فائض القيمة


علاء سند بريك هنيدي
2020 / 3 / 21 - 04:18     

تأليف: فيتالي فيجودسكي
ترجمة: علاء سند بريك هنيدي
نُشِر هذا المقال بالأصل باللغة الروسية ونُقِل إلى العربية عبر ترجمة وسيطة عن الإنكليزية.
______________________________________________________________________


تولَد القيمة من عمل العمال غير المدفوع الأجر، والذي يفوق ويزيد عن قيمة قوة عمل العمال، ويستولي عليه الرأسمالي من دون أنْ يدفع لقاءه قرشاً واحداً. وفائض القيمة هذا هو تعبيرٌ رأسمالي محدَّد عن الاستغلال، حيث يتخِذ فائض المنتوج شكل فائض القيمة. يؤلِّف إنتاج فائض القيمة والاستيلاء عليه ماهية القانون الرئيسي للاقتصاد الرأسمالي. وقد أشار كارل ماركس إلى أنَّ "إنتاج فائض القيمة هو القانون المطلق"(1) لنمط الإنتاج الرأسمالي. يعكس هذا القانون لا فقط العلاقات الاقتصادية بين الرأسماليين والعمال المأجورين، بل كذلك العلاقة بين المجموعات المختلفة للبرجوازية –الصناعية والتجارية والمصرفية– وبين هؤلاء وبين المُلّاك العقاريين. يؤدي السعي وراء فائض القيمة دوراً رئيسياً وهاماً في تطور قوى الإنتاج في ظل الرأسمالية، وكذا يحدِّد ويوجِّه تطور علاقات الإنتاج في المجتمع الرأسمالي. فصَّل ماركس مذهب فائض القيمة، والذي يصفه لينين بأنَّه "حجر الزاوية في نظرية ماركس الاقتصادية"(2)، أولَ ما فصَّله في عامَي 1857-1858 في مخطوطة مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي (مسوَّدة رأس المال الأولى). على أي حال، نجِد بعضاً من مقدمات نظرية فائض القيمة في أعمالٍ سابقة كتبها ماركس خلال أربعينيات القرن التاسع عشر مثل: المخطوطات الفلسفية والاقتصادية لعام 1844، وبؤس الفلسفة، والعمل المأجور ورأس المال.
إنَّ الشرط المسبق لإنتاج فائض القيمة هو تحويل قوة العمل إلى سلعة. لا يظهر العمال في السوق، العمال المحررون من وسائل الإنتاج والمجبرون على بيع قوة عملهم، ويكونون متاحين لمالك النقد إلَّا خلال مرحلة معيَّنة من التطور الاجتماعي. ويعادِل استهلاك هذه السلعة (قوة العمل) توليد قيمةٍ جديدة. إنَّ المشكلة المحورية في نظرية فائض القيمة هي شرح آلية الاستغلال الرأسمالي على أساس علاقات السلعة-النقد السائدة في المجتمع البورجوازي. تعمل آلية الاستغلال الرأسمالي على نحوٍ متناقض، نظراً لأنَّ التبادل غير المتكافئ، في جوهره، بين العمال والرأسماليين، أو بين العمل المأجور ورأس المال، يجري على أساس قانون القيمة –أي، على أساس تبادل المتعادلات، أو تبادل السلع ذات القيم المتساوية.
يبدأ ماركس بحثه عملية إنتاج فائض القيمة بتحليل الصيغة العامة لرأس المال:
(ن-س-نَ) حيث أنَّ "ن" تمثل النقد، و "س" تمثل السلعة، و "نَ" تمثل كمية من النقد أكبر من "ن" (نَ=ن+ف). تبيِّن الصيغة شراءً لسلعة (ن—س) وبيعاً لها (س-نَ) حيث تزداد كمية رأس المال. استخدمَ ماركس تعبير "فائض القيمة" لتسمية الزيادة في القيمة (ف) والتي تفوق وتزيد عن مجموع النقد (ن) الأصلي المسلَّف والموضوع في التداول. لقد تحوَّلَ المبلغ الأصلي إلى رأسمال عبر إضافة فائض القيمة. يبيِّن تحليل الصيغة العامة أنَّ فائض القيمة لا يمكن له أنْ ينشأ من تداول السلعة، والذي يرتكز على قانون القيمة. مع ذلك، إلى أنْ يضع مالك النقد نقده في التداول، فإنَّه ما من زيادة في القيمة. وبالتالي، فإنَّ فائض القيمة لا يمكن أنْ ينشأ خارج التداول. بيَّنَ ماركس أنَّه حتى مع بيع وشراء السلع وفقاً لقيمتها فإنَّ الرأسمالي يستخرج قيمة تفوق تلك التي وضعها.
