كورونا المستجد و الأزمة الإقتصادية


زكرياء بغور
2020 / 3 / 22 - 01:24     

منذ اندلاع الحرب التجارية الصينية الأمريكية خلال العام الماضي، توقع المحللون الإقتصاديون انجرار الإقتصاد العالمي نحو أزمة قوية قد يكون تأثيرها طويل الأمد على الصين بالدرجة الأولى، ثم على أمريكا و بقية الدول. و خلافا لكل التوقعات، ظهر فيروس كورونا المستجد في توقيت جد حاسم، بعد أن أعدت كل الدول قوانين المالية للعام 2020 بناء ا على توقعات لم يكن لفيروس كورونا موطئ قدم فيها، و هذا أول تحد يواجه الإقتصاد الرأسمالي خصوصا في الربعين الأولين من السنة الجارية. الأكثر خطورة من ذلك هي المخاوف من استمرار تسبب الوباء في ركود اقتصادي طويل الأمد قد يمتد خلال الربعين الأخيرين من العام، و هو الأمر الذي لا تحمد عقباه. نسبة النمو لإقتصادات الدول الكبرى و العالم كنتيجة حتمية لا مفر منها سوف تكون أمام تحد ربما أكبر من ذلك الذي طرحته أزمة سوق الريبو (Repo Market) للعام 2008.
دفع ظهور و انتشار الوباء إذن العديد من المراكز البحثية والمحللين الاقتصاديين لإعادة النظر في توقعاتهم لنمو الاقتصاد العالمي في 2020 حيث توقع كل من بنك غولدمان ساكس و مؤسسة أكسفورد للاقتصاد أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 0.4 نقطة مئوية ليصل إلى 5.5%، فيما توقعا تراجع نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 0.4 نقطة مئوية في الربع الأول من هذا العام إضافة إلى تراجع نمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.2%، ليصل إلى 2.1% هذه السنة. و في نفس السياق أقر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية تراجع النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5%، وفي أسوأ السيناريوهات قد نشهد عجزا في الدخل العالمي بقيمة 2 تريليون دولار و هو ما يعني توجه العالم نحو عتبة ركود في الاقتصاد العالمي.
يبدو أن الركود الإقتصادي إذن سيواصل الإستمرار تناسبا مع درجة تطور و انتشار وباء كورونا و المجهودات المبذولة لاحتوائه. و هنا تطرح النقطة الأكثر محورية و إثارة للجدل من وجهة النظر الرأسمالية. فماهي التضحيات التي ستقدمها الرأسمالية في سبيل الخلاص؟ جزء هام من الإجابة عن هذ التساؤل تجلى خلال الأسابيع القليلة الماضية. لم يكن هنالك توجه حقيقي لدى العديد من الرأسماليات الكبرى نحو تقديم تضحيات اقتصادية حقيقية لمواجهة الفيروس. دول من قبيل بريطانيا، أمريكا، ألمانيا و إيطاليا تقاعست في فرض إجراء ات حاسمة بخصوص قطاعات كالخدمات و الطيران، بل و لحد الساعة لا زالت حركة الطيران نشيطة في بعض هذه الدول. و يأتي ذلك بشكل مطرد مع توجه تلك الدول نحو تقليص الإنفاق على الخدمات الإجتماعية .إيطاليا مثلا تأخرت عن وقف رحلاتها من و إلى الصين نظرا للإتفاقيات الإقتصادية التي تجمعبا بالصين ناهيك عن تواجد مئات الآلاف من الصينيين بإيطاليا لأغراض استثمارية. فرنسا من جانبها لم تعلن حالة الطوارئ إلا عند وصول المرض مرحلة الذروة. أما بريطانيا و أمريكا فلازالتا تماطلان في إجراء ات مواجهة الوباء.
هنالك سببان رئيسيان لتقاعس الدول الرأسمالية عن تقديم تضحيات اقتصادية لمواجهة هذه الأزمة الصحية. أولا، تعاني العديد من تلك الدول من تراجع على مستوى السيولة التي تمكنها من تخفيف خسائر الشركات التي سوف يتوقف إنتاجها خصوصا مع تزايد مديونيات تلك الدول و على رأسها أمريكا التي بلغت نسبة الدين العام فيها في الوقت الراهن 23 تريليون دولار، لتشكل بذلك 107% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. ثانيا، تمارس الرأسماليات الإحتكارية ضغوطات كبيرة على الدول من أجل عدم شل حركة الإنتاج و الهدف دائما هو الربح. هذا التماطل هو ما سبب انفلات الوضع في دول كإيطاليا و إسبانيا و اتجاهه للإنفلات في دول كبريطانيا و إمريكا. و هو ما سيهدد اقتصادات هذه الدول و أمنها القومي.
و نتيجة للوضع القائم، هنالك نفق مظلم ستمر به قطاعات اقتصادية حيوية كقطاع الطيران الذي من المنتظر أن يخسر ما قيمته 114 مليار دولار خلال الأزمة حسب اتحاد النقل الجوي الدولي الذي حذر من أن الخسائر التي قد تتكبدها صناعة الطيران ستكون مماثلة لتلك التي عانى منها القطاع خلال الأزمة المالية العالمية في العام 2008. وقالت المجموعة إن شركات الطيران قد تخسر 19% من أعمالها في حال عدم احتواء الفيروس قريباً. كما أن هنالك توقعات بأزمة مدمرة لشركة بوينغ قد تصل بها إلى حد التأميم على شاكلة جينيرال موتورز.
من جهة أخرى، توقع خبراء من أكسفورد إيكونوميكس تأثر القطاع السياحي بخسارة ستفوق 22 مليار دولار التي توقعها مجلس السياحة والسفر العالمي. وتأتي هذه التحذيرات في وقت تشهد فيه البورصات العالمية موجة بيع واسعة بسبب مخاوف على نمو الاقتصاد العالمي جراء انتشار كورونا، حيث يقوم المستثمرون بالتخلص من الأصول عالية الخطورة و الإتجاه نحو الأصول الآمنة على غرار الذهب، والتي ينظر إليها كملاذ آمن للتحوط في أوقات الأزمات.
تأثر قطاعات كالسياحة و الطيران لهما تداعيات مباشرة على الطبقة العاملة التي سوف تكون على فوهة البندقية، حيث بدأت أرقام البطالة بالتدافع و أول الأرقام من تركيا التي ارتفعت نسبة البطالة فيها إلى 13.5%.
في نهاية المطاف، لا بد من الإعتراف بأن الأزمة الإقتصادية المتوقعة من الممكن تجاوزها بعد سنة أو اثنتين، كما أن هنالك مؤشرا إيجابيا هو توجه الإقتصاد الصيني نحو التفاعي الطفيف خلال الربع الثاني لهذه السنة نتيجة لتجاوز الأزمة الصحية.
الأزمة التي يخلفها وباء كورونا على وجه الخصوص تدعونا حقيقة إلى إعادة النظر في منظومة الإنتاج الرأسمالي، و الأولويات التي على الدول التركيز عليها و أهمها النفقات الإجتماعية و التخلص من سلطة رأس المال.