الصراع الامريكي الايراني : الحقيقة والوهم


ثائر سالم
2020 / 3 / 15 - 14:21     

تصاعد الصراع الامريكي الايراني في المنطقة، وخصوصا في العراق، لازال يجري، وفقا لاجندات الدولتين( المتصارعتين) . وخارج الاجندات الوطنية لهذه الدول والشعوب. و لا علاقة له بالاساس بمصالح هذه الدول.
فالسياسة الايرانية كانت تعتمد دائما ستراتيجية المواجهة وليس ستراتيجية الاسترضاء ، كما تفعل اغلب الدول ودول  المنطقة. وايران لم تخفي يوما طموحها لنفوذ اوسع وتدخل اكبر  في شؤون بعض دول المنطقة، ولم تغلف ذلك باي تمويه. وواصلت سياسة التمدد اينما امكن ذلك، بامتداتها العقائدية والعسكرية، والاقتصادية. واثبتت ذلك عمليا ، منذ زمن اوباما. وقد وجدت دائما، مستفيدة من نقاط التقاء المصالح، تفهما او  او تغاضيا، امريكيا وغربيا، دع عنك روسيا والصين، واغلب الدول الاقليمية.
هذه الرغبة والسياسة الايرانية في التوسع والنفوذ في المنطقة، لم تتفق فقط مع رؤية وسياسة اوباما، (التي قابلها بالتغاضي، ان لم يكن التشجيع والدعم). وانما مع رؤية  ترامب ايضا ، الذي اعلن مرارا عن استعداده لتفهم دور خاص لايران في المنطقة. فالموقفان ينطلقان  في الواقع من رؤية استراتيحية واحدة، باختلاف الوسائل.
التخلص من اعباء وتكاليف حروب الشرق الاوسط، ولاسيما بعد ان تناقصت الحاجة لنفط المنطقة، هو هدف توحد فيه اوباما وترامب. وهو مطلب شعبي امريكي ايضا. وايكال امر حل نزاعات المنطقة،  الى دول قوية وذات ثقل اقليمي ودولي في المنطقة (كتركيا وايران واسرائيل ومصر والسعودية) ، حتى وان تمت بمشاركة اوربية روسية، (فهذه الدول يجب استنزافها في هذه النزاعات)، انما هو جزء من هذه  الستراتيجية الامريكية للمنطقة، المطروحة منذ زمن كلينتون. املا في تخفيض تكاليف، التاثير او الهيمنة والتحكم، في شؤن المنطقة.
هذا التحول الاستراتيجي في الرؤية الامريكية، له اسبابه الموضوعية، المتعلقة بتغيرات في بنية واليات الاقتصاد الامريكي  (ليس هذا مجال الخوض فيها). وهو ينطلق من عامل هام آخر، يتعلق،  بالاقتصاد الصيني الذي يشكل تهديدا استراتيجيا على مستقبل الاقتصاد الامريكي. كون الاقتصاد الصيني، قادم لامحالة خلال عقد من الزمن، على انتزاع عرش الاقتصاد الاول في العالم. ولذا فانه اذا كان لابد لامريكا من خوض حرب حاسمة فستكون، مع الصين.

و لكون ايران الدولة النفطية الوحيدة، خارج سيطرة النفوذ الامريكي، وتحكمه بنفط المنطقة، يمكنها ان تلعب دورا في توفير النفط للصين، في حالة اشتداد الصراع الامريكي الصيني (الاقتصادي ام العسكري).
هذا ما يمنحها اهمية ستراتيجية، خاصة. لذا لازالوا يطمحون في كسب ايران الى خندقهم، وابعادها عن الخندق الصيني الروسي.(حتى الحصار على روسيا،  المستمر والمتصاعد، منذ سنوات، هو ضمن هذه الرؤية الستراتيجية الامريكية. فالولايات المتحدة لاترى تهديدا ستراتيجيا غير الصين).
وايران بالرغم من قوتها الاقليمية، لا تستطيع ان تشكل ولم تشكل حتى الان تهديدا حقيقيا او عرقلة جدية للمصالح الامريكية ونفوذها في المنطقة. فحتى حينما تم ضرب مواقع نفطية سعودية، او مهاجمة بواخر وسفن في خطوط الملاحة الدولية، لم يتغير الموقف الامريكي عمليا،  مادامت المصالح الامريكية تتحقق، والامدادات النفطية، وطرق التجارة والملاحة الدولية، لم تهدد.
لذا الصراع مع ايران، لايراد له، ان يتجاوز سقفا  غير مرغوب بتجاوزه. و لذلك اسبابه المنطقية بالنسبة لكليهما ايضا. فالاستثمار الايراني في مشروع الاسلام السياسي والانقسام والتقسيم المكوناتي والطائفي، في هذه الدول، تم بتوافق وقوبل دائما ولازال، بدعم اوتفهم او تغاضي، امريكي غربي اضافة الى روسيا والصين، ودول اقليمية.
ولكن الاجندات الامريكية الايرانية ظلت حاسمة ، في توافقها او تعارضها. والحاجة للاتفاق والتفاهم يينهم ، الذي جرت تجربته ، سنوات وفي مناسبات عدة، لازالت قائمة، رغم ان نتائجه لم تكن ايجابية، على اوضاع هذه البلدان وعلى استقرارها، سياسيا او اقتصاديا او امنيا.

