وباء coronavirus حاصل كذبة الرفاه الذي وعدوا به

ـ 1 ـ
"إلزموا بيوتكم ... علينا التفكير في الصالح العام" هكذا خاطب رئيس الوزراء الإيطالي الايطاليين قبل أيام تصعيدا للحملة التي تهدف إلى وقف انتشار فيروس كورونا في إيطاليا. ماكرون رئيس فرنسا من جانبه أيضا خاطب أمس الشعب الفرنسي بقوله "مواطني الأعزاء يجب أن نضع المسألة الجماعية فوق مصالحنا الشخصية...هذه هي قيم التعاضد والإخاء التي فوق كل القيم الأخرى... إنه يجب أن نعتمد تنظيما جماعيا جيدا ..." تصريح رئيس إيطاليا وتصريح ماكرون لا يختلفان في شيء عمّا دأب على التصريح به مسؤولو الحكومات والدول ولوبيات رأس المال كلما استشعروا أن إمبراطورية رأس المال على حافة أزمة عميقة قد تنتهي بها وبكل أنظمتها إلى الهاوية.
"لنفكر في الصالح العام" هذا ما يدعو إليه أصحاب النفوذ والمال وحراس إمبراطورية العولمة الرأسمالية اليوم في مواجهة وباء فيروس كورونا ولكن الحقيقة هي في جانب آخر تماما ولا أحد منهم يمكنه الاقتراب منها أو الحديث فيها وهي أن الكارثة التي تحدق بالإنسانية اليوم هي من صنعهم هم وتدبيرهم هم وجراء تهرئ نظامهم .
منظمة الصحة العالمية بورصات نيويورك وطوكو وباريس وشركات تصنيع الأدوية وخبرائها وشركات تصنيع الأسلحة ومخابر البحوث الزراعية ومخابر الأدوية وكل الأنشطة المتصلة بغذاء وصحة المليارات من البشر هي المسؤولة عن هذه الكارثة. هذا ما يصمتون عنه ويغمضون عيونهم دونه ولكنهم زمن الكارثة وحين يصير نظامهم على حافة الهاوية يهرعون إلى الحديث عن الإخاء وقيم الإنسانية والصالح العام.
ستقتل كورونا الملاين ولكن لن تقتل أنظمة الموت التي سيواصلون ترميمها ...
ستقتل كورونا الملايين ولكنها لن تفرغ أرصدتهم التي ستعود لتمتلئ ما أن يزرعوا في السوق دواء مضادا لها.
ستقتل كورونا الملايين ولكن مهمة إرساء نظام "الصحة للجميع" سيبقى كلاما تردده منظمة الصحة العالمية ويردده أباطرة رأس المال في كل مكان شحنات يستهلكها المقهورون الحالمون بعالم يعيشون فيه إنسانيتهم.
ستقتل كورونا الملايين ولكن سيبقى فائض القيمة وتبقى أنظمة التأجير العبودية وتبقى استراتيجيات الهيمنة والقمع والقهر ستبقى الحرب ستبقى البورصات وستبقى شركات تصنيع الدمار الشامل بكامل عدّتها.
ستقتل كورونا الملايين ولكنهم سيستمرون سادة هذا العالم الذين بيدهم مصير هذا الكوكب.
ستقتل كورونا الملايين ولكن سيستمر نظام الهمجيات في السيطرة.
الكارثة اليوم لم تعد مسألة متوقعة... لا ... إنها صارت حقيقة نشهدها ونعيشها وتسحقنا وتسحق وجودنا
لم يعد الأمر متعلقا بمسألة فيها أخذ ورد ونقاش لقد صارت الكارثة أمرا واقعا ولابد لها من حلول... حلول لن تأتي بالضرورة من امبراطورية رأس المال بل من ضحاياها: الأربعة أخماس أو أكثر من البشر الذين على وجه الأرض ولصالحهم.
المسألة اليوم صارت في المقاومة من أجل الصحة للجميع من أجل الحق في حماية النظام الأيكولوجي من الدمار الذي يتقدم نحوه من أجل رفاه مختلف عن رفاه أنظمة السوق وأنظمة الربح والمضاربة.