تباع قوة العمل إلى الرأسمالي وفقاً لقيمتها، كما يحدِّدها وقت العمل الضروري اجتماعياً اللازم لتجديد إنتاجها. يحوز الرأسمالي على القيمة الاستعمالية للسلعة –قوة العمل، والتي، حسبما يشير ماركس، "تمتلك خاصية مميزة تتمثل في كونها مصدراً للقيمة"(3). تُخقَّق القيمة الاستعمالية لهذه السلعة في المرحلة الثانية من التبادل بين رأس المال والعمل –أي، في الإنتاج، عندما تولد قيمة جديدة تؤلِّف فائض قيمة. وعرَّفَ ماركس فائض القيمة بأنَّه الفرق بين ما يُنتِجُه العمل الحي من قيمة وبين ما يدفعه الرأسمالي من قيمة للعمال على شكل أجور. "ليس فائض القيمة إلّا مقدار العمل الزائد الذي يبذله العامل زيادة عن مقدار العمل المتجسِّد الذي يتلقاه في أجره بوصفه قيمة قوة عمله"(4).
تعود قدرة العامل على العمل وبالتالي منتوج عمله إلى الرأسمالي. لا يناقض قانون القيمة، بوصفه قانون تبادل المتعادلات، حقيقة أنَّ القيمة التي يولِّدها إنفاق العمل الحي تفوق قيمة قوة العمل.
وفي الواقع، يتجلى فائض القيمة كربح، والذي يتخذ عدة أشكال في عملية التحقيق والتوزيع: دخل المشروع الذي يحوزه أصحاب المشروع الصناعيون والتجاريون؛ الفائدة والتي يحوزها المصرفيون؛ وريع الأرض الذي يحوزه المُلّاك العقاريون. لكلٍ من صور الدخل هذه خصائصه النوعية، إلّا أنَهم يتشاركون المصدر نفسه(5): عمل العمال غير المدفوع الأجر.
يشدِّد الرأسماليون، نظراً لرغبتهم اللا محدودة في زيادة إنتاج فائض القيمة، من اسغلال العمال المأجورين بأشكال مختلفة. وثمَّة شكلان لفائض القيمة –فائض القيمة النسبي وفائض القيمة المطلق، يرتبط كل منهما مع طريقة معينة لتشديد الاستغلال. يعد فائض القيمة المطلق نتيجةً لتمديد يوم العمل إلى ما بعد حدود وقت العمل الضروري أو الوقت الذي يجدِّد فيه العامل إنتاج قيمة قوة عمله. ويعتمد الطول الفعلي ليوم العمل على علاقة القوى الطبقية. مدفوعين برغبةٍ مسعورة لزيادة فائض القيمة يبذل الرأسماليون أقصى ما لديهم لإطالة يوم العمل. مع ذلك، إذْ يتحسَّن مستوى تنظيم الطبقة العاملة عبر النضال الصلب، فإنَّهم يكسبون تشريعاً يحدُّ من طول يوم العمل. ويزداد فائض القيمة المطلق بزيادة شدة العمل، وإنْ بقي طول يوم العمل على حاله أو قَصٌر.
وقد يزداد إنتاج فائض القيمة بتقليص وقت العمل الضروري مما يخلق زيادة مقابلة في فائض وقت العمل، بدون تغيير طول يوم العمل. يرتبط هذا الأسلوب بفائض القيمة النسبي. ويتعلق أساساً بزيادة القدرة الإنتاجية في تلك الأفرع الصناعية التي تُنتِج وسائل عيش العامل، لأنَّ ذلك يؤدي، في نهاية التحليل، إلى انخفاض قيمة قوة العمل. مما يفضي، بدوره، إلى انخفاضٍ في وقت العمل الضروري وزيادةٍ مقابلة في فائض وقت العمل في جميع أفرع الصناعة الرأسمالية.
يحوز الرأسماليون الفرادى فائضَ القيمة الإضافي، ضربٌ من فائض القيمة النسبي، من شركاتهم عبر تقليل القيمة الفردية للسلع، مقارنةً بقيمتها الاجتماعية. لا ينطوي فائض القيمة الإضافي على انخفاضٍ في قيمة قوة العمل. ومصدره هو زيادة إنتاجية العمال في المؤسسات الأكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية، مقارنةً بمستوى متوسط الإنتاجية في قطاع معين. تُعدّ قيمة الفائض الإضافي هذا ظاهرةً مؤقتة، لأنَّه مع انتشار التكنولوجيا والتقنيات الجديدة في المؤسسات الأخرى في قطاع معين، تنخفض القيمة الاجتماعية للسلع، ويختفي التباين بين قيمتها الفردية والقيمة الاجتماعية. على الرغم من أنَّ فائض القيمة الإضافي فائضٌ مؤقت، إلا أنَّه لا يختفي تمامًا ولكنه يتحوَّل ببساطة من بعض الرأسماليين إلى آخرين. إنَّ الصراع من أجل الحصول على فائض قيمة إضافي هو الحافز الرئيسي للمنافسة فيما بين القطاعات.
