كورونا والسلوك ..


قاسم حسن محاجنة
2020 / 4 / 5 - 21:46     

لا بُدّ من كلمة "مديح" للفيروس القاتل ، (كغيره من الفيروسات طبعا)، والذي "تمكّن" وخلال فترة زمنية قياسية ، من تغيير السلوكيات وكشف عن معدن البنى النفسية للأفراد والمجموعات ... فهو (أي الفيروس) بهذا قد حقق قصب السبق على كثير من "مُنافسيه" الأولين والآخرين .
ولننظر ، ولنقارن بين المنظومة الثقافية للأمم ، والأمة العربية الإسلامية ، على وجه الخصوص ، ما قبل كورونا وما بعدها ...
فالأمم جميعها بما فيها العربية ، أصبحت أكثر انضباطا من السابق ... وأكثر احتراما لما يقوله أهل العلم ، أي الأطباء والمختصين في مجال الصحة ، وأبتعدوا كثيرا عن المشعوذين وتجار الدين . فإغلاق المساجد ودور العبادة الأُخرى ، جرى تقبله بتفهم ، وامتنع المصلون عن إقامة صلوات الجماعة .. حرصا منهم على انفسهم، في المقام الأول وحرصا على إخوتهم في الدين والإنسانية .
ولا بُدّ من الإشادة بالغالبية التي تلتزم الحجر الصحي ، سواءً أكان هذا الإنضباط نابعاً وناجما عن خوف من السلطة وغراماتها المالية ، أو عن قناعة شخصية محضة .
ومن ظواهر التغيير في السلوكيات ، نرى بأن الغالبية من العرب والتي اعتادت المصافحة ، المعانقة وتبادل القبل ، قد توقفت عن هذه الممارسات ولو إلى حين ... وخفّت الزيارات والقعدات ، ومظاهر التفاخر بالأعراس وتضييفاتها وبيوت العزاء "وتبذيراتها" ..
إذن ، حصل تغير سلوكي سريع ، في كافة مناحي الحياة ، لكن الأهّم أن يتم تذويت هذه السلوكيات ، لتُصبح جزءاً من السلوك اليومي العفوي والمتداول.
وعلى صعيد آخر، فنحن نشاهدُ تصاعد وتيرة المساندة والمساعدة ، التبرع والتطوع لخدمة الصالح العام وتقديم العون للمحتاجين والفقراء ، وتجاوب فئات واسعة من المجتمع مع المجموعات والمؤسسات الفردية والجمعية ، مع نداءات التطوع والدعم المادي والمعنوي للمحتاجين ... خاصة وأن أدنى الطبقات المسحوقة من العمال والأجيرين المياومين قد خرجوا الى عطلة او الى بطالة ، لا يُعلم متى تنتهي .
لكن بالمُقابل ، ظهرت معادن النفوس الجشعة ، من شركات أو تجار واللذين رفعوا أسعار السلع أضعافا مضاعفة ... وأصبح شراء السلع الاستهلاكية اليومية ، أمرا صعب المنال ، في أوساط الفقراء والمسحوقين.
وفي قطاع البنوك ، والتي كانت "تضحك" في وجوه زبائنها أيام "الرخاء" ، فقد عبست وكشرت عن انيابها، واصبح الحصول على قرض صغير، أو الاستدانة منها ، حتى تنفرج الأمور ، اصبح من سابع المستحيلات. الأمر الذي فتح الأبواب واسعة أمام المرابين في السوق السوداء وعالم الجريمة المنظمة ، والتي انتعشت سوق قروضها ، مقابل ضمانات حياتية ، كرهن البيت لديهم أو ما ملكت يمين المقترض .
وطبعا ، فالشرطة لاهية في فرض الحظر والحجر المنزلي ، مما يترك الميدان خاليا للجريمة المنظمة والمرابين .
وفي المحصلة النهائية ، فقد كشفت هذه الأزمة العالمية عن معادن الافراد والمجتمعات .... والتي في غالبيتها مجتمعات تطمح في حياة آمنة ، صحية ومستقرة ... لكن بالمقابل ، هناك الأقلية التي لا ترى في هذا الوباء ، إلّا فرصة سانحة لزيادة ثرائها.