-فيلسوف التواصل- امام الجائحة


ماهر الشريف
2020 / 4 / 14 - 09:00     



قلائل هم أصحاب المشاريع الفكرية الكبيرة في يومنا هذا، بما في ذلك في أوروبا، القارة التي عرفت في القرنين التاسع عشر والعشرين عدداً معتبراً من كبار الفلاسفة وعلماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد؛ ومن بين هؤلاء القلائل يبرز اسم الفيلسوف الألماني يورغن هابرمس، الذي احتفل في العام الماضي بعيد ميلاده التسعين، والذي يُنظر إليه باعتباره واحداً من أهم فلاسفة عالمنا اليوم.

ماذا يفكر "فيلسوف التواصل"، ووريث "مدرسة فرانكفورت" النقدية، في الأزمة الصحية التي يواجهها العالم نتيجة انتشاء جائحة كورونا؟



في الحوار الذي أجراه معه نيكولا تريونغ، ونشرته صحيفة "لوموند" الباريسية، يلاحظ هابرماس أن هذه الجائحة، من وجهة نظر فلسفية، تفرض اليوم على الجميع، وفي الوقت ذاته، تأملاّ معمقاً كان حتى اليوم منوطاً بالخبراء، بحيث يتوجب علينا أن نتحرك على أساس المعرفة الصريحة بأننا نفتقد المعرفة. فاليوم، يتعلم جميع المواطنين كيف ان الحكومات عليها أن تتخذ قرارات ضمن الوعي الخالص بأن هناك حدوداً لمعارف علماء الفيروسات الذين يقدمون لها النصح. ويتابع أنه نادراً ما كان المشهد الذي يجري فيه فعل سياسي، غائص في اللايقين، مضاءاً بنور باهت إلى هذا الحد، مقدراً أن هذه التجربة غير العادية ربما ستترك آثاراً في الوعي العام.

ويتوقف هابرماس، في رده عن سؤال يتعلق بالتحديات الأخلاقية التي تضعها أمامنا هذه الأزمة الصحية، أمام الأثر الذي تتركه الجائحة على حرمة الكرامة الإنسانية، هذه الحرمة التي يضمنها القانون الأساسي الألماني في مادته الأولى ويفسرها في مادته الثانية على النحو التالي: "إن كل شخص له الحق في الحياة وفي السلامة الجسدية"، فيعتبر أن الخطر الذي يمثله تشبّع وحدات العناية المركّزة في مشافينا -وهو خطر تخشاه بلداننا وأصبح واقعاً في إيطاليا- يطرح سيناريوهات لطب الكارثة، التي لا تعرفها سوى الحروب. فعندما يُقبل المرضى بعدد كبير في المشافي ليعالجوا كما ينبغي، يجد الطبيب نفسه مجبراً لا محالة على اتخاذ قرار مأساوي، لأنه في جميع الحالات غير أخلاقي. وهكذا، تولد الرغبة في خرق مبدأ المساواة الصارمة في معالجة المرضى، من دون تمييز على أساس الوضع الاجتماعي، أو الأصل، أو العمر، إلخ؛ هذه الرغبة التي تقوم، مثلاً، على تفضيل المرضى الأكثر شباباً على المرضى المسنين.



وعندما يقوم بعض الأشخاص المسنين من تلقاء أنفسهم بفعل مثير للإعجاب من الناحية الأخلاقية، وهو أن يتناسوا أنفسهم، فأي طبيب سيسمح لنفسه، في هذه الحالة، بأن "يقارن" ما بين "قيمة" حياة إنسانية و "قيمة" حياة أخرى، وينصّب نفسه بذلك مالكاً لحق الحياة أو الموت؟