اتسَم تاريخ تطور الرأسمالية بزيادةٍ دائمة في معدل فائض القيمة، ويعبَّر عنه بالعلاقة بين المقدار الكلي لفائض القيمة ورأس المال المتغير، أو بين فائض وقت العمل ووقت العمل الضروري اجتماعياً. يجري التعبير عن هذه العلاقة بنسبة مئوية وفق الصيغة التالية (فَ= ف/م)، حيث "فَ" تمثِّل معدل فائض القيمة، وتمثِّل "ف" مقدار فائض القيمة، وتمثِّل "م" رأس المال المتغير. ثمَّة علاقة وظيفية بين كتلة فائض القيمة ومعدله. إذا كان معدل فائض القيمة يعكس درجة استغلال الطبقة العاملة، فإنَّ مقدار فائض القيمة يعكس الكتلة المطلقة "ف" لفائض القيمة وهو حاصل ضرب رأس المال المتغيِّر "م" المُسلَّف بمعدل فائض القيمة "فَ". لاحظ ماركس أنَّ "معدل فائض القيمة هو التعبير الدقيق عن درجة استغلال رأس المال لقوة العمل، أو استغلال الرأسمالي للعامل"(6).
وفقاً لحسابات ماركس فقد كان معدل فائض القيمة في أواسط القرن التاسع عشر قريباً من 100%. وكان معدل فائض القيمة في المصانع الروسية في العام 1908 يفوق 100% (وفقاُ للينين). لقد توصل الباحثون الماركسيون إلى أرقامٍ مختلفة لمعدل فائض القيمة في الصناعات التحويلية والصناعية في الولايات المتحدة: 115% حسب (1966, V. Perlo, USA)، 118-120% وفقاً لـ (1955, V. M. Kudrov and S. M. Nikitin, USSR)، 192% حسب (1958, E. S. Varga, USSR)، 312% وفقاً لـ (1969, S. L. Vygodskii, USSR)، 397% حسب (1957, A. I. Katz, USSR)، و1187% كما يوردها (1965-69, J. Kuczynskii, German Democratic Republic). وتفسَّر الاختلافات بين هذه المعدلات باختلاف طرائق الحساب. على أي حال، تثبت كل من هذه التقديرات ازدياد معدل فائض القيمة مع تقدم الرأسمالية، بغض النظر عن العوامل المضادة مثل نضال الطبقة العاملة، وزيادة قيمة قوة العمل، والصراع بين النظامَيْن الاجتماعيَيْن. يلاحظ ماركس أنَّ "إمكانية تحسين المستوى المعيشي للعمال لا يغيِّر أي شيءٍ في طبيعة وقانون فائض القيمة النسبي، ولا حقيقة أنَّ رفع إنتاجية العمل تجعل الرأسمالي يستولي من يوم العمل على قدر أكبر من أي وقت مضى. بذا، يمكن لمس الحماقة التامة لمحاولات دحض هذا القانون بتجميع الحسابات الإحصائية بوصفها دليلاً على الحقيقة المزعومة القائلة بأنَّ الوضع المادي للعامل...قد تحسَّن...نتيجةً لتطور القوى الإنتاجية للعمل"(7).
مكَّنَت نظرية فائض القيمة لماركس الكشف عن إفلاس النظرية التبريرية البورجوازية للربح. والعديد من "المفاهيم" التي تعارض نظرية ماركس حول فائض القيمة، والتي يطرحها الاقتصاديون البرجوازيون المعاصرون، هي في الأساس نسخٌ مُعصرَنة لنظرية الدخل التي وضعها الاقتصادي الفرنسي [جان بابتيست] ساي واعتمدها لاحقًا الاقتصاديون البريطانيون [جون ستيوارت] مِل، وَ[جون رامسي] مكولوتش، وَ[ناساو] سينيور. تولى ممثلو الاقتصاد السياسي المبتذل مهمة دحض الجانب الرئيسي من النظرية الاقتصادية الماركسية –مذهب فائض القيمة– كونه يكشف ماهية وآلية الاستغلال الرأسمالي، ويسلِّح الطبقة العاملة بفهم علمي لمهمتها التاريخية. حاول الاقتصادي الأمريكي [جون بيتس] كلارك "تعميق" نظرية ساي عن عوامل الإنتاج الثلاثة. اعتمادًا على الرأي القائل بأنَّ المنتوج الاجتماعي يجري توزيعه وفقًا لمساهمة كل من عوامل الإنتاج (العمل ورأس المال والأرض) في الدخل القومي، وابتكر كلارك نظرية الإنتاجية الحدية.
