يُظهر تطابقهم هذا اتفاقهم الكبير على ضرورة قيام الدول البرجوازية و تحالفاتها، كالاتحاد الأوروبي، بالتدخل عبر سياسة مالية توسعية لا لدعم العمال والشعوب الذين هم مرة أخرى الضحايا الأكبر من حيث مستوى الصحة والحقوق، بل لدعم المجموعات الاقتصادية وربحيتها. و في الوقت ذاته أيضاً من أجل تعزيز موقع رأس المال الأوروبي ضد منافسيه، كالولايات المتحدة، والصين ، وروسيا و غيرهم، في سياق عمليات إعادة الترتيب التي سيشهدها النظام الإمبريالي الدولي. وبالطبع، فإن هذا لا يعني انتفاء وجود خلافات بينها داخل الاتحاد الأوروبي، حول من سيفوز ومن سيخسر، مما قد يقود إلى اعتماد تسوية هشة أخرى. و على العكس تماما. تدعم البلدان التي تمتلك عجزاً و مديونية أصغر القول بأن إقراض الاقتصادات يجب أن يكون أمراً يعود لكل دولة على حدة، من خلال آليات الدعم الحالية. وتجادل البلدان التي تمتلك عجزاً أعلى، كإيطاليا وإسبانيا، التين ستحتاجان إلى حزم كبيرة لدعم مجموعات أعمالها الاقتصادية، بأن هذا الإقراض ينبغي أن يكون وفق شروط "تبادلية" الديون الجديدة.

إن ما يؤكَّد و لمرة أخرى، هو زيف "التضامن الأوروبي". إن الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو و من طبيعتهما هما عبارة عن تحالفات بين دول و اقتصادات متزاحمة "تكشر عن أنيابها" خاصة في أوقات اﻷزمة، و على حد السواء فيما بينها و بنحو أساسي ضد الشعوب. و في الحاصل فإن تباكي أولئك الذين يتباكون مرة أخرى حول تماسك الاتحاد الأوروبي و "البيت الأوروبي المشترك المهدد" يعود لكونهم يدركون تلاشي هذه الصورة الزائفة في أعين الشعوب. هذا و يرسم انهيار أنظمة الصحة العامة الناقصة سلفاً، على الرغم من بطولة عاملي مجال الرعاية الصحية، كما و ملايين حالات التسريح من العمل في جميع البلدان، واكتظاظ عمال المصانع المخاطرين بحياتهم لكيلا تفقد الارباح، و مزاحمة شركات الأدوية وموردي مستلزمات الرعاية الصحية المواد التي تحرمنا من إمدادات ثمينة، صورة مثيرة للاشمئزاز، ليس فقط في الاتحاد الأوروبي بل في العالم الرأسمالي بأكمله، و ذلك حتى في بلدان واجهته المتواجدة في قمة الهرم الإمبريالي. و يُؤكد أيضاً أن مزيج الإدارة البرجوازية، الذي يتم اختياره في كل مرة، لا يتحدد من خلال الآراء السياسية الخاصة لكل حكومة برجوازية على حدة، بل من حاجات و أولويات رأس المال في لحظة معينة. و لهذا السبب و في كل اﻷحوال فقد شهدنا اتِّباع قوى اشتراكية ديمقراطية كحزب سيريزا في اليونان، لسياسات انكماشية زَعمت أنها تعارضها، كما و اتِّباع قوى نيوليبرالية الآن لسياسة أكثر توسعية، كانت قد انتقدتها سابقاً. ليس هذا بأمر جديد. فالتاريخ المعاصر مليء بأمثلة كهذه.

و في أي حال، يتمثل القاسم المشترك في أن العمال هم الذين سيُطلب منهم و لمرة أخرى دفع "كلفة" حزم الإنقاذ الجديدة. لقد دفع العاملون ثمن المذكرات والتدابير القاسية المناهضة للشعب في السنوات الأخيرة و التي لا تزال سارية المفعول، وسيُطلب منهم سداد القروض والعجز الجديد، عبر تدابير تُجرَّب سلفاً في أنبوب الاختبار "الصحي" بحجة الوباء.

