الدخان بلا نار سياسة إسرائيلية بامتياز


نبيل عودة
2020 / 3 / 23 - 13:09     

وقصة تعبيرية ساخرة عن تاجر حمير عربي



ما اشاهده من حلقات المسرحيات الانتخابية الإسرائيلية واسقاطاتها على المجتمع داخل إسرائيل، حتى اليوم ثلاث حلقات، وربما لا تتأخر الرابعة كثيرا...وتناقض التصريحات ، والتهريج السياسي، وشل الحياة البرلمانية، والميول لنظام نقيض للديموقراطية التي جعلوها واحة شرق أوسطية، وعدم التردد باعتبار ممثلي الجماهير العربية إرهابيين، وعمليا التعامل معهم كنبتة غريبة في فلسطين 48، ربما بقائهم كان خطأ تاريخي وسياسي من مؤسسي الدولة، الذين ترددوا ولم يحسموا موضوع الحاقهم باللاجئين الهاربين من الموت والتصفيات العرقية في حرب استقلال إسرائيل. يجعلني على قناعة كبيرة ان الدخان بلا نار هو تطوير تكنولوجي مميز في الحقل السياسي الإسرائيلي.

من ناحية علمية حصل تقدما هائلا في العلوم والتكنولوجيا منذ قيل المثل المذكور. ليس سرا مثلا ان هناك قنابل دخانية بلا نار، فهل يعتقد البعض ان الدخان بلا نار هو اعجوبة لم يقم بها حتى الساحر البارع هوديني؟ او انها قنبلة لتفريق التجمهرات غير القانونية بإرعاب المشاركين بصوتها ودخانها؟ لكننا امام حالة نادرة في إسرائيل، جعلت السياسة أيضا دخانا بلا نار. خاصة بالتحريض الدموي على النواب العرب، واعتبار حسابهم في أي ائتلاف حكومي قادم خيانة للصهيونية ولإسرائيل اليهودية.
لكن هذا الدخان قد يصبح رصاصات طائشة من عنصريين ...

لا بد من إضافة حتى تكتمل صورة "لا دُخان بلا نار"، اذ تقول العرب "لا إشاعة بدون مصدر أو أساس تنطلق منه"، مع الأسف اغلب الشائعات لدى العرب لا مصدر لها، وهي أشبه بانتشار الدخان حتى لو لم يكن مصدره النار، يبدأ من لا شيء ويختفي كما ظهر لأنه أصلا لم يكن الا شيئا طارئا. والسؤال هل السياسة العنصرية والتحريضية لنتنياهو ضد الجماهير العربية ورفضه اعتبارهم جزءا من الملعب السياسي في إسرائيل، يصح ان نطلق عليه فقط صفة دخان بلا نار"? الم يتحول الدخان بلا نار الى رصاصات قتلت رئيس حكومة سابق هو يتسحاق رابين، لأنه اعتمد على دعم النواب العرب في الكنيست من اجل مشروعه السلمي مع الشعب الفلسطيني؟
حقا السياسة توجع الرأس خاصة في إسرائيل التي تقيم الدنيا وتقعدها ضد أي ظاهرة معادية لليهود في العالم؟ اما ان تتدفق عنصرية السياسيين وعلى راسهم رئيس الحكومة نتنياهو، بالتحريض ضد النواب العرب، والتحريض على الحزب المنافس فيما لو فكر بالاعتماد على دعم النواب العرب من خارج الحكومة، فهذا حلال زلالّ!!
هل الصهيونية اذن عنصرية ام غير عنصرية؟ الم يبرز في التاريخ اليهودي الحديث رفضا يهوديا للصهيونية؟ حتى وزير يهودي في زمن وعد بلفور هاجم بلفور من رؤيته ان وعده يدفع اليهود لكارثة إنسانية!!
هذا ما سجله البرفسور يعقوب رافكين- استاذ التاريخ بجامعة مونتريال (كندا)، المتخصص بتاريخ العلوم والتاريخ اليهودي المعاصر،
في كتابه المثير “المعارضة اليهودية للصهيونية تاريخ الصراع المستمر" حيث يستعرض تاريخ الحركة الصهيونية منذ اقامتها وحتى يومنا الراهن من وجهة نظر معارضيها أليهود، هذا هو المميز الكبير لهذا البحث الجريء الذي يؤكد ان المعارضة للصهيونية شملت يهودا شرقيين ويهودا غربيين، لم تكن مجرد معارضة صامتة، لماذا لا يحق للعرب اذن رفض الصهيونية واحزابها العنصرية وممارساتهم ضد الجماهير العربية؟
واقع العرب في إسرائيل ذكرني بحكاية تطابق الواقع فصغتها بما يطابق ما يجري بأسلوب ساخر، ولولا السخرية لكانت حالتنا مستحيلة!!

