رسالة مفتوحة إلى السّيّد رئيس الجمهوريّة قيس سعيد


حمه الهمامي
2020 / 4 / 1 - 21:59     

السيد رئيس الجمهورية،

في كلمتكم التي افتتحتم بها اليوم الثلاثاء 31 مارس 2020 اجتماع مجلس الأمن القومي اعترفتم بأنّ الإجراءات التي اتّخذت في المدة الأخيرة صارت متخلّفة عن تطور الوقائع. كما أنكم اعترفتم بأنّ إعلان الحجر الصحي وحده لا يكفي، إذ لا بدّ أن يرفق بالإجراءات التي توفر الحد الأدنى. وأقررتم بشرعية الاحتجاجات التي شهدتها عدة مناطق من البلاد. وأشرتم إلى القرارات الخاطئة في تعطيل عودة بعض مواطنينا العالقين بالخارج. وحين تعرّضتم للمحتكرين أشرتم بأن لا أحد منهم حُوكم إلى اليوم وطلبتم من الحكومة أو مجلس النواب مراجعة المجلة الجزائية لإدراج فصل يعاقب محتكري المواد الغذائية كمجرمي حرب. وحين أثرتم مسألة توفير الموارد لتمويل مجهود الحرب على وباء “الكورونا” عدتم إلى الماضي وتحدثتم عن قانون المصالحة وعن الأموال الضخمة المنهوبة التي لم يستردّها الشعب. كما أنّكم تحدّثتم عن المال الفاسد الذي طغى على تمويل الانتخابات في بلادنا. وختمتم كلامكم بضرورة اتّخاذ “إجراءات جديدة وسريعة” لتلافي الأخطاء والنقائص. ولم تتضمّن كلمتكم في نهاية الأمر سوى إجراء واحد واضح وهو التمديد في فترة الحجر الصحي العام نصف شهر آخر.

اسمحوا لي بأن أقول لكم نحن أيضا وقفنا ضد قانون المصالحة. ونحن أيضا شهّرنا بالمال الفاسد الذي أفسد الانتخابات. ونحن أيضا ندّدنا بأثرياء الحرب من محتكرين وفاسدين ومستثمرين في الموت. ونحن أيضا ندافع عن ملايين الكادحين والفقراء والمهمّشين المرشّحين لدفع فاتورة الأزمة الصحية الحالية كما دفعوا في السابق فاتورة كل الأزمات. ولكن الفرق بيننا وبينكم هو أننا نحن في المعارضة، لا يسمح لنا موقعنا بغير النقد والاحتجاج وتعبئة الرأي العام الشعبي للضغط على السلطة، بينما أنتم في السلطة بل على رأس الدولة وعلى رأس مجلس الأمن القومي. إنّ الدستور يمنحكم حقّ تقديم مشاريع القوانين ويعطي مشاريعكم هذه الأولوية في المناقشة في مجلس النواب. كما يمنحكم الدستور سلطة القرار في كل ما يتعلق بأمن الوطن والشعب وبالسياسة الخارجية للبلاد. فما الذي يجعل خطابكم في افتتاح مجلس الأمن القومي إنشاء لا يتعدّى التنديد والتشهير والتعبير عن مشاعر التعاطف المجردة مع الفقراء والمعدمين ولا يرقى إلى مستوى اتخاذ القرارات التي يقتضيها الوضع؟ هل غابت عنكم الحلول التي توفّر اليوم الاعتمادات الضرورية لمواجهة الوباء لضمان أمن التونسيات والتونسيين وحياتهم؟ وهل غابت عنكم السبل الكفيلة بتأمين الغذاء والدواء للجميع كما قلتم؟ أو تلك التي تسمح للإطار الطبي بشكل عام وغيره من الوظائف (الأمن، الجيش، الديوانة، الحماية المدنية، عمال البلدية الخ…) بأداء واجبه في أحسن الظروف؟ وهل من دورنا أن نذكّركم بأنّ الحرب، أي حرب، لا تقبل التردّد والكلام الفضفاض؟ وهل من دورنا أن نذكّركم بأنّ الدولة التي تحترم نفسها لا يمكنها في مثل هذه الظروف التعويل على “مساعدات فاعلي الخير في الداخل والخارج” بل على طاقاتها الذاتية أوّلا. وهو أمر لا نسوقه من باب المزايدة فأنتم أنفسكم تقرّون بأنّ المال موجود بكثرة ولكنه لا يوزّع بشكل عادل ولا يُصْرف في الصالح العام.