هذا ما نعيشه في اليونان في الوقت الحالي. فمن ناحية، هناك الآلاف من العمال المسرحين، و فرض تحولات ضارة على نظام العمل، و عاملون وفق علاقات مرنة و هم الذين لا يحق لهم حتى الحصول على تعويض ال 800 يورو الهزيل، و خراب المهنيين العاملين لحسابهم الخاص، والمزارعين. ومن ناحية أخرى، هناك الكثير من المال الذي يمنح للشركات الكبيرة والبنوك. إن حكومة حزب الجمهورية الجديدة تخدم هذه السياسة. و تُبرز ذات السياسة مع اختلافات طفيفة بشكل أساسي من حيث الجدول الزمني للدعم، من خلال برنامج سيريزا الذي يرمي ثقله على "المستقبل القريب". و في الواقع فإن هذا التقارب المتعاظم بين سيريزا و حزب الجمهورية الجديدة الذي يجري على أرض الواقع و بغطاء دعائي قائل بوجود مسؤولية وتضامن "وطني" زائفين، و هو الذي لا يُستبعد أنه سيحدد التطورات السياسية في الفترة المقبلة. إن هذا ليس بجديد أيضاً. حيث لم يجف بعد حبر توقيعهما على المذكرة الثالثة. فعندما يتطلب استقرار النظام ذل فهما يضعان جانبا -خلافاتهما التي لا يمكن تمييزها الآن-.إن كلاهما يخفيان الجوهر: و هو أن من غير الممكن أن يخرج من هذه الأزمة الهائلة رابحاً كِلا رأس المال والعمال. فأحدهما سيخسر وسيربح الآخر. و ينبغي و اعتباراً من الآن تنظيم هذا النضال من أجل اليوم التالي من قبل الطبقة العاملة و باقي الشرائح الشعبية. عبر طرح مطالب وأهداف للصراع هي تلك التي تولد اليوم، للنضال من أجل الصحة والحياة والبقاء اليومي، و لكنها تلك التي تصوِّب على الخصم الفعلي على رأس المال و حكوماته و تحالفاته.

و بالتالي، فإن "الفكرة العظيمة" التي يُبرزها رأس المال وممثلوه السياسيون في كل مكان، من أجل "خطة مارشال جديدة" لإعادة إعمار أوروبا، والتي يزعم بهتاناً أنها ستطبق دون التزامات ومذكرات بحق الشعوب، و أنها مفيدة لرأس المال و العمال، هي فكرة مخادعة بنحو بعيد.

هذا و طريفة هي محاكاتهم لخطتهم بخطة مارشال ما بعد الحرب، وصولاً بهم لتقديمها على أنها "جوهرية" لصالح الشعوب. و في الواقع، لا تقوم بهذا الاختلاس التاريخي فقط الذرية الايديولوجية والسياسية لمؤيدي خطة مارشال، بل و أيضاً، قوى تسمى "يسارية"، و هو ما يؤكد و ببساطة واقعة تهجينها الاشتراكي الديمقراطي البرجوازي الكامل. و تجدر الإشارة إلى أن الرأسمال الأمريكي الذي تدفق إلى أوروبا المدمرة بعد الحرب في إطار خطة مارشال، خلال النصف الثاني من العقد الخامس الحاسم من القرن الماضي، لم يكن فعلاً تضامنياً مع الشعوب الأوروبية، بل مجرد عمل حيوي من أجل النظام الرأسمالي نفسه. حيث استُغلت رؤوس اﻷموال هذه من جهة، من أجل إعادة البناء الرأسمالي لأوروبا التي كانت مصيرية بالنسبة للصادرات الأمريكية، ومن ناحية أخرى، من أجل التصدي للاشتراكية والحركة العمالية الثورية، التي انبثقت من الحرب العالمية الثانية و امتلكت مكانة كبيرة بين جميع شعوب العالم. و لهذا السبب و في كل حال، فقد وُجّه جزء كبير من خطة مارشال إلى البنية التحتية، على سبيل المثال العسكرية منها، كما كان الحال في اليونان، مع استهداف أساسي للنظام الاشتراكي آنذاك و لصراع الشعوب. ومع ذلك، فإن تدخل الدولة الضروري – حينها أيضاً - بعد الحرب لإعادة إنتاج رأس المال و خلق البنية التحتية الحاسمة، لم يوقف الحلقة المفرغة للأزمات، ولم يضمن رخاء الشعوب. و في الوقت نفسه، استهدفت المِنح التي قدمت احتواء القوى العمالية الشعبية، و حملت ختم وهج المكاسب الاجتماعية في الاتحاد السوفييتي و البلدان الاشتراكية الأخرى، كما حملت أيضاً بصمة صراع شعوب أوروبا.

