الحروب الإمبريالية : من الحرب النووية إلى الحرب الجرثومية


امال الحسين
2020 / 3 / 31 - 18:19     

إذا علمنا أن الحرب الإمبريالية العالمية الثانية قد انتهت بالقنبلة النووية ـ مأساة هيروشيما وناجازاكي في 1945، فإن الحرب الإمبريالية العالمية الثالثة التي تبلورت عبر تاريخ طويلة من الحروب اللصوصية، قد انتهت بالحرب الجرثومية، ذلك ما نعيشه اليوم فيما بات يسمى أزمة كوفيد 19، مما يؤكد أن عصر القنبلة النووية والنترونية/الهيدروجينية قد تم طيه.
نحن هنا لا نقوم بالتنبؤات المستقبلية، أو كتابة سنريوهات أفلام الخيال العلمي، لما بات يسمى الصراع حول قيادة العالم الرأسمالي بين أمريكا والصين، تلك الكذبة التي يروج لها الأساتذة البرجوازيون، إنما نقوم بتحليل علمي مادي يستند إلى تطور العلوم الطبيعية، وقد سبق أن أوضحنا ذلك في عدة كتابات.
وكما جاء في نتائج أعمال لينين الغزيرة، العميقة والمتطورة إلى حد بعيد، يمكن اعتمادها، كانطلاقة علمية جديدة في علم الديالكتيك، في عصر الإمبريالية، بكونها استنتاجات عامة، تضم إلى حد بعيد، المسائل الخاصة، في مسائل العلوم الطبيعية، خاصة الفيزياء، التي طورها انطلاقا من نتائج ماركس وإنجلس في هذا المجال، في علاقتها بتطويرها في مجال الصراعات الطبقية، التي حاول ماو في كتابه في التناقض، الإحاطة بها، لكن بشكل لم يضف أي جديد لاستنتاجات لينين، بقدر ما قام بتبسيط بعضها، لكن في تبسيط ما لا يمكن تبسيطه، في حقل العلم، خاصة علم الديالكتيك، أرقى ما يمكن أن تصل إليه المعرفة البشرية، باعتباره مفتاح جميع الاشكاليات العلمية، المطروحة في الطبيعة والمجتمع.
ففي العلوم الطبيعية، علم الفيزياء خاصة، إذا كانت عملية انفلاق Fission، تعطينا انفجارا هائلا، فإن عملية انصهار Fusion، تعطينا انفجارا أقوى بكثير، ذلك ما توصل إليه علم الفيزياء النووية، من اكتشاف جد متقدم : القنبلة الهيدروجينية Bombe H، في تناول ذرة الهيدروجين، الذرة الخفيفة، لكن في عملية معقدة، التي تتم عبر ثلاث عمليات متتالية : انفلاق ـ انصهار ـ انفلاق Fission-Fusion-Fission، مما يحدث انفجارا يبلغ تأثيره مستويات عالية جدا، حدود شعاع دائرتها يصل إلى 100 كلم، وتبلغ فيه الحرائق الدرجة الثالثة، وتم تفجيرها من طرف أمريكا في 1952، بينما الصين فجرت أول قنبلة نووية A في 1964.
لا نستعرض هنا، نوعية الأسلحة النووية، إنما نستعرض تواتر تطور العلوم الطبيعية، في علاقتها بعلم الديالكتيك، في مستوى عال، في هذه العملية، في التناقض الداخلي فيها، في سرعة المرور من جميع مراحل الديالكتيك، في ظل الوحدة، في المرور عبر القوانين الأساسية الثلاثة : التناقض، النفي ونفي النفي والكم والكيف، في سرعة فائقة، تعطي نتائج باهرة، في التناقض بين إيجابياتها : الطاقة الهائلة، وسلبياتها : انفجار هائل، في التناقض بين تسريع حركة النترون، وانخفاض حركته، في تراكم عدد النترونات المستقلة، ونوعية الانفجار، وتواتره، في زيادته، ونقصانه، في توجيهه نحو إنتاج الطاقة، في صالح الإنسانية، وتوجيهها في دمار الإنسان والطبيعة، في التناقض بين الذرة الثقيلة : اليورنيوم، والذرة الخفيفة : الهيدروجين، في التناقض بين القوة الهائلة، التي تنتج عن هذه العملية، في مستوى الذرة الخفيفة، التي تنتج دمارا هائلا، أكثر مما تنتجه الذرة الثقيل.
فكيف يمكن ترجمة هذه العملية، من الطبيعة إلى المجتمع، في المجتمعات البسيطة، المضطهدة، مجتمعات العمال والفلاحين، حتى تنتج قوة هائلة ؟ قوة ثورية ؟
لا يعني امتلاك القنبلة النووية، تطور المجتمع الصيني، إلى حد مستوى تطور العلوم الطبيعية، خاصة علوم الفيزياء، فكيف يمكن ترجمة تطور العلوم الطبيعية إلى علوم الاجتماع ؟
يمكن ذلك طبعا، عبر الماركسية، عبر الديالكتيك الماركسي، الذي طوره لينين إلى مستوى عال، المذهب الماركسي اللينيني، ليس عبر تلقينه للمناضلين، إنما عبر كيفية جعله منهجا للتفكير، في علاقته بتطوير القوى المنتجة، ذات الصفة الثورية، لتحطيم علاقات الإنتاج القديمة، من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وإلى الهدف الأسمى : الشيوعية.