ـ 2 ـ
ذكر صاحب كتاب "نظام التفاهة "أن السوق يعمل الآن من دون تدخل من العقل البشريّ إنه يحرك من قبل خوارزميات تقوم بعملياتها خلال نانو ثانية (أي واحد على بليون في الثانية) وهو أمر يمكن معه أن يتحقّق الخطأ بطريقة خارجة عن السيطرة..." ويذكر في معرض حديثه ذلك الخطأ الذي حدث فجأة في أوت 2012 حينما كانت شركة Capital Brokerage تستخدم خوارزميات لأغراض تجريبية بغرض محاولة فهم كيف سيتصرّف السوق في حال قام متعامل فيه بالتصرّف فجأة بطريقة عصبية وكيف أن هذه الخوارزميات عوض أن تعمل بالشكل التجريبي الذي خطط لها باشرت العمل بشكل حقيقي في بورصة نيويورك واشترت أسهما عندما بلغت أعلى قيمة لها ثم باعتها عندما وصل سعرها إلى أدنى سعر وتسببت في خسارة للشركة قيمتها 180 دولارا في الملّي ثانية أي 11,8 مليونا في الدقيقة وذلك في مدة استمرت حوالي خمس و أربعين دقيقة.
انتشار وباء كورونا اليوم يقوم تقريبا بنفس الشيء ولكن ليس في حيز محدود كما كان الشأن بالنسبة لخوارزميات شركة Capital Brokerage إنه يشمل بفعله ليس الاقتصاد فقط بل كل الأنشطة الإنسانية والإنسان نفسه ولن يقتصر الأمر على فيروس كورونا بل إن أنظمة أخرى كثيرة أنتجها وطورها ويتحكم فيها ذئاب السوق يمكن أن تنطلق من عقالها بالخطأ المحتمل أو عبر تبيرهم وتدمّر كل شيء وعلى رأسها منظومة حروب الردع النووية وكذلك منظومات التعديل الجيني للأغذية ومنظومات التخصيب والمبيدات الزراعية ومنظومات أخرى كثيرة
ليس مستبعدا أن تكون الأزمة التي يهيئ لها فيروس كورونا قد أعدّت مسبقا لتفادي أزمة أعمق لنظام الذئاب خصوصا وهم يعلمون أن منظوماتهم صارت في طريق مسدود وقد تنفجر وتنسف نفسها وتنسفهم. فأن يأتي فيروس كورونا على الملايين وأن يدمر بعض القطاعات والأسواق ويطيح ببعض الاستراتيجيات ويفند بعض المقولات سيكون ذلك في كل الحالات أسلم ألف مرة بالنسبة لهم من أن تقود الأزمة إلى فقدانهم السيطرة على المارد الذي يروضونه فيحطم نفسه ويحطمهم.
سابقا كانوا يصطنعون الحروب للتمديد في حياة المارد لكن الحروب اليوم صارت مكلفة جدا ونتائجها ليست دائما مضمونة أما وقد طوروا حروبا من نوع جديد فلما لا يقع تفجيرها واستثمار نتائجها ليستمر المارد على قيد البقاء ويطور أساليب وطرق جديدة ويكون ثمن النجاة حرب متحكم فيها خير من كارثة ماحقة لا حدود لها.
هذا هو نظامهم وهذه هي حضارته وهذا هو تقدمهم وهذه هي استراتيجياتهم وهذا هو الرفاه الذي يعدون به: الأوبئة والجراثيم والموت المبرمج للأغلبية.
ـ 3 ـ
"لا يوجد شيء اسمه بلد فقير يوجد فقط نظام فاشل في إدارة موارد البلد" قول نعوم تشومسكي هذا يلخص كل المسألة اليوم. يضع الإصبع على موضع الداء. يسمي الأشياء بأسمائها. يوضح دون لبس ما نحن فيه وما يجب علينا فعله.
ما ينتج اليوم على الكرة الأرضية هو أكثر بكثير مما يكفي حاجة سكانها ولكن نسبة كبيرة منهم لا تظفر بشيء من هذا الذي ينتج لأنه بكل بساطة لا يذهب إليهم بل يذهب لسادة العالم من المحتكرين والمضاربين الذين يعنيهم عرض أقل وسعر أكبر وهذه باختصار شديد نظرية السوق أو نظرية تعميم التفقير أي تركيز الثروة لدى أقلية وتعميم الفقر والجوع والمرض على الأغلبية الساحقة.
