الرأسمالية: على المسنين الموت بدلا من الاضرار بالبورصات


توما حميد
2020 / 4 / 5 - 09:59     

قال نائب حاكم ولاية تكساس الجمهوري " جوف دان باتريك" في مقابلة مع قناة فوكس نيوز حول اجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي في مواجهة جائحة كورونا، بان البلد سوف ينهار اذ تم غلقه لمدة اطول من ثلاثة اشهر. واضاف انه " يخشى من ان القيود الصحية العامة لمنع فيروس كرونا ان تنهي الحياة الامريكية كما يعرفها ، وانه مستعد للمخاطرة بالموت لحماية الاقتصاد لاحفاده وحماية امريكا التي نحبها" " لا اريد ان ارى بان يضحى بكل البلد". وقال ان الكثير من المسنين الامريكيين يتفقون معه في تفضيل الموت على الاضرار بالاقصاد. وطالب دان باتريك ب " العودة الى العمل ، العودة الى الحياة"
يكرر نائب ولاية تكساس بشكل اخر مايقوله ترامب والحزب الجمهوري وهو فتح الاقتصاد والعودة الى العمل. اذ قال ترامب "لايمكننا ان ناتي بعلاج الذي هو اسوا من المشكلة". ادل الكثير من القادة الجمهوريين بتصريحات مماثلة.
كل هذه التصريحات جائت كمحاولة من قبل ادارة ترامب والحزب الجمهوري لفتح الاقتصاد لكي تنتعش اسواق الاوراق المالية وزيادة فرصة الفوز في الانتخابات المقبلة.
ولكن المهم في كل هذا هو ان باتريك ليس السياسي البرجوازي الوحيد الذي يطالب بالتضحية بالمسنين من اجل الاقتصاد والارباح وبالذات اسواق الاوراق المالية وارباح قلة صغيرة في المجتمع. فمع اشداد ازمة النظام الرأسمالي في العقود الاخيرة بدأ الحديث عن زيادة عدد المسنين في المجتمع والعبئ الذي يشكلونه على الاقتصاد والنظام الصحي وعن اتخاذ اجراءات في هذا الصدد مثل تاخير سن التقاعد الخ. اي ان ماقاله باتريك هي رؤية ونظرية بدأت تبرز الى السطح في السنوات الاخيرة.
رغم ان باتريك يتحدث عن التضحية بالنفس ألأ انه في الحقيقية ليس في هذا التصريح اي نوع من التضحية بالنفس وهي لاتختلف عن ارسال اولاد الفقراء الى الحروب والقضايا الاخرى التي تخدم مصالح الطبقة الحاكمة اذ يتم تغليف مثل هذه الافكار اليمينية والعنصرية والفاشية بخطاب مخادع ومضلل. لقد تم تصوير هذه الفكرة القذرة كونها محاولة حماية مستقبل الاطفال والاحفاد في وقت ان الهدف هو انقاذ الرأسمالية وبالذات انقاذ التركيب الحالي للرأسمالية. الهدف هو حماية نظام اقتصادي غير انساني ومتهرئ.
ليس في هذا الخطاب اي نوع من التضحية من قبل قادة البرجوازية لان من هو في خطر من الفيروس في حال فتح الاقتصاد بشكل متسرع وبالضد من نصيحة العلماء هو الشخص المضطر للذهاب الى العمل والتسوق ومن يعيش في شقق صغيرة في بنايات كبيرة وليس له المال او النفوذ لضمان جهاز تنفس صناعي اذا اصيب بالمفيروس.
سيكون دان باتريك بخيربعكس المسنين الفقراء، اذ سيكون بامكانه ان يعزل نفسه في قصره وتجنب الاصابة وفي حال الاصابة سوف يحصل على جهاز التنفس الصناعي دون اي مشكلة. اي انه سيكون محمي من الخطر الذي يريد وضع الاخرين فيه.
يجب التذكير بان الخطورة ليست بنفس المستوى على كل المسنين بل هي اكبر بشكل خاص على المسنين الفقراء الذين لايتمتعون بتغذية وصحة جيدة ويعيشون في ظروف مزرية.