سمح مذهب فائض القيمة لماركس بصياغة القانون الاقتصادي الرئيسي لحركة المجتمع الرأسمالي، وكشف الاتجاهات الموضوعية لتطور هذا المجتمع. أكثر من ذلك، وفَّرت نظرية فائض القيمة الفهم الأساسي لنمط الإنتاج الرأسمالي. إنَّ الاستغلال الرأسمالي هو نتاج لطبيعة علاقات الإنتاج الرأسمالية، حيث تستولي الطبقة الرأسمالية على فائض القيمة الذي أوجدته الطبقة العاملة وفقًا للقوانين الداخلية لنمط الإنتاج الرأسمالي، لا سيما قانون القيمة. وبالتالي، من المحال تحرير الطبقة العاملة من "عبودية الأجر" في إطار النظام البورجوازي ولا يمكن تحقيقه إلّا من خلال ثورة اشتراكية. وفي الوقت نفسه، ونتيجة للتطور الهائل للقوى المُنتِجة التي تصاحب الاستغلال المكثَّف للعمل بواسطة رأس المال، تولّد وتتراكم الشروط المسبقة المادية للثورة الاشتراكية. وهكذا، تؤدي نظرية فائض القيمة مباشرةً إلى استنتاج مفاده أنَّ التناقضات الطبقية بين رأس المال والعمل المأجور لا يمكن التوفيق بينها.

-الهوامش:
(1) - كارل ماركس، ت. فالح عبدالجبار، رأس المال- المجلد الأول، (الفارابي: 2013)، ص763.
(2) - راجع مقالة فلاديمير لينين، مصادر الماركسية الثلاثة وأقسامها المكونة الثلاثة، على http://lenin.public-archive.net/ar/L2026ar.html (آخر زيارة: 13/ديسمبر "كانون الأول"/2019).
(3) - كارل ماركس، مصدر سبق ذكره، ص219.
(4) - يرِد هذا الاقتباس من كتاب نظريات فائض القيمة، وهو عمل لم يُترجَم إلى الآن.
(5) - في منطقتنا ما زال البعض يعارض الريع بالربح، عاجزين (عن عمد أو عن جهل) عن فهم أنَّ كل هذه التنويعات ترجع إلى مصدر واحد ووحيد هو فائض القيمة، أي في آخر التحليل استغلال عمل الآخرين وهو ما يؤشر على علائق رأسمالية (المترجم).
(6) - كارل ماركس، مرجع سبق ذكره، ص278.
(7) - نظريات فائض القيمة، مرجع سبق ذكره.
الرابط الأصلي للمقال:
https://www.marxists.org/archive/vygodsky/unknown/surplus_value.htm
________________________________________________________________
REFERENCE
Marx, K. Kapital, vols. 1-3. In K. Marx and F. Engels, Soch., 2nd ed.,
vols. 23-25, parts 1-2. Marx, K. “Teorii pribavochnoi stoimosti (vol. 4 of Kapital). Ibid., vol. 26, parts 1-3.
Engels, F. Anti-Dühring. Ibid, vol. 20, pp. 25-27, 208-27.
Lenin, V. I. “Tri istochnika i tri sostavnykh chasti marksizma.” Poln. sobr. soch., vol. 23, pp. 44–46.
Lenin, V. I. “Karl Marks.” Ibid., vol. 26, pp. 63-73.
Varga, E. Ocherki po problemam politicheskoi ekonomii kapitalizma. Moscow, 1964. Pages 113–16.
Leont’ev, L. A. “Kapital” K. Marksa i sovremennaia epokha. Moscow, 1968. Pages 68-122.
Vygodskii, S. L. Sovremennyi kapitalizm. (Opyt teoreticheskogo analiza). Moscow, 1969. Pages 240-49.
Politcheskaia ekonomiia sovremennogo monopolisticheskogo kapitalizma, vols. 1-2. Moscow, 1970.
Kuczynskii, J. “Zakon pribavochnoi stoimosti pri imperializme.” Problemy mira i sotsializma, 1973, no. 11.
V. S. VYGODSKII