تصفية الحسابات على الساحة العراقية


مصطفى محمد غريب
2020 / 3 / 18 - 23:05     

اليوم ندرك ما وصل إليه الوضع في العراق من تردي وتأزم جميع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية وغيرها حتى أصبحت كأنها أبدية، وتكاد الأزمات والمشاكل أن تكون ملازمة لأي بقعة وموقع حكومي أو الدولة بشكل عام.
حذرنا اكثرمن مرة بان الاستمرار في سياسة ونهج المحاصصة الطائفية سوف يخلق اتجاهاً لا وطني وتقسيمي و تابع ومن هنا يبدأ طريق الفساد وعدم الاهتمام بمصالح الوطن والاستهتار بحقوق الشعب، ومنذ أن أصبح الوضع مرتهنا لمصالح القوى الخارجية اشرنا أن هناك مخططاً جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الدول ذات المصالح المتنازع عليها وبخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني، الذي عمل كل منهما على توسيع الهيمنة وإخضاع القرار العراقي المستقل وإفراغه من محتواه الوطني، ونكون صادقين أن القوى الوطنية والديمقراطية لم تكن مع من طالبوا بالتدخل والاحتلال الأجنبي لإسقاط النظام الدكتاتوري أو مع بقاء الاحتلال، ومنذ البدء كان من المؤمل أن يجري قيام حكومة وطنية لحين إجراء انتخابات تشريعية نزيهة وإخراج قوات الاحتلال ورفض أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية، إلا أن الأمور سارت باتجاه آخر فمنذ البداية قام الاحتلال بتسليم السلطة لأحزاب الإسلام السياسي وبخاصة الشيعية والمتحالفين معها وفق المحاصصة الطائفية والحزبية كنهج دون النهج الوطني الصحيح، ومن الطبيعي أن الوضع الجديد أصبحت له تداعياته وسياسته وأجندته وتوجهات لا تمت للحرص على القيم الوطنية أو وحدة الوطن الذي أصبح تحت رحمة القوى الخارجية، ومنذ إن اشتدت الخلافات بين أمريكا وبين طهران كنا نتوجس من تطورها حتى لا يكون العراق ساحة للصدام، وما حدث خلال هذه الحقبة زكى ما توقعنا حدوثه وقد حدث فعلاً، ولعبت الفصائل الميليشيات الطائفية المسلحة التي أسستها ودعمتها إيران دوراً غير قليل في تأجيج الطائفية والاضطراب الأمني وممارسات استعمال السلاح خارج نطاق قرار الحكومة ثم ممارسات الاختطاف والاغتيال والسجن في سجون ومعتقلات سرية خاصة بهذه الميليشيات الطائفية وبأشراف " فيلق القدس الإيراني " وقد ذكر في إيلاف أسماء العشرات من المعتقلات السرية المنتشرة في البلاد، وأكد ناشطون تابعين "للمركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب" أنّ لجانًا حكوميّة عثرت على معتقلين ومختطفين وسجناء - فُقدوا في أحداث سابقة في بغداد وباقي المحافظات على يد ميليشيات الحشد الشعبيّ - وهُم الآن موجودون في سجون سرّيّة منها ..... " وقد عددت أسماء العديد من المعتقلات والسجون السرية، ويتعرض من يعتقل حتى من المتظاهرين السلميين إلى شتى أساليب التعذيب الجسدي والنفسي وغيرها من الممارسات الهمجية التي لا تجعل العراق دولة مستقلة بل يتحرك وفق إرادة ورغبة الفصائل المسلحة والقوى الخارجية وتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها بما فيها إطلاق الصواريخ الكاتيوشا وغيرها على المواقع التي تراها معادية أو لها خلاف من القوى الخارجية مثلما يحدث للمنطقة الخضراء وبالأخص السفارة الأمريكية، أو للقواعد العسكرية العراقية التي تتواجد فيها قوات التحالف الدولي وقوات أمريكية أعلن عنها أنها للتدريب حسب تصريحات الحكومة العراقية، إضافة كونها قوات لمساعدة القوات العراقية في حربها ضد الإرهاب وداعش.