السيد رئيس الجمهورية،

إنّ الوقت ليس للإنشاء بل لاتّخاذ القرارات الكفيلة بإنقاذ وطننا وشعبنا بشكل فعلي وجادّ. وإننا لمضطرّون إلى القول بأن لا وسط في هذه الحرب: فإمّا تقديم الإنسان على الربح الاقتصادي والمالي أو العكس. وبعبارة أخرى إمّا أن يدفع الشعب فاتورة الأزمة وإمّا أن يدفعها كلّ الذين أوصلوا البلاد إلى ما هي عليه من انهيار شمل الخدمات العامة وعلى رأسها الصحة وراكموا جرّاء ذلك الأرباح الطّائلة. كما أننا مدعوّون إلى تذكيركم بأنّ معظم الفاعلين في السياسة الدولية اليوم من حكّام ومسؤولي منظمات دولية يؤكّدون أنّ عالم ما بعد وباء “الكورونا” سيكون مختلفا عن عالم ما قبل هذا الوباء. وهو ما يجعلهم يُدرجون سياساتهم في مواجهته ضمن تصوراتهم لمستقبل أوطانهم حتى يضمنوا مصالحهم. ومن المضحكات المبكيات أنّ هؤلاء الذين دفعوا “بحكّامنا” إلى تبنّي ليبراليتهم المتوحشة وفتح حدود بلادنا لرساميلهم وسلعهم ليدمّروا فلاحتنا وصناعتنا وخدماتنا العامة وينهبوا ثرواتنا ويستغلوا بنات شعبنا وأبناءه مقابل أجور بؤس، هم أوّل من سارع بغلق حدوده والانكفاء على نفسه. ولهذا السبب فنحن نعتقد أنّ مواصلة التعاطي مع وباء “الكورونا” بنفس الأساليب القديمة، الفاشلة والمعادية لمصالح الوطن والشعب، لن تحدّ من قدرة وطننا في مواجهة الوباء فحسب بل إنّها ستدفع به إلى الخلف بعد انتهائه ليجد نفسه غارقا في المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية بسبب السياسات الخرقاء لحكامه. وعليه فإننا من باب المسؤولية الوطنية والتاريخية، نتقدم من جديد، بما كان تقدّم به حزبنا، حزب العمال، منذ أيام من مقترحات نعتبرها الكفيلة حقا بإنقاذ شعبنا من ويلات الوباء المستجد وتعبيد الطريق له لبناء مستقبل أفضل:

في الإجراءات الصحية:

– التمديد في الحجر الصحي العام وفق ما يقرّره أهل العلم من أطباء وعلماء وخبراء لاجتناب القرارات الارتجالية أو القائمة على حسابات اقتصادية ومالية فئوية. إنّ الحجر الصحي يمثّل أهم سلاح للوقاية في ظلّ ضعف الإمكانات وعدم اكتشاف العلاج الملائم للوباء.

ـ توفير الإمكانات اللازمة في أسرع وقت لإجراء اختبارات مكثفة تسمح بمعرفة تقريبية لدرجة انتشار الوباء حتى تتمكّن بلادنا من محاصرته والحدّ من أضراره.

– تمكين الإطار الطبي وشبه الطبي وموظفي الفضاءات الصحية وكلّ المتدخلين في مواجهة الكورونا من أمنيّين وعسكريّين وديوانيّين وأعوان حماية مدنية وعمّال نظافة وغيرهم من كلّ مقوّمات حفظ الصحة والتوقّي من العدوى.

– تمكين المستشفيات العمومية وخاصة في الجهات الداخلية من كل مقتضيات العمل الآمن في هذه الظروف (وسائل الوقاية والنقل والأمن…)

– تعقيم كلّ الأماكن والفضاءات العامة، والحجر الكلي على الأحياء والمدن والجهات التي طالها الوباء ومراقبة حركة السكان.