نظرية "السوق هي المحدد" هي بالضبط التحقق العملي للنظام الفاشل في إدارة موارد البلد ولتوزيع الفقر بصورة عادلة بين أغلبية من ينتجون ولا يملكون بل التحقق العملي لاستيلاء الأقلية على حقوق الأغلبية.
ليس نظام الملكية وحده المسؤول عن هذا النزع وعن هذا الخراب الذي انتهت إليه البشرية اليوم بل إن نظرية السوق تعاضده وتجعل منه النظام الذي لا يقوم إلا على توسيع الفوارق بين من ينتجون ولا يملكون وبين من يملكون ولا ينتجون.
المسألة اليوم وفي كل البلدان صارت متعلقة بكيف تدار موارد البلد ومن يدير هذه الموارد والصراعات الحالية والقادمة ستكون كلها على هذا المحور. ونظام رأس المال سيعرف نهايته لما تتمكن الأغلبية من الانخراط الواسع في تدبير شؤونها دون وساطة الأقلية اللصوصية التي سادت عبر كل التاريخ وانتزاع ثرواتها ومواردها وكل وسائل الإنتاج منها.
حروب قرننا ونزاعاته الإقليمية والمحلية والدولية كلها ستؤطرها هذه القاعدة. حروب الماء حروب الطاقة الحروب على الموارد والثروات صراعات السيادة على القرار وعلى التخطيط وعلى الإنتاج وعلى التوزيع...
وحتى ذلك التاريخ ستدفع الإنسانية في كل مكان المزيد المزيد من الضحايا مقابل محاولات الأقلية ترميم نظام العبودية الحديث نظام رأس المال...
وباء الكورونا سينتشر وسيقتل الملايين وضحاياه لن يكونوا سوى نفس الضحايا مثلما كانوا طيلة تاريخ حروبه: الفقراء في كل مكان الطبقات المنهوبة الأغلبية المبعدة بآليات نظام الرق الحديث عن تدبير شؤونها. ستفعل الكورونا فعلها في الأغلبية لأنها مبعدة مقصية عن إدارة مواردها مبعدة عن التخطيط مبعدة عن تقرير مصائرها.
سيعسكرون كل شيء سيجعلون الناس يلزمون بيوتهم سيوهمونهم أنه بذلك إنما يطبقون أسلم الطرق لمكافحة الوباء وإبطاء انتشاره سيوهمونهم أيضا أنهم هم المسؤولون عن إصاباتهم وموتهم لأنهم لم يطبقوا وصفاتهم ولكنهم سيسكتون على أنهم لا يوظفون سوى نسبة قليلة قليلة جدا من الأموال التي سرقوها من عرق الأغلبية لمكافحة هذا الوباء. سيسكتون على أنهم المسؤولون على تدمير الشأن الصحي. سيسكتون على أنهم المسؤولون على تحويل الصحة لميدان مقامرة لرأس المال...
سينسحبون أخيرا إلى مستعمراتهم ومحمياتهم تلك القصور الكبيرة التي بنوها في ضواحي مدن الملح ولن يطولهم الكورونا وحتى إن طال البعض منهم فالمصحات الخاصة تحت تصرفهم ولن يكلفهم ذلك سوى بعض عرق المقهورين الذي راكموه في أرصدتهم طيلة عقود.
الكورونا في كل الأحوال ستكون كورونا طبقية ستنتشر وتتكاثر في الأسفل ستحصد أرواح من هم في القاع.
من هم في القاع هم ضحاياها الأكثر عجزا عن مقاومتها أما سادتهم في الفوق الفاسد فلهم ما يكفي من الوسائل للنجاة منها. هكذا كانت تدار الأمور دائما إنها أغلبية المقهورين من تدفع الثمن باهظا في كل مرة ليستمر سادة العبيد الحديثون في زرع الموت والجوع والخراب في كل مكان.
ـــــــــــــــــــ
15 مارس 2020