مستقبل - الناتو - بعد جائحة كورونا


رضي السماك
2020 / 3 / 27 - 23:04     

بالتزامن مع اكتشاف فيروس كورونا ، بدايات أواسط كانو الثاني / ديسمبر الماضي ، أحتفل حلف " الناتو " في لندن بمرور 70 عاماً على تأسيسه ، وقد كان مبرر تشكيله هو مواجهة ما أسماه المؤسسون بزعامة الولايات المتحدة " الخطر الشيوعي " الذي يمثله حسب مزاعمهم الاتحاد السوفييتي وحليفاته الدول الاشتراكية على أمنها ، وحيث اضطرت هذه بدورها لتأسيس " حلف وارسو " عام 1955 لمواجهة خطر الناتو . وبعد انهيار أنظمة هذه الدول تباعاً في الفترة مابين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات ، أتفقت دول هذا الحلف على حله ، ومع ذلك لم يتم في المقابل حل حلف " الناتو " ، بل طفقت زعيمته الولايات المتحدة للبحث عن عدو جديد لتبرير استمراره خدمةً لأهدافها الكونية ، ومن ثم رسمت له مهاماً جديدة كان من أبرز ها تلك التي نفذها الحلف ، خلال الثلاثة عقود الماضية منذ انتهاء الحرب الباردة ، العمليات العسكرية التي قام بها في البلقان أثناء الحرب الأهلية اليوغسلافية التي أفضت إلى تفتت يوغسلافيا السابقة إلى عدة جمهوريات ، وعمليته الإسنادية العسكرية للإطاحة بنظام معمر القذافي في ليبيا 2011 ، ثم عملياته العسكرية في افغانستان ، فمهماته العسكرية والتدريبية في العراق . ولم يكن على أجندة ذلك الاحتفال ما يشي بتنبؤه بخطر فيروس كورونا الوشيك على حياة الملايين من شعوبه ، بل كان التلاسن اللفظي بين أقطابه هو السمة التي طغت على الحفل ؛ فمن واصف له بالحلف " الذي انتهى عهده " كما عبّر الرئيس الاميركي ترامب ، أو " أصبح بلا فائدة " كما عبّر الرئيس التركي أردوغان ، أو بالحلف الذي " مات دماغياً " كما عبّر الرئيس الفرنسي ماكرون ، وهكذا فقد أثبت هذا الحلف بامتياز وباعتراف أعضائه أن ما يوحدهم مصالح آنية أنانية ضيقة بعيدة كل البُعد عن مباديء الحرية والديمقراطية التي يتشدقون بها ، وبعيدة كل البعد عن أمن ومصالح شعوبهم . ومع أن الدول المؤسسة للحلف معظمها، أو كلها دول رأسمالية ديمقراطية ، كما يُفترض ، إلا أن الحلف لم يتردد عن ضم تركيا ذات الديمقراطية العلمانية الشكلية ، وذلك بالنظر لأهمية موقعها الاستراتيجي الواقع بين الاتحاد السوفييتي ومنطقة الشرق الأوسط ؛ حيث جرى تشييد قواعد عسكرية فيها ومراكز تجسس وُظفت لمساعدة إسرائيل عسكرياً ، وضرب حركات التحرر الوطني والانظمة الوطنية العربية حينما تستدعي الحاجة لتشغيل هذه القواعد لمثل هذه المهمات العسكرية الطارئة ؛ وهو ما حدث بالفعل خلال منازعات وحروب متعددة ، بدءاً من العدوان الاسرائيلي على الدول العربية في حزيران / يونيو 1967 ، وليس انتهاءً بالحروب الاميركية على العراق إبان حكم الدكتاتور السابق صدام حسين ، ثم استمرارها كضربات انتقامية تأديبية خاطفة حسب العدو المفترض في أعقاب سقوطه منذ عام 2003 .
على أن تركيا ليست الدولة الوحيدة غير الديمقراطية التي ضمها الحلف في عضويته ، بل لم يتوان أيضاً بعد انتهاء الحرب الباردة عن ضم عدد من دول حلف وارسو السابق في عضويته أيضاً ؛ كبلغاريا والتشيك ، والمجر ، وبولندا ، ولاتفيا ، وغيرها من دول المعسكر الاشتراكي السابق في اوروبا الشرقية ، وذلك بغية تطويق روسيا بالأسلحة الاستراتيجية في عمق مجالها الحيوي السابق ؛ رغم أن بعض هذه الدول التي تم ضمها لم تجرِ تحولات ديمقراطية حقيقية ، بل وتحكمها في الغالب نفس الطغمات الشيوعية السابقة التي أنسلخت من جلودها الماركسية وأعلنت تبنيها للنظام الرأسمالي الحر والحرية ، لتضمن دعم ورضا السيد الأميركي عنها . وهكذا بعد ما كان عدد دول الحلف زمن الحرب الباردة لا يتجاوز 15 دولة ، أضحى عدده اليوم ما يقارب ضعف هذا العدد ( 28 دولة تحديداً ) .
أما أعظم امتحان للحلف منذ نأسيسه على المحك للدفاع عن أمن وسلامة شعوب دوله فقد جاء في ظل جائحة كورونا الراهنة التي تجناح معظم دول العالم ؛ فبينما كل جيوش الدول المتعرضة لكارثة الوباء تم توظيفها في أعمال الإغاثة ، ظل الحلف مشلولاً وفي موقف المتفرج على محنة أعضائه تباعاً ، بدءاً من ايطاليا ، وهي إحدى الدول المؤسسة للحلف ، وتوجد على أراضيها قوات أطلسية ، والتي كانت بؤرة تفشي الوباء في اوروبا بعدما أخذت مدينة " ووهان " الصينية في التعافي تدريجياً ليترك الحلف تركيا وحدها توجه مصيرها ؛ فلم تتلق أي مساعدات لا من الحلف ولا من الاتحاد الاوروبي ، في حين تلقت مساعدات طبية ووقائية صينية وروسية وكوبية ، ومروراً بفرنسا وأسبانيا التي كانت أكثر تضرراً بعد ايطالياً ، وانتهاءً بقائدة الحلف والقوة العظمى في العالم الولايات المتحدة التي أصبحت بؤرة الوباء في العالم على إثر ضربها رقم قياسي في عدد الإصابات ( 81782 إصابة و 1100 قتيل ) حتى كتابة ذه السطور ، لتتجاوز بذلك حصيلة إحصائية ضحاياها حصيلة الصين ، والتي كانت البؤرة الأصلية لانتشار الفيروس في العالم ، وتوشك على التشافي النهائي منه .
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا : ماذا بعد فضيحة هذا الفشل المدوي الذريع لحلف " الناتو " في حماية الدول الاعضاء فيه والتي اجتاحتها جائحة كورونا تباعاً ؟ هل يستمر بقاؤه بعد انتهاء الجائحة العالمية ؟ أم يُتوقع ، أن تصحو شعوبه وترفض استمراره بعد ما صّرف عليه منذ انشائه آلاف المليارات على حساب رفاهبتها الاجتماعية وخدماته الصحية التي لم تفٍ بمهماتها طوال الكارثة التي واجهتها ؟ ذلك ما سيجيب عليه المستقبل القريب .