ليس من حزبٍ شيوعيٍّ في (العراق)


رائد محمد نوري
2020 / 4 / 5 - 13:43     

الماركسيّة منظومة علومٍ حتميّةٍ يستحيل تقويضها بغير هدم أحد أو جميع أسسها الثلاثة: أوّليّة المادّة وخلودها ولا نهائيّة حركتها، وأثر العامل الاقتصادي وصراع الطّبقات في صناعة تاريخ البشر، والشّيوعيّة؛ فلو أراد أحدٌ النهوض بهذه المهمّة، فعليه أوّلاً خلق المادّة في المختبر من لا شيءٍ، ثمّ إبطال حركتها حركةً ديالكتيكيّةً؛ حتى يتسنّى له إثبات أنّ تطوّر المجتمع البشري غير خاضعٍ للتّعارض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، وبذلك –فقط- يمكنه إثبات أنّ الشّيوعيّة خيارٌ من خيارات الإنسان لا ضرورةٌ حتميّةٌ يفرضها تطوّر الصّراع بين المُسْتَغِلّينَ والمُسْتَغَلّينَ.
لم تعد الأحزاب الشّيوعيّة حول العالم تولي هذه الحقيقة أهميّةً كبرى بعد أن استبدلت الديالكتيك الهيغيلي بالديالكتيك الماركسي، وتحوّلت –منذ انهيار النّظام الاشتراكي- إلى أحزابٍ اشتراكيّةٍ إصلاحيّةٍ تدافع عن الدّيمقراطيّة البرجوازيّة متجاهلةً حقيقة أنّ التّعدّديّة الحزبيّة في المجتمع البرجوازي بنيةٌ روحيّةٌ فرضها تطوّر الصّراع الاجتماعي في النّظام الرّأسمالي الذي لم يعد قائماً.
الشّيوعيّون العراقيّون ليسوا استثناءً، فهم بعدم قراءتهم التّاريخ قراءةً ماركسيّةً يخبطون خبط عشواء، ولا ينهجون بممارستهم السّياسة نهجاً يتّفق مع صفتهم الماركسيّة.
أدرك الشّهيد الخالد (يوسف سلمان يوسف) (فهد) بفضل تكوينه الماركسي السّليم ضرورة تمكين البرجوازيّة العراقيّة، فضحّى بنفسه في سبيل بناء تحالفٍ طبقيٍّ يرفع راية التّحرّر الوطني ضدّ الرّجعيّة العراقيّة والقوى الممثّلة لمصالح (بريطانيا) في (العراق).
صلابة الشّهيد الخالد (سلام عادل) الثّورية وقابلياته القيادية، وإخلاصه للماركسية والحزب الشيوعي العراقي، ونهج سلفه الشّهيد (فهد) أمورٌ مكّنته من أن ينفخ الرّوح مجدّداً في الشّعار الذي رفعه الشّهيد (فهد): "قووا تنظيم حزبكم .. قووا تنظيم الحركة الوطنيّة"، فكانت الثّمرة تحالفٌ طبقيٌّ منح الرّابع عشر من تمّوز عام 1958 هويّته الثّوريّة التّحرّريّة الوطنيّة؛إلا أنّ (سلام عادل) كبّل نفسه بعد الثّورة بشيوعيّين شجعان أنكروا ذواتهم وضحّوا بغالي ما يملكون في سبيل (العراق) والحزب الشيوعي، لكنّ تكوينهم الماركسي كان ينقصه الثّقافة الماركسية العميقة، والقراءة الماديّة السليمة للتّاريخ، والفهم الماركسي الصّحيح للثّورة بوصفها ضرورةً لا خياراً إنسانيّاً، فتخبّطوا في دروب الثّورة حتى مجيئ القطار الأمريكي وإضرامه نار الشّوفينيّة السّوداء في جسد الثّورة، ولات ساعة مندم.
رومانسيّة الشّيوعيين العراقيين المتطرّفة في ظلّ ثورة تمّوز أسهمت مع عوامل أخرى عديدةٍ في إنتاج الثّامن من شباط عام 1963 الذي قضى على (العراق) البرجوازي النّاشئ، وقضى –أيضاً- على جذوة الممارسة الثّوريّة الواقعيّة الخاضعة للماركسيّة اللّينينية، وأدّى إلى أن تكون القواعد الشّيوعيّة ضحيّة قلق البرجوازيّة الصّغيرة وميوعة مواقفها الثّوريّة.
لا تشكّل البروليتاريا –اليوم- في (العراق) هذا البلد المحيطيّ الذي انكفأت فيه ثورة التّحرّر الوطني قبل عقودٍ طبقةً لها أثرها الفاعل في إنتاج ثروة المجتمع، على الرّغم من ذلك تتعدّد الأحزاب الشّيوعيّة العراقيّة التي تدّعي تمثيلها العمّال ودفاعها عن مصالحهم تعدّداً تناحريّاً يتناقض مع هويّتها الماركسيّة، فضلاً عن تناقضه مع طبيعة الصّراع في المجتمع العراقي.
لا يستقيم التّشظّي ولا الطّبيعة القلقة للطّبقات الوسطى أو البرجوازيّة الصّغيرة أو البرجوازيّة الوضيعة –سمّها ما شئت- مع حقيقة الانتماء للأحزاب الثّوريّة التي تتبنّى الماركسيّة اللّينينية منهجاً للممارسة الحزبيّة، ولا ينسجمان مع السّعي الحثيث لتغيير العالم تغييراً جذريّاً، هذا التّناقض الرّئيس داخل جسد الحركة الشّيوعيّة العراقيّة يستحيل تفكيكه من قبل هذه الأحزاب التي تقول إنّها أحزابٌ ماركسيّةٌ بغير البحث عن المشتركات بينها، ثمّ الإجابة العلميّة المستندة للماديّة الديالكتيكيّة عن السّؤالين:
كيف يكون الحزب شيوعيّاً بلا بروليتاريا يتوجّه إليها بخطابه ويستمدّ منها قوّته؟
وما هي مهامّه الثّوريّة عراقيّاً في الفوضى التي تسود العالم بسبب انهيار العوالم الثلاثة: النظام الاشتراكي والنّظام الرّأسمالي وثورات التّحرّر الوطني؟

بغداد: 5-4-2020