فيروس -كورونا- وقشة بعير الرأسمالية


سمير دياب
2020 / 3 / 17 - 09:26     


شغل فيروس كورونا العالم، وأعاد جدوله الأولويات بفعل قوته وسرعة انتشاره ووقوف مراكز الأبحاث الطبية عاجزة أمام معرفة أسبابه ومدة احتضانه وعلاجه لغاية اليوم.

فيروس كورونا عدائي وهجومي، ومع أهمية التأكيد على الإلتزام بإجراءات الوقاية للحد من انتشاره لضمان صحة الناس وحياتهم. لكن ذلك لن يحجب رؤيتنا من أن هذا الفيروس شكل المحًفز الذي فضح أمراض النظام الرأسمالي المسؤول عن الفقاعات والإنهيارات الاقتصادية التي كانت تختمر تحت السطح، لحين بروز هذا الفيروس المحًفز الذي سيدمر منزل الورق الاقتصادي بعد أن تجاوز الدين العام 250 تريليون دولار، أي ما يعادل 320% من إجمالي الناتج العالمي الخام.

وباء كورونا ستكون تأثيراته السلبية الإقتصادية كبيرة جداً، ليس بصفته المسبب للأزمة، بل كونه المحًفز للأزمة الإقتصادية الشديدة.. وكل السياسات التي تستخدمها الرأسمالية للتعامل معها أصبحت عديمة الفائدة . فالشركات أو المؤسسات التي تعاني من تراجع الإيرادات أو من الديون جراء الأموال الرخيصة أوغيرها من حوافز الاقتراض ستعتمد على خفض تعويضات موظفيها وتأجيل سداد ديونها. ما يعني سنشهد موجة واسعة من حالات الإفلاس، والمزيد من البطالة والفقر.

كل الإجراءات الممكن أن تتخذها البنوك والأسواق المالية من خفض على أسعار الفوائد، ولو ناقص تحت الصفر لن تشكل مخرجاً للأزمة. أو كل حديث عن قروض للشركات يعني تفاقم الأزمة أكثر.

لقد كشف ماركس عن القوانين المتناقضة التي تحكم الاقتصاد الرأسمالي، وهي القوانين المحكومة من وجهة نظرهم لقانون التوازن الاقتصادي غير الموجود.

اما التطور الرأسمالي فيحمل في ذاته بذور الركود فيما يجهد النظام العالمي أن يجعله في حالة حركة، بفعل القروض والوسائل المصطنعة الأخرى. وأوضح ماركس "أن البنوك والإقتراض أصبحا أقوى وسيلة لدفع الإنتاج الرأسمالي إلى ما وراء حدوده". وأضاف: "وأحد أكثر الأدوات فعالية لخلق الأزمات وعمليات الإحتيال". و"في ظل نظام إنتاج يعتمد سيرورة إعادة الإنتاج بكاملها على الإقتراض، لا بد أن تندلع الأزمة حتمياً إذا ما توقف الإقتراض فجأة ولم يعد يتم القبول سوى بالدفعات النقدية فقط. عندها تظهر الأزمة، للوهلة الأولى، وكأنها مجرد أزمة إقتراض ونقد".

إن القوى المنتجة في ظل الرأسمالية قد تجاوزت حدود السوق.هناك مخزون ضخم من السيارات والمواد الصلبة والألمنيوم.. وغيرها من السلع. وهناك المزيد من المصانع المتوقفة عن العمل أو التي تشتغل بوتيرة بطيئة لأنها لا تجد طلباً. وظاهرة "الطاقة الفائضة" هذه، هي إنعكاس لفائض الإنتاج، ولحقيقة أن النظام الرأسمالي قد وصل إلى حدوده. ووفقاً لمقولة ماركس " إن العائق أمام تطور رأس المال هو رأس المال نفسه". حيث لا يمكن للطبقة العاملة أن تشتري المنتجات التي تنتجها. في حين يتمكن الرأسماليون من التغلب على هذا التناقض عن طريق إعادة هذه القيمة الفائضة إلى استثمار رأسمالي، إلا أن ذلك يزيد من القدرة الإنتاجية ويؤدي إلى مزيد من الإنتاج لكن السوق لا يمكن أن يواكب ذلك، لحين الوصول إلى مرحلة معينة لتندلع أزمة فائض الإنتاج.

جذور الأزمة الرأسمالية عميقة ومزمنة، وفيروس كورونا هو القشة التي ستدفع النظام الرأسمالي من فوق الحافة. الذي سيحاول بدوره تدفيع الطبقة العاملة والفقراء فاتورة الأزمة، وفوقها، تبعات الخسارات الناجمة عن فيروس كورونا التي يقال إنها وصلت اليوم إلى 6 تريليون دولار. كما كان يحصل منذ عام 2008 لغاية 2020 من خلال فرض سياسات التقشف والضرائب وسرقة التعويضات والودائع والضمانات وزيادة الأرباح على المواد الاستهلاكية الضرورية الصحية والمعيشية. لكن الطبقة العاملة والفئات الاجتماعية المفقرة خسرت مع النظام الرأسمالي كل شيئ ولم تعد خائفة من شيئ، وعليها أن تنهض من جديد مع كافة قواها الحية لتستعيد وحدتها وقوتها وتتأهب للدفاع عن نفسها وعن أولادها، وأن تجدد جبهات مقاومتها للتخلص من النظام العدواني الرأسمالي وأمراضه الجرثومية.

فالمهمة هي إنقاذ البشرية.