إن هذا الخصم الكفؤ لرأس المال هو غير موجود اليوم، لسوء الحظ. و مع ذلك، ستخرج الشعوب من هذه الأزمة بخبرة أكبر. حيث تتضح بنحو أكبر اليوم المآزق الضخمة والإفلاس التاريخي لنظام الاستغلال الحالي. و في يد الشعوب هو تنظيم نضالها وتحالفها. للرد بخطة و اقتراح سياسي يتم الترويج له حالياً في بلدنا، من قبل الحزب الشيوعي اليوناني من بين جميع باقي الأحزاب. للرد بقوة على مسألة من أين ستأتي الموارد، و من الذي ينتج في النهاية كل هذه الثروة التي تستحوذ عليها القلِّة. إن الترويج والمطالبة منذ اليوم وفي ظروف القيود الخاصة، بشدة أكبر و طرق وأشكال أخرى في اليوم التالي، هي عبارة عن شرط أساسي لإعداد الهجوم المضاد الشعبي، و زرع مناخ من الاستعداد والتعبئة والتحالف الاجتماعي الواسع مع الطبقة العاملة في المقدمة. و يترافق الترويج لتدابير المطالبات وتدابير الإغاثة لموظفي القطاع الخاص والعام والمهنيين العاملين لحسابهم الخاص - الحرفيين - التجار و العلماء العاملين وفق عقود تقديم خدمات والمزارعين و نساء و أولاد العائلات الشعبية، لحماية صحة الناس، و للتعليم والثقافة، و معالجة مشكلة اللاجئين، و استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية وإلغاء أي قوانين تقيد العمل النقابي والسياسي و تكثِّف القمع، مع الكشف عن الأسباب والمسؤوليات الكبيرة والحاجة إلى أن تحميل أعباء الأزمة على كاهل رأس المال لا على كاهل الطبقة العاملة والشرائح الشعبية. مع الإلغاء المتزامن لجميع قوانين المذكرات القديمة والتدابير الأخيرة المناهضة للشعب. مع إلغاء الإعفاء الضريبي للمجموعات الاحتكارية، فليدفع مالكو الثروة في البلاد ضرائبهم. و مكافحة التربُّح الفاحش و ممارسات السوق السوداء. و المطالبة بإلغاء مديونية الدولة بالتقادم، و هي التي لم يخلقها الشعب الذي يدفع ثمنها غالياً وبشكل مستمر طوال هذه السنوات. و الانسحاب من برنامج و مخططات الناتو الخطيرة التي ندفع كلفتها كبلد 4 مليارات يورو كل عام. مع الصدام الشامل والخلاصي لشعبنا و فك ارتباطه من التحالفات الإمبريالية للناتو والاتحاد الأوروبي. لكي نضيء المَنفذ الوحيد المتواجد في رِفعة الاشتراكية و الملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج و التخطيط المركزي و المشاركة و السلطة العماليتين، التي تقودان إلى رفاهية الشعب و سلام و تقدم البشرية.