بين متفائل ومتشائم ..


قاسم حسن محاجنة
2020 / 4 / 2 - 17:30     

يتفق المتفائلون، اللذين لا "علاج" لتفاؤلهم، من أمثالي، مع المتشائمين، اللذين يضعون "النظارات السوداء" في كل الظروف والأوضاع، يتفقون على شيء واحد ومحدد ، وذلك "بفضل" وباء الكورونا، وهو أن مستقبل المُجتمع الإنساني ، لن يكون كما عرفناه حتى الآن، لا بل سينتج وكنتيجة مباشرة للكورونا، مجتمعٌ إنساني جديد، يسوده نظام إجتماعي وإقتصادي من نوع مُغاير ومخالف لما عهدناه.
فالمتفائلون من أمثالي ، يعتقدون بأن المجتمع الإنساني ،سيخطو نحو مجتمع أكثر عدالة ومساواة، يمتاز بالتوزيع العادل للثروات ، وبتوفير الكفاية للأفراد. ولا أعني به ، المجتمع الشيوعي ، حيث تنتفي وتختفي الطبقات ، كما تخيله مُنظرو الماركسية – اللينينية ، بل مجتمعٌ يوفر لأفراده ، ما يكفل لهم العيش الكريم ، ويجنبهم ذل السؤال .
ورؤيتي هذه تعتمد على أنّ الكورونا تؤدي ، شاء من شاء وأبى من أبى ، إلى تراكم وعي مجتمعي وإنساني، يرى البشرية وفي جوهرها، مجتمعا إنسانيا واحدا، فلا فرق بين أسود وأبيض أو عالم أول وعالم ثالث ، رابع أو خامس ..
أما تراكم الوعي الطبقي ، فهو في رأيي ، تحصيل حاصل للكورونا ... فالشعوب ترى وتلمس على "جلدها" بأن الأنظمة الرأسمالية النيو- ليبرالية ، وضعت على رأس سلم أولوياتها واهتماماتها ، "صحة وسلامة" الإحتكار والرأسمال ، ولم تُعر إهتماما لصحة وسلامة مواطنيها.... فلا وسائل وقاية كافية ولا معدات طبية وخصوصا أجهزة التنفس الضرورية لمواجهة عوارض الكورونا .. فكل الدول تبحث عن معدات وأجهزة طبية ، وهي التي تنتج أسلحة كافية للقضاء على البشرية وعلى كوكب الأرض خلال ثوان..
صناعة الأسلحة، تزيد من تراكم رأس المال ، بينما صناعة المعدات الطبية وتوفير العلاج والرعاية الصحية المجانية، لن تخدم سوى المستضعفين في الأرض، بما في ذلك الطبقة العاملة .. فالأغنياء أو أرباب رأس المال ، لن يعجزوا عن توفير عناية وبأثمان باهظة إذا اقتضت الضرورة ذلك .. ولسُخرية الأقدار فإن العمال البيض (من المدن التي أُطلق عليها في حينه ، حزام البطالة)اللذين انتخبوا ترامب ، هم أكثر من سيُعانون ، لأن تأمينهم الصحي لا يغطي، وكذلك بقية العمال والفقراء في بلاد العم سام .
إذن، يتراكم وعيان لدى المجتمعات المُعاصرة ، وعي مجتمعي إنساني (كلنا في الهوا سوا- على رأي المقولة الشعبية)، ووعي طبقي لدى الطبقات المُستغَلة، يؤدي وفي النهاية بهذه المجتمعات الى المطالبة بحقها في حياة آمنة ، والمطالبة بتخصيص الميزانيات الهائلة ، لبناء شبكة خدمات صحية يكون بمقدورها مجابهة كل طارئ، بالإضافة الى توفير دخل كاف للفرد والعائلة ، يضمن له الحياة الكريمة في أوقات الشِدّة.
هذه هي رؤية المتفائلين... أما المتشائمون فيرون بأن المجتمعات الإنسانية ، ستجابه أوقاتا عصيبة جدا، بعد أن تزول الغُمّة (يعني الكورونا)، فالرأسمال الذي نجح في فرض أنظمة طوارئ ، تحت غطاء محاربة الكورونا والتقليل من ضحاياها ، كفرض منع التجوال، إغلاق مناطق ، إغلاق المعابر البرية والجوية وتشديد الرقابة على حرية التعبير ومراقبة إداء الدولة ، لن يتخلى عن هذه الإجراءات الشديدة ...
بل وأن الإحتكارات ستوسع رقعتها وتستولي على الأملاك العامة، التي ما زالت في حوزة الدولة والشعب، وذلك بحجة استعادة العافية لعجلة الإنتاج .... بل وسوف تنتهز هذه الكارتيلات الفرصة التي سنحت لها ، ولن تُعيد العمال والموظفين الى أماكنهم، بل ستكتفي بالقليل منهم ، وليذهب الجميع الى سوق البطالة .
وهناك من يرى، بأن الكورونا ، سواءً كان بتخطيط مسبق ، أو نتيجة طفرة جينية للفيروس ، "يُساهم" في تخفيض "مصروفات" الدول ، خاصة وأن غالبية الضحايا هم من كبار السن المتقاعدين اللذين "يقبضون ولا يُنتجون" .
هل سيكون الكورونا سببا في نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة ... ؟ وما هي ميزات هذه المرحلة ؟ ستُبدي لنا الأيام ذلك ... لكنني ما زلتُ متفائلا....ههههه