عن الثوار و قبائلهم و المن و السلوى


مازن كم الماز
2020 / 3 / 23 - 18:43     

قبل الحرية لا بد من العدالة , الحرية غير ممكنة من دون عدالة , هكذا اكتشف من سموا أنفسهم بالاشتراكيين منذ بداية القرن التاسع عشر و الذين كان آخرهم أو أكثرهم علمية كما يؤكد أتباعه ماركس .. لكن عندما أرادت الجماهير الخلاص من الديكتاتوريات الماركسية في ثمانينات القرن العشرين أو عندما فقدت هذه الأنظمة قدرتها على الاستمرار في حكم البروليتاريا التي تمثلها , اختارت هذه الجماهير أو المثقفين الذين يتحدثون باسمها الحرية على العدالة .. لكن هذه الحرية المفترضة أنتجت في نهاية المطاف حكومات غارقة في الفساد و عاجزة عن فعل أي شيء سوى نهب المال العام و الهذر الفارغ لتعود قصائد مدح المخلص العادل المستبد لتشنف آذان الجماهير و تداعب خيالها المتعب .. يعتقد الثوار جازمين أنهم يعرفون طريقهم و أنهم قد وضعوا يدهم أخيرا على المشكلة , لا يحتاج الأمر لأكثر من إسقاط النظام القائم كي تزهر الورود و تزقزق العصافير و تكثر الثروات و يصاب كل البشر فجأة بالسعادة , لكن ما يفعلونه في الحقيقة هو أن يحددوا إيديولوجية و أسماء الحكام الجدد و الثورات القادمة التي ستطيح بهم , أما الحقيقة فهي أن السادة الجدد و القدامى لا يختلفون بالفعل إلا في المجازر التي سيرتكبونها عندما يحين وقت سقوطهم .. كان أفضل إنجاز للقادة الماركسيين هو أنهم رحلوا بهدوء نسبي و لم يتسببوا بمجازر كبرى كتلك التي رافقت صعودهم إلى عرش السلطة و لو أن هذه هي القاعدة عموما مع كل صعود و سقوط للسلطة .. اليوم ينتقد المعارضون الماركسيون الإسلاميين الذين في السلطة , الفاسدين حتى النخاع , و يعدون الناس بالمن و السلوى , بينما يجد رفاقي التروتسكيون حرجا كبيرا في مجرد إدانة لفظية لدك جيش تروتسكي الأحمر كرونشتادت على رؤوس بحارتها و عمالها أما رفاقي الستالينيون فإنهم يفخرون بمجازر معلمهم و يبدون حزنهم الشديد لأن معلمهم لم يذبح أقرب مساعديه و جنرالاته و أطبائه و حتى شعبه .. أما الإسلاميون الطامعون بالسلطة فإنهم ينتقدون كل من يقف في طريقهم , طغاة علمانيون , معارضون نصف إسلاميين أو ليبراليين و خاصة منافسيهم من الإسلاميين و يلوحون بسيف التكفير في وجوه كل هؤلاء بينما هم يرفعون لدرجة القداسة جلادين و جزارين كالحجاج و خالد بن الوليد و عبد الحميد الثاني و المماليك , ينتقدون استعمار الغرب و عنصريته و مجازره بينما يحلمون بتكرار استعمار و عنصرية و مجازر أجدادهم بحماسة منقطعة النظير ..