بالموازاة مع تطور العلوم الفيزيائية، هنا تطور العلوم البيولوجية، قام العالم الروسي في القرن 19، باكتشاف أسس علم الوراثة، في عالم الطبيعة، عند النباتات، وحصل على نتائج باهرة، حول انتقال مميزات وخاصيات النباتات، عبر مكونات الخيلة أساسا ما يسمى ADN، ونشأ علمة الوراثة والجينات لدى النباتات، الذي طوره داروين لدى الحيوانات، واكتشف على التطور والارتقاء، التي طورها رتشارد داوكينس في القرن 20، مستواها العالي لدى الإنسان.
وتطور علم الوراثة إلى حد التحكم في مكونات الخلية وتحويلها، في مستواها العالي، في الجزء المتحكم في التوالد، هنا أخذ هذا العلم مجرى جديدا، في التحكم في خصائص النباتات، في نموها وتكاثرها، وفي تغيير مجرى حياتها، في تلقيحها الاصطناعي، في الدمج بين عدة أنواع من النباتات، إلى غير ذلك من العمليات، التي تبدو إلى هنا عمليات علمية، يتم إنجازها في المختبرات العلمية.
لكن لما يتم التحكم في هذه العمليات، وبلورتها من النظرية إلى التطبيق، في الواقع الموضوعي، هنا يتدخل الرأسمال المالي الإمبريالية، عبر الشركات الإمبريالية للتحكم فيها، عبر التحكم في البذور، جمعها وتخزينها في خزانات خاصة، وتعديلها جينيا، من أجل الحصول على كثرة الإنتاج، والتحكم في تسويقها، من أجل السيطرة على عالم الزراعة والأغذية، عبر نشر الزراعات المعدلة جينيا، والقضاء على الزراعات البيئية الطبيعة، عبر نشر الفيروسات التي تحملها حشرات تعيش على هذه الزراعات، كالحشرة البيضاء التي قضت على الطماطم البيئية الطبيعية في الثمانينات من القرن 20، والحشرة القرمزية التي تقضي اليوم على الصبار.
ذلك ما يسمى الحرب البيولوجية، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، خاصة مع الثورة التكنولوجية الرقمية، التي نعيش مستوياتها العالية، التي ساهمت بشكل كبير في التحكم في البكتيريا والفيروس، إلى حد القدرة على تحديد خصائصها الجينية، والتحكم فيها وتعديلها، للتحكم في قدرتها التدميرية.
إلى جانب ما يقع على مستوى البيولوجيا، يقع ما يوازيه على مستوى الفيزياء، خاصة في عالم الغازات، التي يتم استعمالها في محاربة الحشرات، في عالم الزراعة، وما ينتج عنها من سموم، إضافة إلى الأدوية التي تحمل مواد مسرطنة، والنتيجة أن كل الزراعات المعدلة جينيا، تحمل مواد مسرطنة، عبر هذه العمليات، من المختبرات مرورا بالمزارع وانتهاء بالأسواق، التي يعرفها الجميع.
وفي مستواها العالي، على مستوى علوم الفيزياء والكيمياء، فيما يسمى الأسلحة الكيماوية، وأشهرها غاز السارين، الذي يقتل بصمت، وفي مستواها العالي من البيولوجيا إلى الفيزيولوجيا، عبر تعديل الفيروسات، من عالم النباتات إلى علم الحيوانات، من تطويرها في مجال الحيوانات إلى عالم الإنسان، في كذبة ما يسمى انتقالها من الحيوان إلى الإنسان، وكذبة أنها تطوير نفسها بنفسها، والأمثلة كثيرة، من إنفلونزا الخنازير والطيور وغيرها، إلى عائلات الكورونا، إلى أساها المدمر الخاص بالإنسان كوفيد 19.
إن ما يقع اليوم هو حرب جرثومية، التي تجاوزت الحرب النووية، التي أنهت الحرب العالمية الثانية، وفتحت باب التسلح النووي، الهيدروجيني، الكيماوي، والتي فاقتها الجرثومية، قوة في التدمير، في استهدافها تدمير الإنسان، دون غيره في الطبيعة، والتي جاء لتنهي الحرب الإمبريالية العالمية الثالثة، وتفتح باب الحروب الجيوسياسية، حول الطاقة، التي ستستمر، على شكل حروب تقليدية، في القارة الإفريقية والبلدان العربية.
أما كيف وقعت هذه الحرب ؟ أين بدأت ؟ من بدأها ؟ كل هذه الأسئلة المحيرة، لا يمكن أن يكون عدم الجواب عليه، عقبة أمام الإقرار بأن هذه الحرب واقع موضوعي، هذه الأسئلة التي ينشرها الأساتذة البرجوازيون، إنما ينشرونها من أجل الهروب من حقيقة وقوعها، في محاولة فاشلة لتبرئة ذمة الإمبريالية.
لا نريد أن ندخل في طرح تساؤلات جدلية، من قبيل : من استفاد منها ؟ من خسرها ؟ لكون الجواب واضح ولا جدال فيه، الخاسر الأول هي الشعوب عامة، أما النظام الرأسمالي، المتجلي في سيطرة الرأسمال المالي الإمبريالي، فهو الذي يدير هذه الحرب ضد الشعوب، أو كما سماها لينين حرب الحكومات ضد الشعوب، الحكومات التي تنفذ مقررات الاحتكارية العالمية، اتحاد الاحتكاريين الاقتصاديين والسياسيين، الذي يخطط برامج تدمير الطبيعة والإنسان، أما الحكومات فهي تطبق هذه السياسات الطبقية، من أجل تنمية الرأسمال المالي الإمبريالي.