إن سنيارو سرية إطلاق الصواريخ على القوات الأمريكية وقوات التحالف المتواجدة في القواعد العسكرية العراقية والسفارة الأمريكية وعلى المنطقة الخضراء بات معروفاً على الرغم من الادعاء بعدم معرفة الجهات التي تقوم بهذه المهمة، إلا أن اللواء تحسين الخفاجي المتحدث باسم العمليات المشتركة دعا إن من يقوم بإطلاق الصواريخ "الإعلان عن نفسه وتحمل المسؤولية" ( الكل يعرف من هم!!) وأشار وجود قوات عسكرية عراقية ضمن هذه القواعد وأكد في 14 / 3 / 2020" إن "قصف التاجي هذا اليوم أدى إلى إصابة منتسبين للدفاع الجوي العراقي وهذا يؤثر على موقفنا القتالي وقوتنا الدفاعية"، وما الرد الأمريكي الذي تتوج باستهداف مقرات وقواعد الحشد الشعبي على الحدود السورية العراقية وما قبلها من استهداف قاسم سليمان وأبو مهدي المهندس ثم ما جرى من قصف قواعد حزب الله وفصائل أخرى من الحشد الشعبي في جرف الصخر وصلاح الدين وديالى وأطراف بغداد والبعض من المناطق ما هو إلا مسلسلاً لجعل العراق ساحة قتال بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما خطط له منذ فترات لأبعاد الأراضي الإيرانية لكي لا تكون ساحة صراع بين الطرفين المذكورين وإبدالها بالساحة العراقية، ولم تكتف الميليشيات التابعة لإيران والتي تدعي أنها "عراقية" هدفها إخراج القوات الأمريكية وقوات التحالف من الأراضي العراقية!! غاضة النظر عن ما تقوم به تركيا من اعتداءات مستمرة ووجود قواعد عسكرية تركية على الأراضي العراقية، وراضية عن تواجد قوات من الحرس الثوري بصفات الضباط والجنرالات الإيرانيين وهذا ما أثبتته الحوادث والوقائع في العراق وخير مثال عن تواجد الجنرال الإيراني قاسم سليماني والعديد من الضباط من فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني قبل اغتياله مع الحشد الشعبي بحجة محاربة داعش الإرهاب، لقد أعلنت "قيادة العمليات المشتركة الجمعة (13 آذار 2020)، تعرض العراق لاعتداء سافر " وهذا بعد أيام من إطلاق الصواريخ على قاعدة التاجي ، وتزامن ذلك من تحركات سريعة لتمركز قوات التحالف الدولي وعلى رأسها القوات الأمريكية التي ناقشت الحكومة العراقية عن ضرورة ملاحقة المسؤولين عن إطلاق الصواريخ والاعتداءات على قوات التحالف وقد باشرت القوات الأمريكية وقوات التحالف المتواجدة داخل العراق وخارجه إلى عملية التمركز وهي عملية انتشار جديدة حيث أدلى المتحدث باسم التحالف الدولي مايلز كاغنز "أن التحالف يعيد تمركز قوات من عدد قليل من القواعد الصغيرة" على أساس النية في مغادرة جميع قوات التحالف ، وبدورنا نشك فيما يقال أو قيل في هذا الصدد لان التمركز والانتشار هو التهيؤ للأوضاع المستجدة ومستوى الاستعداد لقيام صدام مسلح واسع النطاق مع المليشيات أو قوات من الحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني وهنا سنفضح سر الادعاء الإيراني بمساعدة القوات العراقية في حربها ضد الإرهاب وفي المقدمة داعش الإرهاب .
