الحراك: شجاعة ووعي يستحق الاحترام


ثائر سالم
2020 / 3 / 17 - 18:11     

رغم الخطورة الجدية لفايروس كورونا، وعدم اتضاح المدى الزمني له، ومدى تاثيره على اوضاع وحياة المجتمع، وعلى وضع الحراك، وبغض النظر، عن صعوبات اوضاعه الحالية، وعن مآلاته المستقبلية، نجاحه او اخفاقه،( او توقفه وقتيا بسبب تحدي كورونا) في بلوغ اهدافه، فان انقلابا مهما، في وعي المجتمع، ووعيه السياسي، وفي وعي جمهوره خصوصا، كان اكبر انجازاته، وسيبقى اساسا مهما، لدوره المستقبلي في مستقبل البلد. 
التضحيات الكبيرة وروح البساله التي اظهرها، وثباته واصراره، وطول صبره وصموده في المنعطفات الحرجة،  حتى وهو يواجه اساليب ماكرة وقسوة وحشية، لم تكن مبررة، ووعيه السياسي لمشكلات البلد ومخارج حلولها،
اكسبته مصداقية واحتراما شعبيا، محليا ودوليا، اجبرت حتى الطبقة السياسية الحاكمة، على الاعتراف بها.

لقد وضع الحراك، بهذا المعنى، اسس وملامح مرحلة سياسية جديدة، يصعب العودة عنها. ففي تطور نوعي في الوعي والممارسة، استلهم تجارب الاحتجاجات السابقة، وبالتفاف شعبي واسع، ادرك ضرورة تجاوز طابعه المطلبي (في انطلاقته) ، الى الطابع السياسي العام، وليبدأ مسار عملية تشكله كرؤية سياسية واقعية، لمشكلات البلد المتعددة، ولطبيعة الازمة.
 
التطور الهام الآخر، الذي حققه، هو انه اسس لقطيعة تامة مع حالة اليأس، وفقدان الامل بالتغيير، التي سادت فترة من الزمن في اوساط من الشعب و الشباب ودفعت بالبعض الى احتقار قيمة الحياة (نتذكر ظاهرة الانتحار، لاشهر عدة، قبل الحراك).  ان سوء اداء الاحزاب الحاكمة، وفشلها،  وعدم تمكن احزاب ذات تاريخ وطني، من فعل شيء ما لمشروع التغيير، لعب دورا  في ظهور نزعة عدمية ونظرة سلبية، لدى طيف واسع من الجمهور، ازاء الاحزاب وكل اشكال التنظيم الحزبي.
وشعار "الوعي قائدنا"، كان ترجمة لهذه النظرة، وتعبيرا عن عدم الثقة بهذه الاحزاب وتجربتها ورفض سياستها. وهو ما شكل ايضا ارضية، توجه قوى الاحتجاج الى ابتداع، شكلا من التنظيم، لا تعرفه الاشكال التنطيمية للقوى التقليدية(الحزبية)، جديدا على ثقافتها وحياتها السياسية والتنظيمية، يتجاوز خبرة التنظيم  القديم بكل الوانه، وتجاربه.
شكلا لامركزيا، اثبت فاعلية مرونته التعبوية، ويحمل امكانات تعميق مضمونه الديموقراطي، في سياق التجربة، لاعتماده هامشا اوسع للمشاركة في القرار والتفكير الحر، و بتوظيف فعال لادوات التواصل الاجتماعي.
ورغم القمع المستمر ، والعنف المفرط، الذي تعرض له، الا انه اظهر، بوعي وشجاعة متميزة، وثباتا نادرا، على السلمية وسيلة اساسية في كفاحه.

منجزات ودروس الحراك هذه، دفع لاجلها ثمنا باهضا. والرؤية السياسية التي بلغها الحراك، تجعله يثق ويتمسك باهم الاستخلاصات  :

اولا.. ان سبب الاخفاق والخراب، الذي حصل، لا يعود بالاساس الى خطأ في سياسة حكومة، او شخص رئيسها، وانما هو نتيجة، خلل بنيوي في طبيعة النظام، ناجم عن خيارات  وسياسات تحالف، اجتماعي وسياسي، ركز الثروة والسلطة في يديه، وفرط بمصالح البلد الوطنية، وموارده ، وسيادته. والاصرار على ذات السياسة، سيزيد  الازمة استعصاء، ويغلق منافذ الحلحلة او الحل للازمة.

ثانيا.. ان البديل والحل الوحيد، الذي تقتضيه اي  عملية اصلاح جدي، انما هو ضرورة مغادرة ثقافة( المكون- الطائفة، ومنظومتها السياسية، وآليتها الديموقراطية،  المشوهة)، التي ثبت في التجربة، تناقضها مع، اي اصلاح حقيقي... والذهاب الى فضاء ثقافة الدولة الوطنية، القادرة على توفير الحياة الآمنة والعصرية لشعبها، اسوة بكل اوطان وشعوب الارض..ثقافة دولة ذات سيادة وقرار مستقل.
ثالثا.. ان جيلا جديدا ، تدرب في هذا الحراك وتعلم من تجربته، سيكون اكثر اصرارا على التغيير، لاسيما في ظل بقاء، حالة الاستعصاء والفشل ، وعجز المنظومة القائمة، عن ايجاد سبيل للخروج من نفق الازمة البنيوية، التي تتحكم بالنظام السياسي ومنظومة حكمه.

رابعا.. السياسة الحالية ومنظومة حكمها، لها حواملها وقاعدتها الاجتماعية، وتمثيلها السياسي، لايجب اغفال حقيقة انها ستبقى مؤثرة في الصراع السياسي، وفي مستقبل البلد السياسي، وستبقى تلعب دور قوى الاعاقة والمعارضة السلبية، لمشروع التغيير. والصراع معها سيشتد بمقدار فاعلية مشروع التغيير ووسائل ضغطه.