ـ إعلان جهتي سليانة وجندوبة منطقتين مغلقتين لاجتناب تسرّب العدوى لهما وتمكين سكانهما من كل مقومات العيش.

– العمل على ترحيل كل التونسيين العالقين وتحويلهم مباشرة إلى فضاءات الحجر الإلزامي.

– إعلان مجمل القطاع الصحي الخاص (مصحات، مخابر، شركات أدوية الخ…) مرفقا تحت إشراف الدولة في فترة الحرب على الوباء.

– تحويل كلّ النزل المغلقة إلى فضاءات للحجر الصحي، ولإيواء العاملين بقطاع الصحة وفضاء للمعالجة إن اقتضى الأمر ذلك.

– سن عفو رئاسي خاص على كلّ المساجين الذين لا يشكّلون خطرا على المجتمع أو غير المورّطين في قضايا إرهابية، على أن يشمل العفو المرضى والمسنّين والقاصرين وممّن قضوا ثلث العقوبة.
*

ـ تفعيل آلية العقوبة البديلة في القضايا التي لا تستوجب سلب الحرية، وتمكين الموقوفين من ذوي الجرائم غير الخطيرة من السّراح المؤقّت على ذمة القضايا المنشورة.

– تشريك النقابات في تحديد مصير السنة الدراسية والجامعية والابتعاد عن الإجراءات الشعبوية مثل النجاح الآلي أو الدراسة عن بعد بحكم غياب تكافؤ الفرص ومراعاة السلامة الصحية للتلاميذ والطلبة.
في الإجراءات السّياسيّة:

– عدم استغلال الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد لاستصدار قرارات بهدف احتكار السّلطة وتمرير مشاريع حزبيّة وفئويّة لصالح أطراف محدّدة أو للمسّ من الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان.

ـ تمكين كلّ القوى السّياسيّة والمدنيّة من التّعبير عن آرائها وعدم الضّغط على وسائل الإعلام إن مباشرة أو بالإيحاء بالاصطفاف وراء الحكومة بحجّة وحدة وطنية مغشوشة.

في الإجراءات الاقتصادية:

ـ تعليق تسديد المديونية، وهو ما سيوفّر للبلاد حوالي 11700 مليون دينار. وهذا القرار هو قرار سيادي، اضطراري يحقّ لتونس اتخاذه لإنقاذ شعبها. وقد أصبح الظرف اليوم ملائما لاتخاذ مثل هذا القرار طالما أنّ صندوق النقد الدولي والبنك العالمي قد فتحا الباب لذلك (انظر البيان بتاريخ 25 مارس 2020).

ـ مطالبة الشركات الأجنبية المنتصبة (بنوك، شركات الاتصالات، مصانع الإسمنت، شركات التأمين الخ…) في تونس بتعليق تحويل مرابيحها لسنة 2019 إلى الخارج وإبقائها في تونس، وهو ما سيوفّر للبلاد حوالي 3500 مليون دينار. إنّ هذا المبلغ مضاف إلى المبلغ الأوّل يمكن أن يوفّر للبلاد حوالي 15000 مليون دينار ممّا يسمح بمواجهة الأزمة وعدم اللجوء إلى التداين هذه السنة وفق ما هو مبرمج في الميزانية.

ـ ترشيد التوريد بشكل صارم وحصره أساسا في المرحلة الحالية في الحاجات الضرورية كالغذاء والمستلزمات الصحية ومستلزمات تشغيل المؤسسات والطاقة. وهو ما سيوفّر للبلاد مبالغ مهمّة من العملة الصعبة ويخفّف من عجز الميزان التجاري المتفاقم.

ـ اتّخاذ إجراءات عاجلة لإنعاش الموسم الفلاحي وإنقاذه ممّا يقتضي توفير مستلزمات الإنتاج للفلاّحين وتعليق سداد ديونهم وإلغاء مديونية الصغار منهم. بما يوفّر للشعب الضروريات الدنيا من الغذاء.