هذه التداعيات أصبحت معروفة للجميع وتحققت مطامح الذين كانوا يسعون لإبعاد الصراع الأمريكي الإيراني عن إيران نفسها وتحويلها إلى صراع على الساحة العراقية مما جعلوا العراق في صف الجانب الإيراني وانهوا التصريحات والادعاءات بحياد العراق و إبعاده عن الخلافات حتى لا يكون طرفاً يدفع ثمناً باهظاً لهذا الاصطفاف وهاهو مايك بومبيو وزير خارجة الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بضرورة محاسبة الجهات التي تهاجم القوات الأمريكية وبخاصة معسكر التاجي وأكد " أن أمريكا لن تتسامح مع الهجمات والتهديدات التي تطال الأرواح الأمريكية وسوف تتخذ إجراءات إضافية عند الضرورة للدفاع عن النفس" وطلب من رئيس الوزراء العراقي إنه من واجب الحكومة العراقية "الدفاع عن أفراد التحالف الدولي الذين يدعمون جهود الحكومة العراقية لهزيمة داعش" كما أكد بومبيو أنه يجب محاسبة الجماعات المسؤولة عن هذه الهجمات" إلا أن الهجمات والتفجيرات من قبل الميليشيات وقد يكون داعش على الخط أيضاً لم تكف وتمادت في غيها مصرة على التصعيد ويكمن هدفها في دفع القوات الأمريكية للرد الصاروخي أو القصف بواسطة الطيارات المسيرة وغير المسيرة ليكون الصدام واسعاً وشاملاً وهي ما تهدف إليه إيران لإبعاد شبح الحرب عن أراضيها وجعل العراق ساحة لتصفية حساباتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية وبين فصائل تقدر ( 150) فصيل مسلح أكثرها مدعوم بالمال والسلاح من قبل إيران.
أن مخاطر الصدام المسلح أو العمليات العسكرية أو المواجهات بواسطة الصواريخ من قبل الطرفين ، الأمريكي والإيراني هي دفع المنطقة نحو الحرب التي هي مخاطر حقيقية على السلم الاجتماعي وتهدد الشعب العراقي بحرب أهلية وانقسامات طائفية ودينية وهذا من الواجب العمل على منعها بشتى الوسائل والطرق، وقضية وجود قوات احتلال من أي دولة كانت يجب أن تنتهي وهذا ما عناه رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي " ضرورة توفير مستلزمات إنهاء التواجد الأجنبي على الأراضي العراقية" وهو قول حكيم يدل على مدى الحرص على السلام الاجتماعي ومنع الحرب وأشار فهمي " إنه "إذا كانت القوات الأمريكية متواجدة باتفاقية موقعة مع الحكومة العراقية، فأن تواجد القوات التركية هو من دون اتفاقية" وهذا ما شرنا له وطالبنا إنها وجود القوات الأجنبية له مخاطر على الاستقلال الوطني والحياد وعلى القرار العراقي المستقل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، بينما نجد أن هذه المستلزمات عبث بها وخرقت من قبل الأحزاب والتنظيمات الطائفية المتنفذة والتابعة للقوى الخارجية وقد أشار رائد فهمي أن مسألة إخراج القوات الأجنبية أيا كانت، أمر مطلوب وضروري، ولكن هذا يعتمد على تهيئة مستلزمات هذه العملية، وفي مقدمتها تمكين الدولة من استعادة سيادتها الكاملة" ولهذا يجب أن تنتهي سيطرة الفصائل المسلحة ووجود قوات مسلحة خارج إطار الدولة وتأثيراتها على الحياة اليومية والمستقبلية والعمل على حلها وتمكين الدولة من اتخاذ دورها القانوني ووفق الدستور وبدون ذلك ستبقى الأوضاع تنحدر إلى الأسوأ وقد تكون الساحة العراقية سوحاً لصراع مسلح دموي يدفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً كما يجعل العراق واستقلاله المرتهن في مهب الريح