فالدور الايراني في العراق والمنطقة، ظل مقبولا امريكيا واوربيا(ولازال) كما تشير الحقائق على الارض، مادام انجاز اتفاق نووي جديد مع ايران مطلوبا كاولوية، تتقدم على اولوية المصالح الوطنية للدول التي يجري فيها الصراع.

اذن ما حدى مما بدى؟ لماذا كان الدور الايراني، مقبولا، حد التفاهم التام سابقا، و لم يعد مقبولا  الان.؟ هل ان الولايات المتحدة، اكتشفت الان فقط، الطابع السلبي للدور الايراني في العراق والمنطقة؟ ام ان تحولا حقيقيا في السياسة الامريكية، قد حصل، بسبب الادارة الامريكية الجديدة،.. بعد فشل محاولات الاحتواء والضغط، وسياسة الرهان على نهج تقاطع الاجندات و التوافق، على المصالح والنفوذ مع ايران، في تعديل السياسة الايرانية في المنطقة... ولهذا باتت اليوم مصممة، على انهاء هذا الدور والنفوذ في المنطقة؟.
هل يمكن ان تكون الرؤية الامريكية الجديدة، باتت تنطلق اليوم من انحياز اخلاقي لاولويات الشعوب والمصالح الوطنية لهذه الدول ( ايران، العراق، لبنان، سورية، اليمن، ليبيا)؟..وان التقاء  بين مصالح المشروع الامريكي بالمشروع الوطني في هذه البلدان.. قد حصل. بحيث باتت،  قضية السيادة والاستقلال والسياسة الوطنية او نزعة التغيير الجذرية، التي ميزت الحراك الاحتجاجي،  في العديد من هذه الدول، لا تشكل تهديدا للسياسة والمصالح الامريكية في المنطقة؟

الاسباب المعلنة الحالية ، والمغلفة باطار اختلاف سياسات ان هي الا ذرائع، تحاول ان تخفي صراع وتناقض ستراتيجيات، وفي اطارها العالمي بالاساس، حتى وهي تتجلى في اطار دولة او اقليم .
فهذا الصراع بين دول المنطقة، هو في احد اوجهه، صراع على الاسواق، بين راسماليات ناهضة مالية او انتاجية ، في هذه الدول. وهذا امر لا يشكل تهديدا  للمصالح الراسمالية الدولية والامريكية خصوصا، التي تعتمد على، تصدير راس المال، عبر  قطاعات عالية التكنولوجيا، احتكارية، او عبر الية الاقراض المصرفي والية صندوق النقد الدولي، كالية مضمونة العوائد، بحكم القوة العسكرية للدول التي تحميها، وبفعل نفوذها وهمينتها على القرار الدولي.
وهذا لايشكل تهديد جوهريا للمصالح والسياسة الامريكية وحلفائها والقوى الدولية المؤثرة ، الا بمقدار  سعيها، على تحقيق توازن، في الحافز المجزي لراسماليات المنطقة المتصارعة فيما بينها.
وادخال المنطقة في نفق ثقافة وسياسة المشروع الطائفي، من قبل دول معينة في المنطقة، هو في الجوهر، تغطية على حقيقة هذا التنافس بين راسماليات دول الاقليم، سواء كانت راسمالية صناعية ام ريعية او طفيلية ام كومبرادورية متزاوجة براس المال المالي العالمي.
توسع النفوذ والتهديد الايراني وسياساته في المنطقة ، ليس بدون منافع للسياسة الامريكية. فقد كان مناسبة لابتزاز مالي لاغلب دول الريع النفطي، وسياسي وعسكري لاغلب دول المنطقة، والخاسر الوحيد، من هذا الصراع ، هو شعوب واقتصادات دول المنطقة.
 
وبهذه القراءة يسهل فهم ، سياسة الدعم او التغاضي عن المنزلق الطائفي في المنطقة، دعمه وتغذيته تارة وفي مكان معين، وتعريته ومعاداته تارة اخرى او في مكان آخر، مادامت الاهداف الاستراتيجية لا تصطدم بما يعرقلها.

اذن آفاق هذا الصراع الامريكي الايراني، ستبقى مرهونة بهدف تحقيق اتفاق نووي جديد، يضمن موقعا جديدا لايران، في خارطة الصراع الامريكي الصيني، وخروجها من هذا الحلف الروسي الصيني. وايران تدرك جيدا ذلك.
وتعرف ان احتمال و سقف المواجهة العسكرية، سيبقى منخفضا ، وبحدوده وساحاته الاقليمية. حتى في سوريا والعراق واليمن. ولهذا تتصرف بقوة وثقة وابتزاز، مع الامريكان وترفع سقف مطالبها.