ان هذه التصريحات هي تصريحات خطرة ومتهورة تعبر عن ازدراء للمجتمع وحياة الانسان. اذا طبق ترامب وباتريك مايريدونه سوف تجعل الامور اسوأ باضعاف. فتصريحات باتريك وترامب تاتي في وقت يحذر العلماء بان في حال عدم الالتزام باجراءات الحجر الصحي والتباعد المكاني بين البشر قد يؤدي الفيروس بحياة حوالي 2.2 شخص في امريكا فقط بنهاية السنة. في وقت ليس هناك اي دليل بان التضحية بالمسنين سوف يصون الاقتصاد. ان ارسال العمال الى العمل وتعريض حياتهم للخطر وبالتالي اصابة الملايين بالفيروس وانتهاء الاف منهم في المستشفيات سوف يؤدي الى غيابهم عن العمل وانهيار النظام الصحي واطالة تعطيل الاقتصاد. من جهة ثانية المجتمع الذي يشهد عدد هائل من الوفيات لن يعود اقتصاده الى الوضع الطبيعي لفترة طويلة جدا. ان وفاة مئات الاف من البشر له عواقب اقتصادية للبلد. يجب ان نتذكر بان الامريكيين فوق سن ال 65 وهي الفئة العمرية الاكثر عرضة لخطر الفيروس تشكل 18% من القوة العاملة الامريكية. هذه التصريحات تاتي في وقت يطلب من الكادر الصحي من المسنين بالعودة الى العمل في اغلب الدول.
ان تصوير فيروس كورونا بانه مشلكة تهدد المسنين فقط هو غير صحيح فهذا الفيروس يشكل خطر بشكل خاص على المسنين وايضا الافراد الذين يعانون من امراض مزمنة مثل امراض الرئة والقلب والسمنة والسكري وغيرها من كل الاعمار. وهناك عدد كبير من هؤلاء في المجتمع الامريكي بشكل خاص. ان 40% من اول 2500 مريض ادخلوا المستشفىات الامريكية في الاسابيع القليلة الماضية كانون من الفئة العمرية 20 -54 سنة.
ان التصريحات التي تدعو الى التضحية بالمسنين هي من دلائل بروز الفاشية نتيجة الازمة الخانقة التي تلم بالنظام الرأسمالي. فقط تيار وقادة فاشيين يمكنهم اقتراح التضحية بالمسنين بعد قضاء عمرهم في العمل وخدمة المجتمع. ان واجب الحكومة والقيادة هي ليست التضحية بالمواطنين بل ان تقوم بكل ما بوسعها من اجل حماية الارواح.
ان النظام الاقتصادي الذي على استعداد للتضحية بالملايين من اجل الارباح هو نظام لايستحق انقاذه. والنظام الذي يضع اشخاص مثل دان باتريك في موقع المسؤلية هو نظام بدون شرعية. باتريك وتصريحاته تبين كم ان الطبقة الحاكمة وممثليها السياسيين منفصلين عن المجتمع وواقعه.
يجب الاشارة بانه لايوجد شخص ليس بمليونير يدعو الى التضحية من اجل الاقتصاد، لان الاقتصاد هو سيئ جدا بالنسبة للغالبية العظمى ولاتجد الطبقة العاملة اي سبب في صيانته في الشكل الحالي.
كان الاقتصاد سيئا للغاية بالنسبة للغالبية العظمى من الامريكيين حتى قبل هذه الازمة. لقد اصبح واضحا بان ما يقصدونه بالاقتصاد هو الاقتصاد الذي يخدم مصالح الحفنة الغنية. كل السياسات والقرارات التي يريدون تطبيقها هي محاولة لمنع تطبيق افضل الخيارات وهي غلق الاقتصاد ودفع اجور العمال بشكل كامل للاسابيع المطلوبة للسيطرة على هذا الوباء لان هذا الخيار يعني اعادة توزيع الثروة للفقراء