ـ تركيز الإنتاج على المواد الضرورية الغذائية والصحية التي تتطلّبها المرحلة بما يعني تعبئة العديد من المؤسسات لخدمة هذا الهدف (إنتاج الكمامات والسوائل المعقّمة…)

ـ مركزة الدولة في الوقت الحاضر لتجارة الجملة ومراقبة مسالك التوزيع واتّخاذ قرارات صارمة ضدّ المحتكرين وضدّ الذين يعتبرون هذه المحنة فرصة للاستثراء على حساب الشعب والمجتمع. إنّ حالة الحرب على الوباء تقضي أن تضع السلطة يدها على المواد الصحية والغذائية وتتولّى تأمين التصرّف فيها وتوزيعها بعقلانية.

ـ مراجعة توزيع القروض البنكية، التي يذهب معظمها اليوم (54%) لعدد قليل من العائلات المتنفّذة، وتوجيهها نحو القطاعات المنتجة وردّ الاعتبار للقطاع العمومي عبر منحه القدرات المالية التي تمكّنه من التطور واستعادة نشاطه.

ـ فرض ضريبة استثنائية على الشركات الكبرى التي تحقّق أرباحا كبيرة (البنوك وشركات التأمين، الفضاءات التجارية الكبرى، الشركات البترولية، شركات الاتصال الخ…) مساهمة في مقاومة الوباء.

-إعلان الحرب على التهريب والاحتكار واعتبار ذلك جريمة حرب، وإمهال أباطرة وبارونات الاقتصاد الموازي أجلا محدودا للشروع في الدخول في الاقتصاد المنظم.

– تخفيض أجور الإطارات العليا في الدولة إلى النصف (الرئيس، الوزراء، النواب، الرؤساء المديرون العامون المديرون العامون، الولاة، كبار الموظفين…) مع ترشيد استعمال السيارات الإدارية ووقف وصولات البنزين.

ـ تعبئة الموارد المالية المخصّصة للمشاريع المعطّلة لأي سبب بما فيه الوباء في حد ذاته، لصالح هذا المجهود.

في الإجراءات الاجتماعية:

ـ توسيع الإجراءات الحكومية لتشمل كافة الفئات ذات الحاجة في الوقت الراهن من مختلف المهن والقطاعات والمؤسسات علاوة على سكان الريف والمهن الحرة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة.

– إلزام القطاع الخاص بتطبيق الحجر الصحي الشامل وتمكين كلّ عامل مسرّح منذ انطلاق الحجر الصحّي من 75 في المائة من أجره الخام لمدة تضاهي أقدميته في العمل الذي تم تسريحه منه ولا يقع الكفّ عن ذلك إلا إذا عاد إلى عمله أو تمكّن من الحصول على شغل جديد.

– توجيه مساعدات عاجلة للمؤسسات المتوسطة والصغرى التي تعاني صعوبات وتمكينها من عفو جبائي وديواني وبنكي لمدة ستة أشهر.

– تمكين صغار ومتوسطي الفلاحين والبحارة والحرفيّين وأصحاب الورشات والمؤسّسات الصغرى من تجميد تسديد ديونهم للبنوك وتمكينهم من إعانة مباشرة للتعويض عن خسائرهم.

– تمكين كلّ الأجراء وعديمي الدخل (سواق سيارات الأجرة…) من تجميد تسديد قروضهم للبنوك وشركات الإيجار المالي لمدة ستة أشهر علاوة على تمكينهم عند الاقتضاء من منحة استثنائية ظرفية لهم ولكل الممنوعين من الاسترزاق بسبب الحجر (البطّال، النادل، أصحاب “النّصب”، الدهّانة الخ…)

– تمكين الشعب من مجانية الانترنيت طيلة مدة الحجر الصحي الشامل.

السيد رئيس الجمهورية،

هذه مجمل مقترحاتنا لمواجهة الأزمة. ونحن نعتبرها إجراءات واقعية وقابلة للتفعيل. ولكننا واعون تمام الوعي أنّ تنفيذ هذه المقترحات يتطلب الإرادة السياسية وتقديم مصلحة غالبية الشعب والوطن على مصالح الأقليات المحلية والأجنبية التي لا همّ لها سوى الربح والاستثمار في الأزمات. وإننا لنُشهد الشعب على أننا قمنا بواجبنا تجاهه وتجاه وطننا في هذا الظرف الاستثنائي تماما مثلما تحمّلنا مسؤولياتنا في زمن الدكتاتورية رغم ما كلّفنا ذلك من تضحيات.

الأمين العام لحزب العمال