قصة تاجر الحمير
كان جلال صاحب حمار يتنقل به بين حزب قومي عربي وحزب صهيوني يهودي، رغم ان الحواجز كثيرا ما تغلق الا انه متقد الذكاء ودائما يجد طريقة للدخول والخروج من والى وهو راكب على الحمار.

عُين قائد جديد للحاجز ولاحظ ان جنوده يعطون لراكب الحمار حق المرور وقتما شاء وكيفما شاء، دخولا وخروجا، وتساءل: ترى ماذا ينقل على حماره؟

كان يبدو جلال فقيرا وبائسا مثل حماره، لكن المثل العربي يقول "يا ما تحت السواهي دواهي" والقائد تعلم ان لا يثق بالمنظر البائس .. لأي عربي.

راقب مرات عديدة عبور الحمار وراكبه البائس دخولا وخروجا، وكيف يرحب به الجنود ويناولهم من خرج الحمار علب لم يعرف في البداية ما هي.
قرر ان يفحص ما يجري.
لم يكن صعبا ان يكتشف ان راكب الحمار يقدم هدايا من علب دخان فاخر لجنود الحاجز وهذا أشبه بتصريح مرور. غضب القائد وطلب ان يحضر جلال وحماره الى مكتبه.

- كيف تنجح بالمرور رغم ان الحواجز القومية بيننا مغلقة؟
- يا سيدي انا رجل فقير يشفق على الجنود فأمر.
- لكني وجدتك تبرطلهم بدخان فاخر؟
- يا سيدي هذا لا شيء بل حسنة لمن يرحموني ويجعلوني أعبر.
- هذا مخالف للقانون وستعاقب عليه.
اخرج جلال ربطة دخان أمريكي فاخر وقدمها هدية للقائد.
-ما هذا صرخ القائد؟
هدية صغيرة من رجل غلبان؟

تأمل القائد ربطة الدخان، وحسب ثمنها، ووجد انها أكثر من معاش يومين في الشهر. سأل:
-كيف تنجح ان تقدم هدايا دخان وانت فقير وتدب على عصا ولا تملك سيارة فاخرة بل مجرد حمار متهالك مثلك؟ كيف تربح الأموال لشراء هذا الدخان الفاخر؟

-اصارحك القول سيدي القائد على شرط ان لا تمنعني من المرور وسأقدم كل السجائر التي احضرها لحضرتك فقط؟
-حسنا .. اتفقنا.
-يا سيدي انا مجرد تاجر حمير، اشتري من الحزب القومي العربي حمارا عجوزا قربت نهاية أجله بسعر بخس جدا، وانتقل به عبر الحاجز الى رجال الحزب الصهيوني الذين يشترونه بمبلغ كبير ليلعب عليه الأولاد او يربطونه بحدائقهم ليشاهده من لم يروا حمارا في وطنهم السابق. وقبل عودتي اشتري حمارا صغير العمر وابيعه للحزب القومي بمبلغ كبير، بذلك احقق أرباحا كبيرة وشهرة كبيرة أني تاجر حمير بارع. وهكذا سيدي أكرر شراء حمير متهالكة وابيعها للجانب الصهيوني واشتري حمير شابة وابيعها للجانب العربي .. ولعلمك سيدي بسبب كثرة المخالفات أصبحت تجارة الحمير مربحة جدا .. وخاصة ان الحمير لم يشملها قانون القوميات، وهي معفية من الترخيص السنوي ومن التأمين والصيانة الميكانيكية، ولا تشملها مخالفات السير .. فلا أحد يميز بين حمار عربي وحمار يهودي .. لذا يجري التعامل مع الحمير بمساواة كاملة.

ضحك القائد من ذكاء جلال، وقال:
-اذن لي ربطة دخان مع كل دخول وخروج؟
-بل ربطتين سيدي القائد!!